أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - سراب اسمه (تجديد الخطاب الدينى)















المزيد.....



سراب اسمه (تجديد الخطاب الدينى)


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4237 - 2013 / 10 / 6 - 13:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


سراب اسمه (تجديد الخطاب الدينى)
طلعت رضوان
يرى أصحاب تيار (تجديد الفكر الدينى) أنهم يُعبّرون عن (الفهم الصحيح للإسلام) بينما المُتشدّدون والإرهابيون الذين يقتلون كل مختلف معهم لأنهم (( لا يفهمون صحيح الإسلام )) هنا يقف العقل الحر أمام إشكالية منهجية : مَنْ مِنَ الفريقيْن معه الصواب ؟ ثم يتبيّن للعقل الحر استحالة الإجابة عندما يكتشف أنّ الفريقيْن يستندان إلى مرجعية واحدة (القرآن والأحاديث النبوية) وعند هذه المحطة من التساؤلات فإنّ العقل الحر يصطدم بمتاهة يصعب عليه الخروج منها : إنها متاهة الصراع بين الفقهاء حول قبول أو رفض باب (أسباب النزول) وباب (الناسخ والمنسوخ) هنا أيضًا نجد صراعًا حادًا بين الفريقيْن ، وإنْ كان الرافضون التعرض لباب (أسباب النزول) وباب (الناسخ والمنسوخ) هم الأعلى صوتــًا والأكثر تصديقــًا وقبولا لدى كل الجماعات الإسلامية ( فى الجزائر ومصر إلخ) الذين استباحوا قتل الأبرياء (من مسلمين وغير مسلمين) وهدموا دور العبادة الخاصة بغير المسلمين ، وقتلوا ضيوف مصر من السياح المولعين بالحضارة المصرية ( مذبحة معبد حتشبسوت فى الدير البحرى بالأقصر- شهر هاتور / نوفمبر 1997- نموذجًا ) فإذا كان أصحاب تيار (تجديد الخطاب الدينى) يرونَ أنّ الآيات القرآنية التى نصّتْ على قتل (المشركين) و(كفار قريش) عالجتْ أحداثــًا لها طبيعتها (الزمانية والمكانية) الخاصة ، وبالتالى لا يجوز تعميم تلك الآيات وتطبيقها على البشر فى العصور اللاحقة ، فإنّ أصحاب الفريق الآخر ( المُتشدّدين ) كما أطلق عليهم الإعلام وأصحاب الفريق الأول ، يرونَ أنّ القرآن صالح لكل زمان ولكل مكان ، وأنّ قتل ( الكفار ) لا يجب أنْ يتوقف ويكون له الديمومة ويأخذ شكل المتوالية الدائمة حتى يدخل كل البشر فى الإسلام ، ويستشهدون بالآيات القرآنية المؤيدة لوجهة نظرهم مثل (( يا أيها الذين آمنوا اقتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة)) (التوبة / 123) ولأنهم يستهدفون دخول الجنة فإنهم فى سبيل هذا الهدف يتمسّكون بتطبيق الآية رقم 111من ذات السورة ((إنّ الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأنّ لهم الجنة يُقاتلون فى سبيل الله فـَيَقــْـتلون ويُقــْـتـَـلون وعدًا عليه حقــًا فى التوراة والإنجيل والقرآن ... وذلك هو الفوز العظيم )) وأيضًا ((فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق)) (محمد / 4) ولأنّ محاربة الله ورسوله قد تكون فى الإهتمام بحضارات الشعوب القديمة ( مصر واليونان والصين والهند إلخ) وأنّ أصحاب تلك الحضارات (وثنيون) إلى آخر ما جاء فى التراث العربى / الإسلامى ، فإنّ الأصوليين يتمسكون بتطبيق النص القرآنى (( إنما جزاء الذين يُحاربون الله ورسوله ويسعونَ فى الأرض فسادًا أنْ يُقتلوا أو يُصلبوا أو تـُقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنفونَ من الأرض)) (المائدة / 33) ويؤمنون بتطبيق نص قرآنى آخر ((سألقى فى قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان)) (الأنفال/ 12) والأكثر فداحة إيمانهم بأنهم مجرد (وسيلة) بالتطبيق لآية ((فلمْ تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما رميتَ إذْ رميتَ ولكن الله رمى)) (الأنفال / 17) وأيضـًا ((وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله)) (الأنفال / 39) وهذه الآية الأخيرة وُجدتْ فى ديروط مكتوبة على بوستر يشقه سيف من المنتصف بشكل رأسى والمقبض من أسفل الآية على جانبىْ البوستر(مجلة روز اليوسف 29/6/92) وأيضًا ((فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد)) (التوبة / 5) وعن هذه الآية كتب المرحوم المفكر الكبير خليل عبد الكريم أنها ((معروفة بآية السيف . والتى يرى كثير من