أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - القرآن بين النص الإلهى والبصمة البشرية















المزيد.....


القرآن بين النص الإلهى والبصمة البشرية


طلعت رضوان

الحوار المتمدن-العدد: 4187 - 2013 / 8 / 17 - 00:30
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


القرآن بين النص الإلهى والبصمة البشرية
طلعت رضوان
طلب منى أحد قراء الحوار المتمدن (أ. سامى المنصورى) أنْ أكتب عن مصحف عثمان المُتداول حاليًا. وعندما عدتُ إلى المراجع فى مكتبتى، وجدتُ أنّ الموضوع يستحق الكتابة. وأعتقد أنّ أهم المراجع فى هذا الشأن كتاب (المصاحف) للعلامة السجستانى (817- 888م) وله كتاب آخر مهم بعنوان (السُنن) وهو كتاب مختلف تمامًا عن صحيحىْ البخارى ومسلم.
تتضح العلاقة بين النص الإلهى والبصمة البشرية من حديث أنس بن مالك (عن آخرين) أنّ رجلا كان يكتب للرسول، فإذا أملى عليه ((سميعًا بصيرًا)) كتب ((سميعًا عليمًا)) وإذا أملى عليه ((سميعًا عليمًا)) كتب ((سميعًا بصيرًا)) وأنّ ذاك الرجل قال ((كنتُ أكتب ما شئتْ عند محمد)) (المصاحف- دارالكتب العلمية- بيروت- عام 1985- ص 8)
بعد أنْ مات عدد كبير من الذين كانوا يحفظون القرآن فى الغزوات التى شنـّها العرب على غيرهم من القبائل والشعوب المختلفة، خاف أبو بكر أنْ يضيع القرآن فطلب من عمربن الخطاب ويزيد بن ثابت أنْ يجلسا على باب المسجد ((فمن جاءكما بشاهديْن على شىء من كتاب الله فاكتباه)) وأنّ (زيد) قال لعمر((كيف تفعل شيئـًا لم يفعله الرسول؟)) فقال عمر هو والله خير. ولم يزل يُراجعنى حتى شرح الله صدرى إلى أنْ قال ((فتتبعتُ القرآن أنسخه من الصحف والعسب واللخاف)) وفى رواية أخرى أنّ عمربن الخطاب هو صاحب اقتراح جمع القرآن وأنّ (أبوبكر) هو الذى قال ((كيف أفعل شيئـًا لم يفعله الرسول؟)) وذكر مالك أنّ (أبوبكر) جمع القرآن فى قراطيس، وطلب من زيد بن ثابت النظر فيها. وكانت تلك القراطيس عند (أبوبكر) حتى مات ثم عند عمربن الخطاب حتى مات ثم كانت عند حفصة زوجة الرسول، فلما طلب منها عثمان أنْ تـُسلمه القراطيس رفضتْ، وعندما عاهدها بردها أرسلتها إليه فنسخها عثمان ثم ردّها إليها. وظلتْ القراطيس عندها حتى أخذها مروان وأحرقها.
