|
معتقلو السلفية الجهادية من تكفير منظمات حقوق الإنسان إلى الاحتماء بها
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 1209 - 2005 / 5 / 26 - 10:28
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
يخوض معتقلو السلفية الجهادية منذ بداية شهر مايو إضرابا عن الطعام لأسباب لا تتعلق مباشرة بظروف الإقامة في المؤسسات السجنية ، بقدر ما هي مطالب سياسية بحتة لخصها أبو حفص في الاستجواب الذي أجرته معه جريدة ABC الإسبانية وأعادت نشره أسبوعية "الصحيفة" في عددها 211 بتاريخ 18.24 ماي الجاري ، لخصها كالتالي ( مطالبنا ثلاثة ، وهي : أولا الإفراج عنا فورا دون قيد أو شرط . ثانيا : فتح تحقيق محلي ودولي في أحداث 16 ماي لمعرفة من كان وراءها . ثالثا : فتح تحقيق في الانتهاكات الحقوقية التي مست المعتقلين ومعرفة من كان وراءها ومحاسبة الجلادين ومعاقبتهم ) . وينطلق شيوخ السلفية الجهادية من " قناعة" لديهم بالبراءة من الأحداث الإرهابية التي هزت الدار البيضاء ليلة 16 مايو 2003 . وحاولوا ، لهذه الغاية الاحتماء بالمنظمات الحقوقية والاستقواء بها ضد الدولة . وهذا كان مخططهم منذ اللحظة الأولى من الاعتقال . بحيث قال الفيزازي في بيان أصدره في الذكرى الأولى للأحداث الإرهابية ، بأن ما قضى به القاضي عليه من سجن ( باطل ولاغ لاعتبارات عدة من بينها عدم قانونية هيأة الحكم وعدم استدعاء الشهود ، خرق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) . كما حاول هؤلاء الشيوخ إيهام عائلات الضحايا بخلو مسئوليتهم في الأحداث الإرهابية التي أودت بذوي العائلات . إذ جاء في أول بيان وجهه شيوخ السلفية الجهادية المعتقلون إلى تلك العائلات ( إننا لسنا بالصورة السوداء التي رسمها لكم الإعلام عنا ، لسنا متطرفين ولا تكفيريين ولا مفتين بالقتل والسلب .. لقد فُعِل بنا ما علمتم وما خفي عنكم أعظم ، كل ذلك انتقاما من عقيدتنا الإسلامية .. إن أحداث الدار البيضاء الأليمة جاءت كما جاءت ، فاستثمرها خصوم ديننا في بلادنا بما لديهم من نفوذ سلطوي وإعلامي، فراحوا بوتيرة متسارعة ومتآمرة يحتضنون قانون الإرهاب ـ الإرهابي ـ ويقرونه ، ويرهبون من يفكر حتى في مناقشته .. خدمة للمشروع الأمريكي في إسكات كل صوت يقول : "اللهم انصر المجاهدين" وتدعيما للمخطط الرهيب الذي ظاهره الرحمة تحت مسمى الحداثة والديمقراطية والحرية وما إلى ذلك ، وباطنه من قبله العذاب المتمثل في الحرب على الله سبحانه وتعالى .. إذن لحساب من هذا الاجتهاد في تكديس الأبرياء المتدينين هنا وتكريس الحرب على الإسلام باسم مقاومة التطرف ، والحرب على الجهاد في سبيل الله باسم محاربة الإرهاب ، والحرب أيضا على الشريعة الإسلامية السمحة باسم الدفاع عن حقوق الإنسان والحداثة والديمقراطية) . إن هذا بيان إدانة الشيوخ لا تبرئتهم . فالبيان يتهم صراحة الدولة والأحزاب بـ " الحرب" على الله وعلى الدين وعلى الدعاة . وبالتالي يصير نظام الحكم والدولة والأحزاب جميعهم " أعداء" الله ورسوله و "المتدينين" ، من جهة ، ومن أخرى " موالين" للكفار في حربهم ضد الدين والمتدينين . إن البيان لا يخرج ، في مضامينه ، عن عقيدة التكفير التي تتأسس عليها السلفية الجهادية بكل تفريعاتها التنظيمية . ويمكن أن ندرج بعض تنظيرات هؤلاء الشيوخ التي تكفر النظام والدولة والأحزاب وتحرض على الجهاد ضد " الكفار" و" المرتدين" من أبناء الوطن قبل الأجانب . يقول عبد الكريم الشاذلي أحد شيوخ السلفية الجهادية( هذه الأقوال أوردها محمد ضريف في أسبوعية " لاكازيت دو ماروك ـ مارس 2004) ( فمذهب أهل السنة أن من أتى بقول مكفر أو فعل مكفر بنفس القول أو الفعل كفر ظاهرا في الحكم الدنيوي وباطنا على الحقيقة ، لأن من دل الدليل الشرعي على كفره فهو كافر في الظاهر والباطن ، لأن الدليل الشرعي وهو خبر الله تعالى لا يكون على الظاهر دون الباطن ، بل لا يكون إلا على الحقيقة المتضمنة للظاهر والباطن . فأهل السنة يرتبون الحكم بالكفر على الإتيان بسببه الظاهر من الأقوال والأفعال المكفرة ) ويقول أيضا ( الإيمان بالله والكفر بالطاغوت هو التوحيد الذي جاءت به كل الرسالات السماوية). وبهذا يكون المغاربة جميعهم ، عدا أعضاء السلفية الجهادية ، " كفارا" لأنهم لم يكفروا بالطاغوت ، بل تحاكموا إلى قوانينه . يقول عبد الكريم الشاذلي ( ينبغي لكل مسلم أن يعلم أن قضية الحاكمية والتشريع لا تتعلق بمسائل الأحكام الفرعية ، بل تتعلق بأصل التوحيد والإيمان ) . ومن ثم فالتوحيد لا يقتصر على إفراد الله بالتوحيد ، بل بالتحاكم إلى شرعه . لهذا يعمم الشاذلي حكم الكفر على المغاربة بقوله (كل من اتخذ مع الله آلهة أخرى في التشريع فقد أشرك بالله .. وعلينا أن نعلم أن المرء لا يكون من الموحدين حتى يكفر بكل طاغوت قديما كان أو معاصرا . فإن لكل عصر وزمان ومكان طواغيته وأشنعها طواغيت عصرنا الذين يحكمون الناس بالقوانين الوضعية في صور شتى ) . والشاذلي يخص بقوله هذا دولة المغرب مما يعد تحريضا صريحا ضد نظامها السياسي ومؤسساتها الدستورية وكل مرافقها وعموم مواطنيها الذين قبلوا الاحتكام إلى "الطاغوت" وقوانينه . وهكذا نقرأ تركيزه على طواغيت المغرب ( ألم يحلوا ما حرم الله من الزنا والربا والخمر والفساد والعري والاختلاط ؟ ألم يعطلوا حدود الله ؟ ألم يحاربوا الموحدين ويسفكوا دماءهم ويلاحقوهم بالتعذيب والجواسيس ؟.. ألم يفرضوا على المسلمين قوانين الكفار ؟.. ألم يفسحوا المجال للأحزاب العلمانية كالاشتراكية والشيوعية والماسونية وغيرها ؟ .. ألم يكرموا الكفار ؟ ألم يستشيروهم ؟ ألم يتخذوا منهم بطانة من دون المؤمنين ؟.. ألم ينصبوهم في الوظائف الهامة الخ؟ والله سبحانه وتعالى يقول : ( ومن يتولهم منكم فإنه منهم ) . إن هؤلاء الحكام الطواغيت ومن يحتكم إلى قوانينهم هم " كفار" يتوجب الخروج عليهم والجهاد ضدهم لأن ( جهادهم مقدم على جهاد اليهود لسببين : القرب والردة ) . إننا إذن أمام فتاوى صريحة في التكفير والتحريض على قتل " الكفرة" و" المرتدين" . وإذا كان شيوخ السلفية الجهادية ينفون عنهم تهمة التكفير ، فلسبب بسيط مرده إلى زعمهم أنهم يُكفِّرون من كفّره الله . أما التكفيري ، في نظرهم ، فهو الذي يُكفِّر المسلم المؤمن . من هنا نسائل هؤلاء الشيوخ : على أي أساس جاءت تفجيرات 16 مايو والاغتيالات التي كان ضحيتها مواطنون عاديون ، والتحضيرات لعمليات أخرى أحبطتها قوى الأمن ؟ هل كانت بغرض النهب والانتقام أم للجهاد ضد الكفر ؟ من يتحمل المسئولية الأولى : من نفذ التفجير أم من أفتى به " جهادا" وحرض عليه ؟ ألم تكن التفجيرات والاغتيالات سوى تنفيذ أمين من قبل شباب غُفْـل لفتوى عبد الكريم الشاذلي أن هؤلاء الحكام الطواغيت ومن يحتكم إلى قوانينهم هم " كفار" يتوجب الخروج عليهم والجهاد ضدهم لأن ( جهادهم مقدم على جهاد اليهود لسببين : القرب والردة ) ؟ أليس أعضاء الجمعيات الحقوقية يصدق عليهم ما يصدق على غيرهم من المواطنين الذين قبلوا الاحتكام إلى قوانين"الطاغوت" ، فصاروا "مرتدين" و "كفرة" ؟
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمعات العربية وظاهرة الاغتيال الثقافي
-
الأزمة السياسية في إيران تؤكد أن الديمقراطية لا تكون إلا كون
...
-
عبد الكبير العلوي المدغري والشرخ الغائر بين الروائي المتحرر
...
-
الإرهاب يتقوى وخطره يزداد
-
منتدى المستقبل- أو الغريب الذي تحالف ضده أبناء العم
-
العنف لدى الجماعات الإسلامية بين الشرعنة والإدانة 2
-
العنف لدى الجماعات الإسلامية بين الشرعنة والإدانة -1
-
الإرهاب إن لم يكن له وطن فله دين
-
هل أدركت السعودية أن وضعية المرأة تحكمها الأعراف والتقاليد و
...
-
عمر خالد وخلفيات الانتقال بالمرأة من صانعة الفتنة إلى صانعة
...
-
هل السعودية جادة في أن تصير مقبرة للإرهابيين بعد أن كانت حاض
...
-
ليس في الإسلام ما يحرم على المرأة إمامة المصلين رجالا ونساء
-
العلمانية في الوطن العربي
-
حزب العدالة والتنمية المغربي مواقفه وقناعاته تناقض شعاراته
-
ليس في الإسلام ما يحرم على المرأة المشي في الجنازة
-
الإسلاميون يصرون على بدْوَنة الإسلام ومناهضة الحداثة - 3
-
الإسلاميون يصرون على َبـْدوَنَـة الإسلام ومناهضة الحداثة - 2
-
الإسلاميون يصرون على بَدْوَنَة الإسلام ومناهضة الحداثة
-
الإسلاميون والدولة الديمقراطية
-
السعودية بين مطالب الإصلاحيين ومخالب الإرهابيين
المزيد.....
-
بيان جماعة علماء العراق بشأن موقف أهل السنة ضد التكفيريين
-
حماة: مدينة النواعير التي دارت على دواليبها صراعات الجماعات
...
-
استطلاع رأي -مفاجىء- عن موقف الشبان اليهود بالخارج من حماس
-
ولايات ألمانية يحكمها التحالف المسيحي تطالب بتشديد سياسة الل
...
-
هل يوجد تنوير إسلامي؟
-
كاتس يلغي مذكرة -اعتقال إدارية- بحق يهودي
-
نائب المرشد الأعلى الإيراني خامنئي يصل موسكو
-
الجيش السوري يسقط 11 مسيرة تابعة للجماعات التكفيرية
-
بالخطوات بسهولة.. تردد قناة طيور الجنة الجديد علي القمر الصن
...
-
TOYOUER EL-JANAH TV .. تردد قناة طيور الجنة بيبي على القمر ا
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|