أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد الكحل - حزب العدالة والتنمية المغربي مواقفه وقناعاته تناقض شعاراته















المزيد.....



حزب العدالة والتنمية المغربي مواقفه وقناعاته تناقض شعاراته


سعيد الكحل

الحوار المتمدن-العدد: 1181 - 2005 / 4 / 28 - 11:22
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


.الإعلان عن المراجعة إكراه أم إقتناع ؟ : كان للأحداث الإرهابية التي ضربت المغرب في 16 مايو 2003 تأثير مباشر على حزب العدالة والتنمية وحركة التوحيد والإصلاح حملهما ، طوعا أو كرها ، على الإعلان عن استعدادهما لإجراء مراجعة شاملة . وهذا ما نقرأه مثلا في الحوار الذي أجرته جريدة " التجديد" مع الأستاذ محمد الحمداوي ونشرته في عددها 693 بتاريخ 25 يونيو 2003 ، إذ جاء فيه ( أن التفجيرات بحدتها ودلالاتها فرضت على مختلف الأطراف والهيئات الانكباب من أجل استخلاص الدروس وتقييم مناهج العمل والقيام بالمراجعات المطلوبة ، حتى ينخرط الجميع في تنفيذ المقاربة الشمولية التي طرحها جلالة الملك حفظه الله في خطابه حول الأحداث ، وحركة التوحيد والإصلاح مطالبة من جهتها بالانخراط بفعالية في هذا المسار .. وسيكون هذا أحد محاور اشتغال مجلس الشورى المقبل . وشخصيا أعتقد أن المراجعات المطلوبة يجب أن تنصب على ثلاث واجهات : منهج علاقتنا بالمخالفين ومضامين خطابنا الإعلامي والدعوي ، وواجبنا تجاه ظواهر الخلل والغلو ، ونوعية وحجم مساهمتنا في الفعل السياسي .. فقد انتبهنا إلى أن عملنا اتسم بنوع من العزوف وعدم الاهتمام بمجريات الصف الإسلامي والتأثيرات الخارجية عليه ، وخاصة ذات الحمولات المتطرفة ، مما يحتم الالتفات أكثر لمكونات الصحوة الإسلامية ومتابعة التطورات التي تعرفها ومدارسة المستجدات الفكرية والتصورية والقيام بواجب النصح والتقويم لما نراه من خلل أو انحراف ، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل شرائح الصحوة بالمغرب سابق على القيام به في باقي الأوساط ) . وبسبب تلك الإكراهات والضغوط الممارسة على الحزب ، سيعمد هذا الأخير إلى الدعوة لعقد دورة استثنائية لمجلسه الوطني يوم 04 جمادى الأولى 1424 ، حدد لها المهام التالية :
المهمة الأولى : إعطاء المشروعية القانونية والتنظيمية للمراجعات التي تقرر القيام بها داخل الحزب .
المهمة الثانية : إعادة رسم معالم الحزب بما ينفي عنه كل التهم أو الشبهات التي تصنفه في خانة التطرف أو الداعم له .
المهمة الثالثة : تجاوز " الأزمة الحادة" وحالة " الارتباك" التي يعاني منها الحزب .
ففي مقالة للسيد مصطفى الخلفي نشرتها التجديد بتاريخ 5 يوليوز 2003 نجد تلك المهام التي حددتها قيادة الحزب ليبت فيها المجلس الوطني ، ومن ضمنها : تحديد مستقبل المسار السياسي للحزب ، وبلورة طبيعة الخيارات التي سيعتمدها في مواجهة مختلف الإشكالات والتحديات التي أفرزها 16 ماي . ذلك أن تداعيات هذا اليوم عرضت ( مجمل السير العام للحزب لحالة من الارتباك ) ، كما ( ساهمت أزمة ما بعد 16 ماي بشكل مقدر في توضيح وكشف الاختلالات التي أخذ أداء الحزب وخطابه السياسي يشهدها منذ مدة ليست باليسيرة ) . وجاءت مقالة الأستاذ الخلفي تَبْسُط المطلوب من أعضاء المجلس الوطني على ضوء واقع الحزب واختلالاته التي لم تزدها أحداث 16 مايو إلا بروزا وتوضيحا . ومن تلك الاختلالات أبرز السيد الخلفي اثنين منها هما : قصور الوعي بحساسية الموقع السياسي للحزب ، ثم أزمة توضيح المشروع السياسي للحزب . لهذا السبب اعتبر الخلفي أن موقع الحزب ( يقتضي حنكة أكبر في تدبير علاقاته السياسية مع مختلف الأطراف والفاعلين ، كما يتطلب توازنا في خطابه ومواقفه ) ، ( ذلك أن الخط العام للحزب كما تبلور منذ أكثر من عقد من الزمن تأسس على خيار المشاركة والانفتاح ، والاستيعاب الدقيق لتعقيدات التدافع السياسي والاجتماعي بالبلاد ) ، غير أن قيادة الحزب لم تعد ملتزمة بهذا الخط العام إذ ( ظهر قصور في توجيه الخطاب السياسي للحزب حسب هذا التوجه ، وفي ضمان انسجامه في القضايا الكبرى على أساس منه ، وفي ضبط سقف مبادراته وتحديد أولوياته ورسم خريطة علاقاته المرحلية والاستراتيجية ) . وترتب عن هذا القصور ، إدخال الحزب ( في معارك غير محسوبة وفتح جبهات متعددة في نفس الوقت .. مثل الخروج إلى المعارضة ، والاحتجاج على حضور الفنان الصهيوني " لوران جبرا" بالدار البيضاء ، وقانون مكافحة الإرهاب ، بالإضافة لبعض التصريحات التي صدرت حول بعض القضايا كإمارة المؤمنين والعلاقة بين حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية ، حيث إن بعض المواقف في هذه المحطات خلفت تشويشا على الخط السياسي للحزب في الساحة الوطنية ، ومكنت خصومه من مبررات قوية للعمل على تحجيمه والتخويف منه وإضعاف فاعليته في الحياة السياسية والوطنية ) . قبل الأحداث الإرهابية ، كان الحزب يقدم نفسه حامي الدين والمدافع عما تبقى من حصونه كما جاء على لسان الأستاذ بنكيران ( نحن الآن في مرحلة الدفاع عن الحصون المتبقية من الإسلام )( برنامج "في الواجهة" لقناة. M 2 ) . ومن ثم ساد اعتقاد لدى أعضائه وقياداته أن حزبهم يمثل الدين الصحيح والسليم على حد قول الأستاذ بنكيران لبرنامج "في الواجهة" ( حزبنا ينتسب إليه أو يتعاطف معه ويشعر بأنه يمثله كل من استوعب الإسلام بشكل سليم وفهمه بشكل سليم ) . ومن شأن هذا الاعتقاد أن يتلاعب بمشاعر الأعضاء فيحقنها بالحقد والضغينة ضد من هم " فاسدو" الإيمان . إن هذا النهج القائم على التمييز في المواطنين بين مواطنين " سليمي " الإيمان والإسلام ، ومواطنين " فاسديهما" ، هو ما تكرسه عقيدة الولاء والبراء التي تأسست عليها حركة التوحيد والإصلاح وجعلت الحزب يعتنقها بعد التحاقها به . إذ ينص ميثاق الحركة على رابطة الأخوة والموالاة تجاه فئة معينة من الناس دون غيرها كالتالي ( أما الولاء فهو خلق من أهم أخلاق الإيمان ، ومن مقتضياته المحبة والنصرة . وللولاء قيمة خاصة فالله سبحانه أمر أن يكون دائرا بين المؤمنين خاصة . وحصر المؤمنين المستحقين لهذه الموالاة في " الذين يقيمون الصلاة ويوتون الزكاة وهم راكعون" المائدة 55 . وجعل تحرير الموالاة لله جل وعلا ولرسوله (ص) سببا من أهم أسباب الدخول في رحمته ، كما جعلها شرط غلبة حزب الله )( ص 31 ، 32 ) . لكن بعد أحداث 16 مايو تنبه بعض قادة الحزب إلى خطورة الصفة الدينية على مستقبل الحزب السياسي والقانوني . من هنا كانت دعوة الدكتور الخطيب أعضاء المجلس الوطني الاستثنائي إلى ضرورة انفتاح الحزب على جميع المواطنين ، وفتح ( أبواب الحزب أمام كل المغاربة الراغبين في الالتحاق بصفوفه ) . وهي محاولة كان القصد منها المداراة على الطابع الديني لحزب العدالة والتنمية . طبعا لم يكن ، حينها ، أعضاء الحزب على مستوى من النضج السياسي يمكنهم من فهم واستيعاب الوقائع ، الأمر الذي حذا بالعديد من الحاضرين إلى الإصرار على الحيلولة دون تمكين الدكتور الخطيب من إلقاء الكلمة الختامية ، بعد أن انتهى إلى علمهم أنه سيدعو إلى الفصل بين الحركة والحزب . وبالفعل ما أن هم الأمين العام بإلقاء كلمته حتى حاصره أعداد من الحاضرين احتجاجا على مواقفه . حينها أخرج السيد الشيخي عبد الرحيم لافتة مكتوبا عليها بالفرنسية :
M U R = P J D , « Nous sommes tous Ahmed Raissouni » . كما ردد آخرون شعار " الريسوني هو زعيمنا " . الأمر الذي أغضب الدكتور الخطيب وجعله يطالب باستقالة السيد الشيخي . ونظرا لما لقيه الشيخي من مساندة من طرف أتباع الريسوني ، فإن د. الخطيب اضطر إلى التهديد بانسحابه من القاعة إذا لم يقدم الشيخي استقالته . في هذا الوقت تعالت أصوات تطالبه بالانسحاب . فانسحب الخطيب دون أن يلقي كلمته الختامية . طبعا كان الهدف المعلن من عقد المجلس الوطني هو إعطاء إشارة الانطلاق لبدء عملية المراجعة التي تشمل مواقف الحزب وخططه واستراتيجيته . إذ ركز البيان الختامي على :
1 ـ إدانته للأعمال الإرهابية التي استهدفت المغرب يوم 16 مايو . إلا أن البيان لم يخص بالذكر الأعمال الإرهابية الممارسة على خلفية دينية ، باعتبارها هي الأعمال موضوع الإدانة .
2 ـ تأكيده على التمسك بالثوابت الوطنية التي اعتبرها موضوع إجماع أعضاء الحزب ، ومنها : إسلامية الدولة ، وإمارة المؤمنين ، والاختيار الديمقراطي ، والملكية الدستورية ، والتعددية السياسية والحزبية . وهو بذلك يبرئ أعضاء الحزب من أي تصريح أو موقف لا ينسجم مع المواقف التي أكد عليها المجلس الوطني . بالإضافة إلى طمأنة الملك على خط الحزب ومواقفه.
3 ـ التأكيد على المرجعية الإسلامية للحزب باعتبارها مرجعية الدولة المغربية . مما يعني أن الحزب لا ينفرد بهذه المرجعية ، ولا يمكن اعتبارها مصدرا للتطرف الديني . ولكن تعطيه المشروعية للإعلان عن دفاعه عن الإسلام .
4 ـ التأكيد على مساواة اليهود المغاربة مع باقي المواطنين في المواطنة ، مما يعني دفع كل تهمة عنه موضوعها الإساءة إلى اليهود أو معاداتهم .
5 ـ التأكيد على تمسك الحزب بنهج التدرج في الانخراط في الحياة السياسية ، بما يعني ترشيد مشاركته في الانتخابات . ويقصد البيان أن الحزب سيركز على نوعية الترشيحات وليس عددها . وتوخى الحزب من ذلك تجنب إثارة الحساسية بسبب كمِّ الترشيحات وعدد الأصوات والمقاعد المحصل عليها . وهذا ما سبق للسيد العثماني أن صرح به لأسبوعية العصر عدد 270 بتاريخ 30 ماي 2003 ، بقوله ( هذه الحملة كشفت لنا مقدار هذا الخوف .. وبالتالي فمرة أخرى فهذا سيؤدي إلى أننا سنراجع استراتيجيتنا في الانتخابات الجماعية المقبلة ، وسنعيد مرة أخرى تقليص حجم مشاركة الحزب لقطع الطريق على الجهات التي تضغط الآن .. ربما ستكون أقل من مشاركته في الانتخابات التشريعية الماضية ، لأن الانتخابات الجماعية أصلا المشاركة فيها ستكون في حدود 50 أو 60 % ) . وحاول السيد العثماني توجيه أعضاء المجلس الوطني للحزب وجعلهم يوافقون على الخطط المرحلية التكتيكية للحزب بقوله : ( إن حزب العدالة والتنمية عازم على الإقدام بشجاعة على تقييم مسيرته ، وإصلاح ما يجب إصلاحه ، ومراجعة أساليب عمله على ضوء ما تقتضيه المرحلة ، والقيام بالنقد الذاتي الضروري ) . إن إجراء المراجعة وممارسة النقد الذاتي ظلت شعارا يرفعه الحزب والحركة ، دون أن يواكبه تأصيل فكري واجتهاد فقهي يكرس استقلالية الحزب والحركة عن التأثر بأطروحات التكفير والأسلمة والحاكمية . وهي التي لازال عدد من رموز الهيئتين يروج لها كما جاء في تصريح الدكتور الريسوني لقناة " العربية" ( الآن هناك دعاة كثيرون للإصلاح لكنهم مثلا في بلدنا وفي غير بلدنا يرون بالذات أن الإصلاح هو إزالة ما بقي من ديننا ، ونحن نقول الإصلاح هو إعادة ما ضاع من ديننا ) . إن تصريحا من هذا النوع يضع حزب العدالة والتنمية في خانة التطرف الديني من حيث كونه يرمي خصومه السياسيين بمحاربة الدين وإفساد المجتمع . كما يضع نفسه في تعارض مطلق مع الأطراف السياسية الأخرى التي تروم الإصلاح . إنه قلب للحقيقة وتشويه للواقع ظل يمارسه الريسوني وأعضاء آخرون دون أن تتحرك أجهزة الحزب والحركة معا في لجم الأعضاء ومحاسبتهم ، مما يعني وجود موافقة مبدئية على مضامين تلك الآراء والمواقف .