إنّ البصمة البشرية فى جمع القرآن أوضحتْ أنّ بعض الآيات كان من الممكن إغفال ذكرها فى المصحف لولا قانون المصادفة، وهو ما شهد به خزيمة بن ثابت الذى لاحظ عدم ذكر آيتيْن فلما ذكرهما قال عثمان ((أشهد أنهما من عند الله. فأين ترى أنْ نجعلهما؟)) (ص17) وسؤال عثمان يُثير قضية أخرى مسكوت عنها، وهى أنّ ترتيب الآيات خضع أيضًا للبصمة البشرية. ثم قضية ثالثة وهى اختلاف اللغات فى كتابة الآيات، وهو ما عبّرعنه عمربن الخطاب لمن يجمعون القرآن حيث قال لهم ((إذا اختلفتم فى اللغة فاكتبوها بلغة مضر، فإنّ القرآن نزل على رجل من مضر)) ثم قضية رابعة تتعلق بتعدد الرواة، أى تعدد القراءات، وهو ما خشى منه عمرفقال ((لا يُملين فى مصاحفنا إلاّ غلمان قريش وثقيف)) وهو ما حدث بالفعل إذْ ذكريزيد بن معاوية أنه كان فى المسجد زمن الوليد بن عقبة فقال حذيفة ((من كان يقرأ على قراءة أبى موسى فليأت الزاوية. ومن كان يقرأ على قراءة عبدالله بن مسعود فليأت عند زاوية أخرى)) ثم اختلفنا فى آية من سورة البقرة ((وأتموا الحج والعمرة للبيت)) فقرأها ((وأتموا الحج والعمرة لله)) فغضب حذيفة. وفى واقعة أخرى ذكرها أنس بن مالك الأنصارى، فقال إنه اجتمع ((لغزوة أذربيجان وأرمينية أهل الشام وأهل العراق، فتذاكروا القرآن فاختلفوا فيه حتى كادت تكون بينهم فتنة. فذهب حذيفة إلى عثمان وقال له ((إنّ الناس يختلفون فى القرآن. ففزع عثمان فزعًا شديدًا)) ولما وقع المصحف فى يد مروان أحرقه وقال ((أخشى أنْ يُخالف بعض الكتاب بعضًا)) وأنّ بعض القراء كفــّروا بعضهم بسبب اختلاف القراءة حتى أنّ عثمان وقف خطيبًا واتهمهم بأنهم يختلفون فى الآيات ويلحنون. وأنّ أنس بن مالك قال كنتُ فيما أملى عليهم فربما اختلفوا فى الآية فيذكرون أنّ الرجل قد تلقاها من الرسول، ولعله يكون غائبًا، فيكتبون ما قبلها ويدعون موضعها حتى يجىء. فلما فرغ من المصحف كتب إلى أهل الأمصار إنى قد صنعتُ كذا ومحوت ما عندى فامحوا ما عندكم)) ووصل الأمر لدرجة أنّ رجلا من أهل الشام قال ((مصحفنا ومصحف أهل البصرة أحفظ من مصحف أهل الكوفة. وعندما سأل على بن أبى طالب الحانقين على سياسة عثمان عن أسباب سخطهم قالوا ((أنه محا كتاب الله. واستعمل أقرباءه وأعطى مروان مائتى ألف)) هنا نلاحظ أنّ التهمة الأولى أنه (محا كتاب الله) فكيف محاه وهو الذى أمر بجمعه؟ فهل يكون للمحو معنى آخر غير ما فعله عثمان من حرق المصاحف التى لم توافق هواه؟ وفى دفاع عثمان عن نفسه قال ((أما القرآن فمن عند الله. إنما نهيتكم لأنى خفتُ عليكم الاختلاف)) وحتى يسترضيهم أضاف وهو يتراجع ((اقرأوا على أى حرف شئتم)) وذكر خالد بن أياس عن آخرين أنه قرأ مصحف عثمان فوجد فيه مما يُخالف مصاحف أهل المدينة اثنى عشرحرفا (ص46) ومن الاختلافات المتعلقة بالنحو أنّ أهل الحجاز كتبوا آية ((زيّن لكثير من المشركين قتل أولادهم شركائهم)) بينما أهل العراق كتبوا الكلمة الأخيرة (شركاؤهم) وكذا آية ((لكن (الراسخون) فى العلم منهم (والمؤمنون) بما أنزل من قبلك (والمقيمين) الصلاة (والمؤتون) الزكاة)) وأنّ الكلمات التى بين الأقواس أتتْ (رفع) وهى (نصب) وعن التدخل البشرى فى كتابة القرآن قال عثمان بن عفان ((إنّ فى القرآن لحنـًا وستقيمه العرب بألسنتها)) وقال هشام بن عروة عن أبيه : سألتُ عائشة عن لحن القرآن، وذكر لها بعض الأمثلة فقالت ((يا ابن أختى هذا عمل الكـُتاب أخطأوا فى الكتاب))
أما القضية الشائكة (حرق عثمان للمصاحف) والتى يرفض الأصوليون الاعتراف بها، فهناك أكثرمن واقعة تؤكد ما حدث منها أنّ على بن أبى طالب لما علم بحرق عثمان للمصاحف قال ((لو لم يصنعه هو لصنعته)) وعن مصعب بن سعد قال ((أدركتُ الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف فأعجبهم ذلك ولم ينكر ذلك منهم أحد)) وحدث أنْ اختلف أهل الشام وأهل العراق فى القرآن فأصاب حذيفة الذعر. فحكى ما حدث لعثمان الذى أمر زيد بن ثابت وسعيد بن العاص وعبدالله بن الزبير،وقال لهم إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت فى عربية من عربية القرآن فاكتبوها بلسان قريش. ثم ردّ عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل جند من أجناد المسلمين بمصحف ((وأمرهم أنْ يحرقوا كل مصحف يُخالف المصحف الذى أرسله. فذاك زمان حُرقت المصاحف بالعراق بالنار)) وكان من بين دوافع عثمان لحرق المصاحف ما بلغه من أنّ البعض بالعراق كان يسأل عن (آية) فإذا قرأها قال ((إنى أكفر بهذه)) ففشا ذلك فى الناس واختلفوا فى القرآن فأمر عثمان بجمع المصاحف وأحرقها.
وعن الاجتهاد البشرى فى ترتيب الآيات ما حدث عندما سمع عمربن الخطاب آية ((لقد جاءكم رسول من أنفسكم.. إلخ)) فقال ((لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة. فانظروا سورة من القرآن فالحقوها فيها)) فقال الحارث بن خزيمة ((فألحقتها فى آخر براءة)) مع ملاحظة أنه لا توجد سورة فى القرآن باسم (براءة) وإنما ورد ذكرها فى أول سورة (التوبة) وهى السورة الوحيدة التى كـُتبتْ بدون البسملة، وقال عثمان فى تبرير ذلك ((كانت سورة الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة. وكانت براءة من آخر القرآن وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننتُ أنها منها))
أما الحجاج بن يوسف فقد غيّر فى مصحف عثمان أحد عشر حرفـًا. وتوسع السجستانى فى شرح الاختلافات بين المصاحف العديدة التى أحرقها عثمان، مثل (مصحف عمربن الخطاب) و(مصحف على بن أبى طالب) الذى ورد به ((آمن الرسول بما أنزل إليه وآمن المؤمنون)) ولم يذكر((من ربه)) كما فى المصحف الحالى (البقرة/285) أما (مصحف أبىّ بن كعب) فورد به (فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى) بينما فى المصحف الحالى بدون تعبير(إلى أجل مسمى) (النساء/24) وفيه أيضًا ((فصيام ثلاثة أيام متتابعات فى كفارة اليمين)) وفى المصحف الحالى ((فصيام ثلاثة أيام ذلك كفارة أيمانكم)) (المائدة/89) أما (مصحف عبدالله بن مسعود) ففيه ((إنّ الله لا يظلم مثقال نملة)) وفى المصحف الحالى (مثقال ذرة) (النساء/ 40) وعن ترغيب أتباع موسى للذهاب إلى مصر ذكرالقرآن أنهم سيأكلون ((من بقلها وقثائها وفومها وعدسها وبصلها)) (البقرة/ 61) فلم يذكرابن مسعود (وفومها) وعن سورة (العصر) ذكر((وإنه فيه إلى آخرالدهر)) وهى غير موجودة فى المصحف الحالى. وعن الآية 19من سورة آل عمران ((إنّ الدين عند الله الإسلام)) كتبها ابن مسعود (إنّ الدين عند الله الحنيفية) {أرجو ملاحظة أنّ ما نقلته عن مصحف ابن مسعود مجرد أمثلةْْ} وفى (مصحف عبدالله بن عباس) كتب (فإنْ آمنوا بالذى) وفى القرآن الحالى (فإنْ آمنوا بمثل ما آمنتم به) (البقرة/ 137) وكان تبرير ابن عباس لهذا التعديل ((لاتقولوا (بمثل) فإنّ الله ليس له مثل)) وكما ذكر أبىّ بن كعب ((فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى)) كذلك فعل ابن عباس. وجاء فى (مصحف عائشة) ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر)) بينما فى المصحف الحالى بدون (صلاة العصر) (البقرة/ 238) وفى القرآن الحالى ((إنّ الله وملائكته يصلون على النبى)) (الأحزاب/ 56) فأضافت عائشة ((والذين يصلون الصفوف الأول)) {هكذا وردتْ بالخطأ اللغوى فى كلمة الصفوف وصحتها الصف} وكما فعلت عائشة وأضافت (وصلاة العصر) كذلك فعلتْ حفصة زوجة محمد فى مصحفها. وهو ما فعلته أيضًا أم سلمة زوجة محمد فى مصحفها.
