أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سميح قرواني - نظام الاشد والكاسورة














المزيد.....

نظام الاشد والكاسورة


سميح قرواني

الحوار المتمدن-العدد: 4059 - 2013 / 4 / 11 - 09:46
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في أواخر السبعينات عندما كانت سوريا تتجه إلى فاصل دموي بين الأخوان والنظام السوري، كنت أعمل في مشروع توسيع السماد الأزوتي في حمص أيام العطلة الصيفية المدرسية. كنت أرى المئات من العمال تدخل المصنع والمئات تخرج منه. ولما كانت الصداقة والمؤازرة ناضجة بين النظام السوري والكتلة الشيوعية، كثرت الشركات الرومانية هناك. والقليل من الشركات الفرنسية. كنت أعمل في احدى محلات الحدادة . تلك الفترة كانت من الفترات السعيدة لأنها بعيدة عن جو الدراسة. وبشكل يومي يأتي إلى المحل فرنسي ومعه مخطط يريد أن نصنعه له ونفصله. والشيء الوحيد الذي يتواصل به عمال الحدادة مع الفرنسي، هو المخطط. كنا نحن نتواصل أكثر مع المهندسين الرومان لأنهم كانوا بسطاء وفقراء مثلنا. يتكلمون كثيراً معنا دون أن يفهم احدنا على الآخر أي شيء. ولا أعرف من أين تعلموا كلمة ليست عربية فصيحة هي كلمة (كاسورة). ففي كل مرة يريدون أن يعبروا عن الغلط في شيء أو عطالته، يقولون ( هازا كاسورة) ونفهم نحن عليهم ونضحك. والغريب في الأمر أن هؤلاء الرومان أول ماتعلموا في اللغة العربية بالاضافة إلى الكاسورة هذه، تعلموا الشتائم بكل أنواعها. فما إن يغضبوا من احد هناك حتى يوجهون له شتيمة بالعربية. فتنشب عركة لاتهدأ حتى نتدخل ونفك بينهم. وحدث الذي لايحمد عقباه بيننا وبين أحدهم، وكان هو صديق لنا، إذ جلب لنا ورقة وفيها مخطط بدائي لمكعب من الصاج وطلب من زميلنا عثمان أن يصنعها. وانهمك الرجل في صناعة المكعب. ثم أتى الروماني وأخذها ثم عاد بعد دقائق مسرعا غاضبا يثرثر بالرومانية. اقترب الروماني من زميلنا عثمان ورمى المكعب على الأرض وصرخ حتى سمعه كل من كان في المنطقة .. هازي كاسورة ( أي عاطلة). وحاول زميلنا عثمان الهادئ أن يفهم تلك الكاسورة، فحملها ونظر بها بتمعن وسأل: أين الكاسورة. فأشار الروماني على أنها قصيرة وليست حسب المخطط. وأخد يصرخ بالرومانية ولانفهم منه إلا تلك الكلمة التي كررها أكثر من مئة مرة. ولما وجد زميلنا الهادئ عثمان كل هذا الهجوم عليه، رمى المكعب بالأرض وقال بحنق: كاسورة التي تكسر رقبتك. وحفاظا على صداقتنا وعدم التهورمعنا، لم يشتم الروماني بالالفاظ النابية. لكنه هجم حتى أصبح قبالة عثمان وصرخ : أنت كاسورة.. وهافز اشد (حافظ اسد) كاسورة. أنتم كلكم كاسورة. وبعضنا فهم هذه الهافز اشد. لكن بعدما باشرت الأيدي باللطم والأرجل بالرفس بين الروماني وزميلنا عثمان. وتراكضنا نحن نفك بينهما ونهدئ الأنفس. فقال المعلم بعد أن تدخل موجهاً كلامه للروماني وعثمان مبتسما: والله أنت وعثمان كاسورة. وانخرط الجميع بالضحك. لكن خرج صديقنا الروماني وبدلته العمالية قد انخلع كل ازرارها. وتمزق القميص الداخلي. وصرخ يومها المعلم: ياولد أعمل شاي للروماني. وجلس الروماني حانقا، لكنه حالما تبسم وثرثر كأنه يعتذر من عثمان. وفهم عثمان ذلك، فقام وقبله .
لكن قبل أن يغادر الروماني، سألته: هل قلت أن حافظ أسد كاسورة.؟ فقال حانقاً: أشد (أسد) كاسورة .. نيكولاي تشاوشيسكو كاسورة. فسألته مخفضا صوتي: ألا تحب تشاوتشيسكو؟ فقال نو. وأنتهي الحديث عند ذلك الحد. لكني كنت أعرف أن معظم من كان هناك فهم على الروماني لكنه تمثل عدم الفهم عندما قال أن حافظ أسد كاسورة. علقت في ذاكرتي تلك الكلمة (كاسورة). هذه الكلمة من الممكن أن توصل أي سوري إلى السجن أو حبل المشنقة بتلك الفترة. وكان يغالبني احساس وأسئلة مثل إذا كان حافظ أسد وتشاوشيسكو كاسورة ، فلماذا هما باقيان رغما عن الأوطان! وعندما تهاوى الاتحاد السوفيتي وأمسكت اللجنة الثورية برقبة تشاوشيسكو وزوجته الحديدية ألينا واعدمتهما، تذكرت كلمة الروماني في نيقولاي بأنه كاسورة. وأحسست بالشماته والحبورعندما شاهت الفيديو القصير لمحاكمة تشاوشيكو واعدامه. رجل مستبد يلقي مصيره. لكن نحن العرب استمرت الكواسير عندنا طويلا حتى أتت ثورة تونس لتزيح الكاسورة (زين العابدين) ثم حسني مبارك ثم القذافي ثم علي عبد الله صالح. وعرفت أن التاريخ لايرحم ولا يختزن لسوريا استثناءات. حتى بدأت الثورة السورية ضد كاسورتها ومازالت. وتعلمت من خلال قراءة التاريخ ورقيّا وعيانيا أن الكاسورات ( حسب تعبير صديقنا الروماني) لايمكن أن تستمر لآنها ببساطة خارج إطار الزمن والتاريخ.






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- -تبتسم- و-تغمز-.. صور مرحة توثق جانبًا غير متوقّع لطيور البو ...
- المؤثّرة الافتراضية ميا زيلو -تخطف- الأضواء في لندن وتُربك ا ...
- شاهد.. عملية إنقاذ لشخصين من قارب صيد تندلع فيه النيران بالك ...
- تجدد الاشتباكات والقصف الإسرائيلي في السويداء، والعشائر السو ...
- بعدما وصفها بـ -القمامة-.. ترامب: كوكا كولا وافقت على استخدا ...
- ردًا على التهديد بفرض عقوبات جديدة.. إيران: الأوروبيون لا يم ...
- دمشق تتهم مقاتلين دروز بخرق الهدنة في السويداء وأنباء عن اشت ...
- إسرائيل تأسف لقصف كنيسة في غزة بـ-الخطأ- وباريس تندد
- مائة عام على كتاب هتلر -كفاحي- - أفكاره لا تزال تتردد
- ضخ إعلامي كبير بتجدد الاشتباكات الدامية في السويداء.. ما حقي ...


المزيد.....

- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي
- زمن العزلة / عبدالاله السباهي
- ذكريات تلاحقني / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سميح قرواني - نظام الاشد والكاسورة