الفانتازيا المُضحكة للرجل العناب تسخر من واقعنا المأساوى بكوميديا حقيقية

إيرينى سمير حكيم
كاتبة وفنانة ومخرجة
(Ereiny Samir Hakim)

الحوار المتمدن-العدد: 4189 - 2013 / 8 / 19 - 02:29
المحور: الادب والفن
    

قدم الثلاثى الكوميدى احمد فهمى - هشام ماجد - شيكو فى مسلسل الرجل العناب، دراما عن قصة مميزة بكوميديا حقيقية تسخر من واقعنا المأساوى على المستوى السياسى والاجتماعى بخفة ظل تمزج بين فانتازيا نتمنى وجودها وواقع نحاول تغييره، قصة هذا العمل من كتابة أبطال المسلسل الثلاثة، وسيناريو وحوار ولاء شريف وإخراج شادى على، وبما أن هذا الثلاثى الكوميدى قد خرج عن المألوف الدرامى والتقليد فى طريقة معالجة مشاكلنا الاجتماعية والسياسية، فقد فتح المجال لحالة جديدة من تقديم الأفكار والإسقاطات التى كانت كافية لتحقيق الغرض المرجو منها، وهو مواجهة المشاهد بواقعه بصورة مقنعة عبر حلقات كوميدية من المواقف البعيدة عن الإلحاح ب "الافيهات" للضحك، وقد تميزت الكوميديا التى قدموها بأنها غير معتادة وتفاجئ الجمهور بالكثير من المواقف الكوميديا الغير متكررة أو متوقعة، وبالرغم من الإمكانيات الضعيفة والتقنيات المتواضعة التى استخدمت فى العمل وبعض نقاط الضعف الإخراجية فيه، إلا انه لاقى نجاح جماهيرى كبير ونسبة مشاهدة عالية على موقع اليوتيوب خلال عرض حلقاته فى شهر رمضان للمرة الأولى.

فقد كانت الفكرة الجديدة وخفة ظل كاتبيها وممثليها كفيلة بشد انتباه المشاهد، والتى تجعله يرى الأحداث وتفاصيل بعض صفات الشخصية المصرية وظروفها بمنظور مختلف تبدأ بالسخرية وتصل به للتفكير بمراجعة، وحيث أننا قد اعتادنا من هذا الثلاثى على تقديم أفكار متجددة دوما ما تبعد عن التكرار أو المعالجة التقليدية، فقد كان التحدى لهم هذا المرة فى تقديم أول دراما تلفزيونية لهم، وهو ما اثبت جدارتهم الفنية وتطور موهبتهم القوية التى ميزتهم عن الكثيرين الموجودين على الساحة الفنية، خاصة وأن تلك التجربة قد جاءت وسط مقارنة شرسة بين تنوع كبير فى دراما رمضان هذا العام.

ومن الجدير بالذكر أن تلك الفانتازيا التى قُدمت فى المسلسل، أشارت إلى مقدرتهم الجدية فى عرض نوعية من الأعمال الفنية ذات الطابع الخيالى ليست الكوميدية فقط، فأنا أرى انه فى حالة توفر الإمكانيات اللازمة لهم وتوفير الإنتاج اللازم لتغطية العمل بشكل جيد، سيقوموا بتقديم عرض على مستوى عالى من الإبهار الفنى والتكنولوجى، وسيخرج بالدراما المصرية من نطاق تقديم الاجتماعيات وحسب، وذلك لأنهم برهنوا فى أكثر من عمل على أنهم يتحملون مسئولية العمل كفريق، وانهم على دراية جيدة بكيفية استخدام كل كبيرة وصغيرة فى طاقاتهم وإمكانياتهم الفنية والشخصية الضعيفة منها والقوية.

وانه لمن الجلى أن كل منهم يقوم بتطوير أدائه الفنى تجربة بعد الأخرى، وهذا العمل الأخير كان خير دليل على نضجهم الفنى، إلى جانب أنه قد وفر فرص جيدة أظهرت قدر كبير من المواهب من وجوه شابة، وعلى رأسهم الممثلة ميريت أسامة التى قامت دور "نتاشا"، وقد قدمته بطريقة سلسة بعيدة عن التكلف فى افتعال الكوميديا، إنما بساطتها فى التمثيل كانت العامل الاساسى لتألقها فى هذا الدور، والممثل ماهر ماهر الذى قام بدور "الظابط مدحت"، وكان أدائه الكوميدى تلقائى ومميز حتى فى المشاهد التى لم ينطق فيها بكلمة وإنما كان دوره فيها يقتصر على تعبيرات فقط، ومع ذلك كان المشهد متوازن بين أدائه الكوميدى الصامت وكلام من يمثل معه، هذا بالإضافة إلى المثلين المحترفين الذين قُدِموا فى بعد جديد من الأداء الكوميدى.

إن هذا العمل ينطبق عليه وصف السهل الممتنع فى تقديم كوميديا صادقة بإمكانيات بسيطة، وسط صخب من دراما تليفزيونية تكلفت الكثير إنتاجيا ولم تبلغ هدفها فى إظهار إسقاطات على عيوب المجتمع لمعالجتها بهذا الوضوح البعيد عن العظات والخطب، التى تضج بها هذه المسلسلات التى تحولت إلى كوميديا من نوع سلبى لدى المشاهدين حيث أصبحت مسار سخرية للكثيرين.

وكان من مقومات نجاح هذا العمل انه عاد بنا إلى أمجاد أعمال كوميديا الموقف التى تبعد عن اضطرار الممثل إلى التوسع فى الإسفاف المتمثل فى جمع النكات، وتلك الطريقة المبتذلة هى نتيجة لازدحام الساحة الفنية بممثلين ليس لهم أدنى صلة بالإبداع وخفة الظل، وأمثالهم ممن لا يجتهدون فى ابتكار فكرة لتقدم ولا يهتمون بالتدريب على التمثيل لصقل موهبتهم، فان الكوميديا الحقيقية تعتمد على التفكير وخلق مواقف ينتج عنها الضحك، لذا يذكرنا هؤلاء الثلاثة بذكاء ثلاثى أضواء المسرح الذين أجادوا ابتكار مونولوجات ومواقف أسعدت الناس بعيدا عن سخافة التعبيرات.

وأخيرا نتمنى من فنانى هذا الثلاثى الكوميدى أن يحافظوا على مستواهم الابداعى والابتكارى فى تقديم أعمالهم القادمة.

#إيرينى_سمير_حكيم (هاشتاغ)       Ereiny_Samir_Hakim#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل