أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - السيد نصر الدين السيد - زمن الهوجة















المزيد.....

زمن الهوجة


السيد نصر الدين السيد

الحوار المتمدن-العدد: 4240 - 2013 / 10 / 9 - 19:00
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


تمر الامة المصرية بحالة استثنائية يطلق عليها المشتغلون بـ "علوم التعقد" Complexity Sciences اسم حالة "حافة الكيوس (الشواش)" Edge of Chaos (انظر (السيد, 2012)، ويطلق عليها بعض اهل السياسة اسم "الفوضى الخلاقة"، اما عموم المصريين فيسمونها "الهوجة". وتنشأ هذه الحالة، في الأساس، نتيجة لإحساس افراد المجتمع بوطأة ”الفرق“، المتزايد والمستدام، بين ما ”تتطلع“ اليه اغلبيتهم من "رفاه" وما هو ”متحقق“ فعلا على ارض الواقع. فعندما يتجاوز هذا الفرق، بين "المأمول" و"المتحقق"، حد معين يصعب على افراد المجتمع تحمله يبدئون في الخروج على القانون وفي تحدي المؤسسات القائمة بكافة اشكالها. وهكذا تزيد كمية الفوضى في المجتمع وتتجاوز حدودها المعتادة ليبدأ في التحول والانتقال من حال لحال، ومن نظام "قديم" فقد شرعيته الى نظام "جديد" يؤسس لشرعية جديدة. أي انها الاوقات التي تمتزج فيها "الصدفة" بـ "القانون"، و"الفوضى" بـ "النظام".

ويقول لنا المتخصصون في علوم التعقد ان هذه الحالة تتميز بأربعة خصائص هي: "عدم الاستمرارية"، "تحرر المكونات"، "الحساسية الفائقة" و"الانتظام الذاتي" Self-Organization. وفي حالة المنظومات البشرية، كالمجتمعات والمنظمات، يضاف الى هذه الخصائص الاربع خاصية خامسة هي "زيادة اللاتيقن" Uncertainty.

فبداية تعتبر حالة "حافة الكيوس" حالة مؤقتة (انتقالية) تمر بها المنظومة، سواء كانت مادية او بشرية كالمجتمعات، بين حالة استقرار سابقة وحالة استقرار لاحقة. وتخبرنا علوم الحياة والاجتماع ان تطور الكائنات الحية والمنظومات البشرية يتبع نمطا واحدا هو: فترة استقرار طويلة، تحدث فيها بعض التغيرات المحدودة ببطء، تتبعها فترة تحول قصيرة نسبيا، ولكنها صاخبة مليئة بالتغيرات السريعة والجوهرية، تعمل على نقل المنظومة الى وضع استقرار جديد ودواليك.

وثاني هذه الخصائص، "تحرر المكونات"، فهي تعني تحرر مكونات المنظومة من اغلب القيود التي قد تحد من حركتها. وتتبدى هذه الخاصية في حالة المجتمع البشري في تحدى افراده للقوانين المستقرة والقواعد والاعراف السائدة التي تحكم وتقيد سلوكياتهم. وتتعدد اشكال هذا التحدي بدءا من عدم احترام لإشارات المرور وإنتهاءا بقيام المواطنين بتطبيق حد الحرابة على من يعتبرونه من المجرمين متجاوزين بذلك دولة القانون.

اما ثالث الخصائص، "الحساسية الفائقة"، فتعني تأثر المنظومة ومكوناتها بأي تغير، مهما صغر قدره، والاستجابة له سواء كان مصدر هذا التغير من داخلها او من خارجها. وتعني هذه الخاصية في حالة المجتمعات البشرية ان استقرار مؤسسات المجتمع وهو في حالة "حافة الكيوس" هو استقرار "على الحركرك" ... استقرار قد ينهيه اي تغير طفيف في الظروف.

وتعني رابعة الخصائص، "الانتظام الذاتي"، قدرة افراد المجتمع، من تلقاء أنفسهم ودون توجيهات او تعليمات من أي جهة وفي غيبة مؤسسات السلطة المركزية، على تنظيم أنفسهم في تجمعات وتشكيلات تهدف الى مواجهة مستجدات الواقع او الى إيجاد حلول غير مسبوقة لما يعانوه من مشاكل حتى وان خرجت على القانون او الأعراف السائدة. ولعل هذه الخاصية تفسر العديد من الظواهر الاجتماعية الذي يشهدها المجتمع المصري مؤخرا بدءا نسق انتشار الباعة الجائلين في الشوارع والميادين الرئيسية، وإنتهاءا بظهور عدد كبير من الحركات والائتلافات الشبابية مثل حركة تمرد.

والخاصية الخامسة التي تميز المنظومات البشرية عن غيرها من المنظومات هي "زيادة اللاتيقن" بصورتيه "الإبهام" Vagueness و"الالتباس" Ambiguity. و"الإبهام" هو صعوبة وضع حدود فاصلة تميز تباين الآراء والمفاهيم والافعال. فالأمور، اثناء مرور المجتمع بحالة الهوجة، يزداد تداخلها وتشابكها مع بعضها البعض مما يجعل من مهمة التعرف عليها وتحديدها مهمة بالغة الصعوبة. اما الصورة الثانية، "الالتباس"، فهو صعوبة تبني رأي او انتقاء خيار من بين الآراء المطروحة او من بين الخيارات المتاحة وذلك لنقص أو لغيبة الشواهد (أو المعايير) المؤكدة التي يمكن استخدامها للترجيح فيما بينها. إنه الموقف الذي يوجد فيه من فقد خارطة الطريق فوقف أمام مفترق طرق حائرا لا يدري أيها يسلك.

أي ان حالة "حافة الكيوس"، او "الفوضى الخلاقة" او "الهوجة"، هي حالة مؤقتة يمر بها المجتمع يتضاءل فيها تأثير مؤسساته الرسمية بشتى صورها، ويزيد فيها قدر "اللاتيقن" عن حده المعتاد، ويتمتع اثناءها افراده بحرية "قول" و"فعل" و"تواصل" غير مسبوقة تمكنهم من القيام بأفعال وانتاج افكار قد تؤثر على أحوال مجتمعهم سواء بالسلب او بالإيجاب.

وفي ظل هذه الحرية تتكاثر الأفكار المتباينة والرؤى المختلفة التي تصعب المفاضلة بينهم نتيجة لارتفاع درجة اللاتيقن بصورتيه ابهاما كان او التباس. فـ "الإبهام"، بما ينطوي عليه من عدم دقة في تحديد الأمور، يؤدى الى تصورات مشوشة لما يحدث في الواقع ومن ثم الى اتخاذ قرارات غير صائبة او القيام بأفعال غير موفقة. ومن أمثلة المفاهيم "المبهمة" التي يشيع استخدامها في خطابنا المعاصر مفاهيم مثل "العدالة الاجتماعية" و"كرامة انسانية". فهي مسميات لمفاهيم فضفاضة ومطاطة لا ترتكز على أي تعريف علمي دقيق ومحدد. وفي غيبة التحديد الدقيق للمقصود من هذه المفاهيم يصبح وضع سياسات تحقيقها على ارض الواقع من المستحيلات. اما المفاهيم "الملتبسة"، التي لا يوجد معنى محدد أو قطعي لها فتتعدد معانيها، فكثيرة ومن أبرز أمثلتها مفاهيم "الهوية" و"الشريعة". وفي غيبة المعايير الموضوعية التي تحدد المعنى المقصود تصبح هذه المفاهيم الملتبسة أدوات تغييب وتضليل في ايدي المضللين من اهل السياسة.

وتنفتح امام أي مجتمع، على وجه العموم والمجتمع المصري على وجه الخصوص، وهو في حالة "الهوجة" العديد من المسارات. وبعض هذه المسارات يأخذ المجتمع الى وضع جديد أسوأ من سابقه (سكة الندامة). وبعضها الآخر يقود المجتمع الى وضع جديد أفضل من سابقه (سكة السلامة) فتتحول "الهوجة" الى "ثورة". وتحديد المسار أخطر من يترك لأهل السياسة وحدهم فـ "عبء الاختيار" هو فرض عين على كافة افراد المجتمع. الا ان "صواب الاختيار" يتوقف على تقليل قدر "اللاتيقن" بصورتيه، الابهام والالتباس، الى اقل حد ممكن. ولا يمكن تقليل قدر "اللاتيقن" الا بالتخلي عن "مرجعية النص المقدس" فالمبهم لا يفسر المبهم، والملتبس غير قادر على إزالة الالتباس. فقط المنهج العلمي، بوضوح تعريفاته وموضوعية مقارباته وانضباط ادواته، هو القادر على تقليل قدر "اللاتيقن" بقراءة الواقع وتقديم تفسيرات، غير مقدسة وقابلة للمراجعة، لأحداثه.

المراجع
السيد, ا. ن. ا. 2012. الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر علوم التعقد (5/5). الحوار المتمدن, العدد 3825 (20 أغسطس): http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=320699.



#السيد_نصر_الدين_السيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن الثورة الثقافية ... معالم على الطريق (3/3)
- عن الثورة الثقافية ... عشان ايه وليه؟ (2/3)
- عن الثورة الثقافية ... ترويض المفاهيم (1/3)
- نظرية رأس السمكة
- تحديث الثقافة المصرية .... المشروع القومى المنتظر
- سلام مربع ل -جهادية- بلدنا
- نظرية التطور والثقافة
- الثقافة العَلمانية: كلمنى عن بكره (4/4)
- الثقافة العَلمانية: وإنك لعلى خلق عظيم (3/4)
- الثقافة العَلمانية: المعرفة هى الحل (2/4)
- الثقافة العَلمانية: هكذا تحدث أمارتيا سن (1/4)
- وقُضِيَ الأمر ... فماذا أنتم فاعلون؟
- الرفاه المُنتظَر والمرجعية المنشودة
- مجتمع المعرفة ودستورنا المرتقب
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (2/2)
- الأقدام الصينية وحداثتنا المشوهة (1/2)
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر علوم التعقد ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: عصر الفكر العلمى ...
- الإنسان والواقع ... ملحمة التفسير والتغيير: الفكر الأسطورى ( ...


المزيد.....




- أجبرهم على النزوح.. أندونيسيا تصدر تحذيرا من حدوث تسونامي بع ...
- التغير المناخي وراء -موجة الحر الاستثنائية- التي شهدتها منطق ...
- مصر.. رجل أعمال يلقى حتفه داخل مصعد
- بوركينا فاسو تطرد ثلاثة دبلوماسيين فرنسيين
- أسباب تفوّق دبابة -تي – 90 إم- الروسية على دبابتي -أبرامز- و ...
- اكتشاف -أضخم ثقب أسود نجمي- في مجرتنا
- روسيا تختبر محركا جديدا لصواريخ -Angara-A5M- الثقيلة
- طريقة بسيطة ومثبتة علميا لكشف الكذب
- توجه أوروبي لإقامة علاقات متبادلة المنفعة مع تركيا
- كولومبيا تعرب عن رغبتها في الانضمام إلى -بريكس- في أقرب وقت ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - السيد نصر الدين السيد - زمن الهوجة