أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال حمد - ثلج, أطفال وغربة















المزيد.....

ثلج, أطفال وغربة


نضال حمد

الحوار المتمدن-العدد: 284 - 2002 / 10 / 22 - 04:16
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


 

من عادتي قبل الخلود للنوم أن أجلس أو أتمدد في سريري, ثم أقرأ كتاب ما من الكتب العديدة الموجودة في مكتبتي المتواضعة. هذه الليلة تناولت المجموعة القصصية" امرأة من هنا.. رجل من هناك" للكاتب الروائي العراقي الصديق عبد الرحمن مجيد الربيعي, والتي أهداني إياها مع أعمال أخرى من مؤلفاته, خلال لقاء جمعنا في تونس العاصمة ببيت صديقنا المشترك الكاتب السياسي الفلسطيني ياسين معتوق. وكنت خلال الشهر الحالي ونهاية الشهر الماضي قرأت للربيعي رواية الوشم الجميلة والمعبرة عن واقع حال الإنسان العراقي والعربي في أزمته السابقة وأزماته الحالية الخانقة, قرأت أيضا مجموعة قصصه الغنية والمعبرة "السومري". هذا بالإضافة لمجموعة قصص الكاتبة التونسية رشيدة الشارني"الحياة على حافة الدنيا", وكانت هي المرة الأولى التي أقرأ فيها أدبا نسائيا من تونس. كما كنت قبل ذلك تمتعت أيضا بقراءة رواية "مجموعة 778"  للمبدع الفلسطيني الروائي توفيق فياض, الذي حملتني أحداث روايته إلى فلسطين وأعادتني لزمن الفدائي الفلسطيني الأول, فدائي العقيدة والمبادئ والقواعد والشهامة والاستقامة. لقد سعدت كثيرا بالإهداء الجميل والمعبر الذي خصني به الأخ توفيق فياض ودونه على أولى صفحات النسخة التي أهداني.
 كنت وأنا أقلب صفحات مجموعة الربيعي أخال نفسي عراقيا تعتصره آلام العراق وشعبه العريق الذي تعود جذوره لقديم الزمان, بينما جذور الأمريكان لا تعود إلى أية أزمنة سوى أزمنة أباده الهنود الحمر واستعباد الزنوج والذل والخداع والغدر والهوان والإرهاب ونشر الأفكار اللقيطة التي تخدم أمريكا الابن الحرام المتمخض عن مضاجعة الكفر والعهر في آن. فعراق نبوخذ النصر وصلاح الدين وهارون الرشيد والمنصور والسياب يتعرض هذه الأيام لآخر حلقة من حلقات دفنه حيا, وتشترك في مؤامرة ذبحه أصنافا منوعة ومختلفة من الأوباش والمماليك والمرتزقة والأعوان والأعداء, من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل إلى آخر ما أستحدث من متأمركين, بعضهم وصلت به أمراض الهلوسة والتبعية حد تجرؤه على التشكيك بعروبة العراق من خلال مقالة تحت عنوان "هل العراق دولة عربية؟". كنت أقرأ كلمات الربيعي عن العراق فأجده عربيا نابضا بالعروبة الحرة والحية في كل كلمة من كلمات شخصياته التي أختارها لقصصه, ومع عروبة أبطال رواياته من النساء والرجال  كانت تجعلني أزداد أيمانا بعروبتي وكفرا بأنظمة العرب المهزومة والموبوءة بالفساد والظلم والأرتهان.
بعدما انتهيت من قراءة  170 صفحة كانت عبارة عن تسعة قصص من أصل 208 صفحات لما مجموعه 16 قصة تألفت منها مجموعة امرأة من هنا .. رجل من هناك للكاتب الربيعي. بدأت أشعر بقليل من النعاس يداهمني, ذهبت إلى المرحاض قضيت حاجتي التي كان من الصعب علي النوم دون قضاءها, خاصة الليلة حيث شربت الكثير من الماء والعصير ومن القهوة الأجنبية و فناجينها التي بالمقارنة مع فناجين القهوة العربية يعتبر الفنجان الواحد منها بخمسة عربي من حيث الحجم, أما من حيث الطعم فلكل منها طعمه المميز وميزته التي يستمدها من المكان واللحظة والمزاج والجلسة ونوعية الحضور ومن موضوع الحديث والنقاش. بعد أن خرجت من الحمام توجهت إلى المطبخ وكانت الساعة المعلقة على جدار مطبخ بيتنا تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل, نظرت من النافذة ففوجئت بالبياض الناصع الذي زين كل شيء من البيوت حتى الشجر والعشب والحجر, وبدلا من هطول المطر كانت الثلوج تتساقط بغزارة ولأول مرة في سنتنا الحالية, معلنة بداية موسم البرد في العاصمة النرويجية أوسلو. وقفت لعدة دقائق أرقب هطول الثلج وكيفية ارتداء الأشياء للزي الأبيض الجميل, وكنت أقول في قرارة نفسي كيف للشجر الذي مازال الكثير منه يلبس ثوب الخريف الذهبي  أن يحمل على أغصانه الأوراق الصفراء والثلوج البيضاء معا, فعلا سوف يكون المنظر جميلا  صباح الغد.
 في صباح اليوم التالي وكان يوم الأحد أي يوم العطلة الأطول في نهاية الأسبوع , نهضت من نومي على حوار بين أطفالي الثلاثة الذين فوجئوا بدورهم بالبياض الذي غير كل شيء وألبس كل ما نراه حولنا ثيابا بيضاء ناصعة البياض. كان أطفالي يعدون خطتهم لقضاء اليوم على الثلج, يلعبون ويتزلجون ويتزحلقون على الثلج مستخدمين قطعا مصنوعة من البلاستيك شكلها كأوراق الشجر, يضعونها على الثلج ثم يجلسون عليها ويندفعون إلى الأسفل مندفعين بقوة وبسرعة, تمتزج مع صرخات الأطفال المعبرة عن فرحهم بالألعاب الشتوية. وكانوا ينتظرون نهوض أمهم من السرير لكي تجهز لهم عدة وملابس الثلج, وسرعان ما كان لهم ما يريدون.فالتحقوا ببقية أطفال الحي الذين كانوا بدورهم في الخارج يشكلون بألبستهم الملونة فوق الثلج الأبيض لوحة جميلة و شاعرية, أما أطفالي الثلاثة  فكانت ألوان ملابسهم تجمع بينهم وبين الأعلام التي يستظلون بها ويقدمون ألوانها عند التعريف بهويتهم, فهم من أب فلسطيني وأم بولندية وولدوا ويعيشون ويحملون جنسية النرويج ويتكلمون لغات ثلاث النرويجية والبولندية والعربية.
بعد أن عدت من الشرفة حيث كنت أراقب الأولاد وهم يبنون تمثالا من الثلج لرجل الثلج المعروف الذي يتم تشكيله على هيئة إنسان سمين, يثبت حجران صغيران مكان العينين وجزرة مكان الأنف وعودان من أغصان الشجر حول الخصر فيعطيه هذا الديكور شكل الإنسان. ثم يبدأ الأطفال بالركض والدوران حوله في حالة فرح مرح إلى أن يأتي من يهدمه في لحظات. في هذه اللحظات بالذات تذكرت المخيم حيث ولدت وترعرعت وكبرت وتعلمت ولعبت, تذكرت أخوتي وأخواتي وأبناء أعمامي وعماتي وخالاتي وأولاد وبنات الجيران, وكيف كنا نلعب في بحيرات المياه التي تخلفها أمطار الشتاء الغزيرة, وكيف كنا نفرح كثيرا ببعض حبات البرد الذي ينزل مرة واحدة أو مرتان في العام. ترى كيف يلعب الآن أطفال عين الحلوة, وما هي أسماء لعبهم وكيف حيلهم وهل هناك ما يلعبون به, أليس المخيم أضيق مكان في لبنان وعلى الكرة الأرضية, وهل هناك مكان للعب في كلم مربع واحد يسكنه حوالي المائة ألف نسمة. أنها الحقيقة التي تبحث عن حل حقيقي لمأساة اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات التشرد واللجوء والحرمان.. لكن كيف تتم معالجة هذا الأمر ونحن في زمن أصبح فيه الجلاد ضحية واللص شرطيا والبريء متهما والقاتل قاضيا والفكر الحر ممنوعا لأن أمريكا لا تسمح به ولا تقبله بفعل أفكارها المدمرة, هذه الأفكار التي تعبر عنها مجموعة الاستعلائيين والمرضى عقليا ونفسانيا التي تقود الولايات المتحدة الأمريكية وتضع الخطوط العامة للسياسة العالمية.
ارتديت ملابسي وخرجت مسرعا لأنظم لأولادي في لعبتهم المسلية حول ما تبقى من رجل الثلج الذي بنوه بأيديهم الصغيرة وسوف يبنون بها غدا مع كل أطفال فلسطين الوطن الفلسطيني الخارج من عهد الاحتلال إلى عهد الحرية والنور والاستقلال.
* باحث من فلسطين مقيم في النرويج