أما عن مصاحف التابعين فمنها (مصحف عبيد بن عميرالليثى) و(مصحف عطاء بن أبى رباح) و(مصحف عكرمة) و(مصحف مجاهد) و(مصحف سعيد بن جبير) و(مصحف الأسود بن يزيد وعلقمة بن قيس) {كتابة مشتركة بين الاثنين} و(مصحف محمد بن أبى موسى شامى) و(مصحف حطان بن عبدالله الرقاشى بصرى) و(مصحف صالح بن كيسان مدينى) و(مصحف طلحة بن مصرف الأيامى) وعن هذا المصحف ذكر السجستانى ((القراءات الشاذة فى مصحف طلحة كثيرة)) و(مصحف سليمان بن مهران الأعمش) فى تلك المصاحف تغيير فى الكلمات فتكون (القيام) بدلا من (القيوم) وتكون (لا يفقهون) بدلا من (لا يعقلون)
وعن نسخ بعض الآيات أنّ القاسم بن ربيعة قال قلتُ لسعد بن مالك أنّ سعيد بن المُسيب يقرأ ((ما ننسخ من آية أو نـُنسِها)) فقال سعد ((إنّ الله لم ينزل القرآن على المسيب ثم قرأ ((ما ننسخ من آية أوننسأها)) بينما قال سعد بن أبى وقاص هى ((ما ننسخ من آية أوننساها يا محمد)) بينما هى فى القرآن الحالى ((ما ننسخ من آية أو نـُنسِها)) (البقرة/ 106) وأيضًا ((ينسخ الله ما يُلقِى الشيطان)) (الحج/ 52) وكذا ((إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون)) (الجاثية/29) وذكرالسجستانى أمثلة عديدة لمن كانوا يخشون التدخل فى القرآن بالإضافة ، وهو ما خشى منه ابن مسعود الذى قال ((لا تخلطوا بكتاب الله ما ليس منه)) وقال أبو بكر الزبرقان السراج لأبى رزين ((أكتب فى مصحفى خاتمة سورة كذا وكذا)) فقال ((أخشى أنْ ينشأ نشوء يحسبون أنه نزل من السماء)) أما تعبير((جرّدوا القرآن)) و((جرّدوا المصحف ولا تخلطوا فيه ما ليس منه)) فقد تكرّرت على ألسنة كثيرين.
وأول من نقط المصاحف فهو(يحيى بن يعمر) فعل ذلك رغم اعتراضات كثيرين كرهوا التنقيط مثل ابن سيرين. وقال ابن علقمة عن الأوزعى عن قتادة أنه قال ((وددتُ أنّ أيدى من يُنقطون القرآن قطعتْ)) وكان (عباد بن عباد الخواص يقول ((إذا قدم علينا (القرآن) لا يُقرأ إلاّ فى مصحف غير منقوط)) وجاء فى القرآن حروف كـُتبت على غيرالهجاء مثل (العلمؤا) (فاطر/ 28) والمقصود (العلماء) ومثل (بُرءاؤا) (الممتحنة/4) ومثل (نشؤا) (هود/87) ومن سياق الآية فإنّ المقصود (نفعل فى أموالنا ما نشاء) (أنظر تفسير الجلاليْن لسورة هود) ومثل (الضعفؤا) (ابراهيم/21) والمقصود (الضعفاء) ومثل (الملؤا) (المؤمنون/ 24) والمقصود (الملأ) ومثل (الموءدة) (التكوير/ 8) وصحتها (الموءودة) كما وردتْ فى تفسير الجلاليْن. ومثل (ليسؤا) (الإسراء/7) والمقصود (ليسوءوا) وجوهكم (أى) يحزنوكم بالقتل كما جاء فى تفسير الجلاليْن. ومثل (وباءو) (البقرة/61) إذْ جاءتْ بدون ألف. وتكرّرتْ فى (آل عمران/112) وفى القرآن الحالى (الأقصا) (الإسراء/1) والمقصود وفق اللغة العربية (الأقصى) وأنّ السجستانى أطلق على سورة الإسراء سورة (بنو إسرائيل) فهل كان فى ذهنه الآية 101((لقد آتينا موسى تسع بينات)) والآية 104((وقلنا من بعده لبنى إسرائيل اسكنوا الأرض)) وهو ما يؤكد تطابق القرآن مع العهد القديم.
