أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - موسى بين التراث العبرى ولغة العلم















المزيد.....


موسى بين التراث العبرى ولغة العلم


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4200 - 2013 / 8 / 30 - 14:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


موسى هو الرمز القومى لبنى إسرائيل فى التراث العبرى (العهدان القديم والجديد والقرآن) وأثارتْ شخصية موسى الكثير من الجدل (العلمى) بين العلماء، فبينما يعتبره سيجموند فرويد ((الشخص الذى أقام الديانة الموسوية، وهو زوج ابنة يثرون المديانى ، الرجل الذى أعاره اسمه. ونحن لا نعرف مع ذلك شيئا شخصيًا عن هذا الموسى الآخر- فموسى الأول ، موسى المصرى، يحجبه تمامًا إلاّ احتمالا فيما يبدو من دلالات تـُظهرها تناقضات التوراة فى وصف موسى.. وأظن أنّ لى ما يُبرّر فصل الشخصيْن (موسى العنيف وموسى الوديع) عن بعضهما . وتصور أنّ (موسى المصرى) لم يحدث أنْ كان فى قادش أبدًا . وأنه لم يسمع أبدًا باسم يهوه ، بينما لم يضع موسى المديانى قدمًا فى مصر. ولم يعرف شيئا عن (آتون) ولكى توحّد بين الشعبيْن فى شعب واحد ، كان لزامًا على الرواية أو الأسطورة أنْ تـُحضر موسى المصرى إلى مديان)) (موسى والتوحيد- ترجمة- ترجمة د. عبدالمنعم الحفنى- مطبعة الدار المصرية- ص 97، 98) ورغم أنّ فرويد يهودى الديانة ، إلاّ أنه عالم يحترم لغة العلم ، لذا نقل رأى العالم إدوارد ميير الذى رفض فكرة وجود موسى مصرى فكتب ((إنّ موسى الذى نعرفه هو جد كهنة قادش ، ومن ثم فهو بالنسبة إلى العقيدة صورة لأسطورة النسب وليس شخصًا تاريخيًا)) (ص87) لذا كتب فرويد ((صارتْ الديانة اليهودية حفرية)) (ص182) وكتب أيضًا مع افتراض أنّ موسى كان مصريًا ((سواء أثبتَ ذلك أم لم يثبت، لا يُمكن استخلاص شىء أكثر من ذلك الآن. وليس بوسع أى مؤرخ أنْ ينظر إلى القصة التى ترويها التوراة عن موسى والخروج بأكثر من أنها أسطورة دينية. ولكننا لا نستطيع أنْ نبقى بغير اكتراث عندما نجد أنفسنا فى تعارض مع البحوث التاريخية اليقظة لعصرنا)) (ص84) وكتب ((يبدو لى سؤال : من كان فرعون فى وقت حدوث الخروج ، سؤالا فارغًا ، فلم يكن هناك فرعون فى ذلك الوقت لأنّ الخروج حدث فى الفترة التى تخللتْ حكميْن)) (ص111، 112) وأنّ الإسرائيليين هم الذين ((خلقوا نص التوراة)) (ص104)
أما العالم الكبير جيمس فريزر فكتب أنّ قصة ميلاد موسى ونشأته فى مصر ((تحتوى على ملامح يمكننا أنْ ننسبها إلى مجال الفولكلور أكثر من أنْ ننسبها إلى التاريخ)) ثم ذكر حكايات مُشابهة لقصة ميلاد موسى فى أساطير بعض الشعوب ، مثل أسطورة رومانية تحكى عن (ريا سيلفيا) التى أخذتْ على نفسها عهدًا بأنْ تـُكرّس حياتها لعبادة الإلهة (فستا) إلهة النارعند الرومان وأنْ تظل عذراء طوال حياتها. ولكنها لم تتمسك بوعدها ثم اكتشفتْ أنها حامل . وأنجبتْ توأمًا ذكرًا وقالتْ إنّ أباهما هو الإله (مارس) ولكن عمها لم يُسلم بهذا الادعاء وأمر بأنْ يرمى بالولديْن فى النهر. ونظرًا لأنّ نهر التيبر فاض وأغرق شواطئه فلم يتمكن الخدم الذين تم تكليفهم بإغراق الطفليْن من الوصول للنهر، واضطروا أنْ يتركوا الصندوق الذى به الطفليْن فى المياه الضحلة. بكى الطفلان فجذب بكاؤهما ذئبة فأخذتهما وأرضعتهما. تم تخليد هذه الحكاية فى شكل تمثال من البرونز لذئبة تـُرضع طفليْن . وظلّ هذا التمثال منتصبًا فى مكان الحادثة التى تخيلها كاتب الأسطورة طوال عصور الأباطرة ثم انتقل إلى متحف الكابيتولين فى روما حيث لا يزال موجودًا إلى الآن. ثم نقل (فريزر) العديد من القصص السابقة على الديانة العبرية ومتشابهة مع قصة ميلاد موسى ، منها قصة (سرجون)الأكبر أول ملك سامى حكم بابل فى حوالى سنة 2600ق. م وقد استطاع هذا الملك أنْ يُخلد ذكراه واسمه عن طريق انتصاراته. ولم يكن يعرف من والده . وعرفنا ذلك من النقوش التى نـُقشت على أحد تماثيله والتى تم نسخها فى القرن الثامن قبل الميلاد وموجودة فى المكتبة الملكية فى نينوى . وجاء فى النقش :
((أنا سرجون الملك القوى ملك أكاد . كانت أمى سيدة متواضعة. أما أبى فلا علم لى به. ولكن عمى كان يسكن الجبال. وقد ولدتنى أمى سرًا. ثم وضعتنى فى سلة من الأسل وأحكمتْ إغلاقها بالقار. وطرحتنى فى النهر الذى لم تغرقنى مياهه. ثم حملنى التيار إلى السقــّاء (أكى) فحملنى معه. أكى السقاء انتشلنى من المياه. أكى السقاء كفلنى كما يكفل ابنه. أكى السقاء عيّننى بستانيًا له. وبينما كنتُ أعمل بستانيا أحبتنى الإلهة عشتروت . ولمدة أربع سنوات حكمتُ المملكة. وحكمتُ الشعوب ذات الرؤوس السوداء وأخضعتها)) وكان تعقيب فريزر((تـُشبه حكاية إبعاد الطفل سرجون فى سلة وُضعتْ عند شاطىء النهر، حكاية إبعاد موسى الطفل فى سقط من القش الذى وُضع بين الأعشاب عند شاطىء النيل. وحيث أنه لا مجال للشك فى أنّ الحكاية البابلية أقدم بكثير من الحكاية العبرية، فإنه يترتب على هذا أنّ كاتب سِفر الخروج ربما كان يعرف الحكاية البابلية. وأنه ألف الحكاية العبرية على نمطها. على أنه من المُحتمل من ناحية أخرى أنْ تكون الحكايتان قد نشأتا مستقلتيْن من الجذور العامة للخيال الشعبى.. على أنّ النظرية التى تقول باستقلال إحدى الحكايتيْن عن الأخرى يؤيدها إلى حد ما وجود أسطورة هندية مماثلة لهاتيْن الحكايتيْن تحتوى عليها الملحمة الهندية الكبيرة (ماهابهاراتا) ومن الصعب أنْ ندّعى أنّ مؤلف هذه الملحمة كان على علم بالحكاية السامية. تحكى الأسطورة الهندية أنّ إله الشمس وقع فى غرام ابنة الملك وولدتْ منه ابنــًا (جميلا كالأفلاك السماوية) ولما خشيتْ الابنة من الفضيحة ومن غضب أمها وأبيها ، وضعتْ ابنها الطفل فى سلة لا تتسرّب إليها المياه وغطته بملاءات لينة ثم أسلمتْ السلة للنهر وهى تبكى . حمل التيار السلة بعيدًا. وكان رجل من قبيلة (سوتا) يسير مع زوجته على شاطىء النهر، فوقع بصره على السلة فأخذها. وكان هذان الزوجان لم يُنجبا فقال الرجل لزوجته ((لقد أرسلتْ لى الآلهة هذا الطفل لعلمها أننى لم أنجب أبناء)) وهكذا عاش هذا الطفل مع هذا الرجل وزوجته. ثم قصة أخرى عن (تراكهان) ملك بلدة فى قلب جبال الهملايا الثلجية.