المراجعة والمصالحة صيرورة وليستا شعارا :
أكيد أن كل عمل بشري يكون دوما بحاجة إلى مراجعة وتصحيح . فحتى الفكر العلمي الخاضع للصرامة المنهجية لا يحقق مستويات أعلى من التقدم والتطور إلا بفعل النقد والمراجعة والتصحيح . لذا يكون من السخافة بمكان كل فكر تعالى على النقد والمراجعة وسعى إلى امتلاك صفة الإطلاقية والشمولية التي ليست من سمات الفكر البشري بقدر ما هي خاصية العقل الكلي الإلهي . لقد أعلن حزب العدالة والتنمية ، خاصة منذ أحداث 16 مايو ، عزمه على إجراء مراجعات شمولية على مستوى الخطاب والاستراتيجية والعلاقة مع الفرقاء السياسيين . وكان المؤتمر الخامس للحزب فرصة لتسليط الأضواء على المساحات التي شملتها المراجعة ، كما راهن الحزب على مدى التفاعل الإيجابي لوسائل الإعلام وللأحزاب السياسية مع طبيعة المراجعات التي أعلن عليها . غير أن طابع التوجس ظل يشوب مواقف تلك الأطراف ، على اعتبار أن الأمور لا تقاس بشعاراتها ، ولكن تقاس بخواتمها . الأمر الذي أغضب قادة الحزب ففتحوا باب إعلامهم للملاسنة كما لو أن هدفهم من المؤتمر ليس إقرار مراجعة المؤتمرين لمواقف الحزب ، بل الهدف هو حمل الخصوم على مراجعة مواقفهم من الحزب . ففي مقالة للسيد محمد السلاوي تحت عنوان " رسائل المؤتمر الوطني الخامس لحزب العدالة والتنمية" نشرت بالعدد 909 لجريدة " التجديد" ركز فيها على رد الشبهات ودحض دعاوى الخصوم بكون الحزب "يقوم على أساس ديني" وأنه " حزب شمولي غير ديمقراطي" ، و " مخزني" ، وأنه يكره اليهود ويحرض ضدهم .. . أكيد أن هذه الأحكام كرستها ممارسات الحزب وشعاراته من مثل ( هذا عار واليهودي مستشار ) . وأكيد أيضا أن تغيير تلك الأحكام مرهون بمدى التزام الحزب في ممارساته السياسية والمذهبية ، بقيم الديمقراطية والحداثة والتسامح والمواطنة . فأي مراجعة أقرها المؤتمر ؟
بالرجوع على الوثيقة المذهبية التي عرضت على المؤتمر الخامس للحزب ، يمكن الوقوف عند أبرز القضايا التي ركز عليها الحزب في مجال المراجعة . ومن تلك القضايا :
أ ـ التجديد والتحديث : إذ عرفتهما الوثيقة كالتالي ( ونقصد بالتجديد التفاعل الخلاق والإيجابي مع الحداثة الفكرية والحداثة السياسية والحداثة التكنولوجية والمعرفية ، وهو في هذه الحالة جهد يسعى إلى تأصيل الحديث وتحديث الأصيل سواء في فكرنا أو مؤسساتنا أو حياتنا العامة والخاصة وسلوكنا الفردي والجماعي) . إن التنصيص على مسألة التحديث والحداثة قضية جديدة على أدبيات الحزب ، بغض النظر عن مضمون الحداثة الذي يقصده الحزب . ذلك أن البرنامج الانتخابي الذي تقدم به حزب العدالة والتنمية لخوض الانتخابات التشريعية الأخيرة ( 2002) ، لم يتضمن هذا المفهوم ، بل تمحور حول قضايا خمسة هي : أصالة ، سيادة ، ديمقراطية ، عدالة ، تنمية . علما أن الحزب كان يقصد من وراء برنامجه الانتخابي هذا تحقيق "النهضة الشاملة" التي اعتبرها غاية فشلت في تحقيقها الأطراف السياسية الأخرى ، بينما الحزب مدركها للاعتبار التالي المنصوص عليه في ديباجة البرنامج كالآتي( إن تأكيدنا على مصطلح " النهضة الشاملة" وليد اقتناعنا بأن الإشكالية الأساسية التي تواجهنا هي إشكالية حضارية تتجاوز حدود الحسابات السياسية ورسم برنامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية ، وأن قصور العديد من خطط التنمية عن صياغة مجتمع جديد قوي ومتقدم من أسبابه عدم استناد تلك الخطط إلى أسس مذهبية حضارية تستجمع شروط النهضة الشاملة على الصعيد الفكري والإنساني ) . من هنا كان تركيز الحزب على مفهوم " الأصالة" ، كمفهوم مركزي مغاير أو مفارق لمفهوم " الحداثة" . وحدد الحزب مفهوم " الأصالة" في برنامجه الانتخابي كالتالي ( إن شعار الأصالة لدى حزب العدالة والتنمية يعني أن تكون جميع مشاريعنا في الإصلاح مصطبغة بمرجعيتنا الإسلامية ومنسجمة مع قيمنا الثقافية والحضارية مع استيعاب واحترام جميع الخصوصيات الثقافية واللغوية داخل فضاء الأخوة الإسلامية مع الانفتاح الخلاق والمستوعب على الثقافات والمكتسبات الحضارية الإنسانية في جميع المجالات) . في حين جاء تعريف "الأصالة" في الورقة المذهبية التي عرضت على المؤتمر الخامس للحزب مختلفا واضح الاختلاف . إذ ورد في الورقة التعريف التالي ( والأصالة هي أن تكون مشاريعنا في الإصلاح مستنبطة من المرجعية الإسلامية وأن لا تكون اجتهاداتنا في مختلف المجالات متعارضة مع أحكامها ومقاصدها وأن تراعي البرامج التنموية الخصوصيات الثقافية والاجتماعية المغربية وتستفيد منها للتعبئة وراء مشروع تنموي ونهضوي شامل ) . والمقارنة بين التعريفين تقود إلى تسجيل بعض الملاحظات أهمها :
الملاحظة الأولى : أن الورقة المذهبية حذفت كلمة " جميع" الواردة في البرنامج ( أن تكون جميع مشاريعنا في الإصلاح ) . مما قد يعني بعض التحرر في صياغة البرامج .
الملاحظة الثانية : أن الورقة المذهبية وظفت كلمة " مستنبطة" ( أن تكون مشاريعنا في الإصلاح مستنبطة من المرجعية الإسلامية ) . بينما البرنامج اعتمد لفظة " مصطبغة" ( أن تكون جميع مشاريعنا مصطبغة بمرجعيتنا الإسلامية ) . وبين الكلمتين فرق أساسي يسمح للحزب بقدر من الحرية في الاجتهاد ، أي استخراج معنى أو حكم اعتمادا على الفهم والاجتهاد . ومن شأن الاستنباط تحيين النصوص الدينية على مستوى الفهم والاستيعاب . أي جعل الأفهام منفتحة على الواقع ومستوعبة له بالقدر الذي لا يتسبب في لا زمانية النص ولا مكانيته . أما لفظة " مصطبغة" فتأسر الفهم وتكلسه ضمن بنية مفاهيمية جامدة .
الملاحظة الثالثة : أن الورقة تعلن انفتاحها على الخصوصيات المغربية الثقافية والاجتماعية . وهي بذلك تقر بحق الاختلاف الديني . والمقصود هنا ، أساسا ، اليهود المغاربة . بينما البرنامج الانتخابي حصر احترام الخصوصيات الثقافية واللغوية داخل فضاء الأخوة الإسلامية . مما يعني إلغاء التعامل على قاعدة حقوق المواطنة . وهذه مسألة تعكسها بعض مواقف الحزب وشعاراته خاصة منها شعار ( هذا عار اليهودي مستشار ) ، كما لو أن السيد أندري أزولاي وجميع اليهود المغاربة ليس من حقهم المشاركة في إدارة الشأن العام أو تولي المناصب التي يتولاها المغاربة المسلمون . لهذا جاءت الوثيقة تعلن استعداد مشاريع الحزب وبرامجه التنموية مراعاة الخصوصيات الثقافية والاجتماعية المغربية والاستفادة منها للتعبئة وراء مشروع تنموي ونهضوي شامل . بل إنها صرحت ( بحق المواطنة لغير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي ) .