من الأمور المُلفتة للنظرما قاله ابن عمر، من أنّ النبى محمد نهى تابعيه أثناء غزواتهم ومعهم القرآن. وهذا الكلام يتوقف العقل الحر أمامه ويسأل 1- جمع القرآن بدأ كفكرة فى عهد (أبوبكر) وتم فى عهد عثمان، فكيف يأمر محمد بهذا الأمر قبل جمع القرآن؟ 2- كانت حجة محمد (حسب ما ذكره ابن عمر) خشية أنْ يقع القرآن فى يد (العدو) ويُغير فيه، فكيف يخاف من ذلك و(الله) هو الحافظ كما ورد فى سورة الحجر/9؟ 3- أنّ ذاك الحديث (بغض النظرعن شخص قائله) يؤكد أنّ الغزو العربى لم يكن بهدف نشر الإسلام، لأنه كان من البديهى أنْ يُشجع الشعوب التى تم احتلال أراضيها على قراءة القرآن. وذكر السجستانى أنّ من بين أسباب جمع القرآن أنه بعد موت محمد طعن الناس فى الإسلام. وبعد موت (أبوبكر) طعن الناس فى الإسلام. وبعد موت عمر طعن الناس فى الإسلام (ص18)
وأعتقد أنه لا يمكن فهم القرآن إلاّ بعد دراسة مجتمع قريش (قبل وبعد الدعوة المحمدية) مع دراسة مقارنة بين القرآن والعهديْن القديم والجديد. أما عن البصمة البشرية فى القرآن فمفتاحها فى بابيْن (الناسخ والمنسوخ وأسباب النزول) فمثلا جاء فى أسباب نزول الآية70من سورة الأنفال ((يا أيها النبى قل لمن فى أيديكم من الأسرى)) كما ذكر الطبرانى فى (الأوسط) عن ابن عباس قال ((فىّ والله نزلتْ (يقصد الآية المذكورة) حين أخبرتُ رسول الله بإسلامى وسألته أنْ يُحاسبنى بالعشرين أوقية التى وُجدتْ معى، فأعطانى عشرين عبدًا)) (أسباب النزول للسيوطى) وفى القرآن آيات عديدة تبدأ بكلمة (يسألونك) أى أنّ تلك الآيات إجابة عن أسئلة طرحها أهالى ذاك الزمن وتلك البيئة، رغم بداهتها، مثل (حيض المرأة) وبعد أنْ أجاب القرآن فإذا بالبخارى فى صحيحه يُخصص بابا بعنوان (كتاب الحيض) وتبدأ سورة الأنفال بسؤال عن العائد الذى سيحصل عليه المُشارك فى القتل من حصيلة الغنائم، وهو ما شرحته الآية41بالتفصيل. وعن أسباب نزول الآية 49من سورة التوبة ((ومنهم من يقول ائذن لى ولا تفتنى)) كما ذكرالطبرانى عن ابن عباس أنّ النبى قال ((اغزوا تغنموا بنات بنى الأصفر)) فقال ناس من المنافقين ((إنه ليفتنكم بالنساء)) (السيوطى) وعن أسباب نزول الآية223من سورة البقرة ((نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنىّ شئتم)) ذكرالبخارى عن ابن عمر: نزلتْ هذه الآية فى إتيان النساء فى أدبارهن. واخرج الطبرانى فى (الأوسط) بسند جيد ((إنما نزلتْ على الرسول رخصة فى إتيان الدبر)) وهوما أكده السيوطى. ولعلّ ما ذكره عمربن الخطاب عن توافق القرآن مع آرائه، أنْ يكون دالا على البصمة البشرية. قال عمر(وافقنى ربى فى ثلاث) وفى بعض الروايات فى أربع. عن أنس بن مالك قال ((قال عمر وافقنى ربى فى أربع. قلتُ يا رسول الله لو صليتَ خلف المقام. أليس هذا مقام إبينا إبراهيم؟ فنزلتْ الآية ((واتخذوا من مقام إبراهيم)) وقلتُ يا رسول الله لو ضربتَ على نسائك الحجاب، فإنه يدخل عليهن البر والفاجر. فأنزل الله ((وإذا سألتموهن متاعًا فاسألوهنّ من وراء حجاب)) ولما نزلتْ آية ((لقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين)) قلتُ أنا (تبارك الله أحسن الخالقين)) فنزلتْ ((فتبارك الله أحسن الخالقين)) ودخلتُ على أزواج النبى (ص) فقلتُ: لتنتهنّ أو يُبدله الله بأزواج خيرًا منكنّ، فنزلتْ الآية ((عسى ربه إنْ طلقكن أنْ يُبدّله أزواجًا خيرًا منكنّ))
