أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - بيوت إيمان مرسال















المزيد.....

بيوت إيمان مرسال


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 4183 - 2013 / 8 / 13 - 23:32
المحور: الادب والفن
    


( كل مرة تعود إليه وتراب العالم على أطراف أصابعك. تحشرُ ما استطعتَ حمله في خزائنه. مع ذلك ترفضُ أن تعرّف البيت بأنه مستقبل الكراكيب، حيث أشياء ميتة كانت قد بدت في لحظة ما تفاوضاً مع الأمل. ليكنْ البيت هو المكان الذي لا تلاحظ البتّة إضاءته السيئة. جدارٌ تتسع شروخه حتى تظنَّها يوماً بديلاً للأبواب )

كأن البيوت أمر حتمي، قرار أزلي لا يمكن استبعاده بحيث لا يبقى سوى محاولة التخلي عن فكرته .. لكن التخلي عن الفكرة يحتاج ربما إلى التوحد مع ما يمكن أن نظنه حقيقة كامنة داخل وهمها المتنكر في القداسة .. يتطلب تصديق ما يبدو أنها معرفة جازمة، مخلّصة بشكل أو بآخر يرسخها تاريخ تلك الفكرة .. ( حتى أتخلى عن فكرة البيوت ) لـ ( إيمان مرسال ) / ( شرقيات ـ التنوير ) حصيلة استفهامات تساقطت من حروب مبهمة مع الحياة والشعر والأصدقاء والحب والذاكرة .. البيوت التي يطردنا اليقين منها بقوة جذبنا إليها .. كتابة ( إيمان مرسال ) تعطي دائما ذلك الانطباع بالاقتضاب والخفوت لفعل ( التساقط ) .. اللغة التي لا تمد أذرعاً من كل اتجاه ممكن نحو حماية خيال بلاغي ما، وإنما يتمسك الوضوح المكثف للتفاصيل والمجفف من حيل المجاز بقيادة الإشارات والعلامات إلى سحب الخيال نفسه إلى بنية اللغة، والأهم في تصوري نحو الفراغات الغامضة بين مفردات وسطور نصوصها.

( كنت أظن أن هناك شراً كثيراً في العالم / فرغم أنني أكثر أصدقائي حناناً، لم أر وردةً على مائدة / إلا وطحنتُ طرْفها بين الإبهامِ والسبّابة / لأتأكّد أنها ليست من البلاستيك. / مؤخراً بدأت أشك في وجود الشرّ أصلاً / كأنّ الأذى كله يكون قد حدث بالفعل / في اللحظة التي نتأكد فيها / أن الكائنات التي أدميْناها كانت حقيقية )

الوردة اختبار للشر .. ليس باعتبار الشر بيتا تقليديا وخالدا فحسب، وإنما على أساس أن لديه فكرة يمكن خيانتها .. لكن لخيانة الفكرة ثمن يتحتم دفعه وهو لا يقتصر بالتأكيد على طحن طرف الوردة بين الإبهام والسبابة .. الأذى يظل حاضرا في مقابل غياب إدراكنا لطبيعته، وهو بالتالي ما يحرمنا من الحصول على تعويض مناسب لنجاحنا في إثبات كونه شيئا مراوغا أو بلا معنى .. كل ما نعرفه أن ما يسمى بالشر قد يمكن التعامل معه كموضوع فاقد للوجود إلا من خلال ذات تجرّب إدعاءاته بواسطة الشك مثلا .. يعطي الواحد منا صفة للأمر بأنه فقط يفعل شيئا يشبه ما يمكن أن يفعله غيره باعتبار أن ( الشر ) في حد ذاته غائب إلا من تصورات غير مستقرة في الذهن .. ما يظل أكيدا ـ حتى مع الكوميديا الكامنة في رؤيته كمفاجأة ـ أن الأذى يحدث باستمرار داخل التجارب والاختبارات ليس لأننا نمارس شرا بل لأننا نكتشف دائما بأنه لا سبيل لمعرفة ذلك إلا عبر ظهور نتائج الأذى لدى من كنا نظن أنه لا علاقة لهم بما نرتكبه.