غير أن مفهوم التجديد وضعت له الورقة المذهبية قيودا غير قابلة للكسر لما استثنت من التجديد ( الأمر الثابت الذي نزل به الوحي كالعبادات أو القطعيات من الأحكام الشرعية ) . على اعتبار أن مسألة "القطعيات " لا يوجد حولها اتفاق فأحرى إجماع . وبسبب هذه " القطعيات" من الأحكام الشرعية تحرم المرأة من المشاركة في الحياة السياسية وفي إدارة الشأن العام في كثير من البلدان الإسلامية . وبسببها أيضا منعت حركة طالبان المرأة من التعليم والعمل والتطبيب على يد الرجال . بل بسببها خاض حزب العدالة والتنمية معركة شرسة ضد مطالب النساء من أجل تعديل مدونة الأحوال الشخصية ، ولا زال الحزب لا يقر بحق المرأة في الولاية العامة ، بل بحقها في الولاية على نفسها في الزواج إذ كانت المادة 25 من مدونة الأسرة موضوع تحفظ من طرف الحزب. وطالما ظل الحزب يميز بين المجال القابل للاجتهاد والمجال غير القابل للاجتهاد ، فإن شعار الحزب سيظل أجوفا .
ب ـ الإصلاح الدستوري : إن الورقة المذهبية للمؤتمر الخامس لم تجعل مسألة الإصلاح الدستوري من ضمن المطالب التي يدرجها الحزب في جدول أعمال المؤتمر . كما أنها لم تعالجها بالقدر الذي عالجت بها قضايا أخرى . بل في محور "الأصالة : توجهات واختيارات" لم تطالب الورقة بالإصلاح الدستوري ، وإنما اكتفت بالتذكير التالي ( إن تعزيز المرجعية الإسلامية سواء على المستوى الدستوري أو على المستوى التشريعي ، مدخل أساس من مداخل الإصلاح ، وأحد الشروط لإطلاق مشروع تنموي .. مما يتطلب إعطاء النصوص الدستورية المتعلقة بالإسلام مدلولها الفعلي وأثرها الملموس في جميع جوانب الحياة وسن نص صريح يقضي بأن الإسلام هو المصدر الأسمى لجميع التشريعات والقوانين واعتبار كل ما يتعارض معها لاغيا ) . وبهذا جاءت الورقة المذهبية متراجعة عما سبق واتخذه الحزب من مواقف مطالبة بإصلاح الدستور . ففي التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الرابع للحزب في نونبر 1999 ، نجد الموقف التالي ( لقد حددت الوثيقة المذهبية التي صادق عليها المؤتمر الاستثنائي الإطار التصوري والمذهبي الذي ينطلق منه الحزب في عملية الإصلاح ، وضمن ذلك الإطار فإن حزبنا يؤكد من جديد على تلك الاختيارات الكبرى وخاصة على المستوى الدستوري والسياسي .. إن حزبنا يؤكد بوضوح أن مسألة الإصلاح الدستوري والسياسي مسألة قائمة في جدول الأعمال بالشكل الذي يحقق أفضل صورة من الفصل بين السلطات وإشراك الأمة في صياغة التوجهات والسياسات ويضمن تحمل الحكومات لمسؤولياتها كاملة فيما يقرر من سياسات وينفذ من برامج ) . لقد اتفق معظم أعضاء الأمانة العامة للحزب على عدم إدراج مسألة الإصلاح الدستوري ضمن جدول أعمال المؤتمر . وهذا ما أكده مثلا الأستاذ عبد الإله بنكيران في حوار نشرته أسبوعية " البيضاوي" عدد 99 بتاريخ 21 ابريل 2004 ، جوابا على سؤال : هل هذا يعني أن مطلب تعديل الدستور غير وارد في جدول أعمال مؤتمركم؟ فكان قوله ( فعلا هو غير وارد ، ولا أرى أي مبرر على الأقل في الأفق القريب ) . بينما ظل الأستاذ الرميد متشبثا بمطلب تعديل الدستور ، بحيث نشر وثيقة في الموضوع يعرض فيها موقفه . الأمر الذي جعل الدكتور الخطيب يتصدى له في الكلمة الافتتاحية للمؤتمر ويدعو المؤتمرين إلى ضرورة التشبث بإمارة المؤمنين . فيما ذهب الأستاذ بنكيران إلى اعتبار موقف الرميد رأيا شخصيا بقوله ل"البيضاوي" ( فموقفه (= الرميد ) من الملكية طرحه كما قلت قبل توحدنا معه من خلال كتاباته في جريدة " الصحوة" . وهذا رأيه الشخصي ويدافع عنه باستمرار ) . وبهذا يتخلى الحزب ، مكرها ، على مطلب الإصلاح الدستوري ليستعيض عنه بمطلب الإصلاح السياسي . ففي البيان الختامي للمؤتمر الخامس كان التركيز على ( تأكيد المؤتمر على أولوية الإصلاح السياسي بالشكل الذي يعيد للمؤسسات المنتخبة والتنفيذية اعتبارا أكبر وبما يؤدي إلى إصلاح المشهد السياسي ويؤدي إلى تخليق الحياة العامة ومواجهة جميع أشكال الفساد ) .
ج ـ إمارة المؤمنين : بعد الذي صدر عن الدكتور الريسوني في موضوع إمارة المؤمنين ، وما ترتب عنه من إحراج للحزب اضطر حينها الدكتور الخطيب إلى وصفه بـ" الغبي" ، جاءت الوثيقة المذهبية تشدد على الموقف التالي للحزب ( يرى حزبنا أن أمير المؤمنين هو المشرف على تدبير الشأن الديني في المغرب اعتبارا للصفة الدستورية للملك بوصفه حاميا لحمى الملة والدين . ويؤكد حزبنا على أهمية مؤسسة إمارة المؤمنين ودورها التاريخي والحالي في المحافظة على الدين ) . وفي هذا الإطار جاء تأكيد الدكتور الخطيب أمام المؤتمر الخامس ( إذا أردنا بناء مجتمع إسلامي يجب أن نحافظ على مكتسباتنا الجوهرية وهي الإمامة والخلافة الإسلامية التي يتمتع بها المغرب ويمتاز بها بين جميع الأمم ) ونفس التوجه أكد عليه التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الخامس كالتالي : ( ولئن أكد الحزب باستمرار على أهمية الانطلاق من المرجعية الإسلامية ومن الملكية لبناء مستقبل المغرب ، فلإيمانه العميق وقناعته الراسخة أنهما شكلتا لحمة الشعب المغربي وأرضية انطلاقه ومحط إجماعه لبناء حاضره ومستقبله . ولذلك فإن حزب العدالة والتنمية يتمسك بإسلامية الدولة التي على رأسها أمير المؤمنين باعتباره حاميا لحمى الملة والدين ، وساهرا أمينا على وحدة المغرب وضامنا للحقوق والحريات العامة ) .