وقد افترض بعض العلماء أنّ الحكايات الشبيهة بحكاية إبعاد موسى وطرحه فى الماء بقايا عادة قديمة كانت تـُتبع بقصد اختيار بنوة الأطفال الشرعية لآبائهم ، فقد كان الأطفال يُطرحون فى الماء حيث يُتركون لمصيرهم، فإما أنْ يطفوا أو يستقروا فى قاع الماء. والطفل الذى يطفو يُعد طفلا شرعيًا. أما الطفل الذى يستقر فى الماء فإنّ المجتمع يرفضه بوصفه ابنـًا غير شرعى . وفى الحكاية البابلية كان الملك سرجون أقل حظــًا من أبطال الإغريق والهنود والرومان، ولكنه أكثر صدقــًا منهم عندما اعترف فى صراحة بأنه كان يجهل أباه. أما التوراة فلم تذكر شيئا عن شرعية بنوة موسى . لكننا إذا تذكرنا أنّ عمران والد موسى كان متزوجـًا من عمته. وأنّ موسى كان ثمرة هذا الزواج . وإذا تذكرنا أنّ القانون العبرى المتأخر أبطل هذا الزواج باعتباره زنا ، فربما ساورنا الشك ، ونرجو ألا نـُتهم بالتعسف فى هذا الشك ، أنّ أم موسى فى الشكل الأصلى للحكاية كان يدفعها سبب خاص فى طرح ابنها فى النهر. وأنها لم تفعل هذا رضوخـًا لأمر عام صدر من فرعون بطرح كل أطفال العبريين فى الماء (وفق ما جاء بالتراث العبرى) ومهما يكن فى أمر الحكاية العبرية فإنه يبدو أنه كانت من عادة الشعوب الأخرى ، أنْ تطرح الطفل فى الماء لتقرر ما إذا كان الطفل شرعيًا أم غير شرعى . ومن ثم كانت تقرر الابقاء عليه أو إعدامه. وربما كانت أهم نتيجة توصل إليها النقد التاريخى واللغوى للعهد القديم، بل وأكثرها صحة، هى البرهنة على أنّ سنى التشريع فى أسفارموسى الخمسة فى الصورة التى هى عليها الآن، لايمكن أنْ يكون موسى قد أعلنها فى الصحراء وفى موآب قبل أنْ يدخل الإسرائيليون فلسطين ، وأنها لم تتخذ صيغتها النهائية إلاّ بعد استيلاء (بختنصر) على أورشليم عام 586ق. م عندما حمل اليهود معه إلى المنفى ، أى أنّ الجانب القانونى فى الأسفار الخمسة- باختصار- لا يرجع تأليفه فى الصورة التى هى عليها الآن، إلى عصر مبكر فى تاريخ بنى إسرائيل وإنما يرجع إلى عصر متأخر.. وأنّ بعض النقاد أرجعوا مجموعة التشريعات التى تـُسمى بشريعة موسى إلى العصور السابقة مباشرة على فقدان الأمة اليهودية استقلالها أو التالية لها بزمن ليس بالطويل. هؤلاء النقاد يُدركون تمامًا أنّ هذه الشريعة حتى فى صيغتها النهائية لم تـُسجّل التقاليد والعادات الشعائرية فحسب ، بل إنها أكدتها وهى تلك العادات والتقاليد التى يُعد كثيرمنها- بل أكثرها أهمية- أقدم بدون شك من العصر الذى اتخذتْ فيه أسفار موسى الخمس شكلها النهائى ، أى فى القرن الخامس ق.