أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فارس حميد أمانة - مشاهدات من المانيا - الجزء السادس















المزيد.....

مشاهدات من المانيا - الجزء السادس


فارس حميد أمانة

الحوار المتمدن-العدد: 4185 - 2013 / 8 / 15 - 14:49
المحور: كتابات ساخرة
    


سافرت كثيرا ..
كنت في كل مرة أسافر فيها أحاول جهدي ان أكون جزءا من المجتمع الجديد الذي أعيش فيه بضعة أسابيع ريثما تنتهي تلك الرحلة ..أحاول كل جهدي أن أذوب فيه حتى أستمتع بالحياة التي يحياها الناس هناك وأحس بها بكل قوة .. ونجحت بذلك الى حد بعيد ففي المانيا مثلا أكون المانيا يستيقض مبكرا يتناول فطوره ويذوب مع الحشد المتسابق في قطارات الأنفاق ليلحق بأحدها .. وفي المساء أتسكع في شوارع ميونخ وحاناتها أأكل وأشرب مثلهم حتى ساعة متأخرة من الليل ثم آوي لفراشي أغط في النوم من شدة التعب ومستعدا لمعركة اليوم التالي ..
أقترب مني المستر بيبل وهو شخصية مهمة في شركة سيمنز الالمانية وقال لي انه سيمر علينا في الفندق نهاية النهار ليصحبنا كضيوف الى بيته الجبلي وقد أعد لنا مفاجأتين .. سألته ببلاهة عن المفاجأتين فقهقه ضاحكا وأجابني : "كيف ستكون مفاجأة ان أخبرتك بذلك مقدما ".. كان ذلك خريف عام 1982 البارد جدا ولاأزال أتذكر حوادث ذلك اليوم كأنها حدثت توا ..
كنا أربعة أشخاص ننتظر في ردهة الاستقبال في الفندق عندما أطل علينا المستر بيبل بقامته الطويلة وجسده الممتليء وزيه البافاري الفولكلوري .. كان زيا جبليا تتميز به منطقة بافاريا وجبالها الشاهقة .. بنطلون قصير ينتهي عند الركبتين ويضيق عندهما ويربط بأشرطة جميلة مع جوارب ثخينة طويلة تنتهي عند الركبتين ايضا وحذاء جلدي ملمع .. وتغطي الرأس قبعة جميلة خلفها ريشة طائر طويلة أحسبها ريشة صقر جبلي .. كان زيا جميلا وغريبا لم نعهد مثله .. والمستر بيبل كان يمشي معنا والزهو والفخر يشعان من عينيه .. قلت له انه فخور جدا ببافاريا .. أجاب بزهو شديد : نعم .. بالطبع .. انا بافاري جبلي حد النخاع ..
ركبنا سيارته السيتروين الحديثة حيث قادها بسرعة كبيرة بين الجبال الألبية الرائعة والثلوج المتراكمة مبكرا في هذا الخريف البارد جدا .. توجه بنا أولا الى Kehlsteinhaus وتعني باللغة العربية عش النسر وهو منتجع جبلي يقع أعلى قمة مثلجة في Berchtesgaden كان هتلر يستخدمه كمقر اقامة أثناء الحرب العالمية الثانية عندما كان يقود الرايخ الثالث ضد العالم بأسره .. وقد صادفنا سيارة لعائلة المانية من زوج وزوجته وكلبهما فقط وقد علقت سيارتهما في الثلوج فكان ان نزل الجميع يدفع السيارة العالقة من مؤخرتها والزوج يقود وزوجته تشاهدنا مبتسمة ومشجعة والكلب يدورحولها .. أخرجنا سيارة الزوجين وودعانا شاكرين ثم أكملنا رحلتنا وسط الضباب الذي لف الجبل بأكمله ....
وعندما وصلنا البيت كانت زوجة المستر بيبل تنتظرنا عند الباب مرحبة تسبقها ابتسامتها الساحرة .. كانت ترتدي تنورة بسيطة جدا لكنها جميلة .. مع بلوزة يتناسب لونها مع لون التنورة .. جلسنا نحن الستة نتبادل الأحاديث الودية .. شعرت بتقارب مع تلك العائلة والثنائي الرائع .. قامت الزوجة من كرسيها وأقتربت بهدوء من بيانو في الصالة الكبيرة وجلست وبهدوء أيضا ورحت أراقب أصابعها التي تحولت فجأة الى عشر فراشات صغيرة تتقافز فوق المفاتيح تنقرها بخفة حينا وتلثمها كأنها لا تكاد تلمسها حينا آخر .. وراحت الأنغام تطير كالدخان الخفيف وسط سماء الصالة لتحط في أذني المتحفزتين ..
كان عزفا رائعا جدا لم أفق من تحليقي معه الا مع النغمة الأخيرة التي ختمت بها المقطوعة .. فوقفت وأنا أصفق بيدي الاثنتين وكذا فعل الزوج .. أما هي فقد أحنت رأسها بخفة شاكرة لنا تشجيعنا لها الذي انطبع ألقا على وجهها وبسمة على كل خلايا وجهها وعنقها .. التفت الى أصحابي فوجدهم جامدين كأن شيئا لم يحدث أمامهم .. جلست عندما بدأت السيدة بعزف المقطوعة الثانية .. فكانت أصابعها أرق هذه المرة وكان العزف أروع أو هكذا خيل الي .. لقد أبدعت تلك السيدة حقا .. وكنت أقف لها مصفقا عند نهاية كل مقطوعة دون ن ألتفت الى أصحابي فقد وجدت ان التململ الممزوج بالجوع كان هو المسيطر .. بعد عزف عدة مقطوعات وقفت في مكانها وكأنها تنتظر مكافأة من الحضور شبه النائم تقدمت منها وتناولت يدها الرقيقة وانحنيت أقبلها .. ثم سحبتها برفق من ذراعها مرافقا اياها الى كرسيها لنكمل السهرة ..
