أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الخياط - دهشة إمرأة صينية















المزيد.....

دهشة إمرأة صينية


عادل الخياط

الحوار المتمدن-العدد: 4242 - 2013 / 10 / 11 - 13:44
المحور: الادب والفن
    


دهشة إمرأة صينية

عادل الخياط

في معهد تدريسي قابلتها فأخذت تهرج أمامي بمفردات عربية , أو بشكل أدق : كلمات عراقية مزيج من الشعبية والفصحى , مثل : مترسة من تين - مدرسة من طين - , مترسة من تنك , تنور , مهبز - مخبز - , متال - مطال - , , هزب - حزب - , امامة - عمامة - , روزهون - روزخون - , أباية - عباءة أو عباية - , سمون - صمون - , كاهي , سمك , شاي , قهوة - كهوة - .. وغيرها الكثير من المفردات .. لكن لحسن الحظ وبحمد الله , لم أسمع منها حكومة إسلامية أو ولاية الفقيه أو أي شيء من هذا القبيل .. حينها توقعت إن الشخص الذي لقنها تلك المفردات علماني وليس من لفيف الظلام .. ثم إزداد يقيني بذلك من خلال ثنايا الأحاديث الأخرى .

كانت سعيدة على نحو غريب , فلقد إعتقدت إنها تلقفت لغة أخرى غير الصينية التي هي لغتها الأم بالإضافة لـ الإنكليزية وأخيرا العربية من خلال " مترسة من طين وسجن من صفيح , ولذلك فقد كانت تود التعرف على عديد أخرى من المفردات وعوالم مدارس الطين وسجون الصفيح الفرنية , والصمون والخبز والمسكف على سواحل دجلة أبو نؤاس .

في البدء أيقنت إن الشخص الذي لقنها تلك المفردات ليس من الإسلاميين الذين يركزون في حالات مثل تلك - لقاءاتهم بأشخاص من جنسيات أخرى - على مفردات من قبيل : جامع , شيعة , سنة , مرجع ,حسينية .. وغيرها من المفردات المقترنة بالدين أو المذهب لا غير والتي تتلبس حياتهم وكياناتهم بغرابة قد تتخطى كل غرائب الجنس منذ فقاعة التكوين الأولى !.. رغم ورود كلمات مثل : روزخون أو عمامة , إذ يبدو إن المُلقن كان قد ذكرها كإيحاء للسخرية .

دارشت نفسي : كيف أبدأ مع هذه المرأة التي تعود براءتها إلى أزمنة الفطرة الأولى .. فقلت سوف أبدأ معها من خلال أصناف الطعام , إعتمدت في ذلك الإعتقاد على تجارب عن مجاميع الصينيين في المدارس عندما كانوا يصرون في المناسبات على تذوق طعامهم الذي ليس بحاجة لهكذا إعلام , فإنه ذات صيت كبير في الولايات المتحدة وكندا.. غير أن تلك المرأة أصرت على واقع آخر , فلقد عاودت التساؤل عن المزيد من المفردات العربية مع تأكيد أكثر على محاولة فهم الواقع الثقافي والإجتماعي للعراق الآني !! .. أيضا ومرة أخرى لم يتخذ الإنطباع إتجاه آخر غير رغبتها القوية في تعلم لغة الضاد , الرغبة هي التي تدفعها لفعل ذلك وليس إستكناه شيء آخر .. لكني سخرت من تعلم لغة ما بتلك الطريقة الساذجة .. وبعد أخذ ورد معها إتضح إنها لا تبغي ما كنت أنا قد توقعته, فقد وعدتني بأنها سوف تجلب مترجما معها في اليوم التالي لهذا الغرض .. وبالفعل أحضرت في اليوم التالي المترجم خصيصا لهذا الغرض , مترجم عربي صيني , لكي تفهم بالضبط عوالمنا العربية , وبالأخص العراقية !

الذي افهمه ان الصينيين أناس عمليين أكثر مما هم جدليين , حتى إن عمليتهم وما ألاحظه من نشاطهم المتوثب يحدوني دوما إلى توصيفهم ببشر آليين !!.. لكن يبدو أن تلك الصينية حديث الموضوع من مِلة أو بلد المليار والنصف الذي لا نكنه تفاصيله والذي من ضمنه بالتأكيد " مو يان " الحائز على جائزة نوبل .
إبتدأت تلك الصينية برفقة مترجمها بشرط جزائي وهو ان تكون إجاباتي وافية شافية دقيقة وكأننا تحت قبة قضائية , قيامة للفصل والحد والمصير .. قلت لها بمزاح : إسمعي سأحكي لك شيئا أو أشياء وعندما ينتابني الملل من الحديث سوف أتركك ومترجمك إلى الجحيم "
فقالت : لن أفك منك , أنت يوميا قبالتي في الفصل التدريسي , لن تستطيع الهرب ."

قلت لها : هات ما عندك ؟
: ماذا تعني مدرسة من طين او من صفيح ؟
: ولماذا , ألم يشرح لك الذي علمك مفردات العربية , ماذا تعني ؟
: لا , لم يفعل .
: طيب , مدرسة من طين تعني من طين , الطين يعني تراب وماء , والصفيح هو الصفيح الذي نصنع منه الكثير من الأشياء , قواطي البيبسي والكولا وغيرها من صفائح العصير وغير العصير .."

ولكونها ليست ساذجة فقد ردت : أين المشكلة , أين الأهمية في جوابك , الطين هو نفس الطين والصفيح أيضا , الذي أريد أن أفهمه هو عنصر غير مفهوم في مدرسة الطين والصفيح , قد أكون أفهم بعض الملامح , لكنك الأجدر بتوضيح الغموض .

قلت : يبدو انك بالفعل على درجة عالية من الفضول والتمعن , لكن إذا كنت بتلك النباهة والرصد , ألم تفهمي ماذا تعني مدرسة الطين أو الصفيح ؟
الصينية : ومن قال لك اني لم افهمها , فمن الممكن أن تعتبره تمويها , أو ربما أحتاج أن أسمعها على لسانك أنت صاحب الأمر .
قلت : إذن أنتِ تفهمينها , خانك ذكاءك هذه المرة , كيف تفهمينها , الكُرة الآن في ملعبك , أنا الذي يسأل : تفهمين ماذا ؟
الصينية : ليس بهذه السهولة , أفهم الذي أفهمه , لن تكون الكُرة في ملعبي , أنا إنسانة من بلد آخر , شدني الفضول نحو بلدك , لو كنت أنت صاحب الفضول عندها فقط ستكون الكُرة في ملعبي , هل تفهم ؟

لم تكن سهلة , أيقنت عند ذاك ان تلك المرأة ليست سهلة بالمستوى الذي تخيلت .. لكن تريد أن تفهم ماذا ؟ تحدثت عن اعتقادها المضمر عن مدارس الطين والصفيح, إلى ذلك أنا لست مستعدا للدخول في سخافات عن ماهية البلد الفلاني والعلاني .. هذه المرأة تطمح ان تفهم اشياء خارج نطاق معرفتي .. صحيح أنا تعرضت للسجن وشُردت , لكن رافق كل ذلك عملية هدم لنفسيتي , وما أطمح إليه الآن هو العيش بسلام بعيدا عن تداعيات ذلك الماضي , أما إن هذه المرأة تريد أن تنكأ الجراح لمجرد فضول سخيف , هل أنا حقل تجارب لطموحها .. حقل تجارب لطموح داهمني فجأة من إمرأة فاغرة الحلق والمنخر لإستنشاق رياح القبور وملاحق الموت والخراب وماذا تعني مدارس الدين أو الطين والصفيح ؟!