م . ومما يؤكد هذه النتيجة التى تـُقرّر القِدم البالغ لعادات بنى إسرائيل الشعائرية الرئيسية مقارنة هذه العادات بعادات غيرهم من الشعوب . فمن شأن هذه المقارنة أنْ تكشف أنّ ما تضمنته العادات العبرية من آثاربدائية- بل همجية- ليس بالقليل. فالاعتقاد فى نجاسة المرأة واستخدام كبش فداء (كما فى قصة إبراهيم مع ابنه) كل هذه العادات لها ما يُناظرها فى عادات القبائل البدائية التى ما تزال فى كثير من بقاع العالم . وإذن فإنّ واضع الشريعة الموسوية لم يكن سوى شخص أسطورى مصدره الخلق الشعبى والخيال الكهنوتى ، وأنّ شخصية موسى تم اختراعها لتـُفسر أصل الأمة اليهودية الدينى والدنيوى معًا (الفولكلور فى العهد القديم- جيمس فيزر- ترجمة د. نبيلة إبراهيم- هيئة الكتاب المصرية- عام 1974- ج2 أكثر من صفحة)
وبينما يدّعى التراث العبرى أنّ خروج بنى إسرائيل من مصر كان بسبب اضطهاد المصريين لهم ، فإنّ علماء كثيرين يرون أنّ الخروج كان سببه رغبة اليهود فى الاحتفال بعيد الفصح فى الصحراء، ومع أنّ التوراة لا تـُصرّح بهذا المعنى بشكل مباشر فإنها أوردتْ أكثر من آية جاء بها تعبير الرغبة فى الخروج إلى الصحراء ، مثل دخول موسى وهارون على ملك مصر وقالا له ((يقول الرب إله إسرائيل أطلق شعبى ليعودوا لى فى البرية)) (خروج 5) وتعترف التوراة بأنّ المصريين هم الذين ألحوا على خروج بنى إسرائيل من مصر(خروج12) وأكد هذا المعنى العالم (سبتينو موسكاتى) الذى كتب أنّ رغبة بنى إسرائيل فى الخروج من مصر ليحتفلوا فى الصحراء بعيدٍ للرب يُقدّمون فيه الذبائح. وأنّ عيد الفصح اليهودى عيد بدوى قديم من أعياد الرعاة.. ولهذا ارتبط عيد الفصح بقصة الخروج مع إنه أقدم منهم ، ففسرتْ بعض أحكامه ببعض أحداثها بل عُدّ عيد الفصح ذكرى ليوم الخروج. ولما كان عيد الفطير (عيد الحصاد) لاحقــًا للفصح فقد ارتبط هو أيضًا بقصة الخروج مع إنّ العبريين لم يعرفوه إلاّ بعد استقرارهم فى كنعان)) (الحضارات السامية – ترجمة د. السيد يعقوب- هيئة الكتاب المصرية- عام 97من ص 295- 298)
لذلك توصّل كثيرون من العلماء إلى أنّ التوراة انعكاس لما أضمره بنو إسرائيل من عدوان وشرور ضد الشعوب التى استضافتهم ، وأنها نقلتْ الكثير من أساطير شعوب سابقة عليهم، ومن بين هؤلاء العلماء العالم الكبير(هـ . ج. ويلز) الذى كتب ((لو تأملتَ قصص خلق العالم وآدم وحواء والطوفان التى تبدأ بها التوراة لوجدتها وثيقة المماثلة لأساطير بابلية تـُشبهها . وكذلك قصص موسى وشمشون فإنّ لها نظائر سومرية وبابلية)) وعن فترة وجود بنى إسرائيل