ثقاة مفسرى القرآن أنها جبّت آيات المسالمة والصفح والعفو. وأنّ القتل يتعين أنْ يلحق حتى بمن وقع أسيرًا فى أيدى المسلمين . والشق الأخير طبّقه محمد بن عبد الوهاب إمام الحركة الوهابية فى الجزيرة العربية فى القرن 18 فكان يأمر بقتل الأسرى حتى ولو كانوا مسلمين ما داموا لم يتابعوه على رأيه. وعمومًا فإن هذا التفسير لآية السيف هو الذى تتبناه الجماعات الأصولية الإسلامية المتطرفة فى مصر والجزائر)) (الإسلام بين الدولة الدينية والدولة المدنية- سينا للنشر- عام 95- ص 52) كما ربط ذلك بسلوك وتوجهات الإخوان المسلمين فكتب ((لم يكن من باب المصادفة أنْ يحمل شعار الإخون المسلمين سيفيْن حول المصحف الشريف ، فهم المصحف ولمن عداهم سيفان : الذى على اليمين لمخالفيهم من المسلمين ممن لا يعتنقون أفكارهم ويؤمنون بمبادئهم ، والسيف الآخر (الذى على الشمال) لغير المسلمين . وهذه هى المهمة التى قام بها النظام الخاص المشهور إعلاميًا ب (الجهاز السرى) كما تنطق بذلك صفحات حزينة من تاريخ مصر الحديث ، ثم أكملتْ المسيرة الدامية الجماعات الحديثة لأنها تعتنق الفكر ذاته. وتؤمن من أعماق نفوسها ب (الاصطفائية) و( تملك الحقيقة المطلقة ) والثمرة لهذه الجذور هى : العنف)) (المصدر السابق - ص 39)
ولأنّ الراحل الجليل خليل عبد الكريم كان يحتكم للعقل الحر، لذا اختلف مع برهان غليون الذى دافع عن الجماعات الإسلامية وبرّر عملياتها الاجرامية فى كتابه (نقد السياسة- الدولة والدين) فكتب ((إنّ العدوانية التى تـُظهرها بعض الفئات الدينية المتطرفة ليست الانعكاس للروح الدينية التى تحتويها ، ولكنها التعبير عن الشعور بانسداد الآفاق وبالتهديد وبالتهميش والانعزال والتضييق الذى تعيشه فئات عديدة من المجتمع وغياب الإمكانيات والوسائل المتطورة لتجاوزه)) فكان تعليق خليل عبد الكريم (( وأيًا كانت درجة الصواب فى هذا الرأى ، فإنّ الذى لا مرية فيه أنّ خيار القوة المسلحة الذى تنتهجه الجماعات الأصولية الإسلامية المتطرفة له تاريخيته وسنده من (النصوص المقدسة) وهذا فى مذهبنا ما يجب التسليم به حتى يمكن فهم هذه الجماعات الفهم الأمثل)) (المصدر السابق – ص 55) ولأنه رفض مهادنة أو حتى مغازلة الأصوليين كما فعل كثيرون أمثال حسن حنفى وفهمى هويدى وطارق البشرى ، فإنه- أيضا – رفض إمساك العصا من المنتصف كما فعل أصحاب تيار (تجديد الفكر الدينى) فكتب (( الإسلاميون على اختلاف فصائلهم – وكاتب هذه السطور لا يرى أنّ بينهم معتدلين ومتشددين بل جميعهم سواء – لديهم مشروع سياسى ، هو الوثوب على السلطة بكافة الطرق ، وفى مقدمتها وأفضلها لديهم العنف ، وبقصد الترويج لمشروعهم السياسى طرحوا عددًا من الشعارات والمقولات : (الإسلام هو الحل) و(الحاكمية لله) و(تطبيق الشريعة) و(الإسلام دين ودولة) و(الإسلام مصحف وسيف) و( إعادة الخلافة ) و(القومية الإسلامية) و(جاهلية المجتمع) و( أسلمة العلوم والاقتصاد والبنوك ) إلخ)) (المصدر السابق – 161) ولأنه كان يعلم أنّ كثيرين من الماركسيين يُغازلون الإسلاميين ( عن اقتناع أو عن تملق ) حفر لنفسه جملة ثاقبة قال فيها (( اللهم اجعل كلامى خفيفــًا على قلوب الناصريين والماركسيين وكل اليساريين )) كتب ذلك رغم أنه كان عضو اللجنة المركزية بحزب التجمع ( اليسارى ) الذى سحب منه (فى غيبته) عضوية اللجنة المركزية وأنزله إلى درجة العضو العادى .
انتشر تعبير(صحيح الإسلام) وأنّ ما يقوله (المُعتدلون) هو الإسلام الصحيح ، بينما يرى المُتشدّدون أنّ مفهومهم للإسلام هو الأصح . وهنا وقع الفريقان فى مغالطة يرفضها علم المنطق. فكل فريق يدّعى أنه يمتلك الصواب المُطلق . والأهم (فى هذه الظاهرة) أنّ الفريقيْن يستخدمان نفس الحجج (القرآن والأحاديث) ولم ينتبها إلى الحقائق الثابتة مثل تعدد المذاهب (أربعة رئيسية : الشافعية، الحنيفية، المالكية، الحنبلية) غير المذاهب الفرعية فى النطاق السنى فقط . ولم يهتم الفريقان باختلاف التفاسير(تفسير الطبرى يختلف عن تفسير القرطبى ، وتفسير ابن كثير غير تفسير الجلاليْن وهكذا) بل إنّ أسباب النزول اختلف فى شأنها القدماء والمُحدثون.