 



#نضال_حمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الناموس في عالم السياسة..
- 16 أكتوبر يوم لنصر لبناني جديد
- جنازة الكندري والهاجري تختصر كل شيىء ..
- سفير بريطانيا يجرأ على الكلام
- رحلة أخرى على شاطئ قرطاج - الجزء الثاني
- رحلة أخرى على شاطئ قرطاج - الجزء الأول
- الإرهاب في كلام الإرهابيين من قادة إسرائيل الإرهابية
- السابع من أكتوبر تاريخ فلسطيني جديد
- نابلس 106 أيام من منع التجوال والحبل على الجرار..
- الى الطفل الشهيد محمد الدرة في يومه المشهود, يوم الطفل العرب ...
- هل أصبح العرب أكثر شعوب العالم عجزا؟
- تظاهرة في أوسلو
- الإرهاب الصهيوأمريكي لازال مستمرا
- الانتفاضة الثانية تسير واثقة الخطى
- شعب فلسطين أكبر من أن يهان..
- رابين كان إرهابيا محترفا ومات هكذا..
- من مجزرة إلى مجزرة ,إلى متى ؟
- العراك لأجل العراق
- 11 أيلول يوم الضحية والجلاد..
- الوزير اليحيى وعقاب الرجم بحجارة فلسطين..


المزيد.....




- إعلان مفاجئ لجمهور محمد عبده .. -حرصًا على سلامته-
- -علينا الانتقال من الكلام إلى الأفعال-.. وزير خارجية السعودي ...
- عباس: واشنطن وحدها القادرة على منع أكبر كارثة في تاريخ الشعب ...
- شاهد.. الفرنسيون يمزقون علم -الناتو- والاتحاد الأوروبي ويدعو ...
- غزة.. مقابر جماعية وسرقة أعضاء بشرية
- زاخاروفا تعلق على منشورات السفيرة الأمريكية حول الكاتب بولغا ...
- مسؤول إسرائيلي: الاستعدادات لعملية رفح مستمرة ولن نتنازل عن ...
- وزير سعودي: هجمات الحوثيين لا تشكل تهديدا لمنتجعات المملكة ع ...
- استطلاع: ترامب يحظى بدعم الناخبين أكثر من بايدن
- نجل ملك البحرين يثير تفاعلا بحديثه عن دراسته في كلية -ساندهي ...


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - نضال حمد - ثلج, أطفال وغربة