فى مصر كتب ((وليس فيما دوّنته مصر عن تلك الحقبة أى ذكر لموسى ولا كنعان حتى يُزيل ما يكتنف تلك القصة من غموض)) لذا أصبح ((تاريخ ملوك إسرائيل وملوك يهوذا ، تاريخ ولايتيْن صغيرتيْن بين شقىْ الرحى تعركهما على التوالى سوريا ثم بابل من الشمال ومصر من الجنوب. وهى قصة نكبات لا تعود عليهم إلاّ بإرجاء نزول النكبة القاضية. هى قصة ملوك همج يحكمون شعبًا من الهمج)) (موجز تاريخ العالم- من ص 97- 101)
وعن حقد بنى إسرائيل على الحضارة المصرية ذكر فرويد أنّ ((عقدة اليهود سبق مصر فى الحضارة)) وهو ذات المعنى الذى صاغه أ. شفيق مقار بأسلوبه الخاص وأطلق عليه ((مركب النقص عند اليهود)) وأنّ مركب النقص الجماعى هذا اتخذ أشكالا عديدة منها ((الكراهية الممرورة المسمومة التى ينضح بها العهد القديم لمصر)) (قراءة سياسية للتوراة- رياض الريس للنشر- عام 87ص 111)
يتبارى العبريون من المصريين (عروبيين وإسلاميين) فى الدفاع عن بنى إسرائيل بسبب خروجهم من مصر، وبزعم الاضطهاد الذى وقع عليهم، فى حين أنّ العقل الحر يرى من واقع علم المصريات وعلم الآثار وشهادات المؤرخين الذين زاروا مصر ما يلى :
أولا : لم يستقر علماء المصريات على اسم الملك المصرى الذى طرد بنى إسرائيل من مصر.
ثانيًا : الملك المصرى (أيًا كان اسمه) الذى طرد بنى إسرائيل من مصر، هو واحد من ملوك مصر العظام ويجب على كل مصرى أنْ يفخر به للأسباب التالية أ- سمح بسماتيك الأول لليهود أنْ يتدفقوا على مصر، وأنْ يُنشئوا لأنفسهم مستعمرة خاصة بهم ، بل وسمح لهم أنْ يُقيموا معبدًا لإلههم (يهوه) بل إنه بفضل تسامح المصريين ورحابة صدورهم عاش اليهود فى مصر(د. محمد بيومى مهران- تاريخ الشرق الأدنى القديم- دار المعارف المصرية- عام 76ج3ص325، 384) بعد هذا العطاء والتسامح من المصريين ماذا حدث؟ ((انتهتْ الأمور باليهود أنْ نسوا لمصر أنها أطعمتهم وآوتهم فردوا لها الجميل نكرانــًا وكانوا عليها للفرس أعوانــًا وفى حاميتهم جنودًا)) وكان لابد أنْ تزداد كراهية المصريين لليهود بعد ((أنْ رأوهم بعد أطول إقامة فى البلاد خونة وجواسيس ومثار فتن ودسائس وأذنابًا لأعداء البلاد)) (المصدر السابق- ص 380)