د ـ المرجعية الإسلامية : جاءت الورقة المذهبية بمحاولة لإبعاد الصفة الدينية عن الحزب ، ومن ثم تبرئته من " تهمة" الوصاية على الدين . وهكذا نصت على التالي ( واعتماد المرجعية الإسلامية معناه أن يكون الإسلام منطلقا وإطارا لمختلف الاختيارات والاجتهادات السياسية وللمشاريع المجتمعية . والحزب حين يؤكد انطلاقه من المرجعية الإسلامية فإنه لا يعتبر نفسه وصيا على الدين وناطقا باسمه .. انطلاقا من ذلك يعتبر حزبنا نفسه حزبا سياسيا لا حزبا دينيا وصيا على الإسلام ، وأن مجال اشتغاله هو المجال السياسي ، كما أن الانتماء إلى حزبنا هو انتماء سياسي على أساس المواطنة . وهو ما يجعل حزبنا مفتوحا لجميع المواطنين ما داموا ملتزمين بتوجهاته وبرامجه السياسية وقوانينه ) . ولمعرفة مقدار المراجعة التي همت هذا الجانب ينبغي العودة إلى مواقف الحزب السابقة ، ومن ضمنها الموقف المعبر عنه في البرنامج الانتخابي ، إذ كان محور " أصالة" يحظى بالأولوية . ويتوخى منه الحزب تكريس هيمنة الديني على كل مجالات الدولة والمجتمع والأحزاب من جهة ، ومن أخرى محورة أنشطة الحزب على ما هو ديني . الأمر الذي ينقل الحزب من الطبيعة السياسية إلى الطبيعة الدينية . من هنا تأخذ مصداقيتها تهمة الوصاية على الدين التي تكرسها فقرات البرنامج الانتخابي ، ومن ضمنها نجد ( لكن الملاحظ أن هناك قصورا كبيرا في استلهام السياسات والبرامج من المرجعية الإسلامية ، وفي اتخاذ دعم الهوية الإسلامية للمجتمع المغربي أولوية من الأولويات الحكومية ، وفي الاعتناء بوضع برامج لتنمية التدين في المجتمع ، وفي المقابل زادت الجرأة على اعتماد سياسات مخالفة للهوية الإسلامية ، فضلا عن ضعف جانب المرجعية في برامج أغلب الأحزاب السياسية بل ومصادمتها أحيانا ) . إن مثل هذه المواقف والأحكام لا يمكن أن تصدر إلا عن حركة دينية ومذهبية تروم نشر قناعاتها على عموم المجتمع . أما أن تصدر عن حزب سياسي فذلك أمر يمس بروح الدستور ونصوصه ، من جهة ، ومن أخرى ينصب الحزب نفسه رقيبا على الضمائر ومفتيا في الآخرين . إذ القول بأن برامج أغلب الأحزاب "مصادمة" للهوية الإسلامية هو حكم فقهي وليس موقفا سياسيا . وخطورة هذا الحكم الفقهي تكمن في منحيين : المنحى الأول : إضفاء الصفة الإسلامية فقط على برنامج حزب العدالة والتنمية ، ومن ثم تقديمه للمواطنين على أنه يمثل الدين الإسلامي الصحيح ويدافع عنه ويحصن تعاليمه . المنحى الثاني : إظهار باقي الأحزاب كما لو أنها متآمرة على الدين ورافضة لتعاليمه ومنكرة لأحكامه . مما يضع الناخبين أمام الاختيار بين الإيمان الذي يمثله حزب العدالة والتنمية وبين الكفر الذي تمثله باقي الأحزاب السياسية . وهذا أمر مرفوض دينيا وقانونيا ودستوريا واجتماعيا . ورغم المراجعة المعلنة في مجال المرجعية ، إلا أن الورقة المذهبية أبقت على التداخل وعدم الفصل بين الدين والدولة ، والدين والسياسة . وهذا ما نقرأه في الفقرة التالية ( وقضية العلاقة بين الدين والدولة في بلادنا قضية محسومة دستوريا حيث ينص الدستور على أن الإسلام هو دين الدولة الرسمي ، وأن النصوص المتعلقة به غير قابلة للمراجعة كما أنها قضية محسومة تاريخيا حيث ظل الإسلام باستمرار ولا يزال يشكل أساس الشرعية التي قامت عليها الدولة في المغرب . أما فصل الدين عن الشأن العام فهو أمر لا يتصور في حق الإسلام باعتباره عقيدة وشريعة ، إن الإسلام ليس مجرد قيم وشعائر وأخلاق بل هو أيضا مبادئ ومقاصد وأحكام ومنهج حياة للفرد والمجتمع ) . والخطورة في مثل هذه التأكيدات تتجسد في تعميم حكم التحريم على كل البرامج والاجتهادات ما لم يسندها دليل في الشرع . في حين أن القاعدة في الإسلام هي الإباحة والتحليل . أي أن كل شيء مباح وحلال ما لم يرد فيه نص بالتحريم . ومعنى هذا أن البرامج لا تبحث لها عن دليل شرعي يبيحها . والفرق بين الأمرين كالفرق بين المقولتين : كل مواطن بريء حتى تثبت إدانته ، وكل مواطن متهم حتى تثبت براءته . مع العلم أن الإسلام ترك منطقة شاسعة لم ترد فيها أحكام ، سماها منطقة العفو . وهي مجال للاجتهاد والإبداع بعيدا عن سيف التحريم والتكفير . فكم من موقف أو برنامج سياسي يزعم أصحابه أنه شرعي ومنسجم مع أحكام الشريعة الإسلامية ، فيتبين فيما بعد أنه مناقض للشرع روحا ونصا ومقصدا . فهل حرمان المرأة من المشاركة السياسية في بعض الدول الإسلامية موقف شرعي ؟ وهل رفض البرلمانيين الإسلاميين في الأردن تشديد العقوبة على جرائم الشرف هو موقف شرعي ومنسجم مع روح الإسلام وتعاليمه ؟
هـ ـ الانفتاح والتعارف : إذ جاءت الورقة المذهبية تعتبره من بين الأسس التي يرتكز عليها فهم الحزب للإسلام . وتهدف الورقة من خلاله دفع تهمة الانغلاق والعداء لغير المسلمين ، خاصة اليهود بحيث حددت أن هذا ( الانفتاح مطلوب أيضا تجاه الأديان الأخرى ، فعلى الرغم من أن الإسلام يقرر أنه خاتم الأديان والرسالات ووارثها ، إلا أنه يؤكد أن العلاقة بتلك الأديان وجب أن تقوم على المجادلة بالتي هي أحسن وحفظ حق أصحابها في حرية الاعتقاد .. ويتجلى ذلك البعد المنفتح والمتسامح أيضا في إقرار الإسلام بحق المواطنة لغير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي وذلك واضح في الوثيقة التي وضعها رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت أول وثيقة دستورية في الإسلام والتي جاء فيها " اليهود أمة مع المؤمنين لهم ما لهم وعليهم ما عليهم" ) . إن هذا التأكيد يراد به طمأنة السلطات العليا وكذا اليهود المغاربة على أن حزب العدالة والتنمية يقر بحرية الأديان وبحق المواطنة لكل أبناء الوطن . وفي ذلك دفع للتهمة التي توجه للحزب ، خصوصا وأن إعلامه ـ جريدة التجديد ـ سبق ونشرت مواقف متطرفة ضد اليهود ، أبرزها موقف عبد الباري الزمزمي .
