18-10-2002
الناموس تعني ناموس الرجل:أي صاحب سره الذي يطلعه على باطن الأمور وما يستره عن غيره. وهو مشتق من نمس بالكلام إذا أخفاه. وهي أشد من همس. ويقال : نمس الصائد إذا اختفى وأهل الكتاب يسمون جبريل عليه السلام بالناموس الأكبر لأنه يخفي حنين يلقيه إلى الرسل عن الحاضرين فلا يسمعوه. والناموس : حشرة صغيرة ومزعجة.
أما الناموس السياسي فهو من أخطر أنواع النواميس الصغيرة والكبيرة المفرحة والمزعجة التي وصلت لما وصلت أليه بفضل سمسرتها لأهل الحكم ووضع نفسها في خدمة الحاكم لخدمته خدمة لنفسها وللنواميس الأخرى التي تكاثرت بفضل تفاعلها الإيجابي مع سلام الشجعان العجائبي,السلام الذي جاء بها والذي سيأخذها معه حين يتم استبداله بالسلام الحقيقي والواقعي والمشرف والعادل والشامل والكامل المتكامل, الذي ستفرضه الانتفاضة الشعبية الفلسطينية بمقاومتها وتضحياتها وصمودها عاجلا أم آجلا.
كنت أود الكتابة عن جائزة نوبل وكيف أنها تمنح عنوة وعن سابق إصرار للكتاب الذين كتبوا أو لازالوا يكتبون عن أشياء لها علاقة بالمحرقة وبما فعلته النازية باليهود الأوروبيين وبالأوروبيين أنفسهم وأن كانت الويلات تلك توزعت على الجميع لكن بتفاوت.
ولقد أحسن الصديق رشاد أبو شاور فعلا حين كتب مقالة كاملة وحامية " في فصل المقال العدد الحالي" عن هذا الموضوع الذي طالما ظل حكرا على مجموعة من الناس الذين تمرسوا في البحث عن الكتاب والأدباء من أصول يهودية لكي يمنحوهم تلك الجائزة بكافة فروعها وبالأخص الفرعين السياسي والأدبي.والأجندة التي مازلت تضم تلك الأسماء الفائزة أو التي منحت الجائزة تكفي وتوفي بالغرض,فإذا لم يكن الفائز يهوديا فهو صهيوني بالفكر أو متصهين بالكتابة والموضوع,ألا في حالات فريدة ومتفرقة لم يخل فيها الأمر من رائحة سياسية لها علاقة باليهود والصهيونية وأمريكا والمحرقة والعداء للشيوعية سابقا وللإسلام لاحقا.وهذه أصبحت ثابتة من الثوابت التي تحكم اختيار الفائز أو الأديب الذي يتم اختياره من قبل أصدقاء إسرائيل في لجان نوبل التي تسيء باختياراتها لمعنى الجائزة ومعاني السلام.
لقد تم منح الجائزة للأديب اليهودي الأمريكي المتعجرف ألي فيرزل وكذلك للكاتب التورنيدادي البريطاني المتصهين نايبول والآن للمجري اليهودي ايمري كيريتش الذي قضى عمره يكتب عن المحرقة,حيث توقفت عقارب حياته هناك ولم تتقدم إلى الأمام ألا بدفعات صهيونية كانت ولازالت تدفع به وبأمثاله للكتابة عن الماضي اليهودي وعذابا ته من أجل التغطية على الحاضر اليهودي وأجراما ته المتمثلة بأعمال وأفعال إسرائيل الصهيونية,الوطن الروحي لكل يهود العالم كما يدعون.وجائزة نوبل ألفريد للسلام لا تختلف كثيرا عن جائزة الفريد نوبل للآداب,فكل جوائز نوبل كانت تمنح للذين يعادون المعسكر الاشتراكي سابقا,مثل ليخ فاليسا قائد نقابات عمال بولندا المعروفة باسم التضامن" سوليدارنوش" وغيره من أمثال غورباتشوف المسؤول الأول عن هدم المعسكر الأشتراكي من أجل حفنة من الدولارات. هذه الجائزة مخصصة لكل الذين يعملون من أجل عالم على الطريقة الأمريكية والصهيونية. حيث الفكر الأمريكي هو الفيصل والروح الصهيونية هي الجوهر. وهل هناك بشاعة في الحياة أكبر من أن يحصل مجرم دولي وقاتل إرهابي كما مناحيم بيغين" مجزرة دير ياسين وغيرها من المذابح"على جائزة نوبل للسلام, مناصفة مع الرئيس المصري المقتول أنور السادات الذي كان حاكما مستبدا وأرعنا, تفرد بالسلطة ووضع الحياة النيابية والديمقراطية جانبا وفرض سياساته بالقوة والقمع و سمح لقواته بتجويع الناس واعتقالها وزج بها في السجون لأنها تظاهرت رفضا لسياساته التي لا تخدم القضية العربية ولا الأمن القومي المصري ولا تجلب سلاما سوى لأعداء مصر. ثم توالت الجوائز فتم منحها لرابين مكسر عظام أطفال الانتفاضة الفلسطينية ولبيريز الأب الروحي لنظام التسليح النووي الصهيوني,وبطل مذبحة قانا الشهيرة في جنوب لبنان مناصفة مع الرئيس عرفات عرفانا وشكرا له على مشاركته في سلام أوسلو الذي سماه هو نفسه بسلام الشجعان ومازال يتمسك بهذه التسمية رغم كل ما تخض عنه.
أيها السياسي أينما كنت عليك اجتياز امتحانات الولاء لبيت الطاعة الأمريكي والصهيوني أولا ومن ثم العمل لما فيه خدمة ذاك البيت اللعين حتى تستطيع أن تترشح من ضمن الذين يتم ترشيحهم من قبل لجان نوبل لنيل الجائزة. وهذه اللجان هي بطبيعة الحال لجان تهيمن عليها الأوساط والشخصيات الأوروبية المعروفة بولائها الشديد لإسرائيل ظالمة أو مظلومة.
والآن نعود من صقيع اسكندنافيا ولعنات نوبل ومعهده الذي أمر من قربه على الأقل مرة أو مرتين في الأسبوع,إما بالسيارة الخاصة أو بالأوتوبيس أو بالترام, ومنذ حوالي السنتين أصبحنا نراه ونمر من قربه كلما تظاهرنا احتجاجا على ممارسات ومجازر إسرائيل ومواقف أمريكا, لأن السفارتين الأمريكية والإسرائيلية موجودتين في نفس المنطقة تقريبا. حتى مركز نوبل في أوسلو أصبح محاطا بسفارتي أمريكا وإسرائيل,كأن ما فيه من متصهينين لا يكفيه.
موضوع الناموس لازال كالكابوس. قبل أيام قال مسؤول أمني فلسطيني رفيع أنه استقال من منصبه لأنه يختلف في أسلوب العمل والرؤية مع رئيسه الذي كان له وحده الفضل في جعل هذا المسؤول مسؤولا وفي توليه عدة مناصب أمنية وسياسية جلبت لشعبنا المزيد من الأزلام والمماليك والآلام. هذا المسؤول الرفيع والذي هو من معسكر النواميس المزعجة التي كانت صغيرة وكبرت حتى صارت نواميس كبيرة الحجم وكثيرة الإزعاج وقليلة العمل وطويلة اللسان.الناموس هذا قرر أن يلتحق بالنواميس الأخرى التي تركت سيدها محاصرا وفضلت الابتعاد عنه والضغط عليه مع كل الضاغطين لدفعه على القبول بأملاءات أعداء الانتفاضة. وهذه النواميس السياسية ترفض التنحي جانبا وفقا لرأي الجماهير وعملا بما فيه خدمة القضية والوطن, لأنها بهذا سوف تخسر امتيازاتها الكثيرة وستعود لأحجامها الطبيعة الصغيرة.
الآن أريد أن أترككم تقارنون ما بين موقف هذا المسؤول الفلسطيني وموقف السفير الأسباني في بغداد السيد فرناندو فارديلما, الذي قدم استقالته من منصبه احتجاجا على موقف حكومة بلاده المؤيد للحرب الأمريكية على العراق وشدد السفير المستقيل على أن قراره بالاستقالة نابع من منطلقات أخلاقية ومهنية. تصوروا مدى وضوح كلماته وكبر معانيها وكذلك مدى وفاء السفير فرناندو للبلد الذي عمل فيه ولأخلاقيات المهنة ولروحه الإنسانية الحية والعالية. أنه الناموس الذي يحفظ سره ويحمي أسراره من تفاهات الاختباء وراء شعارات وكلمات سياسية ودبلوماسية كاذبة ومنافقة ومخادعة.أنه الوفاء لبعض من السنوات التي عمل خلالها هذا الرجل سفيرا لبلاده في بلد محاصر بالحرب وبحالة عداء واستعلاء ورياء أمريكي تدعو للتقزز والقرف من أمريكا وكل من يدور في فلكها من الصعاليك والمماليك. هكذا هم الرجال وتظهر رجولتهم وقت الشدة وفي الأزمات ووقت تحتاجهم الحقيقة. أما كلمة الحق التي فقدها عالمنا العربي بسبب عجز حكوماته عن قولها والتفوه بها أو حتى محاولة نطقها.وكلمات القادة العرب أحيانا تكون كاللكمات,لأنها أي النواميس العربية الصغيرة جدا والمزعجة جدا, نواميس لا ترى بالعين المجردة, بل على المرء أن يستعمل ميكروسكوب حتى يستطيع رؤيتها. والى أن تزول النواميس هنا وهناك علينا البحث عن سبل الخروج من أزماتنا بقناعتنا وبعيدا عن تدخلات الأغراب والأعداء. [n1]