ب - يمتلىء العهد القديم بالتناقض بين اعتراف بنى إسرائيل بفضل مصر عليهم وبين العداء لمصر وشعبها. فنجد أنّ (كل) جماعة بنى إسرائيل تتذمر ضد موسى وهارون والسبب ((وقال لهما بنو إسرائيل ليتنا متنا بيد الرب فى أرض مصر إذْ كنا جالسين عند قدور اللحم نأكل خبزًا للشبع)) (خروج 16) وكذلك ((فعاد بنو إسرائيل وبكوا وقالوا من يُطعمنا لحمًا. قد تذكرنا السمك الذى كنا نأكله مجانًا والقثاء والبطيخ والكرات والبصل والثوم)) وأيضًا ((إنه كان لنا خير فى مصر)) وأكثر من ذلك ((أليس خيرًا لنا أنْ نرجع إلى مصر)) (عدد 11، 14، 18، 24، 25) هذا الاعتراف الصريح من بنى إسرائيل بفضل مصر عليهم يُقابله عداء بشع ضد المصريين ، وليس له أى تبرير على المستوييْن التاريخى والإنسانى، من ذلك – كمثال – ما جاء فى سفر حزقيال ((وتكون أرض مصر مقفرة وخربة فيعلمون إنى أنا الرب وأجعل أرض مصر خربًا خربة مقفرة من مجدل إلى أسوان إلى تــُخـُم كوش. وأجعل أرض مصر مقفرة فى وسط الأراضى المقفرة ومدنها فى وسط المدن الخربة تكون مقفرة أربعين سنة وأشتتْ المصريين بين الأمم وأبدّدهم فى الأراضى.. إلخ)) (حزقيال 8- 16)
هؤلاء هم بنو إسرائيل ودورهم المُخرّب والمُعادى لمصر، فالعهد القديم ينص على ((ثم قال الرب لموسى قل لهارون خذ عصاك ومد يدك على مياه المصريين. على أنهارهم وسواقيهم وكل مجتمعات مياههم لتصير دمًا. فيكون دم فى كل أرض مصر. فى الأخشاب وفى الأحجار)) وبعد أنْ أطاع موسى وهارون ربهما العبرى ((تحوّل كل الماء الذى فى النهر دمًا ومات السمك الذى فى النهر وانتنّ النهر فلم يقدر المصريون أنْ يشربوا ماءً من النهر. وكان الدم فى كل أرض مصر)) (خروج 7 : من 19- 22) والإله العبرى المنحاز لبنى إسرائيل لم يكتف بأنْ جعل الدم فى كل أرض مصر، وإنما أطلق الضفادع والبعوض والدمامل والجراد على كل المصريين ، ليس فى الحقول والنهر فقط ، وإنما داخل البيوت وفوق المخادع والأسرّة (غرف النوم) هذا بخلاف قتل مواشى المصريين لأنّ الرب ((يُميّز بين مواشى بنى إسرائيل ومواشى المصريين)) (خروج 9) وتطابق القرآن مع التوراة فقال ((فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبرا وكانوا قومًا مجرمين)) (الأعراف/133) هذا الانحياز من الإله العبرى وصل لدرجة القضاء على كل المصريين ((فدفع الربُ المصريين فى وسط البحر، فرجع الماء وغطى مركبات وفرسان جميع جيوش الفرعون الذى دخل وراءه فى البحر. لم يبق منهم ولا واحد)) (خروج 14) وكذلك ((قال موسى يقول الرب إنى نحو نصف الليل أخرج وسط مصر فيموت كل بكر فى أرض مصر، من بكر فرعون الجالس على كرسيه إلى بكر الجارية التى خلف الرحى وكل بكر بهيمة ويكون صراخ عظيم فى كل أرض مصر لم يكن مثله ولن يكون مثله أيضًا)) والإله العبرى قبل أنْ يقتل المصريين، وحتى لا يُخطىء بين بيوتهم وبيوت بنى إسرائيل فإنه يطلب من الأخيرين ما يلى ((ويكون لكم الدم علامة على البيوت التى أنتم فيها، فأرى الدم وأعبّر عنكم ، فلا يكون عليكم ضربة للهلاك حين أضرب أرض مصر ويكون لكم هذا اليوم تذكارًا فتـُعيدونه عيدًا للرب ، فى أجيالكم تـُعيدونه فريضة أبدية)) (خروج11، 12)