و ـ الشأن الديني : ولخصت الورقة المذهبية توجهات الحزب في هذا الموضوع كالتالي : ( ينبغي أن تبقى المساجد بعيدة عن الصراع الحزبي ، ومجسدة للإجماع ومجالا من مجالات تأمين الأمن الروحي للمواطنين ، ومن ثم لا يجوز أن تكون منابر للدعاية الحزبية ) . ومعلوم أن شكاوى عديدة قدمت إلى السلطات ضد عدد من الخطباء لانحيازهم إلى حزب العدالة والتنمية والدعاية له إبان الحملات الانتخابية . الأمر الذي أغضب الحزب وجعله يخصص ملفا في الموضوع نشرته جريدة التجديد عدد 439 بتاريخ 10 غشت 2002 . ومما جاء فيه ( فالإسلام عقيدة وشريعة لا يعطي ما لله للّه وما لقيصر لقيصَر على نهج الديانة المسيحية ، فالكل لله ، مصالح الدين ومصالح الدنيا ، والحاكم والفقيه ، كل في واحد ، وما التفريق إلا تركة من تركات الاستعمار الذي ابتليت ديار الإسلام بنزاعاته الفكرية المنحرفة . ولكن مناسبة القول هو السعي إلى إجلاء حقيقة الحملة الشرسة التي تشن على فقهاء الأمة ومرشدي المجتمع إلى الخير ، أي الخطباء . وقد أججت هذه الحملة وسائل إعلامية ومنابر السياسة لا حظ لها من أصحاب المنبر ورواد المسجد .. وللأسف الشديد ، فهذه الحملة أتت بعض أكلها في توقيف كثير من صلحاء المجتمع وثنيهم عن الجهر بالحق .. ولكن الحقيقة التي يجب أن تستقر في أذهان من تولوا كبر هذه الحملة ، أن الخطباء والعلماء والفقهاء دعاة إصلاح وإرشاد سوف لن تؤثر فيهم شطحات من ارتهنوا إلى الانتخابات حلا لوجودهم ومكانتهم ومناصبهم ) . بل إن مقالا آخر بنفس الملف عرض لآراء عدد من الخطباء بتقديم تضمن العبارات التالية : " ليس هناك تنافيا بين منبر المسجد وقبة البرلمان " ، " حملة تحملت كبرها صحف لا حظ لها من المسجد وأهله " ، " وما الفصل بين المسجد وقبة البرلمان إلا تركة من تركات النهج العلماني الذي ورثناه عن الاستعمار الغاشم " . وفي هذا الإطار أورد الملف رأي بعض الخطباء منهم : الأستاذ عمر بن ح. خطيب بالمحمدية الذي قال " إن منع الخطيب من التطرق إلى هذه المواضيع سواء كانت سياسية أو وطنية أو اجتماعية لا مبرر له ، فهو يتأسس على سوء نية ، إذ كيف نمنع الخطباء من الحديث عن هذا ، ونترك الحرية لجهات أخرى كالفنانين والصحافيين والأساتذة ) . وإذا كانت الورقة المذهبية تؤكد على إبعاد المساجد عن الصراع الحزبي ، فإن تشديدها على ( تشجيع مبادرات المجتمع الأهلي في المجال الدعوي والتربوي حتى تسند جهود العلماء والمؤسسات الدينية الرسمية ، وإفساح المجال للجمعيات والحركات الإسلامية في إطار الضوابط الدستورية والقانونية ) لا يضمن حياد المساجد في الصراع الحزبي والسياسي ، كما لا يضمن لها تأمين الأمن الروحي للمواطنين . لهذا السبب جاء الخطاب الملكي الأخير ( 30 أبريل 2004) بتصور جديد لضبط المجال الديني وإعادة هيكلة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بما يضمن ( إعادة النظر في التشريع المتعلق بأماكن العبادة ، بما يكفل ملاءمتها للمتطلبات المعمارية ، لأداء الشعائر الدينية في جو من الطمأنينة ) . وحتى تتحقق تلك الطمأنينة حرص الخطاب الملكي على التنصيص على طبيعة التشكيلة التي تضم الفقهاء والعلماء الذين تسند إليهم سواء خطب الجمعة أو العضوية في المجالس العلمية وذلك كالتالي ( فإننا قد وضعنا طابعنا الشريف ، على ظهائر تعيين أعضاء المجالس العلمية ، في تركيبتها الجديدة ، مكلفين وزيرنا في الأوقاف والشؤون الإسلامية بتنصيبها ، لتقوم من خلال انتشارها عبر التراب الوطني ، بتدبير الشأن الديني عن قرب ، وذلك بتشكيلها من علماء مشهود لهم بالإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها ) . وما حرص جلالة الملك على شرط الإخلاص لثوابت الأمة ومقدساتها إلا دليل على كون الجماعات الإسلامية هي الخارجة عن تلك الثوابت . وضمنها طبعا حركة التوحيد والإصلاح وحزب العدالة والتنمية . فما مدا مصداقية ما يرفعه الحزب والحركة من شعارات المراجعة والنقد الذاتي ؟ لتوضيح هذا الجانب يهمنا استحضار الآراء والموقف التي يعبر عنها الدكتور الريسوني ، العضو القيادي في الهيئتين معا ، والفقيه المنظر لهما معا . ومما أثاره ااريسوني :
أ ـ قيام عدد من رجال السلطة بإغلاق عدد من مراكز تحفيظ القرآن . وتولت " التجديد" التي هي تحت مسئولية الريسوني تهويل الأمر لما نشرت على صفحتها الأولى مقالا تحت عنوان " إغلاق المساجد وفتح الخمارات" جاء في مستهله ( تشهد بلادنا حركة ظاهرة لإغلاق المساجد وفتح الخمارات ، فما يكاد يمر يوم أو أسبوع حتى نسمع بإغلاق مسجد هنا أو هناك ، وإغلاق مركز لتحفيظ القرآن أو دار من دور القرآن ، وفي المقابل نشهد فتح خمارة أو متجر بيع الخمور جملة وتقسيطا ) . وكون الدكتور الريسوني يتعمد الخلط بين المسجد والكراج أو البراكة ، معتبرا إياها مساجد ، إنما يريد من ذلك إظهار السلطات المغربية ، باختلاف مستوياتها وتخصصاتها ، على صورة معاداة الله وموالاة الشيطان . إذ ماذا يمكن للمواطن أن يفهم من إغلاق المساجد وفتح الخمارات ؟ وهل يمكن أن نصف بالمسلم من يحارب الله ويغلق أماكن العبادة ، بينما يشجع فتح الخمارات ويغض الطرف عن مروجي المخدرات ؟ إن هذا الحكم الصادر عن الريسوني في موضوع إقدام السلطات العمومية على إغلاق أوكار التطرف ، من براريك وكاراجات ، والذي اعتبره إغلاقا للمساجد ومراكز تحفيظ القرآن ، يمس بإمارة المؤمنين في أخص خصوصياتها : حماية الدين . بمعنى أن الريسوني له حرص على الدين أكثر مما لأمير المؤمنين ، من جهة ، ومن أخرى أن أمير المؤمنين لا يضطلع بمسئولية إمارة المؤمنين في حفظ الدين وحماية بيوت الله . وليس غريبا أن يصدر من الريسوني مثل هذا الموقف ، فقد صدر منه ما يماثله أو يزيد عنه خطورة لما اعتبر الملك غير مؤهل لتحمل مسئولية إمارة المؤمنين . وكون الفقيه الريسوني يتهم السلطات بمثل هذه التهم ، فإنما يحاول إعطاء الأدلة على " صحة" رأيه في عدم أهلية الملك لإمارة المؤمنين . ولنية في نفس يعقوب ، لم ينتبه الدكتور الريسوني إلى أن إغلاق تلك الكاراجات جاء في إطار ضمان الأمن الروحي للمواطنين الذي سبق للوزير المدغري أن عبث به . فالدولة الآن تصحح الوضعية الكارثية التي تسبب فيها المدغري والبصري الذي فتح الباب أمام مستوردي المذاهب ومهربي العقائد ، وهي الوضعية التي أكدها المدغري نفسه في قوله ( من هو الجهاز المكلف بمراقبة الحسابات البنكية للأفراد والهيئات والجماعات في المغرب للتأكد من حركة التمويلات الخارجية وحجمها ، هل هي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ؟ من كان يسمح بدخول الأطنان من الكتب والأشرطة الوهابية إلى المغرب ويسمح بتوزيعها وبيعها في قارعة الطريق ، هل هي وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ؟ من كان يسمح بفتح المعاهد الدينية الوهابية في أنحاء المغرب ؟ .. من سمح بجعل الكاراجات والبراريك مساجد ؟ )( جريدة الصحراء المغربية 9 يونيو 2003) . إن الإجراءات التي تقوم بها الدولة تجاه أوكار التطرف والإرهاب ، هي تجسيد للإرادة الملكية التي عبر عنها الملك في خطاب العرش لسنة 2003 كالتالي ( وسنتصدى لمن يروج لأي مذهب دخيل على شعبنا ، بقوة ما تقتضيه أمانة الحفاظ على الوحدة المذهبية للمغاربة .. إننا لن نقبل أبدا اتخاذ الإسلام مطية للزعامة باسم الدين ، أو القيام بأعمال الإرهاب ، وتمزيق الوحدة المذهبية للأمة ، والتكفير وسفك الدماء ) . فالمجال الديني كان يعرف فوضى وتسيبا لا مثيل له ، بحيث إن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية لا تراقب سوى 30 في المائة من المساجد . ولمعالجة هذه الوضعية اتخذ جلالته قرار إعادة هيكلة وزارة الأوقاف ، في خطاب 30 ماي 2004 ( بإحداث مديرية للتعليم العتيق وأخرى مختصة بالمساجد ، وإعادة النظر في التشريع المتعلق بأماكن العبادات بما يكفل ملاءمتها للمتطلبات المعمارية ، لأداء الشعائر الدينية في جو من الطمأنينة ، وكذا ضبط مصادر تمويلها ، وشفافيتها وشرعيتها واستمراريتها ) . وكان على الدكتور الريسوني ، إن هو فعلا يريد وجه الله والدعوة بالتي هي أحسن ، أن يطرح الأمر في المجالس العلمية التي تضم في عضويتها عناصر من الحركة والحزب معا ، أو يراسل وزارة الأوقاف متى تبين له أن هناك تجاوزا . أما أن يسلك سبيل الافتراء والتشنيع ، فمسألة فيها تشويش على عمل الدولة وتحريض ضدها .
ب ـ اعتبار المجتمع المغربي صار مستنقعا للشذوذ الجنسي والاغتصاب والزنى والمخدرات بفعل " الحداثة" التي هي برنامج سياسي وثقافي عام للملك وللقوى الديمقراطية . يقول الدكتور الريسوني : ( هل انتهى المغرب من خوض تجربة الحداثة وفرغ من استكمال بناء " المجتمع الحداثي" الذي يتغنى به مسؤولون وسياسيون وثقافيون ليل نهار ؟ .. أحداث كثيرة ومؤشرات عديدة تدلنا على أن تجار الحداثة وسماسرتها قد انتقلوا فعلا إلى " ما بعد الحداثة" . لقد أدخلوا أتباعهم وضحاياهم وزبناءهم في "ما بعد الحداثة" بكل ما تعنيه من تفكيك وعدمية وعبثية وشهوانية انتحارية ) . طبعا إن التهجم على " الحداثة" و " المجتمع الحداثي" وإظهارهما على هذه الصورة المخلة بالدين والشرائع ، إنما هو تهجم على حملة المشروع المجتمعي الحداثي وتسفيه لبرنامجهم . وإذا علمنا أن أول من أعلن عزمه على إنجاز هذا المشروع هو الملك ، أدركنا حجم التهديد الذي يدخره الدكتور الريسوني وأتباعه للمجتمع والدولة والملك جميعا . إن الريسوني يقول ضمنا وصراحة أن أصحاب المشروع المجتمعي الحداثي يريدون أن تشيع الفاحشة والزنى واللواط والمخدرات ، بل إنهم أشاعوا تلك الظواهر لما شرعوا في إنجاز برنامجهم الحداثي . وكأن الريسوني يقول بأن المجتمع المغربي كان خاليا من هذه الظواهر ومحصنا منها ، ولم يتسبب في انتشارها سوى هؤلاء الذين يحملون مشروع " المجتمع الحداثي" ، أي الملك والديمقراطيين . أليس جلالة الملك هو من تعهد بقيادة المشروع المجتمعي الحداثي في خطاب 29 ماي 2003 بقوله (ولشعبنا العزيز الواثق بثوابته الحضارية ، المتشبث بمقدساته ، وبمكاسبه الديمقراطية أقول إن الإرهاب لن ينال منا وسيظل المغرب وفيا لالتزاماته الدولية ، مواصلا ، بقيادتنا ، مسيرة إنجاز مشروعنا المجتمعي الديمقراطي الحداثي ، بإيمان وثبات وإصرار وسيجد خديمه الأول في مقدمة المتصدين لكل من يريد الرجوع به إلى الوراء ، وفي طليعة السائرين به إلى الأمام ، لكسب معركتنا الحقيقية ضد التخلف والجهل والانغلاق ) . لا شك أن الدكتور الريسوني يتربص بالمشروع الحداثي وبأصحابه ، ومتى وجد واقعة ما تخدم غرضه هوّل منها ، كما في مسألة الشذوذ الجنسي التي ليست وليدة الحداثة ولا ما بعد الحداثة ، بقدر ما هي مرتبطة بكل المجتمعات قديمها وحديثها ، بما فيها المجتمعات الإسلامية . وكان على الفقيه الريسوني أن يتذكر ما كتبه المؤرخون والفقهاء عن الشذوذ واللواط ليس فقط بين عموم الناس ، ولكن بين فئات من الصوفية ، وهي الفئة التي يعرف عنها الورع والتقوى . وأحيل الفقيه الريسوني على كتاب " تلبيس إبليس" لابن الجوزي تحقيق محمد عبد القادر الفاضلي ، من صفحة 325 إلى 342 للوقوف على هذه الظاهرة بين صفوة المشايخ . وللمثال لا الحصر أورد ما حدّث به المؤلف عن أحد الصوفية الذي لم يستطع مقاومة نزوته رغم من معه من قوم ، فقال ( ومن هؤلاء من قارب الفتنة فوقع فيها ، ولم تنفعه دعوى الصبر والمجاهدة . والحديث بإسناد عن إدريس بن إدريس قال : حضرت بمصر قوما من الصوفية ، ولهم غلام أمردُ يغنيهم ، قال : فغلب على رجل منهم أمره فلم يدر ما يصنع ، فقال ك يا هذا ! قل : لا إله إلا الله ، فقال الغلام : لا إله إلا الله ، فقال : أُقَبِّلُ الفم الذي قال لا إله إلا الله !! ) . وفي نفس الموضوع أورد الدكتور الجابري نقلا عن ابن حزم ما يلي ( ادعت طائفة من الصوفية أن في أولياء الله تعالى من هو أفضل من جميع الأنبياء والرسل ، وقالوا من بلغ الغاية القصوى من الولاية سقطت عنه الشرائع كلها من الصلاة والصيام والزكاة وغير ذلك وحلت لهم المحرمات كلها كالزنا والخمر وغير ذلك ، واستباحوا بهذا نساء غيرهم ، وقالوا : إننا نرى الله ونكلمه وكل ما قذف في نفوسنا فهو حق ) (ص 483 العقل الأخلاقي العربي ) . كما ينقل لنا د. الجابري في الصفحة 438 من نفس الكتاب الصورة التالية ( أما في البصرة فقد اتخذت فيها أزمة القيم منحى آخر . كانت البصرة في رخاء نسبي ، ولم يكن فيها للشعور بالذنب ما يبرره ، خصوصا وأكثر سكانها ( نحو الثلثين ) كانوا من الجاليات الأجنبية وكانت تعيش في نوع من الليبرالية الإباحية فجاء الزهد كرد فعل ضد اللاتدين . وقد عرض زياد ابن أبيه في إحدى خطبه فيها إلى ذلك الجو اللاأخلاقي السائد فيها ، فقال : " ما هذه المواخير المنصوبة ، والضعيفة المسلوبة ، في النهار المبصر" .. كما أشار الحسن البصري إلى الشذوذ الجنسي الذي كان منتشرا فيها ) . وسيكون من الافتراء المجاني إلصاق الشذوذ بالحداثة . فقد بثت قناة TV5 orient ليلة 26 يونيو 2004 برنامجا عن الشذوذ في إحدى القرى النائية بهايتي حيث لا حداثة ولا ديمقراطية .
