أخيرا خرج الجنرال من عزلته التي استمرت منذ شهر آذار, وتمخض عن خروجه تحليلا نشرته وسائل الأعلام واستمعت له آذان الطرشان في الولايات المتحدة الأمريكية المنفلتة.الجنرال العربي الأصل والفصل, والذي يذكرنا بالمبعوث الأمريكي لحل أزمة حصار بيروت سنة 1982 السيد فيليب حبيب, اللبناني الأصل والعربي الجذور. تمكن حبيب بمحبته للبنان الانعزالي و تفانيه و إخلاصه لأدارة ريغان المتهورة, من تحقيق ما عجزت عن تحقيقه الدبابات والطائرات والمدفعية الصهيونية. فالرجل بوفائه لأعداء الأمة وتضامنه مع الذين كانوا يطمحون للانشقاق عن هذه الأمة, جعل الغير ممكن ممكنا, ثم كان رحيل منظمة التحرير الفلسطينية عن قلعتها اللبنانية الحصينة وعن مخيمات الفلسطينيين هناك. مات حبيب ولم تمت محبتنا للبنان وعرفاننا للدور الأخوي والبطولي الذي لعبته الحركة الوطنية اللبنانية في التصدي للغزو الصهيوني وللمؤامرة الأمريكية المبكرة, تلك التي استهدفت الفلسطينيين وكذلك عروبة لبنان. في محاضرة له أمام مجلس العلاقات الخارجية حدد الجنرال زيني عشرة مستلزمات لا يمكن للحرب على العراق أن تنجح بدون توفرها. وأعتبر أن توفر تلك الشروط يعد أمرا صعب التحقيق, والأهم أن تشيني اعتبر الموضوع العراقي يجب أن لا يكون في أولويات الإدارة الأمريكية, وبالإمكان مواصلة سياسة الاحتواء التي اتبعت منذ التسعينات. وقد نشرت اقتراحاته اليوم بينما يجتمع مجلس الأمن الدولي ويأخذ قرار بكامل أعضائه الأجانب والعرب, ينص على نزع أسلحة العراق. أي العالم يريد عراقا بلا سلاح والمعارضة العراقية عراقا بلا البعث, والولايات المتحدة الأمريكية تريد كل العراق بثرواته النفطية وموقعه الإستراتيجي. أذن الصورة واضحة لا عراق بعد اليوم يا قوم...
أن اقتراحات زيني أو مستلزماته كما يسميها تتألف بمجملها من مجموعة ضمانات وضرورات يجب التأكد منها قبل الدخول بحرب جديدة , فهو حددها كما جاء في إيلاف, كالتالي :
1-ضمان التحرك ضمن تحالف
2-ضرورة أن تكون الحرب قصيرة الأمد
3-ضرورة أن يبقى الضرر عند الحد الأدنى
4-ضرورة إبقاء إسرائيل خارج الحملة
5-ضرورة المحافظة على تهدئة الشارع
6-ضرورة الحفاظ على الأمن والانضباط
7-ضرورة التشارك في تحمل الاكلاف
8-ضرورة أن يأتي التغيير مضبوطا ومنظما
9-ضرورة ألا نجد أمامنا مستنقع عسكري
10-ضرورة تحقيق كل الالتزامات الموعودة
الجنرال زيني يعرف أن الحرب في العراق لن تكون نزهة ولا رحلة سياحية سريعة, فلكل بلد ناسه وعاداته ومحمياته, صحيح أن هناك معارضة عراقية قوية, لها وجودها في الشمال والجنوب, خاصة القسم الكردي منها, لكن هذا لا يعني أن تلك المعارضة ستكون عاملا مفترضا وحاسما في معركة التكنولوجيا ضد الكرامة الوطنية المستباحة. ثم أن الشعب العراقي الذي يحمل أمريكا مسؤولية الحصار المديد والطويل الذي فرضته عليها بحجة محاربة النظام الحاكم في بغداد, فأعادت العراق واقتصاده إلى العصور القديمة, وكلف الحصار حياة الآلاف من أبناء العراق. فكثرت أمراض السرطان العضال والتي كانت الحرب هي السبب في شيوعها وتكاثرها بين أوساط الأطفال والمواليد الجدد بعد أم المعارك وعاصفة الصحراء وثعلبها.
هذه العوامل جعلت الشعب العراقي الراضخ تحت وطأة الذل والمهانة والحصار الخارجي وعدم الهدوء والأمان الداخلي, يشعر بأنه المستهدف وبأن الوطن العراقي بترابه الوطني وثرواته الغنية هو المستهدف الرئيسي وليس النظام البعثي الحاكم. لذا فأن حصلت معركة فان أعدادا لا بأس بها من العراقيين الحاقدين على ظلم أمريكا وغطرستها وعنجهيتها سيكونون في صفوف المقاومة العراقية التي ستقاتل جنبا إلى جنب مع من سيقاتل من وحدات الجيش العراقي الرسمي.