وكان تعليق أ. خليل عبد الكريم الذى أورد النص ((هذا الحديث (كلام عمر) أخرجه البخارى والنسائى وابن ماجه وهم ثلاثة من الصحاب الصحاح الستة. ورواه أنس بن مالك وهوخادم محمد أى أنّ حديث عمر ناءٍ عن التجريح وهو ما أكده السيوطى وأنّ عمر قال ذلك فنزل القرآن بموافقته. كما أنّ عمر قال للنبى ((والله يا رسول الله لئن أمرتنى بضرب عنق حفصة لضربتُ عنقها)) (خليل عبدالكريم- النص المؤسس ومجتمعه- السفرالأول- دارالمحروسة عام 2002- من ص 224- 226وذكر أنّ من بين مراجعه: التسهيل ل الكلبى- ج4ص 132) أما عن استعداد عمر لضرب عنق ابنته فكان تعليق أ. خليل ((لا تعليق لنا عليه إلاّ أنه من هواة قطع الرقاب))
وفى الحوار الذى دار بين محمد ووحشى (قاتل حمزة بن عبدالمطلب) دليل دامغ على أنّ السماء كانت تستجيب لمشيئة البشر. إذْ قال وحشى للنبى (( يا محمد أتيتك مستجيرًا فأجرنى حتى أسمع كلام الله. فقال محمد ((قد كنتُ أحب أنْ أراك على غير جوار. فأما إذْ أتيتنى مستجيرًا فأنتَ فى جوارى حتى تسمع كلام الله. قال: فإنى أشركتُ بالله وقتلتُ النفس التى حرّم الله وزنيتُ فهل يقبل منى الله التوبة؟ فصمتَ رسول الله حتى نزل ((والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التى حرّم الله إلاّ بالحق ولا يزنون)) (الفرقان/68) قرأ محمد هذه الآية على وحشى الذى قال ((أرى شرطـًا فلعلى لا أعمل صالحًا. أنا فى جوارك حتى أسمع كلام الله)) فنزلتْ ((إنّ الله لا يغفر أنْ يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء)) (النساء/ 48) فلما تلاها محمد على وحشى قال ((ولعلى من لا يشاء وأنا فى جوارك حتى أسمع كلام الله فنزلتْ ((قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا)) (الزمر/53) فقال حبشى ((الآن لا أرى شرطــًا)) فأسلم. (خليل عبدالكريم – المصدر السابق- ص262، 263وذكر مصادره التراثية)
على العقل الحر ملاحظة أنّ الآيات المذكورة جاءتْ بناءً على رغبة وحشى قاتل حمزة بن عبد المطلب الذى قــُتل فى معركة أحد ومثلتْ هند بنت عتبة أم معاوية بجثته تمثيلا بشعًا، مما دفع محمد أنْ يُقسم أنه لو واتته الفرصة فسوف يُمثل بسبعين منهم، ومع ذلك تراجع عن وعده. لقد قتل وحشى حمزة بعد أنْ وعدته هند بالحرية ثأرًا لمقتل أبيها فى غزوة (بدرالكبرى) وبعد أنْ قتل وحشى حمزة توجّه لسيدته فلما تأكدتْ من حقيقة الأمر طغى عليها السرور. ثم أقبلتْ على جسد حمزة وبقرتْ بطنه واستخرجتْ كبده ولاكتها بفمها. وكان تعقيب أ. خليل ((هذا الفعل الشنيع من هند يقطع بأنّ القساوة والتوحش مركوزان فى نفوس أولئك (العرب) وقارن بين سلوك هذه المرأة المفترسة وما سطره التاريخ البالغ الرقى والتهذيب للنساء فى مصرالقديمة، لتـُدرك