|
البحث عن الغائب الحاضر -رواية-15-
خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4194 - 2013 / 8 / 24 - 02:31
المحور:
الادب والفن
-صار الليل يغدق على الأجواء ظلامه ، لم يبق للدخول الى مدينة وجدة غير سبع كيلومترات ، خفض من سرعة السيارة ، توجه عبر الشارع رقم اثنين ، نحو مقر عمله في احدى الضواحي المأهولة بحي لازاري . ركن سيارته قرب المبنى الذي لا يعرف الكثير من المواطنين طبيعته . كان الحارس جالسا قرب الباب ، دخل أحمد دون ان يحييه ، وذهب توا الى مكتب الرئيس . كان الرئيس في انتظاره وان تصنع أنه لايعلم وصوله الا عندما طرق الباب ودخل عليه . بعد التحية المتبادلة بادره أحمد بالسؤال : -ما هي المهمة المستعجلة سيدي ؟، لم يبق على اجازتي الا يومين ، هل الأمر خطير الى هذه الدرجة ؟ . انتبه الى عيني رئيسه وكأنهما تبحثان عن شيئ مفقود فيه ، أحس أن هناك شيئا ما يخصه هو ، ولربما كان هو نفسه المهمة التي تحدث عنها رئيسه عبر الهاتف . مكتب الرئيس عبارة عن طاولة من الخشب القديم ، بها ثلاث هواتف ، ومنفضة لأعقاب السجائر ، ومجموعة من الجرائد الوطنية والمحلية . كثيرا ما تساءل أحمد عن مصير التقارير التي يكتبها هو وزملاؤه ، لماذا لا يحتفظون بها في أدراج مكتب الرئيس كما هو حال جميع الادارات ؟ . لكنه يدرك أن الأعمال القذرة لا يمكن أن تثبتها بملفات ووثائق هي دلائل كافية لادانة كل الموظفين ورؤسائهم . وحتما هي تذهب الى مكان لا يعرفه هو وأشباهه ، لاشيئ ثابت في هذه المهنة القذرة . تفكيره الذي جنح الى أطراف وزوايا لم يكن يجنح اليها قبل اليوم كسره جواب الرئيس : -لدينا مهمة صعبة وخطيرة ، ونريد أن نجد لها حلا لا يثير اهتمام الاعلاميين والمناضلين والسياسيين ، فأنت تعلم أننا أصبحنا نلعب في ملاعب ضيقة ، ولم يعد عملنا سهلا كما كان في الماضي ، فكلما اعتقلنا او عذبنا صرصورا او مريضا نتعرض للاهانة والمساءلة والفضح ، والدولة الآن لا ينقصها تقارير الهيئات الحقوقية الوطنية والدولية ، لدى عجلت باستدعائك لهذه المهمة ، فليس هناك أفضل منك ليقوم بها . كان احمد وهو يستمع لجواب الرئيس يرتعش باطنيا ، وينصت لكلامه حرفا حرفا ، فالأمر خطير جدا ، ولغة الرئيس لاتشبه لغته التي تركه عليها قبل ثلاثة عشر يوما ،قبل خروجه في اجازة . قال في نفسه " الأمر خطير حقا ، ورجح أن يكون متعلقا به شخصيا " ، لكن قبل أن يحكم عليه لا بد وأن يعرف نوع المهمة وحجمها والرسالة الحقيقة وراءها . -لقد أربكتني يا سيدي ، هل هي تصفية لشخص ما ؟ - نعم لا بد أن يموت هذا الصعلوك كي نرتاح من معارضته ومن فمه النتن وقلمه الوسخ، انه يفضحنا ويعري جميع أسرارنا ، وينتقد مقدساتنا ورموزنا . سكت أحمد برهة ، يحاول استجماع قواه وتماسكه ، فالقتل ليس مهمة سهلة أو لعبة يسيرة ، والمقصود بالأمر يبدو انه أحرق الخطوط الملونة باللون الأحمر . لكن قتله سيثير لامحالة شكوكا وأسئلة . وطريقة التخلص الجسدي طريقة قديمة ، لم تعد جميع المخابرات العالمية تعمل بها . فكر في سؤاله : -ألم تبعثوا له رجال الظل ؟ أجابه الرئيس بسرعة ، بعد التقارير التي وصلتني عنه يبدو أن رأسه حجر . رجال الظل هم العملاء الذين يعملون تحت امرة الاستخبارات من رجال التعليم والاعلاميين ، وبعض المحظوظين الذين يتمتعون بعلاقات مفتوحة مع أفراد المجتمع ومحامون وآخرون . -هل يمكن أن تمدني بالصورة الشاملة سيدي ؟ سأل أحمد رئيسه . أخرج ملفا من درج مكتبه ووضعه امام أحمد . فتح احمد الملف ونظر الى الصورة . اندهش وأصيب بصدمة قوية ، انها صورة ياسين العمراني ، ذلك الكاتب الذي منعوه من الكتابة قبل خمس سنوات لاتقاداته الحادة للمسؤولين والسياست العمومية ، كتاباته مباشرة تعري واقع الحياة في المغرب وطريقة تدبير الشأن العام ، يتعرض لكل السلبيات وينتقد كل الانحرافات . أحس أحمد بتعاطف مع الرجل ، فالرجل لولا أنه يجد ما ينتقده ، لبحث عن عمل آخر . هناك كثير من الكتاب لا يستطيعون أن يكتبوا الا من داخل الازمات ، ويعجزون عن التعبير اذا وجدوا كل الأمور سلسة وعادلة . قليلون من يستطيعون الابداع . حدس في نفسه استحالة قيامه بهذه المهمة بالذات .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
انجازات الملك محمد السادس الغائبة
-
شعرية الانفجار عند ايمان الونطدي
-
عندما يصبح الانسان نفسه كذبة كبيرة
-
المغاربة والسياسة
-
اضاءات حول انسحاب حزب الاستقلال من الحكومة المغربية
-
اللعبة المصرية واحراق المرجعية
-
مصر والاختيار الأصعب
-
غياب المثقف ، والمثقف الانسان
-
البحث عن الغائب الحاضر -14-رواية
-
اليسار المغربي وحدة من أجل موت جماعي
-
عوربة الاقتتال
-
العرب ومجتمع الزيف
-
واقع الشعر من واقع العرب
-
ايران ولعب الكبار
-
الصمت بين المعنى والوجود
-
لاتصدقي تجار الدين
-
تحريف الجهاد
-
الحداثة هدف مؤجل
-
البيان حلم والممارسة واقع
-
ثمة أغنية في الحنجرة
المزيد.....
-
وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما
...
-
تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
-
انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
-
الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح
...
-
في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
-
وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز
...
-
موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
-
فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
-
بنتُ السراب
-
مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا
...
المزيد.....
-
صغار لكن..
/ سليمان جبران
-
لا ميّةُ العراق
/ نزار ماضي
-
تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي
/ لمى محمد
-
علي السوري -الحب بالأزرق-
/ لمى محمد
-
صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ
...
/ عبد الحسين شعبان
-
غابة ـ قصص قصيرة جدا
/ حسين جداونه
-
اسبوع الآلام "عشر روايات قصار
/ محمود شاهين
-
أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي
/ بدري حسون فريد
-
أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية
/ علي ماجد شبو
المزيد.....
|