وقبل تنفيذ هذه المجزرة فإنّ الإله العبرى يُحرّض بنى إسرائيل صراحة على السرقة فقال ((فإذا سمعوا لقولك تدخل أنت وشيوخ بنى إسرائيل إلى مصر وتقولون له إله العبرانيين إلتقانا . فالآن نمضى سفر ثلاثة أيام فى البرية ونذبح للرب إلهنا ولكنى أعلم أن ملك مصر لا يدعوكم تمضون ولا بيد قوية. فأمد يدى وأضرب مصر بكل عجائبى . فيكون حينما تمضون أنكم لا تمضون فارغين . بل تطلب كل امرأة من جارتها ومن نزيلة بيتها أمتعة فضة وأمتعة ذهب وثيابًا وتضعونها على بنيكم وبناتك فتسلبون المصريين)) (خروج3)
لم يكتف اليهود بالجاسوسية وتحويل مصر كلها إلى دم وإنما أيضًا ((فخلص الرب فى ذلك اليوم إسرائيل من يد المصريين . ونظر إسرائيل المصريين أمواتــًا على شاطىء البحر)) (خروج 14) وكذلك ((فإنه كما رأيتم المصريين اليوم لا تعودون ترونهم أيضًا إلى الأبد . الرب يُقاتل عنكم وأنتم تصمتون)) (خروج 14) ثم تكرّر نفس المعنى فقال ((الرب إلهكم سائر معكم لكى يُحارب عنكم أعداءكم ليُخلصكم)) (تثنية 20) وهو ذات المعنى الذى عبّر عنه القرآن فى قوله ((وإذْ فرقنا بكم البحر فأنجيناكم وأغرقنا آل فرعون وأنتم تنظرون)) (البقرة/ 50) ولم يختلف العهد الجديد عن العهد القديم والقرآن ، فهو منحاز لبنى إسرائيل كما فى مجمل التراث العبرى فقال ((بالإيمان موسى لما كبر أبى (رفض) أنْ يُدعى ابن ابنة فرعون مفضلا بالأحرى أنْ يُذل مع شعب الله. بالإيمان صنع الفصح ورشّ الدم لئلا يمسهم الذى أهلك الأبكار. بالإيمان اجتازوا فى البحر الأحمر كما فى اليابسة الأمر الذى لما شرع فيه المصريون غرقوا)) (الرسالة إلى العبرانيين 11) وأيضًا ((فأريد أنْ أذكركم ولو علمتم هذا مرة أنّ الرب بعدما خلص الشعب من أرض مصر أهلك أيضًا الذين لم يؤمنوا)) (رسالة يهوذا) وذاك الانحياز يتضح من أنّ المسيح هو ((ملك إسرائيل)) (إنجيل مرقص 15)
وإذا كان علم المصريات أكد على أنّ بنى إسرائيل عملوا مع أعداء مصر(مع الهكسوس ومع الحيثيين والفرس) ضد جدودنا ورفضوا الاندماج فى المجتمع المصرى الذى أمّن حياتهم ورفضوا العمل فى الزراعة أو البناء والتشييد واعتبروا أنّ العمل اليدوى إهانة لا تليق بهم . إزاء كل هذه الحقائق التى تمتلىء بها كتب علم المصريات ماذا كان يُنتظر من أى حاكم وطنى غير طردهم من مصر، وليس التمسك بهم كما يدّعى العبريون.
