في تأصيل مفهوم الحصار على قطاع غزة

محسن ابو رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4191 - 2013 / 8 / 21 - 16:52
المحور: القضية الفلسطينية
    

يعاني قطاع غزة منذ منتصف حزيران /2007 من حصار مشدد مفروض من قبل دولة الاحتلال وقد تم اعتبار القطاع كيان معادٍ في سبتمبر /2007 من قبل الحكومة الاسرائيلية في ذلك الحين .
وبموجب هذا الحصار تم السماح بادخال 30 سلعة فقط من اصل 9000 سلعة كانت تدخل إلى قطاع غزة عبر المعابر الاسرائيلية المختلفة والغاء الكود الجمركي
مر أبناء القطاع في ظروف صعبة بسبب الحصار الذي طال كافة مناحي الحياة واثر بصورة كبيرة على عمل المستشفيات ومحطات معالجة المياه ومشاريع البنية التحتية والمنشآت والمباني، وبسبب نقص المواد الخام اللازمة للعملية الانتاجية والتنموية فقد توقفت المشاريع الزراعية والصناعية ، مما أثر بصورة كبيرة على المجال الاقتصادي وأدى إلى ارتفاع غير مسبوق بنسب الفقر والبطالة .
تم استخدام وسيلة الانفاق بوصفها وسيلة اضطرارية وليست اختيارية، خاصة بعد استمرار الحصار بصورة مشددة وقيام اسرائيل باغلاق جميع المعابر التي تفصلها مع قطاع غزة باستثناء معبر كرم ابو سالم ، حيث أصبح يدخل إلى القطاع عبر الانفاق ما يغطى حوالي70% من احتياجاته بالوقت الذي يأتي عن طريق كرم ابو سالم حوالي 30% من الاحتياجات فقط.
لم يقم المجتمع الدولي بالضغط اللازم على دولة الاحتلال لانهاء الحصار رغم حملات التضامن الشعبي الدولي العديد والتي تصاعدت ابان الحصار والتي كان أبرزها اسطول الحرية التركي والذي قمعته دولة الاحتلال في عملية قرصنة بشعة أدت إلى استشهاد 9 من المتضامنين وجرح العشرات.
وبدلاً من قيام الرباعية الدولية باستثمار هذا الحدث قامت بتسويغ رؤية رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو والرامية إلى تخفيف الحصار بدلاً من انهاؤه عبر استبدال قائمة المسموحات بالممنوعات في تحايل واضح ادى إلى المأسسة الرسمية وبموافقة دولية على استمرار الحصار.
لا يهدف الحصار إلى افقار وعزل وتهميش قطاع غزة على المستوى الاقتصادي والمعيشي فقط بل يهدف كذلك إلى فصل القطاع عن الضفة في اطار المخطط الاحتلالي الرامي إلى تعزيز التجزئة والتقسيم الجغرافي في محاولة لتفتيت مقومات الهوية الوطنية الفلسطينية الواحدة وذلك في اطار سياسة الأبارتهايد والتميز العنصري المبنية على زج التجمعات الفلسطينية في معازل وبانتوستانات تدار بإدارات محلية في ظل استمرارية اسرائيل بنهب الارض وسلب الموارد الاقتصادية وتعطيل أي مسار للنهوض الوطني أو التنموي .
نشهد الآن وعلى ضوء تفاعلات الاحداث في مصر والاغلاقات التي تمت على الأنفاق الحدودية إلى جانب محدودية المواد التي تدخل عبر كرم ابو سالم حالة شبيه بالأوضاع التي عاشها القطاع في ايام الحصار الاولى حيث أثر ذلك على كميات البضائع والمواد والاحتياجات الاستهلاكية والانتاجية وخاصة فيما يتعلق بنقص مواد البناء وكذلك المواد الخام اللازمة للمشاريع الانتاجية بالمجالين الزراعي والصناعي، إضافة إلى محدودية كميات الوقود الامر الذي اثر سلباً على مجمل النشاط الانتاجي والتنموي بصورة باتت ملموسة.