قال المستر بيبل بعد فترة وجيزة ان الموعد قد أزف ليقدم لنا المفاجأة الثانية والأخيرة في هذه السهرة .. عرفت توا ان المفاجأة الأولى كانت عزف الزوجة الرائع ..ترقب الجميع المفاجأة الثانية .. سيكون العشاء من اعداد زوجته التي جهدت نهارا لاعداده على الطريقة البافارية التقليدية احتفاءا بضيوف لهم قيمتهم على حد تعبيره ..
يبدوا ان المفاجأة قد أيقضت الضيوف شبه النائمين وهم يتضورون جوعا ..علت الابتسامات وجوههم وبدأوا بالحديث لأول مرة منذ دخولهم بيت المضيف وزوجته ..أحضرت السيدة أولا أكوابا فارغة وضعت كوبا أمام كل شخص ثم رجعت للمطبخ وعادت بعد دقيقتين وهي تحمل قدرا خزفيا يتصاعد منه البخار وتفوح رائحة نكهته اللذيذة ثم صبت لكل منا كمية صغيرة من حساء الفطر اللذيذ في كل كوب وبدأنا نشرب بالملعقة بهدوء .. وعاد الحديث مرة أخرى لفترة تتجاوز نصف الساعة والصحب ينظر أحدهم بوجه الآخر وعيونهم تتسائل عن بقية الطعام متى يتم احضاره .. قامت السيدة لتجمع أكواب الحساء ثم دلفت المطبخ والصحب متلهفين متى يأتي الأدسم .. رجعت مرة أخرى حاملة صحنا متوسطا به بعض السلطة الممزوجة بمقبلات أعترف انها كانت طيبة جدا .. زادت شهيتي بمجرد النظر وطفقت السيدة توزع كميات قليلة تضعها في الصحون التي أمامنا ثم بدأنا الأكل والحديث الممتع معا .. ولا زال الصحب يتهامسون معي عن الأدسم ماهو ؟ ومتى ستطل به مضيفتنا علينا ؟ استغرقنا نصف ساعة آخرى قبل أن تقوم السيدة الطيبة من كرسيها للمرة الثالثة لتدخل المطبخ وتخرج بعد ذلك حاملة قطعة خشبية مصقولة وقد وضعت فوقها ست سميكات صغيرة لا يتجاوز طول كل واحدة طول كف رجل وابتدأت بتوزيع السميكات الست علينا وبالطبع كانت الحصة سميكة لكل شخص منا ..
كانت السميكات مدخنة وهذه طريقة تقليدية مشهورة في بافاريا وقد اجتهدت السيدة لترضي ضيوفها فقد لاحظت الارتياح والفخر باديا على محياها .. ثم انغمسنا بحديث آخر فترة من الزمن وصحبي ينتظرون الطبق الرئيسي الأدسم ليسدو جوعهم فكمية الأكل التي قدمت لنا تختلف عن كميات الأكل التي تعودنا على أكلها في بلدنا المترع بالخير .. وعندما قاربت الساعة منتصف الليل قال مضيفنا انه يأمل ان يكون العشاء على الطريقة البافارية قد أعجبنا وتمنت السيدة لنا اقامة طيبة في ميونخ ثم توجهنا جميعا للباب لنخرج وابتسامة السيدة تسبقها .. كانت تلك مفاجأة لأصحابي حقا .. لكنها كانت مفاجأة غير سارة .. كانت السميكات الصغيرة المدخنة هي الطبق الرئيسي الذي ختمت به السهرة !! ودعت السيدة وأنا أنحني ألثم يدها للمرة الثانية مشيدا بطعامها وضيافتها لنا .
قاد مضيفنا سيارته راجعا بنا الى الفندق ثم ودعناه شاكرين له حسن ضيافته وضيافة زوجته .. وعندما صعدت الدرج التفت الى أصحابي الذين وقفوا في الدرج ينتظرون مغادرته بسيارته .. وما ان ابتعد وغاب في الشارع الطويل حتى هرول الرجال الجائعين الى المطعم الملاصق للفندق يسدون جوعهم لاعنين العشاء البافاري والسميكات المدخنة ..
أما أنا فقد سارعت الى حجرتي ملقيا بنفسي على الفراش تعبا فقد تجاوزت الساعة منتصف الليل ....





#فارس_حميد_أمانة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مشاهدات من المانيا - الجزء الخامس
- مشاهدات من المانيا - الجزء الرابع
- مشاهدات من المانيا - الجزء الثالث
- مشاهدات من المانيا - الجزء الثاني
- ما الذي ستقدمه بغداد لأمريكي وايطالي وفرنسية ؟
- مشاهدات من المانيا - الجزء الأول
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء السابع والأخير
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء السادس
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الخامس
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الرابع
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الثالث
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الثاني
- مشاهدات من بلاد الثلج - الجزء الأول
- هل يستحق عبد الهادي المجبل الفرعون كل ذلك ؟
- قوادون .. لصوص .. متسولون .. وخمارون من الزمن الجميل
- الجاسوسان
- أنا .. ومعي الآخرون


المزيد.....




- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا
- منح أرفع وسام جيبوتي للجزيرة الوثائقية عن فيلمها -الملا العا ...
- قيامة عثمان حلقة 157 مترجمة: تردد قناة الفجر الجزائرية الجدي ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - فارس حميد أمانة - مشاهدات من المانيا - الجزء السادس