أما تجربة اليهود مع مختلف الشعوب بعد سنوات الشتات ، فقد أدان الكثير من العلماء تصرفاتهم وأنهم هم الذين تسبّبوا فى كراهية الشعوب لهم وكان من بين هؤلاء العلماء جوستاف لوبون الذى كتب ((أسفر تعصب اليهود عن عدم احتمال جيرانهم وجودهم فلم يشق على هؤلاء الجيران أنْ يستعبدوهم)) وكتب أيضًا (( كان بنو إسرائيل أقل من أمة حتى شاؤول . كانوا أخلاطـًا من عصابات جامحة. كانوا مجموعة غير منسجمة من قبائل سامية صغيرة . أفاقة بدوية تقوم حياتها على انتهاب القرى الصغيرة)) وكتب البرت أينشتاين فى كتابه (حول الصهيونية : خطابات ورسائل) الصادر عام 1931 (( إننا ندين إلى اللا سامية بالمحافظة على وجودنا واستمرارنا)) أى أنّ السامية- بمفهوم المخالفة- ضد المحافظة على الوجود والاستمرار. أما الفيلسوف سارتر فقال فى كتابه (اليهودى واللا سامية: بحث فى علم أسباب الحقد) الصادر عام 1948 ((إنّ العامل الوحيد الجامع بين اليهود هو عداء المجتمعات المحيطة بهم وكراهيتها لهم)) أما المفكر الكبير كارل ماركس فقد لخـّص وجهة نظره عن اليهود فى كتابه المهم (المسألة اليهودية) وهى أنّ اليهود اعتبروا ((المال هو إله إسرائيل المطماع ، ولا ينبغى لأى إله آخر أنْ يعيش معه ، لأنّ المال هو الإله الحقيقى لليهود)) ولكن المشكلة فى تحليل ماركس هى أنّ اليهود رفضوا أنْ يعيشوا فى مجتمعاتهم كمواطنين ، لأنّ تمسك اليهود باليهودية تغلب على ((الجوهر الإنسانى الذى كان ينبغى أنْ يربطه- بوصفه إنسانــًا – بسائر الناس)) وانتهى ماركس فى تحليله الأخير أنّ خلاص البشرية من اليهود بل والتحرر الاجتماعى اليهودى نفسه ((إنما هو تحرير الإنسانية من اليهودية)) (ماركس- المسألة اليهودية- مكتبة دار الجيل اللبنانية- أكثر من صفحة) وإذا عدنا إلى قصة وجود بنى إسرائيل فى مصر وحكاية موسى والخروج فإنّ العالِم (ويلز) كتب بلغة العلم ((إنّ قصة استيطان بنى إسرائيل مصر واستعبادهم فيها وخروجهم منها ، قصة صعبة للغاية. ففى تاريخ مصر ذكر لأقوام من الرعاة الساميين سُمح لهم بالإقامة فى جاسان (محافظة الشرقية) بإذن من الفرعون رمسيس الثانى . وفى هذا السياق قال التاريخ أنّ جعل أولئك الناس يلجأون إلى مصر كان الجوع . إلاّ أنه لا ذكر هناك إطلاقــًا مما سجله تاريخ مصر لشخص اسمه موسى أو أى ذكر لسيرته كما أنه لا ذكر هناك لأية ضربات أو كوارث طبيعية حلت بمصر. أو لأى فرعون غرق هو وجنوده فى البحر الأحمر)) (موجز تاريخ العالم – مصدر سابق)



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التعريف العلمى لثورات الشعوب
- يوسف بين التراث العبرى ولغة العلم والفلوكلور
- الإبداع والأيديولوجيا : أولاد حارتنا نموذجًا
- إبراهيم بين التراث العبرى ولغة العلم
- امبراطورية الشر الأمريكية
- قصة الخلق فى تراث بعض الشعوب
- القرآن بين النص الإلهى والبصمة البشرية
- المثالية تعترض على بتر العضو الفاسد
- التشابه والاختلافات بين ثقافات الشعوب
- معبد إدفو : بناؤه وأساطيره
- لبننة مصر مشروع أمريكى / صهيونى / إسلامى
- سهير القلماوى وألف ليلة وليلة
- ألف ليلة والليالى المصرية
- السندباد البحرى والملاح التائه
- فهمى هويدى يعترف بأصوليته
- كعب أخيل والأصل المصرى
- عذرية الإنسان (نص لا يدّعى الشعر)
- الانتقال إلى العالم الآخر والأصل المصرى
- مصطلح ( متأسلمين ) ومغزاه
- قصص أبطالها حيوانات والأصل المصرى


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - موسى بين التراث العبرى ولغة العلم