يتحدث زيني عن ضرورة التحرك ضمن تحالف, لكن هذا الطلب سيكون صعب المنال, لأن الدول الأوروبية الهامة والكبيرة مثل فرنسا وألمانيا وروسيا وإيطاليا بالإضافة لدول أصغر سوف تكون ضد الحرب. ولسنا بحاجة للتذكير بمواقف العرب والمسلمين. هكذا حلف سيكون مؤلف بالأساس من أمريكا وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية الشرقية مثل رومانيا وبولندا وبلغاريا وتشيكيا علنا وإسرائيل الصهيونية سرا. وهذه الحرب من الصعب التنبؤ بأنها ستكون قصيرة وبأن الخسائر ستكون محدودة, وبأن إسرائيل سوف تجلس متفرجة. أما الشارع الذي يطالب زيني بضبطه وبقائه هادئا فهو ليس بالشارع الغريب والمعيب, أنه الشارع العربي الذي لا بد له أن يقول لا لاحتلال العراق ولا لتقسيم الوطن العراقي ولا للاستعمار الأمريكي الجديد, مثلما يقول بعضه لا للقمع والإرهاب والأنظمة الظالمة التي لم تجلب لشعوبها والمنطقة سوى الظلام والتبعية والبوارج الحربية الأمريكية ومعارضات لا هم لها سوى تسلم الحكم ولو لمجرد الانتقام والثأر وبعيدا عن التفكير بمستقبل الوطن الحضاري والسيادي والثقافي والسياسي والاستقلالي والصناعي والحر الشريف والسيد قبل كل شيء, وكما يريده شرفاء الشعب العراقي. أما عن ضرورة أيجاد كل شيء مضبوطا ومنظما فأن هذا المطلب صعب أيضا لأنه عندما تقع الواقعة وتبدأ النيران بالتهام الأرض وما عليها,من الصعب إيجاد الوقت الكافي لضبط الأمور. وقد تجد القوات المهاجمة نفسها مضطرة للجلوس والبقاء في مستنقعات العراق العسكرية إلى أمد أطول يصعب تحديد زمانه, كل تلك الاحتمالات يجب أن تكون واردة وتأخذ بالحسبان.
في خضم فوضى الحرب التي قد تشتعل من الذي سيحمي الآثار العراقية التي لها من العمر والتاريخ والسنين الطويلة ما لا يعوضه في حال تعرضه للدمار أو الخراب أو الإتلاف والسرقة, أليست هذه مسؤولية اليونسكو والأمم المتحدة والنظام والمعارضة والشعب بكل فئاته وملله, نعم أنها مسألة تهم الجميع وعلى الجميع أن يفطنوا لها قبل فوات الأوان. من سيحمي المدنيين والعزل والسكان الأبرياء, ومن سيضمن عدم تكرار ما حصل في ملجئ العاملية في بغداد, وهل المعارضة العراقية المحسوبة على أمريكا ستستطيع قول كلمة واحدة للأمريكان في تلك الحرب, على غرار لا تضربوا هنا أو هناك فقد تقتلوا أهلنا وناسنا, تلك المعارضة لن تستطع قول ذلك وهي بالأصل غير معنية بأكثر من إزاحة النظام البعثي والعودة إلى الوطن على ظهر دبابة أمريكية. ثم أن الجنرال الأمريكي زيني يتحدث عن التكاليف ويعلن بأنها يجب أن تكون مشاركة ومناصفة بين المعتدي وشركائه والذي سيصبح حكومة جديدة في العراق, تكون على شاكلة حكومة الكويت التي عينها النظام العراقي أبان احتلال الكويت. أما تحقيق كافة الالتزامات الموعودة والتي لا ندري ما هو المقصود بها, فهذا يعود لراعي البشر الأمريكي وكيفية قيادته لقطعان البقر التي قد تستغل فرصة الحرب للانتقام من الجنود العراقيين وإعدامهم كما جرى في التسعينات, وكلنا يذكر كيف عومل الجنود العراقيين من أسرى الانتفاضة في شمال العراق, وكيف تم إعدامهم جميعا بلا تأنيب ضمير وبنفس الطريقة الفاشية التي يتبعها الآخرين.
يحق لزيني أن يفصل الثوب كما يشاء وكما يريد, لكن لا يحق له أن يستعمل الوصايا العشر لهكذا أعمال إرهابية عدوانية, عدائية تستهدف أرض وشعب ووطن, مظلوم في الداخل ومن الخارج. لأن وصايا السيد المسيح تدل على السلام والمحبة والتسامح والحب والإخاء والحق والمساواة والعدل بين الناس.أخيرا نقول للجنرال زيني الزين لا أنت عال راس ولا عال عين, خليك في بلادك بعيد عن بلادنا و إحنا ندبر رأسنا بدونك وبلا دين.
· أوسلو 9-11-2002