فقلت لها : يا سيدة , هل تفهمين اللعنة , هل طرأت على عقلك لعنة من نوع ما .. هذا البلد على مدى تاريخه لعنات في لعنات , وبالنسبة لي لا يهمني لعنات هذا البلد , الذي يهمني هو اللعنة التي حلت علي من لعناته هذه , ربما لو لم تحل لعناته علي لم أكن أعبأ به وبتاريخ خرابه وتألقه المزعوم .. هذا البلد الذي أنتِ تريدين حقيقته ..
فقاطعتني : نحن نتحدث عن مدارس الطين والصفيح , فما علاقة اللعنة بذلك ؟
أكملت : أنت تفهمينها أليس كذلك ؟ قلتِ تريدين أن تقتنصي الغموض الكامن خلف مدارس الطين والصفيح , ألم تقولي ذلك , لا أفهم , هل أنتِ ذكية جدا أم ساذجة , أم تتغابين ؟
الصينية : نيرفس , أنت الآن نيرفس , وعندما تكون كذلك لا أستطيع أن أفهم شيئا منك , والعلة بي , كان المفروض أن أفهم ..
قاطعتها : تفهمين ماذا ؟
الصينية : لا أدري , يُقال عنكم العراقيين شديدي التعصب !
قلت : قلت لك قبل لحظات , أنتِ تفهمينها , لكن ألا ترين إن المراوغة في الحديث يُعتبر نوع من الخداع , فما الداعي إلى المراوغة..

وبين المراوغة والجد غادرت , وتركت المدرسة إلى مركز تعليمي آخر وحلفت ألا أشير أو أتغابى عن ماهية مدارس الطين والصفيح في العراق الجديد .



#عادل_الخياط (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حسن العلوي يؤرخ خارج إطار التاريخ
- من هو الذي رمى الحذاء على سيارة - روحاني - ؟
- هاجس شعبي عراقي يقول : آه لو تصل ...
- المالكي وتكوينه الشيعي إختزلوها ؟
- رسالة دفع للرئيس - عُمر البشير -
- جون مكين - يبكي : لو كنت مكان أوباما !
- كيف إستفحلت الطائفية في الثلاين سنة الأخيرة -
- آخر معايير الدوبلوماسية : المالكي والعلواني !
- إيران والخطوط الحمراء !
- دعوة إلى السيد - الجعفري - إلى الإستقالة والتوجه نحو الفلسفة ...
- هل - مرتضى القزويني عراقي - ؟
- آخر - صلافات - المالكي : صعوبة القضاء على الإرهاب !
- أيها السيسي , إنها لحظات التاريخ الفارقة
- ما هو سر تكالب الحمير والفيلة على الملف المصري ؟
- حكومة المالكي وأمريكا أين المصير؟
- صُحف بريطانيا مُفعمة بالعاطفة ! Mum I Love you .. 2
- الصحف البريطانية تؤمن ب - Mum I Love you
- السيسي يقفز بخطوات تتحدى الهرِم العتيق
- المصريون يستنجدون - موعظة البشيتي - !
- رسالة تعزية إلى صدر الدين القبانجي


المزيد.....




- تحولات الهوية الثقافية الكردية في سوريا.. من القمع إلى التأص ...
- سوزان بريسو تروي عن طه حسين الذي غيّر حياتها وألهم العالم
- -كانت تدغدغني-.. شاهد حشرة تزحف على جينيفر لوبيز خلال عرضها ...
- سوزان طه حسين: الحب الذي أضاء ظلام عميد الأدب العربي رغم اخت ...
- فنان سوداني لاجئ يصرخ في وجه العالم.. -لماذا يهملوننا-؟
- رواية كردية شهيرة
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز ...
- وزيرا الثقافة والعمل يتفقدان البلدة القديمة من الخليل
- رحيل المخرج والكاتب المسرحي التونسي الفاضل الجزيري عن عمر نا ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عادل الخياط - دهشة إمرأة صينية