ج ـ تحريم الأنشطة الفنية والمهرجانات الموسيقية التي تشهدها المدن المغربية بدعوى ( تنطوي تحته كل ممارسات الحداثة و "ما بعد الحداثة" : سكر وحشيش ورقص وزنى وشذوذ جنسي وفكري..) . ويهمنا هنا التنبيه إلى أن الخطاب الملكي ليوم 30 ماي 2004 أوكل مهمة الإفتاء ومراقبة الشأن الديني للمجالس العلمية وكذا "الرابطة المحمدية لعلماء المغرب" ، إذ قال جلالته ( وصيانة للحقل الديني من التطاول عليه من بعض الخوارج عن الإطار المؤسسي الشرعي ، فقد أسندنا إلى المجلس العلمي الأعلى اقتراح الفتوى على جلالتنا ، بصفتنا أميرا للمؤمنين ورئيسا لهذا المجلس ، فيما يتعلق بالنوازل الدينية ، سدا للذرائع ، وقطعا لدابر الفتنة والبلبلة ) . وكون الدكتور الريسوني يصدر حكمه في تلك المهرجانات الفنية ، فإنه يضع نفسه وحزبه في تصادم مع الخطاب الملكي من ناحيتين :
= الناحية الأولى : عدم احترام الإطار المؤسسي الشرعي الذي يجعل الرأي الفقهي في مثل هذه القضايا من اختصاص المجالس العلمية . لكن الريسوني لم يلجأ إليها مما يعد تجاوزا لهذا الإطار الشرعي .
= الناحية الثانية : إثارة الفتنة والبلبلة اللتين عمل الخطاب الملكي على قطع دابرهما بجعل الفتوى من اختصاص أمير المؤمنين بعد اقتراحها من المجلس العلمي .
د ـ التحريض ضد المؤسسة العسكرية والأمنية من حيث وضعها في حالة تصادم مع الشرع الإسلامي لما منعت على عضواتها ارتداء الحجاب . إن هذه القضايا التي يتجاسر عليها الدكتور الريسوني يسعى من خلالها أن ينصب نفسه " حامي الملة والدين" ، وفي المقابل ينبه إلى أن الملك مقصر في ذلك . إذ كيف يمنع الحجاب في مؤسسة عسكرية الملك هو قائدها الأعلى دون أن يتخذ أي إجراء ؟ ففي الصفحة الأولى من جريدة التجديد لوم 16 يونيو 2004 نقرأ ( إذا كنت محجبة وتريدين الدفاع عن أمن المغرب والمغاربة في صفوف الجيش أو الدرك أو الشرطة ، فلن تستطيعي ذلك .. ينص الدستور على أن الإسلام هو الدين الرسمي وأن المغرب يعترف بحقوق الإنسان كما هو متعارف عليها دوليا . ومن الواضح جدا أن هذه الحالات والوقائع ـ مهما كان عددها ـ مخالفة للإسلام والقانون معا ) . وبهذا يضع الريسوني حركته وحزبه ، باعتباره المسئول عن الجريدة ، في وضعية من يتهم تلك المؤسسات وقائدها بمحاربة الإسلام ومعاداة حقوق الإنسان . وأيا كانت النتيجة ، سواء ظل منع الحجاب ساريا ، أو رفع المنع ، فإن النتائج التي يتوقعها الريسوني تكون في صالح حزبه وحركته . ففي حالة المنع تؤول إليهما حماية الدين والدفاع عن تعاليمه ، أما في حالة السماح فإن منفذا سيمكنهم من اختراق الأجهزة العسكرية والأمنية ، وتلك بداية الكارثة .
إذن أمام هذه الآراء والمواقف التي يتخذها الدكتور الريسوني لا يكفي التصريح بأن الأمر يتعلق برأي شخصي ، كما فعل السيد الرميد أمام البرلمان ، أو بإرسال بعض ممثلي الحزب للمشاركة في افتتاح مهرجان حب الملوك وعلى رأسهم السيد عبد الله بها . ذلك أن الدكتور الريسوني ليس عضوا عاديا ، بل هو رمز وزعيم داخل حركة التوحيد والإصلاح ، ثم مسئول في حزب العدالة والتنمية . ومن ثم تكون أقواله وآراؤه المنشورة في إعلام الهيئتين ملزمة لهما . وتكفي الإشارة هنا إلى ما نشره الدكتور الريسوني في عموده بجريدة " التجديد" بتاريخ 05 ماي 2004 إذ يبين موقف حزب العدالة والتنمية من ملكة الجمال بموسم حب الملوك ، كالتالي : ( فمن المعروف والمسلم أن حزب العدالة والتنمية قد عارض واستنكر مرارا هذه العادة الرديئة التي تسمى " ملكة الجمال" . وللحزب في ذلك مواقف ووقفات مشهودة ومشهورة ) . إن مثل هذه التصريحات والمواقف التي يعبر عنها أعضاء الحزب لا تحترم الثقة التي وضعها الملك في الدكتور الخطيب ومن بعده في الدكتور العثماني والتي عبر عنها جلالته في الرسالة التي بعث بها إلى د. الخطيب والتي جاء فيها : ( وبعد ، فإن من دواعي ارتياحنا أن نبعث إليك بهذه الرسالة الخطية ، بمناسبة قرارك النبيل والصادق ، بتسليم مشعل قيادة حزب العدالة والتنمية ، بكل اقتناع واطمئنان ونكران ذات ، لخلفك على رأس هذا الحزب السياسي ، بإقدام الرائد المؤسس ، المتشبث بالمقدسات ، والعمل المخلص من أجل خدمة المصالح العليا للمغرب ، المتشبع بروح الديمقراطية ، والإيمان العميق بأداء الأمانة ، بعد تأهيل ثلة من مناضلي الحزب المتحلين بهذه الخصال الوطنية الراسخة ) . فهاهو الدكتور الريسوني يثبت أنه لم يتشبع بروح الديمقراطية والحداثة ولا متشبثا بالمقدسات . وسكوت الحزب والحركة على مثل هذه التصرفات دليل على أن ما رفعاه من شعارات المراجعة والنقد الذاتي إنما للاستهلاك السياسي اقتضته المرحلة والخطة التكتيكية . وسيظل الطبع يغلب التطبع .



#سعيد_الكحل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ليس في الإسلام ما يحرم على المرأة المشي في الجنازة
- الإسلاميون يصرون على بدْوَنة الإسلام ومناهضة الحداثة - 3
- الإسلاميون يصرون على َبـْدوَنَـة الإسلام ومناهضة الحداثة - 2
- الإسلاميون يصرون على بَدْوَنَة الإسلام ومناهضة الحداثة
- الإسلاميون والدولة الديمقراطية
- السعودية بين مطالب الإصلاحيين ومخالب الإرهابيين
- ليس في الإسلام ما يحرم ولاية المرأة
- ارتباط السياسة بالدين أصل الفتنة وعلّة دوامها
- العنف ضد النساء ثقافة قبل أن يكون ممارسة


المزيد.....




- مستوطنون يقتحمون مدنا بالضفة في عيد الفصح اليهودي بحماية الج ...
- حكومة نتنياهو تطلب تمديدا جديدا لمهلة تجنيد اليهود المتشددين ...
- قطر.. استمرار ضجة تصريحات عيسى النصر عن اليهود و-قتل الأنبيا ...
- العجل الذهبي و-سفر الخروج- من الصهيونية.. هل تكتب نعومي كلاي ...
- مجلس الأوقاف بالقدس يحذر من تعاظم المخاوف تجاه المسجد الأقصى ...
- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعيد الكحل - حزب العدالة والتنمية المغربي مواقفه وقناعاته تناقض شعاراته