أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - عندي حساسية زائدة















المزيد.....

عندي حساسية زائدة


جهاد علاونه

الحوار المتمدن-العدد: 4225 - 2013 / 9 / 24 - 19:04
المحور: الصحة والسلامة الجسدية والنفسية
    


أعاني من مشكلة في الحساسية,فلا تزيدوا من أحزا ني ومن أوجاعي,حساسيتي زائدة وكأنني خلقت فقط من أجل أن أبكي وأتألم على أحزان الناس ومعاناتهم اليومية التي تتكررُ في كل مشهدٍ من مشاهد الحياة, فكل الناس الذين يعرفونني يقولون عني بأن لدي حساسية زائدة عن اللزوم ويجب أن أتخلى عن بعضها لكي أكون إنسانا طبيعيا مثلي مثل كل الناس,ولكن بنظري هذا المطلب غير شرعي بالنسبة لي فإن لم أتألم وأشعرُ بالألم فكيف سأكتب عن هموم الناس وهمومي وأوجاعهم وأوجاعي,وكيف سأعيش كاتبا حقيقيا إن أخفيت مشاعري وأحاسيسي!!.

وإن لم يكن ممكناً أن أتخلى عن كل مشاعري وأحاسيسي فالكل ينصحني على الأقل بأن أخفف قليلا من درجة مشاعري وأحاسيسي لأكون إنسانا مقبولا بين الناس,وأعتقد بأن إنسانيتنا تعود بنا إلى مسألة كم نحمل من مشاعر وأحاسيس نتفهم فيها وبواسطتها هموم الناس , والكل يراني كإنسان غريب في وسط مجتمع لا يحس ولا يشعر بمثل مشاعري, وأحيانا حين أشاهد منظرا تلفزيونيا عن الذبح والقتل أفقد قدرتي على النوم وعلى التركيز وأغط في حزنٍ عميق وأتخيل نفسي في مكان المذبوحين مذبوحا ومسلوخا جلدي عن لحمي ولحمي عن شحمي , أشعر أحيانا بأن هذا العالم يؤذيني بالصور وبالمشاهد الحزينة وأفكر أحيانا برفع قضية أمام المحاكم المختصة على الفضائيات التي تجرح مشاعري وتزيد من أحزاني,ولكني أعود واقول بأنني أصلا مخلوق من أجل أن اشعر بالناس وبهمومهم اليومية.

ولا أستطيع أن أسيطر على يدي ولساني حين أبكي وحين أريد أن أتكلم, وأفقد بسرعة شهيتي للطعام ولا شيء يحلو لي طالما كانت مشاعري حساسة إلى هذا الحد, ونصحني ذات مرة طبيبي الخاص بأن لا أبالغ في أحزاني ومشاعري وقال لي بالحرف الواحد: الناس يا أستاذ جهاد, مبسوطة جدا وعايشه في ألف نعمه,وكلهم مبسوطين أحسن منك,وحتى تعيش كواحدٍ منهم لا تلتفت فقط إلا لنفسك,وانسى الناس , ولا توجد لديهم أحزان كالتي تتخيلها أنت, واستغربت من طبيبي النفسي حين قال لي هذا الكلام وقلت له: هل أنت جاد فيما تقول أم أنك تقول مثل هذا الكلام لكي تخفف من حدة حزني على الناس,كجزء من العلاج؟ فرد وقال: مما يشكون الناس في نظرك؟: قلت: من كل شيء, ارتفاع في الأسعار,واللعب بالناس وبأمانيهم, والخلط ما بين الوهم والحقيقة,.... فقاطعني قائلا: توقف...توقف, كل ما قلته أوهام, الناس مرتاحون جدا ويدخرون كثيرا من النقود في البنوك, فابتسمت مثل ابتسامة (شارلي شابلن) ابتسامة مع دمعة رقيقة وقلت له: فلان من الناس باع ابنته من الجوع لجهاد المناكحة,وفلان ذهب ليحضر كيلو خبز واحد فهرسته عجلات سياره كبيره, عدد الأيتام كل يوم في ازدياد,والنقود ليست كل شيء, فمن يعطي للأيتام حقهم الطبيعي في الحنان, هنالك كثيرٌ من الناس الذين ينقصهم الحنان وتنقصهم مشاعر الأمومة(الله يلعن اللي خلق المصاري هي كاينه المصاري كل شيء في هذه الدنيا؟) صحيح أننا كلنا بحاجة لها ولكن ما نفع المال للأطفال الأيتام؟ أنا عشت يتيما وأعرف مشاعر الأيتام كيف تكون وخصوصا في المساء حين يعود كل أب وكل أم من عمله حاملا الهدايا والألعاب والنقود إلى أطفاله وكيف يكون شعور طفل يتيم وهو يفتقد أمه أو أباه في تلك اللحظة؟ وأعرف أيضا حاجة الشباب للجنس وأنظر إلى غلاء المعيشة والتعاليم البدوية,الكل مضغوط جنسيا وليس هنالك من متنفس يتنفس منه المكبوتون جنسيا وعاطفيا, أنا أعرف هذه المشاعر لأنني ذقتُ منها الكثير ولكي أرويه لك أنا بحاجة لسنة ضوئية كاملة من الحديث عنها....و99% من الناس الذين يعيشون حولك لا يدركون حجم الخطر الحقيقي الذي يتربص فيهم,ويتبعون عقيدة ضالة ليست سماوية بل هي أرضية وثنية من صُنع الوثنيين, عندها قال لي:كل ما هو مطلوب منك في هذا الوقت أن لا تبالغ في الوصف, صحيح أننا نعاني من عدة مشاكل ولكن ليس كما تتصور فأزمتنا اقتصادية في أغلب الأحيان, فقلت له: لا, أزمتنا اقتصادية وسياسية ودينية ثقافية سوسولوجية.

ومن الممكن أن أجد دواء يزيد من ساعات نومي أو دواء يخفف من ساعات نومي,ومن الممكن أن أجد دواء يزيد من قوة دمي,لكن لا يوجد دواء يزيد من درجة حساسيتي أو يخفف لي منها,لذلك ستبقى مشاعري وأحاسيسي هكذا وإلى الأبد: سأبقى أذوب مثل الشمعة حين يستبد بي الشوق والحنين,وأطير مثل الفراشة حين أرى بصيصا من النور في وسط هذه العتمة,وجسدي يتحول إلى رمادٍ كلما أحرقتني نار الفرقة واللوعة,سأظل مشهرا سلاحي وهو الحساسية الزائدة في وجوه كل الناس,سأبقى أتذوق مرارة العيش وأنا أراقبُ هموم الناس ومشاكلهم العاطفية والجنسية والاقتصادية والنفسية.

فأنا عندي حساسية زائدة في كل شيء, صحيح أنني أبالغ في حزني وحساسيتي زائدة عن اللزوم قياسا بمشاعر الناس,ولكن أنا أشعر بأنني طبيعي جدا والناس الذين يبالغون في عدم الاكتراث , فليت للناس مثل ما لدي من مشاعر,مشاعري وأحاسيسي تجعل مني في بعض الأحيان إنسانا لا ينتمي أو غير منتمي إلى هذا الواقع المؤلم , فأحيانا استسلم للدعاية التي تقول أنني أبالغ في وصف الناس وفي أحزاني من أجلهم, لقد تعلمتُ من حياة المعلم يسوع أن هنالك كثيرا من الناس الذين يستحقون بأن نصلب ونعذب من أجلهم وأن نفتديهم إما بأموالنا وإما بأحضاننا.

عندي فعلا حساسية زائدة ولا أريد التخلص منها, فحين تطويني الغربة وأنا في وطني أشعرُ بأن هنالك الملايين من الناس الذين تطويهم الغربة حتى وهم في أوطانهم,وهذا أشدُ أنواع الغربة وأشد أنواع الآلام, وسرتُ على درب الآلام الحزينة وأنا أقطع من جسدي ومن كرامتي الشخصية لكي تعيش بعض الناس على حساب صحتي الجسدية والنفسية..فإن رأيتُ إنسانا يتألم فورا أشعرُ بألمه أكثر منه,وأحيانا حين أضع رأسي على وسادتي أطلبُ من الله أن ينجيني من حساسيتي الزائدة,وغالبا ما أطلب من الله أن يعطيني أكثر وأكثر من مثل تلك المشاعر والأحاسيس الزائدة, فأنا بدون أن أتألم لألمكم أشعر بأن هنالك شيئا ما ينقصني, فهذه الحساسية الزائدة في ذات يومٍ من الأيام ستقضي عليّ نهائيا وإلى الأبد , حين أختنقُ ذات يوم بدموعي أو بدمي الذي ينزف من الداخل دون أن تشاهدوا نزيفه,إنني أتحسسُ من أي شيء ومن أقل كلمة تقال لي أذرف الدموع , وإذا قرأت جملة عظيمة ومؤثرة أشعرُ بالدوران وبقشعريرة في شعر رأسي وفي ظهري وصدري وساقاي اللذان ما عادا قادران على حملي لكثرة ما أحملُ في قلبي من همومٍ ومواجع وأحزان,ويكاد صبري أن ينفذ مني إذا لا مستُ في طريقي قلبا جريحا, فطوبى للمتعبين من أمثالي,وطوبى للغيورين على مشاعر الناس ,وطوبى للسهارى وللمسهدين وللحزانى وطوبى للأيتام وطوبى للغرباء وطوبى لأشجار الزيتون التي تشهد على خطواتي.

طوال عمري وأنا أخافُ من مشاعري وأحاسيسي وعندي قدرة فائقة على تحسس الخطر قبل أن يحدث وعندي مساحة كبيرة من الحزن في قلبي الذي أدفنُ فيه مشاعري الرقيقة وحساسيتي الزائدة, فأنا سريع التأثر بالمشكلات التي تحدث للناس وأتمنى أحيانا بأن أكون جمادا لا يشعر ولا يحس لا بأوجاعه ولا بأوجاع الناس, أنا إنسان عبارة عن كتلة كبيرة من المشاعر والأحاسيس وأكاد أن أموت خجلا في بعض المرات عندما تحملني مشاعري بعيدا وتحلقُ بي في الآفاق العالية وفي كبد السماء, فيامن ينجدني من مشاعري وأحاسيسي ,أصرخ بأعلى صوتي لمن يستطيع أن يقلل ويخفف لي من درجة مشاعري وأحاسيسي, أنا أحسُ دوما بأن لدي مجسات تكشف لي من بعيد ما سيحدث لي, أشعر بالانهيارات الكبيرة من قبل أن تحدث وأشعر بهطول المطر من قبل أن تمطر بعدة أيام ومن المحتمل أنني أنفع للعمل كمتنبئ جوي , وحتى حرارة الشمس الملتهبة اشعرُ فيها من قبل أن تشتعل بعدة أيام, وأشعر في صوتي وهو يختنق من قبل أن يحدث لي أي مكروه,وأخاف جدا من نفسي على نفسي وأخاف جدا من تهوري وجنوني, فأنا إنسان غير طبيعي لا أفكر لا بنفسي ولا بمستقبلي بقدر ما أفكر بآلام الآخرين.



#جهاد_علاونه (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الأخطاء بين الآلهة والبشر
- مصيبة المرأة
- حوار بين مثقف وزوجته
- يجب أن ندخل اليهود إلى قلوبنا وبيوتنا
- الأيام الأخيرة من حياة عمر بن الخطاب
- نبذة عن محمد والمسيح
- ما أجمل إله المسيحيينْ!
- بعض الناس أفضل من الأنبياء والرسل
- الإسلام سبب تخلفنا
- صكوك الغفران أو الإحساس بالذنب
- حيرة الإنسان
- لا شيء يعجبني
- الدولة الدينية والدولة العلمانية
- هؤلاء هم العرب
- الثالوث المقدس
- صدمة لغوية:الحج هو الحك
- أسئلة الغطارفة
- خاطرة المساء
- الإنسان سينقرض
- لا أندم على خسارتي وإنما أندم على كسبي


المزيد.....




- فيديو كلاب ضالة في مدرج مطار.. الجزائر أم العراق؟
- الناتو يقرر تزويد أوكرانيا بمزيد من أنظمة الدفاع الجوي
- طهران: لا أضرار عقب الهجوم الإسرائيلي
- آبل تسحب تطبيقات من متجرها الافتراضي بناء على طلب من السلطات ...
- RT ترصد الدمار الذي طال مستشفى الأمل
- نجم فرنسا يأفل في إفريقيا
- البيت الأبيض: توريدات الأسلحة لأوكرانيا ستستأنف فورا بعد مصا ...
- إشكال كبير بين لبنانيين وسوريين في بيروت والجيش اللبناني يتد ...
- تونس.. الزيارة السنوية لكنيس الغريبة في جربة ستكون محدودة بس ...
- مصر.. شقيقتان تحتالان على 1000 فتاة والمبالغ تصل إلى 300 ملي ...


المزيد.....

- الجِنْس خَارج الزَّواج (2/2) / عبد الرحمان النوضة
- الجِنْس خَارج الزَّواج (1/2) / عبد الرحمان النوضة
- دفتر النشاط الخاص بمتلازمة داون / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (مقدمة) مقدمة الكتاب / محمد عبد الكريم يوسف
- الحكمة اليهودية لنجاح الأعمال (3) ، الطريق المتواضع و إخراج ... / محمد عبد الكريم يوسف
- ثمانون عاما بلا دواءٍ أو علاج / توفيق أبو شومر
- كأس من عصير الأيام ، الجزء الثالث / محمد عبد الكريم يوسف
- كأس من عصير الأيام الجزء الثاني / محمد عبد الكريم يوسف
- ثلاث مقاربات حول الرأسمالية والصحة النفسية / سعيد العليمى
- الشجرة الارجوانيّة / بتول الفارس


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحة والسلامة الجسدية والنفسية - جهاد علاونه - عندي حساسية زائدة