وإذا كان الصراع يدور بين (المُعتدلين) و(المُتشدّدين) وكل فريق يدّعى امتلاكه لمفاتيح (صحيح الإسلام) فماذا يفعل الإنسان غير المُتخصص الواقع بين رحى هذين الفريقيْن؟ وأعتقد أنّ ماذكره ابن القيم هو درسٌ لكل من يرى أنّ اجتهاده هو الصواب المُطلق . قال ابن القيم ((سمعتُ شيخ الإسلام ابن تيميه فى آخر حياته يقول : أنا منذ أربعين سنة أصحح إسلامى كل يوم . وما أظن أننى أسلمتُ إسلامًا جيدًا إلى الآن)) (نقلا عن أ. محمد حسن يعقوب- قضية الالتزام والتخلص من رواسب الجاهلية- دار التقوى- عام 2005ص37) وكتاب الشيخ يعقوب موّجه للشباب فيقول لهم أنّ الثياب العصرية هى ((ثياب المُتشبهين بالكفار)) وذلك فى صيغة سؤال ((أخى. هل تعتقد أنّ الالتزام يعنى أنْ تخلع ثياب المُتشبهين بالكفار وترتدى ثيابًا تتناسب مع شرع الله؟)) (ص44) أى أنه لم يتعظ بما قاله ابن تيميه الذى ظلّ يُصحّح إسلامه طوال أربعين سنة. وإذا كان المُعتدلون يُدافعون عن (أهل الكتاب) وضرورة مُعاملتهم بالحسنى ، فإنّ الشيخ يعقوب فى وصاياه للشباب يقول لهم ((أمر رسول الله (ص) بمخالفة اليهود والنصارى فقال " يامعشر الأنصار : خالفوا أهل الكتاب)) (ص332) والشيخ الفاضل الذى لا يشك أحد فى (تبحره) فى الدين الإسلامى يصل إلى مُبتغاه فيقول للشباب (إنّ ولاءنا لله يُحتم علينا أنْ نعتزل كل فرق الضلال من الفاسقين والفاجرين والمنافقين والعلمانيين وأصحاب الفكر المسموم ، لا نـُخالطهم ولا نجلس معهم . إنّ ذوباننا فيهم يعنى ضياع إسلامنا وسط جاهليتهم . ثم إنه من حق المجتمع علينا أنْ نـُريه الصورة النقية للإسلام الصحيح)) (322، 323) وبينما يرى المُتشدّدون أنّ الإسلام أمر بزى مُعين ، فإنّ الشيخ يعقوب- المُصنف ضمن غلاة المُتشدّدين وقع فى التناقض مع ما سبق ذكره وكتبه عن (( ثياب المُتشبهين بالكفار )) فكتب ((ليس هناك زى خاص فى الإسلام ، فهذه مسائل تـُركتْ لأعراف القوم)) (ص333) فهل صدّقه أتباعه أم انصرفوا عنه ؟
وإذا كان ابن تيميه ظلّ يُصحّح إسلامه طوال 40سنة ، فإنّ أبو الحسن الأشعرى بعد تبحره فى الاعتزال صعد إلى المنبر وقال ((اشهدوا علىّ أنى كنتُ على غير دين الإسلام وإنى قد أسلمتُ الساعة)) وكان تعليق الأزهرى المُستنير عبدالمتعال الصعيدى ((وحينئذ يكون المُعتزلة فى نظره كفارًا لا مسلمين. وكان الأجدر به ألا يتنكر لمذهب مكث معتقدًا صوابه أربعين سنة. فلا يصح أنْ ينفى الإسلام عن أصحابه أو يقول إنهم فساق مسلمون وإنما هم مُجتهدون يثابون على صوابهم ويُعذرون فى خطئهم)) (المُجدّدون فى الإسلام- هيئة قصور الثقافة- عام 2007ص 160)
إنّ التشبث بالمرجعية الدينية مع العداء للفلسفة أحد أهم أسباب التخلف وهو ما انتبه إليه الصعيدى فذكر أنّ الفلسفة أحد أسباب النهضة. ولم يظهر الفلاسفة (فى التاريخ العربى/ الإسلامى) لأنّ أهل السنة عداؤهم للفلسفة وعلومها معلوم لأنّ الدين فى نظرهم عدوٌ للفلسفة. (الصياغة الأدق هى أنّ الفلسفة تـُشكل خطرًا على الدين – ط . ر ) وأنّ المُتشدّدين من أهل السنة كابن حنبل وغيره كانوا يضيقون بالعلوم الطارئة على الإسلام فكانوا يُحاربونها سرًا وجهرًا ويُثيرون العامة عليها فى كل البلاد . وقصروا الناس على الاشتغال بالعلوم الدينية ليصيروا بهم إلى الجمود (من 123- 128) وبسبب هذا الجمود تأجّج الصراع حول حلبة (من فى حوزته الكلمة الفصل عن صحيح الإسلام) واستمر حتى تم إتهام الإمام محمد عبده بالكفر لأنه بدأ ينشر آراءه المُغايرة لآراء عُشاق الجمود ، رغم تبحره فى الدين الإسلامى ودفاعه عن الإسلام بل ودفاعه عن ابن تيميه وابن القيم والغزالى ودوره فى الرد على الغربيين الذين لم يفهموا الإسلام على (أصوله الصحيحة) وكان من بين أسباب الهجوم عليه من المسلمين المُعاصرين لنا والمُعاصرين له أنه كان ((يستنكر تفريعات الفقهاء الخيالية)) لذا نجده وقد ضاق بالمُتشدّدين يكتب قصيدة قال فيها ((ولستُ أبالى أنْ يُقال محمد أبل/ أم اكتظتْ عليه المآتم/ ولكن دينــًًا قد أردتُ صلاحه/ أحاذر أنْ تقضى عليه العمائم)) (مذكرات الإمام محمد عبده- كتاب الهلال- عام 93ص8) وفى القرن 18م كتب الشيخ حسن الحجازى قصيدة وصف فيها رجال الأزهر فقال (الجامع الأزهر إبتلاء/ ربٌ له العز والوجود/ صلوا وصاموا والليل قاموا/ والقلب عن كل ذا بعيد/ أبدلهم دهرنا قرودًا/ يا بئس دهرًا له قرود) (الصعيدى- مصدرسابق ص420)