الفرق بين البداوة والحضارة والهمجية والمدنية. ومن ثم فإنّ المقارنة بينهما مستحيلة)) وبعد أنْ لاكتْ هند كبد حمزة بفمها لم تستسغ طعمها فلفظتها. وكان تفسير محمد لو أنها ابتلعتها لدخلت الجنة، ومن المستحيل أنْ تصطلى كبد حمزة بالنار مع أم معاوية. وعن السبب الذى جعل محمد يترأف بوحشى لدرجة استجابة السماء لمشيئة القاتل كتب أ. خليل أنّ ((فراسة محمد العميقة وبُعد نظره جعلته يحدس أنّ (وحشى) بما له من قدرة قتالية عالية ومهارة مشهود لها فى استعمال الحراب وهى من أدوات الطعان الهامة لدى أولئك العرب سوف يغدو شديد النفع فى الغزوات التى تعمل على إشاعة دين الإسلام وتوسيع رقعته)) (من ص 263- 265)
أعتقد أنّ الأمثلة المذكورة عاليه (وهى ليست على سبيل الحصربالطبع) بالإضافة إلى الموقف المنحاز للرجل ضد المرأة ، وهو الموقف السائد فى مجتمع رعاة الغنم (الرجال قوامون على النساء، المرأة نصف الرجل فى الميراث والشهادة إلخ) تـُوضح أنّ البصمة البشرية فى كتابة القرآن حقيقة مؤكدة ودامغة وليست من وحى خيال من كتبوا كتب تفسير القرآن وأسباب النزول والناسخ والمنسوخ والسيرة المحمدية. ومع ملاحظة أنهم كانوا يُدافعون عن الإسلام كما أنهم ليسوا من المستشرقين الأوروبيين. ***



#طلعت_رضوان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثالية تعترض على بتر العضو الفاسد
- التشابه والاختلافات بين ثقافات الشعوب
- معبد إدفو : بناؤه وأساطيره
- لبننة مصر مشروع أمريكى / صهيونى / إسلامى
- سهير القلماوى وألف ليلة وليلة
- ألف ليلة والليالى المصرية
- السندباد البحرى والملاح التائه
- فهمى هويدى يعترف بأصوليته
- كعب أخيل والأصل المصرى
- عذرية الإنسان (نص لا يدّعى الشعر)
- الانتقال إلى العالم الآخر والأصل المصرى
- مصطلح ( متأسلمين ) ومغزاه
- قصص أبطالها حيوانات والأصل المصرى
- سيناء ضحية بين حماس وإسرائيل
- تحولات المستشار طارق البشرى
- إدوارد سعيد : داعية إسلامى
- المثقف بين الولاء للسلطة والولاء لشعبه
- لمصلحة من القتل والارهاب ؟
- الأحزاب الدينية والحداثة
- بورتريه ل ( ع . ف )


المزيد.....




- العراق.. المقاومة الإسلامية تستهدف هدفاً حيوياً في حيفا
- المقاومة الإسلامية في العراق تعلن ضرب -هدف حيوي- في حيفا (في ...
- لقطات توثق لحظة اغتيال أحد قادة -الجماعة الإسلامية- في لبنان ...
- عاجل | المقاومة الإسلامية في العراق: استهدفنا بالطيران المسي ...
- إسرائيل تغتال قياديًا في الجماعة الإسلامية وحزب الله ينشر صو ...
- الجماعة الإسلامية في لبنان تزف شهيدين في البقاع
- شاهد: الأقلية المسلمة تنتقد ازدواج معايير الشرطة الأسترالية ...
- أكسيوس: واشنطن تعلق العقوبات على كتيبة -نيتسح يهودا-
- آلام المسيح: كيف حافظ أقباط مصر لقرون على عادات وطقوس أقدس أ ...
- -الجماعة الإسلامية- في لبنان تنعي قياديين في صفوفها قتلا بغا ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - طلعت رضوان - القرآن بين النص الإلهى والبصمة البشرية