أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - تحريك الرصاصة














المزيد.....

تحريك الرصاصة


ممدوح رزق

الحوار المتمدن-العدد: 4156 - 2013 / 7 / 17 - 23:00
المحور: الادب والفن
    


خلو الجسد من الأمراض العضوية يعني توفر احتمال الموت المفاجيء بقوة ـ من منا تفتقد ذاكرته نماذج من الأصحاء الذين ماتوا فجأة، ودون التعرض لحوادث .. بما أن الأمراض الخطيرة نتائجها متوقعة؛ لماذا لا يكون الحل إذن في تعمد الإصابة بمرض لا يقتل، ويمكن العيش به عمرا طويلا .. مرض لا يسمح بالإصابة بأمراض أخرى...
في 30 يونيو، وفي بيت عائلة زوجتي كان جميعهم يستعدون للخروج إلى المظاهرات .. وقفت انتظرهم بجوار عمها المشلول الذي يتابع الأحداث في التليفزيون .. نظرت إلى الشاشة وعلى ملامحي فرح عظيم .. التفت لعم زوجتي وأخبرته بأننا نعيش لحظات تاريخية نادرة، وأنه ليس هناك أروع من النزول إلى الشارع والمشاركة في الثورة .. رفع عم زوجتي رأسه إليّ بينما خرجت هي وابنتي وأمها وإخواتها وأولاد إخواتها حاملين أعلام مصر وتوجهوا إلى باب الشقة .. قبل خروجي ورائهم اقتربت من أذن عم زوجتي، وبينما أربت على قدمه المشلولة؛ نبّهت عليه أن يراقب الشاشة جيدا حيث يحتمل أن يرانا مع تغطية القنوات للميدان الذي سنتوجه إليه.
الحصول على مرض كهذا ليس هو الهدف طبعا .. أريد امتلاك تفكير عميق ودائم في مرض هيّن، يقضي على الانشغال المستمر والخانق بأن كل لحظة أعيشها صالحة جدا لأن تكون حكاية تروى عن آخر ما فعلته في حياتي، أو آخر ما حدث لي قبل الموت .. أصبحت كل اللحظات التي يمر بها البشر سبق لي معرفتها من آخرين قالوا أنها آخر ما عاشه موتى ينتمون إليهم أو سمعوا عنهم...
عند باب شقة أخي الميت منذ شهور قليلة؛ ودعت طفلته التي كبرت مائة عام بعد رحيله بقبلة .. أخبرتها وأنا أكتم دموعي بصعوبة بالغة بأنني كنت أتمنى أن أجلس معها مدة أطول لكنني وعدت ابنتي التي تصغرها بأنني سآخذها لنزهة رائعة وأشتري لها لعبا كثيرة لأن هذا هو دور الأب في الحياة: أن يجعل ابنته سعيدة .. ابتسمت في عيني ابنة أخي اللتين تحدقان في وجهي، وقلت لها قبل أن أنزل السلالم أنه لا شيء يعوض الطفلة عن حب وحنان أبيها.
تكمن المشكلة في أن الأمراض البسيطة تستطيع أيضا إنهاء الحياة .. كما أنه لا يوجد مرض غير قابل للتطور حتى يتحول إلى داء مميت .. لا يوجد مرض قادر على احتكار جسد ما لنفسه بحيث يمنع الأمراض الأخرى من الوصول إليه...
أثناء المطر والبرد جلست أنا وصديقي داخل المقهى .. دخل إلينا صبي شاحب ومنهك يبيع مناديل ورقية، وقدميه الحافيتين غارقتين في الطين .. سأله صديقي عن حذائه فرد عليه بأنه سُرق .. مد الصبي يده بكيس مناديل إليّ فأخذته، وبينما وضعت يدي في جيبي لأخرج ثمنه قلت لصديقي بأنني أصبحت أشعر بالملل تجاه الحذاء الذي أرتديه الآن رغم جمال شكله وغلو ثمنه، وأنني ربما اشتري واحدا جديدا اليوم وألقي هذا الذي أرتديه الآن في القمامة.
لا أفكر في فقدان كلي للذاكرة بل التحكم في النسيان .. حيازته ـ لو كان ذلك ممكنا ـ لن تحمي من المرض أو الموت بل ستجعلني على الأقل أضحك طوال الوقت .. معجزة أن تنسى شيئا بمجرد أن تتذكره ولا تعرف ماذا كان وإلى أين ذهب.



#ممدوح_رزق (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إنقاذ جيروم
- هل لا يزال هنا من يستخدم كلمة ( ثأر )
- ظلال محنطة
- الظلام
- تقمص العمى والنسيان
- يوميات: محمد عمّار
- سرير
- قطع الحبال
- حروب الظلال في مجموعة - أنا ظل الآخر - لفكري عمر
- نكاية / سام سيلفا ترجمة / ممدوح رزق
- يوميات: السيطرة
- المؤخرات
- ممدوح رزق
- عن (كلمات الموتى) ل فيليب كلوديل
- يوميات: backspace
- عدم التعرّض للآلهة
- يوميات: احترام المعجزات
- يوميات: ( مدحت )
- لا يوجد موت مفاجيء
- يوميات: الشكل العادي للجنون


المزيد.....




- رئيس الممثلية الألمانية لدى السلطة في مقابلة مع -القدس- قبل ...
- جدل في أوروبا بعد دعوة -فنان بوتين- إلى مهرجان موسيقي في الج ...
- -المدينة ذات الأسوار الغامضة- رحلة موراكامي إلى الحدود الضبا ...
- مسرحية ترامب المذهلة
- مسرحية كوميدية عن العراق تعرض على مسارح شيكاغو
- بغداد تمنح 30 مليون دينار لـ 6 أفلام صنعها الشباب
- كيف عمّق فيلم -الحراس الخالدون 2- أزمة أبطاله بدلا من إنقاذه ...
- فشل محاولة إقصاء أيمن عودة ومخاوف استهداف التمثيل العربي بال ...
- “أخيراً جميع الحلقات” موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عث ...
- سرقة موسيقى غير منشورة لبيونسيه من سيارة مستأجرة لمصمم رقصات ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ممدوح رزق - تحريك الرصاصة