إنّ حلبة الصراع بين المُتشدّدين والمُعتدلين حول من فى حوزته (صحيح الإسلام) هى أشبه بحلبة مصارعة الثيران لا يستطيع العقل الحر أنْ يتعاطف مع المصارع (ماتدورMatador ) لمجرد أنه (إنسان) ذلك أنه يُصارع كائنــًا حيًا لا ذنب له فى هذه (اللعبة) البشعة اللا إنسانية التى أدخلها العرب إلى إسبانيا (الموسوعة العربية المُيسرة- ط65ص1707) كما لا يستطيع العقل الحر التعاطف مع أحد المُتصارعيْن فى لعبة الملاكمة أو المصارعة الحرة. وإذا كان العقل الحر يرفض التكفير فهو من باب أولى يرفض الاغتيالات ، فالعقل الحر يرفض المرجعية الدينية فى إدارة شئون الدنيا، لذلك استنكر (العقل الحر) اغتيال فضيلة د. محمد حسين الذهبى وزير الأوقاف الأسبق على يد أصوليين رأوا أنهم يفهمون صحيح الإسلام أفضل منه ، رغم أنه كتب عنهم أنهم ((فئة صالحة يلتمسون نقاء العقيدة وصلاح الدين)) (نقلا عن د. بنت الشاطىء- أهرام 18/6/92) ونظرًا لأنّ كل فريق يدعى أنه يملك الصندوق الأسود لفهم (صحيح الإسلام) لم تكن مفاجأة أنْ تخرج بعض الفرق الإسلامية على الشيخ الغزالى وتتهمه بالكفر هو والشيخ الشعراوى والمفتى ورجال الأزهر وأنّ فتوى التكفير كانت مصحوبة بإهدار الدم (روزاليوسف 30/11/92)
تتمثل الاشكالية المنهجية بين الفريقيْن فى أنّ أحدهما يتمسك بقاعدة (عموم اللفظ وليس سبب التنزيل) وأنّ القرآن صالح لكل زمان ومكان، لذلك يرون تطبيق نصوص الآيات القرآنية المُحرّضة على قتل المُختلفين الوارد ذكرها فى السطور السابقة ، ويُضيفون إليها آيات أخرى مثل (( يا أيها النبى جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم)) (التوبة /73) وإذا كان (الكفار، أو من يحسبهم الأصوليون من الكفار، سينالون القتل وتقطيع أيديهم وأرجلهم إلخ فى الدنيا ) فإنّ عقوبتهم مزدوجة (مرة فى الدنيا ومرة فى الآخرة) وهو ما نصّ عليه الجزء الأخير من الآية رقم 73 من سورة التوبة ((ومأواهم جهنم وبئس المصير)) وكذلك ((إنــّا أعتدنا جهنم للكافرين نـُزلا)) (الكهف / 102) ثم تأتى الآية الحاسمة فى ضرورة قتل المُخالفين والتى يتمسّك بها الأصوليون ((قل للمُخالفين من الأعراب ستـُدعونَ إلى قوم أولى بأس شديد تـُقاتلونهم أو يُسلمون)) (الفتح / 16) كما يعتمد الأصوليون على الأحاديث النبوية مثل ((أمرتُ أنْ أقاتل الناس حتى يشهدوا أنْ لا إله إلاّ الله وأنّ محمدًا رسول الله)) وكذلك حديث ((قولوا لا إله إلاّ الله واشهدوا إنى رسوله واتبعونى تطعكم العرب وتملكوا العجم . إنّ الله ضمن أنْ يغلب سلطانى سلطان كسرى وقيصر. وقال : جعل رزقى تحت سن رمحى وقال بُعثتُ بالسيف والخير مع السيف والخير فى السيف والخير بالسيف ولا تزال أمتى بخير ما حملتْ السيف)) (رسالة الغفران وتاريخ الطبرى ج2) الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التى تحض على القتل اعتمد عليها محمد عبدالسلام فرج مُنظر تنظيم الجهاد فى كتيب (الفريضة الغائبة) بينما فريق المُعتدلين يرون أنّ هذه الآيات والأحاديث كانت موجهة لكفار قريش فقط ، وهكذا يستمر الجدل العقيم بين الفريقيْن المُعتمديْن على ذات المرجعية الدينية دون أنْ يقتنع أحدهما برأى الآخر، فى حين أنّ العقل الحر يرفض هذه المرجعية من الأساس، وأنّ إدانة العنف واقصاء المختلف يجب أنْ تتأسس على رفض منهج (التكفير) وأنّ الإنسان حرٌ فيما يعتقد .
ولأنّ الدين – طوال التاريخ البشرى – تم توظيفه لأغراض السياسة ، لذا لم تكن مفاجأة أنْ يقف البكباشى عاطف نصار (أثناء مذبحة عمال كفر الدوار بعد 20 يومًا من سيطرة الضباط على حكم مصر يوم 23يوليو1952) ليُعلن أنّ (مصطفى خميس- 18سنة) كان ((يُحارب الله ورسوله فحق عليه القتل)) وذلك فى تبرير فج لإعدامه وإعدام زميله محمد البقرى (19سنة ونصف) (أنظر المؤرخ العمالى – طه سعد عثمان فى كتابه " خميس والبقرى يستحقان إعادة المحاكمة " مطابع الأمل – عام 93- أكثر من صفحة. وكذا عبد المنعم الغزالى فى كتابه : بعد أربعين عامًا براءة خميس والبقرى – أكثر من صفحة)
كما استغل الضباط توظيف الدين فى المحاكمات (العسكرية) التى نصبوها للسياسيين الذين شهدوا التجربة الليبرالية قبل كارثة أبيب / يوليو52 وكان فى مقدمتهم أعضاء حزب الوفد ، وهى المحاكمات التى أخذتْ أكثر من اسم كان أشهرها (محكمة الثورة) وعن هذه المحكمة كتب المرحوم جمال بدوى (( فى الساعة العاشرة من صباح الأربعاء 9/12/53 مثل فؤاد سراج الدين أمام تلك المحكمة المُشكلة برئاسة قائد الجناح عبد اللطيف البغدادى وعضوية البكباشى أنور السادات وقائد الأسراب حسن إبراهيم ، أعضاء مجلس قيادة (الثورة) بالإضافة إلى البكباشى زكريا محيى الدين الذى رأس مكتب الإدعاء . وتناثرت على جدران القاعة آيات قرآنية تم اختيارها بعناية مثل (( اقتلوهم حيث ثقفتموهم )) و (( وليجدوا فيكم غلظة )) و((فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان)) ( نظرات فى تاريخ مصر- هيئة الكتاب المصرية- عام 88- ص 321، 322- وأنظر كذلك مذكرات إبراهيم طلعت – مكتبة الأسرة – عام 2003- ص 259)
الاعتدال والتطرف فى ميزان المرجعية الدينية (نموذج تطبيقى)
أطلقتْ الثقافة المصرية السائدة البائسة على د. سعاد صالح صفة المُعتدلة. وكنتُ حين أقرأ لها أو أسمع أحاديثها التى تختلف فيها مع بعض الشيوخ ، أحييها بقلبى ، مثل موقفها من قضية (الخلوة بين المرأة والرجل) ففى حوار تليفزيونى أصرّ أحد الدكاترة الشيوخ (أو الشيوخ الدكاترة) على أنّ الموظفة لا يجوز أنْ تدخل مكتب رئيسها فى شأن من شئون العمل إلاّ بوجود (محرم) فاعترضتْ د. سعاد وأسّستْ حجتها على أنّ مكتب الرئيس متاح دخوله لأى موظف فى أى وقت إلخ ، فأصر سيادته على رأيه. فسألته د. سعاد (( حتى ولو كان الباب مفتوحا ؟ )) فرد عليها (( حتى ولو كان الباب مفتوحا ))
فى هذا الحوار أثنيتُ على د. سعاد ولكن بقلبى وليس بعقلى ، لأنها فى مواقف أخرى لا تختلف عن موقف الأصوليين ، إلى أنْ جاء حديثها فى فضائية خاصة وتعرّضتْ للمصريين المسيحيين وقالت أنه (( لا ولاية لكافر. ولا يمكن للأقل دينــًا أنْ يولى على الأفضل والأكثر دينــًا ))
وإذا كان من حق د. سعاد أنْ تـُعبّر عن مرجعيتها الدينية ، فالسؤال هو : ما الفرق بين قنوات التليفزيون التى تدعى (الاستقلالية) وقنوات الحكومة ؟ وألا يطرح هذا المثال حقيقة أخرى تتمثل فى إصرار مقدمى القنوات (الخاصة) على استضافة الدعاة والداعيات الذين يعيدون صياغة ما يقوله الدكاترة الشيوخ ، والشيوخ الدكاترة فى الفضائيات الدينية ؟ فإذا افترضنا النوايا الحسنة فى مقدمى القنوات التى يعتقد السذج ( من أمثالى) أنها ليست (قنوات دينية) لن تتبقى إلا حقيقة ساطعة لاهبة مثل شمس بؤونة ، وهى أنّ مقدمى ومقدمات الفضائيات الذين يتحدثون عن (الوحدة الوطنية) وعن ( الدولة المدنية ) ويرتدون أحدث الموديلات العصرية ، ناهيك عن المذيعات اللائى يظهرنَ بالشعر اللامع والوجه المتألق بمساحيق التجميل ، ولكن يبقى ( العقل ) نسخة كربونية من مذيعى ومذيعات الفضائيات الدينية. ولكن هل ( النويا الحسنة ) تكفى لصناعة مقدم برامج يتميّز بالأداء الرفيع المجدول بالحيادية ، التى يستحيل توفرها مع غياب ( المرجعية الثقافية ) بمعنى أنّ المذيع عندما يختار ضيفــًا أو موضوعًا ، فلابد من توافر الحد الأدنى من (المعلومات) عن هذا الضيف وعن ذاك الموضوع . هذا ( الحد الأدنى ) يوفر للمذيع ( الخلفية المرجعية) للضيف : كيف يُفكر، وما المتوقع منه أثناء التسجيل إلخ . وفى مثالنا الحالى ، ماذا يتوقع من د. سعاد وهى مقيدة بمرجعيتها الدينية ؟
الحفر فى جرح مفتوح :
تعرّضتْ د. سعاد كثيرا للهجوم من بعض الجماعات الإسلامية باعتبارها تخالف بعض الثوابت فى الدين الإسلامى ، مثل رفضها للنقاب على أساس أنه (( عادة وليس عبادة )) كما قالت وكتبتْ . ولكن بعد حديثها عن أنه لا ولاية لكافر إلخ رحّبتْ بها ( كل ) الفضائيات الدينية وكذا الفضائيات والأرضيات التى تدّعى أنها ليست دينية. كما رحبتْ بها ( كل ) التيارات الإسلامية ، وبالتالى بدأ الغوص فى جرح الاحتقان الدينى ( المفتوح دائمًا والملوث بالصديد الاجتماعى والسياسى والثقافى ) بين أبناء شعبنا ، فعاد النزيف مُجدّدًا ، إذْ حدث أنه لتبرير ولتأييد ما قالته د. سعاد عن أنه (( لا ولاية لكافر)) وعن أنه (( لا يمكن للأقل دينــًا أنْ يُولى على الأفضل والأكثر دينــًا )) فإنّ المُدافعين عنها استشهدوا بآيات من القرآن مثل (( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم )) (المائدة /51) وأيضًا (( لقد كفر الذين قالوا إنّ الله هو المسيح ابن مريم قل فمن يملك من الله شيئــًا إنْ أراد أنْ يهلك المسيح ابن مريم وأمه )) ( المائدة / 17) واستشهدوا أيضًا بأحاديث نبوية كثيرة مثل حديث الرسول الذى قال فيه (( والذى نفس محمد بيده لا يسمع أحد من هذه الأمة يهودى أو نصرانى ثم يموت ولا يؤمن بالذى أرسلتُ به إلاّ كان من أصحاب النار)) ( أخرجه الإمام أحمد فى مسنده )
فإذا كانت د. سعاد لم تـُفكر ( بحكم تخصصها ومرجعيتها الدينية ) فى أثر كلامها على أبناء شعبنا من المسيحيين ، وعلى أثر هذا الكلام على المسلمين المُتعصبين ، وإذا كان الأصوليون لا يهمهم الاستقرار الاجتماعى ، حتى ولو كان الثمن تأجيج الصراع بين أبناء الأمة الواحدة ( الأمة المصرية ) وهو الصراع المؤدى إلى المزيد من الفتن المُتجسّدة فى القتل وتدمير الممتلكات إلخ وصولا إلى تحقيق هدف الرأسمالية العالمية والصهيونية الدينية ، أى تقسيم شعبنا إلى شعبيْن ، وتمزيق الوطن (مصر) إلى وطنيْن ، فإذا كان الأصوليون أصحاب المرجعية الدينية لا يعون خطورة أحاديثهم المُشعلة للنار فى جرح الاحتقان الدينى ، فى وطن مُتعدّد الأديان والمذاهب ، فكيف ولماذا يتطابق مقدمو ومقدّمات الفضائيات (فى قنوات تبدو أنها غير دينية فى الظاهر) مع الأصوليين ؟ وما الفرق بين د. سعاد المُصنــّفة على أنها (معتدلة) وبين غلاة الأصوليين ؟
الإعلام وصناعة النجوم :
منذ سنوات تربّع فضيلة الشيخ محمد متولى الشعراوى على عرش التليفزيون المصرى (المنعوت بالتليفزيون العربى) والشيخ الجليل لم يكن معه فرقة صاعقة لاقتحام مبنى التليفزيون ، ولا فرقة مظلات لمساعدته فى الهبوط على ماسبيرو. وإنما دخل بمعرفة وترحيب المسئولين ، فحاز شعبية ساحقة وتأثر به كثيرون . وهذا التأثر إنْ كان له جانبه الإيجابى على مستوى البـُعد الروحى ، فكان له أيضًا جانبه السلبى على مستوى هدم الوحدة الوطنية بين أبناء شعبنا ، ومن أمثلة ذلك أحاديثه المُعادية للمصريين المسيحيين . وإذا كان البعض سيتحجّج بتقديم شرائط التسجيل ، التى لا أملكها ويملكها التليفزيون الذى يتحفظ عليها ولا يعرضها للجمهور، حتى لا يتعرّض الشيخ الجليل بعد بعثه من تربته (خاصة بعد ثورة شهر طوبة / يناير2011) إلى إهتزاز صورته عند مُشايعيه وأتباعه ، فإذا احتجّ البعض على الشرائط التليفزيونية التى ليستْ فى حوزتى ، فإننى أحيله إلى حديث منشور ، أكد فيه على أنّ المسيحيين كفرة . وضرب مثالا بحالة المسلم إذا رغب فى الزواج من كتابية ( نصرانية أو يهودية) فقال فضيلته (( الزواج من الكتابية جائز. ولكن قبل أنْ تتزوجها يجب أنْ تبادرها بهذا السؤال : ماذا تقولين فى عيسى ؟ لو قالت إله أو ابن الله ، فلا تكون كتابية بل كافرة وحينئذ لا يجوز زواج المسلم منها )) ( مجلة آخر ساعة- 18/4/1990) هنا نجد تطابق د. سعاد مع الشيخ الشعراوى ومع كل الأصوليين . فمن صنع هؤلاء النجوم ؟ ولماذا كان الهجوم عنيفــًا على الجماعات الإسلامية السرية ( التى كانت تعمل تحت الأرض ) مثل ( شباب محمد ) إلخ ولماذا روّج الإعلام للتفرقة بين هذه الجماعات وبين نجوم التليفزيون والصحافة الرسميين ؟ ولصالح من يتم تدمير العقل المصرى بتضليله عندما تضخ فى رأسه وهم التفرقة بين ( المعتدلين ) و( المتطرفين ) فإذا كانت د. سعاد ( معتدلة ) رغم تطابقها مع من يهدمون وحدة شعبنا الوطنية ، فماذا ننتظر من ( المتطرفين ) ؟
وكيف يمكن تصنيف أ. د. أحمد عمر هاشم الذى شغل المناصب التالية : رئيس جامعة الأزهر الأسبق ، رئيس اللجنة الدينية فى مجلس الشعب ( أيام مبارك ) وعضو مجلس أمناء اتحاد الاذاعة والتليفزيون ، وعضو المجلس الأعلى للثقافة ، والمشرف العام على جريدة صوت الأزهر إلخ إلخ . كتب الدكتور المذكور (( الإسلام لا يمنع التعامل مع غير المسلمين ، ولكن يمنع المودة القلبية والموالاة ، لأنّ المودة القلبية لا تكون إلاّ بين المسلم وأخيه المسلم )) (جريدة اللواء الإسلامى – عدد 153) ولكنه بعد أنْ اشتدّ الهجوم على الشيخ الدكتور القرضاوى فى الثقافة السائدة ، إذا به يتنصّل من كتاباته السابقة بل ويتناقض معها إذْ قال (( إنّ بيانات وفتاوى القرضاوى تخرج عن نطاق التعاليم الإسلامية )) (أهرام 29/9/2013) فمن نـُصدّق : القرضاوى أم د. أحمد عمر هاشم ؟ خصوصًا أنّ الأخير قاد مظاهرات طلبة جامعة الأزهر أثناء أزمة رواية ( وليمة لأعشاب البحر ) تلك المظاهرات الصاخبة والمُدمرة . وبعد أنْ بدا أنّ الأزمة على وشك النهاية ، إذا بسيادته (( يلقى على بقايا النار كمية من البنزين ، فأعاد إشعالها وتوهجـها )) (أنظر: حلمى النمنم : وليمة للإرهاب الدينى – كتاب الحرية- رقم 45- عام 2000- ص 80) فهل سيادته من ( المعتدلين ) أم من ( المتطرفين ) ؟ أم أنه وفق التعريف العلمى من الأصوليين الذين لا يمتلكون إلاّ المرجعية الدينية الهادمة للانتماء الوطنى ؟ مع مراعاة أنّ ما قالته د. سعاد صالح وما قاله الشيخ الشعراوى وما قاله د. أحمد عمر هاشم ، هو نفس الكلام الذى قاله ويقوله أعضاء التكفير والهجرة وتنظيم الجهاد وكل التنظيمات الإسلامية التى تـُكفر الحكام والمحكومين ، وتحكم على مخالفيم بالقتل ، ويصفها الإعلام ب (المتطرفة) ؟
المسكوت عنه بعد حديث د. سعاد هو صمت المقابر الذى التزم به الإعلام ، باستثناء بعض الأصوات الشريفة والنادرة أمثال د. خالد منتصر فى مقال له بصحيفة المصرى اليوم . والمسكوت عنه كذلك : مغازلة ما يُسمى ب ( أحزاب المعارضة ) للأصوليين . فهذا حزب الوفد الذى رفض رئيسه (مصطفى النحاس) تتويج الملك فاروق فى احتفال دينى ، لتأكيد (علمنة مؤسسات الدولة) فإذا بهذا الحزب يُشكل لجنة ( دينية ) برئاسة الدكتورة التى تتكلم عن ( الكفار ) وعن ولاية الأكثرية الدينية للأقلية الدينية ( = خضوع الأقلية للأكثرية ) وعن (( الأفضل دينــًا ) مقابل (وفق المعكوس فى اللغة العربية) (( الأسوأ دينــًا )) وإذا كان ما حدث مجرد نقطة فى بحر الاحتقان الدينى الدامى ، فكيف يمكن خروج مصر من هذا المأزق ( النفق ) الحضارى ؟
000
وإذا كان هذا هو موقفهم من (غير المسلمين) فإنهم يتشابهون ويتطابقون فى موقفهم من المـرأة ، ويزعمون مساواتها التامة بالرجل ، وهم بذلك يكذبون على القرآن ويحمّلونه بما ليس فيه ، إذْ أنّ النصوص صريحة على أنها نصف الرجل فى الميرات (( للرجل مثل حظ الأنثييْن )) ونصف الرجل فى الشهادة (( رجل وامرأتان )) والتأكيد على سيادة البعل (الزوج) على زوجته وعلى سيادة الرجال على النساء (( وللرجال عليهنّ درجة )) (البقرة / 228) و (( الرجال قوامون على النساء )) (النساء / 34) وإذا كان البعض يرى أنّ السبب يعود إلى أنّ الإنفاق على الأسرة مسئولية الزوج ، فإنّ العصر الحديث شهد متغيرات لم تكن موجودة وقت نزول النص القرآنى ، مثل الزوجة التى تتقاضى راتبًا وبدلات عشرة أضعاف دخل زوجها (أعرف قريبة لى تعمل فى الجهاز المركزى للمحاسبات تنطبق عليها هذه الحالة لأنّ زوجها مدرس ألعاب رياضية وبالتالى فإنّ باب (مافيا) الدروس الخصوصية مغلق فى وجهه) كما أنّ الزوج فى القرآن هو (البعل) الذى هو أحد الآلهة قبل الإسلام واللفظ يعنى ( رب ) أو (سيد ) ( جواد على – تاريخ العرب قبل الإسلام – ج 2- ص 216- هيئة قصور الثقافة – عام 2010) وهو ما أكده القرآن فقال (( أتدعون بعلا وتـَذرون أحسن الخالقين )) (الصافات / 125)
أعتقد أنّ البداية الصحيحة ستكون يوم التخلص من جريمة فصل التلاميذ فى حصة (الدين) من هنا تنشأ جريمة التمييز بين أبناء الشعب الواحد ، فينشأ الطفل على الانتماء للدين وليس للوطن ، فهذا (مسلم) وذاك (مسيحى) مع استبعاد أننا جميعًا ننتمى لوطن واحد بغض النظر عن انتماءاتنا الدينية. والحل لن يكون إلاّ عندما يأتى يوم تمتلك فيه (النخبة) شجاعة إقرار مادة (الأخلاق) كبديل عن حصة (الدين) ليتم تدريس آيات من القرآن وآيات من الأناجيل التى تحض على حب الأسرة وحب الخير إلخ بعيدًا عن أى آيات إشكالية سواء فى الإسلام أو فى المسيحية ، مع تدريس بعض نماذج من حِكم حكماء مصر القديمة وأقوال بوذا وكونفوشيوس .
إنّ مبدأ المواطنة هو الفيصل لأنه ينطلق من قاعدة أنه لا فرق بين إنسان وإنسان إلاّ بعمله وليس بديانته أو موقعه الطبقى أو منصبه الوظيفى . ولأنّ الأصوليين يرفضون مبدأ المواطنة وتنشغل ذهنيتهم بتكفير الآخر المختلف معهم، وجدنا الأصولى عبود الزمر يرفض إمارة الأصولى عمر عبدالرحمن ، قال الأول ((لا إمارة لضرير)) فردّ الثانى ((لا إمارة لأسير)) لذلك انقسم التنظيم الذى يضمهما إلى تنظيميْن : الأول بقيادة عبود الزمر ويحمل اسم (الجهاد الإسلامى) والثانى بقيادة عمر عبدالرحمن ويحمل اسم (الجماعة الإسلامية) رغم أنّ الاثنين يتزعمان تكفير المختلف واغتياله مثلما حدث مع فتوى اغتيال السادات وفتوى اغتيال شهيد الفكر(فرج فوده) وفتوى محاولة اغتيال الأديب نجيب محفوظ ، ووصل التعصب بين أصوليين مُوحدين وأصوليين مُوحدين مثلهم إلى درجة القتل ، فقد حدث خلاف بين جماعة الجهاد والإخوان المسلمين حول مفهوم الفن فتطور إلى اشتباك مسلح بينهم (جريدة الأهالى 19/6/92) ووقع خلاف آخر مع جماعة (أحمد يوسف) فى بنى سويف إذْ أنّ قائد الجناح العسكرى (حسام البطوجى) تمرد على سلطة أميره أحمد يوسف فتخلص الأخير من البطوجى فى معركة شهيرة راح ضحيتها 8 أفراد وأنّ شوقى الشيخ (من الفيوم) تمرد على مُعلمه عمر عبدالرحمن وأفتى بكفره وإهدار دمه (روزاليوسف 20/7/92) وإذا انتقلنا إلى شهر يونيو2012بعد حادث اغتيال الشاب الذى كان يسير مع خطيبته فى أحد شوارع مدينة السويس ، وحادث إغتيال شقيقيْن يعملان فى فرقة موسيقية فى مركز أبو كبير بالشرقية، نجد أنّ ضيوف الفضائيات الدائمين يتحدثون بنفس اللغة فقالوا إنّ القتلة (لا يفهمون صحيح الإسلام) بل إنّ أهالى الضحايا ردّدوا نفس الكلام . والدرس هو أنّ الظاهرة ستستمر حتى يُعلن شخصٌ ما أنه يمتلك الصندوق الأسود الكاشف عن (الإسلام الصحيح) الذى اختلف حوله المُسلمون منذ 14قرنـًا وحتى لحظتنا الراهنة البائسة. فهل المطلوب الجرى وراء سراب (تجديد الخطاب الدينى) أم أنّ الشجاعة الأدبية التى لا يمتلكها إلاّ العقل الحر، تستوجب البدء فى ( تطوير الخطاب الثقافى ) ؟ ليسمح بمصابيح التنوير أنْ تـُزيل غمة الظلمات الحاجبة سماوات الحرية منذ 61سنة.
***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- موتسارت : طفل معجزة وحياة بائسة
- التوراة بين التاريخ والعلم والأساطير
- النقد العلمى لأسطورة هيكل
- مدينة أون والادعاء العبرى
- اسم مصر
- قاسم أمين : أحد رموز التنوير
- شهر مصرى صُغنتوت من خمسة أيام
- فرح أنطون ومحمد عبده
- أحمد لطفى السيد
- قناة الجزيرة والوعى المتأخر
- متى تتحقق الحرية والعدالة ؟
- هل تلتقى المذهبية مع التحضر ؟
- العلاقة بين الخرافة والأسطورة والدين
- إيزيس / مريم / زينب
- موسى بين التراث العبرى ولغة العلم
- التعريف العلمى لثورات الشعوب
- يوسف بين التراث العبرى ولغة العلم والفلوكلور
- الإبداع والأيديولوجيا : أولاد حارتنا نموذجًا
- إبراهيم بين التراث العبرى ولغة العلم
- امبراطورية الشر الأمريكية


المزيد.....




- وفاة قيادي بارز في الحركة الإسلامية بالمغرب.. من هو؟!
- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - سراب اسمه (تجديد الخطاب الدينى)