( صباح الخير يا إيمو، طلعت أون لاين أكثر من مرة ولم تظهروا يا أولاد الكلب. فرقُ التوقيتِ عار وما باليد حيلة. كلّه تمام، أكثر ما يعجبني فيما يُسمّى العالم الآخر هو بُعده عن فيصل؛ تصوّري لا يوجد هنا مساجد ولا مؤذنين، لا وزارة للثقافة ولا أتوبيسات للنقل العام. كلُّ النساء.. كلُّ النساءِ جميلات وكريمات حتى أنني لم أر محجبةً واحدة في الشوارع.
أفتقد الذهاب إلى مراكز غسيل الكلى، سألت الحُرّاس هنا فأخبروني أنه وببساطة لا توجد أمراض بعد الموت. ألم أقل لكِ؟ باستطاعتي الآن أن أشربَ الماءَ كما أحبّ دون أن أقلق على خروجه بسلام.
المهم يا سيدتي وما سيدك إلا أنا، اقرأي الأتاتشمنت، أخيراً كتبت قصيدة عن رأس سنة 1992، لا أعرف إن كنت نجحتُ في اصطياد جوّ الاحتفال.
"أنا وأصدقائي في عزلة" هو العنوان الذي فتح به الله عليّ.
ظننتُ أنني سأكتب عن بهجة يماني وعن أصابع عمّنا التشكيليّ عندما يشدّ لحيتِهِ مع بداية كل جملة يقولها، عن غناء مهاب أو الكرسيّ الذي كان يجلس فيه ياسر في الركن يتفرّج على الآخرين.. لكني كتبت عن أروى صالح التي في الغرفة الأخرى، عن أنني أعرف أنها لا تنام، عن ظهرك الذي ألمحه من مكاني يا إيمو وأنت تسندين ذراعيك على حديد الشرفة. وعن الأزيز، أزيز أسمعه وحدي بينما ألفّ سيجارةً أخرى سيتقاسمها شعبٌ من المنتظرين )

ليست فكرة الموت هنا هي ما تحاول ( إيمان مرسال ) التخلي عنها فحسب بل فكرة الشعر أيضا .. نقرأ سردا عن ( أسامة الديناصوري ) لنشعر بأن هناك رسالة ما تريد الإشارة إلى غياب الحياة والشعر .. السعي للتخلص مما نعرفه عن الحياة والشعر .. حينما يتم وصف ( العالم الآخر ) ببعده عن فيصل وعدم وجود مساجد ولا مؤذنين ولا وزارة ثقافة ... إلخ بينما كل النساء جميلات وليس بينهن محجبة واحدة؛ فهذا الوصف لا يخص الموت بقدر ما يخص الحياة بما كانت تبدو عليه وبما كانت تخبئه أو بالأحرى تشريح الحياة تحت سلطة إضاءة استثنائية تتجول داخل الإيهام المعتم الذي تدعيه لقاريء لا يزال حيا ولكنه لم يعد كذلك بعد قراءة تلك السطور .. الشعر جزء من هذا الإيهام، وهنا من داخل الموت تنحاز الكتابة إلى سرد لا يتورط في التسمّر داخل منطقة وسط بأي حال، وإنما يتعمد تفادي انحياز سابق ربما لهيمنة ـ قد تكون غير كلية ـ لخصائص وسمات قصيدة نثر من الماضي .. ربما علينا التفكير في البيوت كسلطة محرضة على اعتناق شروطها كضرورة للمآسي، وهذا ينطبق تماما على الموت الذي كان يجب على ( أسامة الديناصوري ) بواسطة ( إيمان مرسال ) أن يحررنا من الخضوع لـ ( أفكاره ) مقابل هزائمنا الحتمية أمام ( وجوده ) .. هل يحاول السرد هنا أداء نفس المهمة فيما يتعلق بالشعر أو فلنقل أن السرد هي التخلي عن فكرة الشعر في مقابل كتابته.

( تبويب صارم للشهيق، / سنواتٌ على الشاشة، الشهاداتُ قبل الوظائف، / واللغاتُ بكل عذابها تحت خانة اللغات. / أين ذهبت كل تلك الأيام الضائعة، تجريب العمى / هلاوس تخبُّ على جدران الغرفة / أين الذنوب / والحزن المفاجئ أمام تل من الفاكهة على عربة يد في شارع منسيّ. / سنواتٌ بلا انتظار ولا جنازات، / خالية من الإحباط المقرف، من قضْم الأظافر
ومن نسيان مفتاح البيت داخل البيت. / ليس فيها حتى نافذة واحدة مفتوحة / ولا رغبة مؤجلة في القفز إلى الغياب / حياة متخمة بالإنجازات، / مغسولة من عكّ الحياة نفسها / كدليل قاطع على أنّ صاحبها / طمس أخيرا علاقته بالطين )

كأن أحدا يطل برأسه من فجوة في فراغ عادي ويلقي من عينيه آثار توحده مع الظنون ليأخذك إلى الوهم .. الشهادات والوظائف واللغات .. لكن تصديق المعرفة التي ينبغي أن تؤدي إلى التخلي عن فكرة البيوت التي تنقلت بينها السنوات قد تنكمش وتتعمق وتنغلق على نفسها داخل الحزن المفاجيء أمام تل من الفاكهة على عربة يد في شارع منسي .. الذكرى التي يظهر لها دور آخر يغاير حدة طمس العلاقة بالطين .. الشغف الكامن في الحنين ليس بنية أو برغبة العودة، وإنما تخليص الذاكرة من سلطة الحياة والموت، وإعادة انتاجها وفقا لتفاصيل صغيرة مبتورة كأنها انتزعت من سياق مجهول لا يمكن الخطأ في استيعاب حميميته .. أن تتولى تلك التفاصيل نسج عالم آخر لا يخطر في النفس مرجعا حاسما عن طبيعته، وإنما يكون دليلا للتعايش مع وجود لم يُسمح له بالعيش كبديل لما حصل فعلا .. دافعا لا يغادر الروح ربما للتخلي عن فكرة أشياء لا تتنازل عن رجوعنا إليها.

( عائدة إلى البيت بطائر ميت في يدي، ومقبرة صغيرة سأحفرها تنتظرنا في الحديقة / لا دماء على ريشه المغسول، جناحاه مفرودان، ونقطة ندى على منقاره ربما تكون خلاصة الروح / كأنه طار أياماً وهو ميتٌ بالفعل. تحدّد سقوطه أمام عينيّ الرّب، مائلاً وثقيلاً، وأمام عينيّ. أنا التي تركتُ بلداً في مكان ما لأتمشى في هذه الغابة، أحملُ جثةً لم ينتبه لغيابها السّربْ. عائدة إلى البيت في جنازة كان يجب أن تكون مهيبةً، لولا هذا الحذاء الرياضي )

ما يتبقى من الوعود أو على نحو أدق الحصيلة الميتة الناجمة عن التماهي مع مشيئة الوعود .. التي يمكنها أن تسمح ـ كجزء أصيل من قدرها ـ بالوصول إلى غاية الاعتراف بكونها ليست سوى تنسيق لشرك إجباري .. لكن حتى الوصول إلى تلك الغاية لا يمكن للوحدة التعايش معها كنتيجة محسومة تعامل بما يليق بها كطمع مستتر في إنهاء عالم ربما تظهر من وراءه حياة أخرى .. كان يجب على الاعتراف ( التخلي عن الفكرة ) أن يحرم من أدنى درجات الثقة في جدوى حدوثه .. يستمر التواطؤ ليس حتى مع جثة لم ينتبه لغيابها السرب بل يدلل ذلك التواطوء على شيء أبعد .. المصير الذي ينتظر كل الجثث التي تعود إلى ( البيوت ) .. ربما الدنيا إذن لم تكن تطمح في أكثر من استمرار ذلك الصراع بين مسايرة الأفكار أوالوعود ومحاولة العيش بدونها.



#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عضو واحد
- ( العالم ) الإيمان بأحلام اليقظة
- تحريك الرصاصة
- إنقاذ جيروم
- هل لا يزال هنا من يستخدم كلمة ( ثأر )
- ظلال محنطة
- الظلام
- تقمص العمى والنسيان
- يوميات: محمد عمّار
- سرير
- قطع الحبال
- حروب الظلال في مجموعة - أنا ظل الآخر - لفكري عمر
- نكاية / سام سيلفا ترجمة / ممدوح رزق
- يوميات: السيطرة
- المؤخرات
- ممدوح رزق
- عن (كلمات الموتى) ل فيليب كلوديل
- يوميات: backspace
- عدم التعرّض للآلهة
- يوميات: احترام المعجزات


المزيد.....




- سمية الخشاب تقاضي رامز جلال (فيديو)
- وزير الثقافة الإيراني: نشر أعمال لمفكرين مسيحيين عن أهل البي ...
- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- ألف ليلة وليلة: الجذور التاريخية للكتاب الأكثر سحرا في الشرق ...
- رواية -سيرة الرماد- لخديجة مروازي ضمن القائمة القصيرة لجائزة ...
- الغاوون .قصيدة (إرسم صورتك)الشاعرة روض صدقى.مصر
- صورة الممثل الأميركي ويل سميث في المغرب.. ما حقيقتها؟
- بوتين: من يتحدث عن إلغاء الثقافة الروسية هم فقط عديمو الذكاء ...
- -كنوز هوليوود-.. بيع باب فيلم -تايتانيك- المثير للجدل بمبلغ ...
- حديث عن الاندماج والانصهار والذوبان اللغوي… والترياق المطلوب ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - بيوت إيمان مرسال