وبالوقت الذي اثرت الاحداث الاخيرة على حركة البضائع، فقد طالت أيضاً حركة المواطنين، حيث تم اغلاق معبر رفح لدواعي امنية مصرية، حيث تشهد سيناء احداث دامية منذرة بمخاطر كبيرة على المنطقة وربما ستؤثر سلباً على الخارطة الجيوسياسية بالمنطقة إذا ما استمرت حدة الاشتباكات بهذه القوة والعنف.
إن الأوضاع التي يمر بها قطاع غزة الآن تذكر بأيام الحصار الأولى أي بعد منتصف حزيران عام 2007 الأمر الذي يفسر تصاعد الخطاب الرامي لانهاء الحصار عن قطاع غزة، حيث أعلنت حركة حماس عن ضرورة تنظيم اوسع حملة للسفن لتأتي من بلدان العالم بهدف كسر حصار البحر والسماح بممر مائي يربط القطاع بالعالم.
من المعروف أن الحصار هو شكلاً من أشكال العقاب الجماعي وهو غير أخلاقي بامتياز ويتنافي مع مبادئ حقوق الانسان، علماً بأن القطاع قد تعرض لعدوانيين وحشيين اثناء الحصار واحد في ديسمبر 2008 والثاني في نوفمبر /2012 أديا إلى تدمير البنية التحتية وإلى استشهاد المئات إضافة إلى تدمير العديد من المنازل والمنشآت والمباني مما يعكس ارتكاب اسرائيل لجرائم حرب كشفها تقرير غولدستون و غيره من التقارير الحقوقية في تقريره وخاصة حول عدوان عام 2008 .
وعليه فمن الهام إعادة صياغة مفهوم الحصار من جديد باتجاه تحميل الاحتلال مسؤوليته المباشرة بوصف القطاع ما زال محتلاً على المستويين المادي والقانوني، وأن قوة الاحتلال بفعل وثيقة جنيف الرابعة هي المسئولة عن معاناة الشعب الفلسطيني بقطاع غزة ، علماً بان فتوى محكمة لاهيا في يونيو /2004 كانت قد أكدت على وحدة الاراضي الفلسطينية بمعنى الضفة الغربية بما في ذلك القدس وقطاع غزة بوصفهما اراضي فلسطينية محتلة وتشكلان وحدة سياسية وجغرافية وقانونية واحدة .
من حق قطاع غزة أن يتواصل مع العالم سواءً عبر آلية الممر المائي أو عبر المعابر البرية، ولكن يجب ربط أي جهد في مجال مقاومة الحصار بتحميل الاحتلال للمسؤولية ، والتأكيد على أهمية الترابط بين القطاع والضفة، حيث من الهام النظر إلى قوى التضامن الشعبي الدولي التي تسيير سفن كسر الحصار عن القطاع بانها تسير بتناغم واتساق مع المظاهرات التي تنظمها الفاعليات الوطنية بالتعاون مع قوى التضامن الشعبية الدولية لمواجهة جدار الفصل العنصري بالضفة الغربية وفي مواجهة الاستيطان وتهويد القدس ،فمن الضروري ربط حملات التضامن ببعضها البعض بما يعنى أهمية السعي الجاد باتجاه تعظيم الاشتباك مع دولة الاحتلال والتأكيد على مقاومة سياسة التفتيت والتجزئة بما في ذلك محاولات زج قطاع غزة إلى مصيره المنفرد غير المعلوم والبعيد عن الضفة الغربية .
إننا بحاجة إلى إعادة تفعيل خطاب كسر الحصار ولكن وفق المعايير السليمة التي تعكس إرادة شعبنا بكافة فاعلياته السياسية والاجتماعية لمقاومة الاحتلال بوصف الحصار واحدة من مظاهره ليس إلا، على طريق طرد هذا الاحتلال والاستمرار في مسيرة الكفاح الوطني من اجل نيل اهداف شعبنا الثابتة والمشروعة بالحرية وتقرير المصير والعودة .

#محسن_ابو_رمضان (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل