حنان علي
الحوار المتمدن-العدد: 4182 - 2013 / 8 / 12 - 19:47
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
مفهوم الشخصية :
تعرفُ الشخصية بأنها " كائن موهوب بصفات بشرية وملتزم بأحداث بشرية "‹1›
كما تعد الشخصية عنصراً مهما من عناصر بناء الرواية لأنها تصور الواقع من خلال حركتها مع غيرها وتعد العنصر الأساسي الذي يضطاع بمهمة الأفعال السردية وتدفقها نحو نهايتها المحددة وهي الموضوع المركزي و المهم مبدئيا للفن وان جوهر العمل الروائي يقوم على خلق الشخصيات المتخيلة ولان الشخصية في الرواية لا يمكن فصلها عن العالم الخيالي الذي ينتمي إليه البشر و الأشياء. ‹2›
ويختلف مفهوم الشخصية الروائية , باختلاف الاتجاه الروائي الذي يتناول الحديث عنها , فهي لدى الواقعيين التقليدين ـ مثلاـ شخصية حقيقية ( أو شخص ) من لحم و دم , لأنها شخصية تنطلق من إيمانهم العميق بضرورة محاكاة الواقع الإنساني المحيط بكل ما فيه محاكاة تقوم على المطابقة التامة , بين ثنائية : السرد / الحكاية .
غير إن الأمر يختلف بالقياس إلى الروائية الحديثة , التي يرى نقادها ـ مثلاـ إن الشخصية الروائية , ماهي سوى كائن من الورق على حد تعبير رولان بارت , ذلك لأنها شخصية تمتزج في وصفها بالخيال الفني للروائي ( الكاتب ) . وبمخزونه الثقافي , الذي يسمح له إن يضيف ويحذف وييالغ ويضخم في تكوينها و تصويرها, بشكل يستحيل معه إن نغير تلك الشخصية الورقية , مرآة أو صورة حقيقية لشخصية معينة , في الواقع الإنساني المحيط . لأنها شخصية من اختراع الروائي فحسب , إذن الشخصية الروائي ليست وجودا واقعيا وإنما هي مفهوم تخيلي , تدل عليه التغيرات المستخدمة في الرواية . هكذا تتجسّد الشخصية الروائية لتتخذ شكلا دالا من خلال اللغة , وهي ليست أكثر من قضية لسانية , حسب تودوروف .
وينبغي التمييز بين الشخصية الروائية و الشخص الروائي : فالأولى عامة لها قوانين وأنظمة تقننها وتقعدها . والثانية خاصة تعني شخصا معينا في رواية معينة ,له سماته الخاصة , وصفاته النفسية و الجسمية المحددة . ومع ذلك فكللتاهما تتلامسان , تلامس الخاص ضمن العام . وإذا كان فيليب هامون يرى إن الشخصية الروائية هي تركيب يقوم به القارئ أكثر مما يقوم به النص , فان رولان بارت يعرف الشخصية بأنها نتاج عمل تأليفي . فهي ليست كائنا جاهزا , ولا ذاتا نفسية , بل هي حسب التحليل البنيوي بمثابة دال Sign له وجهان : احدهما دال Signifiant والأخر مدلول فتكون الشخصية بمثابة دال عندها عندما تتحد عدة أسماء اوصفات تلخص هويتها . أما الشخصية كمدلول فهي مجموع مايقال عنها بوساطة جمل متفرقة في النص أو بوساطة تصريحاتها وأقوالها وسلوكها , وهكذا فان صورتها لاتكتمل إلا عندما يكون النص الحكائي قد بلغ نهايته ولم يعد هناك شيء يقال , ولهذا السبب لجأ بعض الباحثين إلى طريق خاص في تحديد هوية الشخصية الحكائية تعتمد محور القارئ , لأنه هو الذي يكون ـ بالتدريج و عبر القراءة ـ صورة عنها وذلك بوساطة مصادر اخبارية ثلاثة , هي :1- ما يخبر به الراوي . 2- ما تخبر به الشخصيات ذاتها . 3- ما يستنتجه القارئ من إخبار عن طريق سلوك الشخصيات . و يترتب عن هذا التصور إن تكون الشخصية الحكائية الواحدة متعددة الوجوه , وذلك بحسب تعدد القراء , واختلاف تحليلاتهم .‹3› وترجع اهمية الشخصية لكونها" تقع في صميم الوجود الروائي , تقود الاحداث وتنظم الافعال , وتعطي القصة بعدها الحكائي (....) وفوق ذلك تعتبر العنصر الوحيد الذي تتقاطع عنده كافة العناصر الشكلية الاخرى ..." يقول عبد الملك مرتاض " ان قدرة الشخصية على تقمص الادوار المختلفة التي يحملها اياها الروائي يجعلها في وضع ممتاز حقا , بحيث بواسطتها يمكن تعرية أي نقص واظهار أي عيب يعيشه أفراد المجتمع " وتصبح الشخصية كائن ورقي , يتألف من الجمل التي تصفه أو التي وضعها المؤلف على لسانه . ولم تكن الشخصية قبل القرن التاسع عشر عنصرا رئيسا في الرواية , فحسب التحليل الأرسطي تكون المأساة أساسا محاكاة لعمل ما , لذا يقتضي ضرورة وجود شخصيات تقوم بذلك العمل . أي ؛ ان طبيعة الإحداث هي المحكمة في رسم الشخصيات .‹4›
ولكن في القرن التاسع عشر ظهر الاهتمام بالشخصية وعدت عنصرا أساسا , " لا تفهم على أنها جزء من الحبكة , بل لها على العكس من ذلك وجود مستقل , والحدث تابع لها " , ولا يفهم من وجودها المستقل على أنها تركيب ثابت بل يستطيع القارئ ومن خلال ارثه الثقافي ان تقدم تركيبا جديدا و صورة مغايرة عما يراه الآخرون عن الشخصية الحكائية . ‹5› ومهما تكن الصفة الأنسب التي يمكن ان نطلقها على الشخصيات الناجحة في العمل الروائي سواء قلنا : حقيقية , أو حية , أو واقعية , أو هربنا من هذه الصفات الملتبسة كلها و قلها : الموجودة في العمل الروائي وجودا كافيا قادرا على منح اللعبة الفنية قوة الإقناع , أو قادرا على الإيهام الشديد بوجود هذه الشخصيات ؛ فان قدرة الروائي على خلق شخصياته تلك و بنائها تبقى الشرط الأساسي لإبداع رواية تكتب لها الحياة الديمومة .
وبعد هذا العرض الموجز عن مفهوم الشخصية , يجدر بنا ان نتكلم عن المحور الثاني في دراسة الشخصية فيتمثل في تقديمها , هناك طرق عدة يستخدمها الكاتب في تقديم شخصيات عمله , منها ان تقدم الشخصية "بواسطة نفسها أو بواسطة شخصية ثانية أو بواسطة راوٍ يكون موضعه خارج القصة أو بواسطة الشخصية نفسها و الشخصيات الاخرى و الراوي " ‹6› , ونعني بتقديم الشخصية الوسائل الفنية التي يهدف الراوي من خلالها إلى تعريف القارئ بشخصياته . فالروائيون يستطيعون خلق شخصياتهم ضمن طرائق أو وسائل مختلفة وأبرزها الطرق سالفة الذكر , وبهذا يكون لدينا أربع طرق للتقديم . ‹7› ومن المميزات التي باتت تقليدية لكنها ما نزال نافعة للتميز بين وسيلتين رئيستين في تقديم الشخصية , المتميز الذي ندين به إلى لوبوك إذ ميز بين الأخبار و الإظهار . و تميل اغلب الدراسات النقدية التي اهتمت بتقديم الشخصية بالمصدر إي الذي يقوم بالتقديم ويرى بعض النقاد بان هناك وسائل أخرى للتقديم ومنها الرسائل و المونولوج . وعلى العموم فان التقنيات المستخدمة في التقديم هي السرد و الحوار.‹8›
وان هناك تصنيفات شكلية للشخصيات الروائية التي ترتبط بكيفية تقديم الشخصية ووظيفتها داخل السرد . فهناك خصيصة الثبات أو التغير التي تقسم الشخصيات الروائية على قسمين : سكونية ثابتة لا تتغير , ودينامية تمتاز بالتحولات داخل السرد , كذلك يمكن النظر إلى الشخصية بحسب اهميتها في الرواية و الوظيفة التي تقوم بها ,فهي أما شخصية رئيسة محورية , وإما شخصية ثانوية . إي ؛ مكتفية بوظيفة مرحلية . و يجدر الملاحظة , ان صفتي الثبات و التغيير لاترتبط بالوظيفة التي تقوم بها الشخصية , فقد تمتاز الشخصية الرئسة بصفة الدينامية أو السكونية و هذا ينطق أيضا على الشخصية الثانوية.‹9› يميز الناقد الانجليزي فورستر الشخصية الرئيسه بحسب عمقها أو سطحيتها, أي شخصية مدورة أو شخصية مسطحة . وهذا التصنتفات تدخل ضمن المحور الثالث في دراسة الشخصية فهو أنواع الشخصية من حيث البناء فأنها على نوعين كما أشار لها فورستر قيل قليل .‹10› و كما يقول الدكتور نجم " المعروف أن تقديم الشخصية يتم بإحدى طريقتين أو بكليهما . الطريقة الأولى هي طريقة التقديم المباشر / الإخباري أو التقريري , أما الثانية فهي طريقة التقديم غير المباشر / الاظهاري أو التمثيلي "‹11›
ولما كان جوهر الصياغة القصصية يمكن في طبيعة علاقة الراوي بالشخصيات و مدى احاطته بالوقائع و الحقائق التي يتكون منها العالم استخيلي فقد اهتم النقاد بتحديد هذه العلاقة ومدى تطايق ما يحيط بعالم الراوي مقارنا الرواية .
ويمكن تقسيم العلاقة بين الراوي و الشخصيات ثلاثة اقسام طبقا لتقسيم الناقد الفرنسي جان بويون .
1ـ الراوي > الشخصية ( الراوي يعلم اكثر من الشخصية )
2ـ الراوي = الشخصية ( الراوي يعلم ما تعلمه الشخصية )
3ـ الراوي < الشخصية ( الراوي يعلم اقل ما تعلمه الشخصية )
وكل علاقة منها تسميه سماها بويون و اطلق على العلاقة الأولى ( الرؤية من الرواء ), و العلاقة الثانية ( الرؤية مع ) , و العلاقة الثالثة ( الرؤية من الخارج ) .
وان علاقة الرواي بالشخصيات تكون بأساليب مختلفة و صياغة النص القصصي . بعضها تتصل بالبناء الزماني و المكاني للرواية و بعضها يتصل ببنية الشخصية نفسها و أخرى لغوية تتصل بوسائل التعبير . فالمنظور الأول ( الرؤية من الوراء ) يمثله الراوي العليم و سارت الرواية الواقعية عند بلزاك , أما المنظور الثاني ( الرؤية مع ) و يمثلها هنري جيمس , و المنظور الثالث ( الرؤية من الخارج ) فمثلتها روايات ارنست همنجواي .‹12›
اما في رواية الحرب و السلم نجد الراوي تولستوي يصف شخصيات روايته مباشرة ويبدأ بالشعور الصحيح ثم تسير دونما تباطؤ , وتخيل لنا بانها شخصيات حقيقية . ‹13›
الهوامش:
1ـ المصطلح السردي ( معجم المصطلحات ) , جيرالد بريس , ص 42.
2ـ تقنيات السرد في عالم علي بدر الروائي , إشراق كامل كعيد , أشراف د. يوسف اسكندر , ( رسالة ماجستير ) , جامعة بغداد , 2009, ص114.
3ـ ينظر تقنيات السرد في النظرية و التطبيق , آمنة يوسف , ص 25و 26.
4ـ ينظر بنية النص السردي (من المنظور النقد الأدبي ) , د. حميد الحمداني , ص 51.و ينظر مقال ( الشخصية في السرد الروائي ) , د. حميد الحمداني ,www.google.com .
5ـ تقنيات السرد في عالم نجم والي الروائي , احمد عبد الرزاق ناصر , أشراف د. يوسف اسكندر , ( رسالة ماجستير ) , جامعة بغداد , 2010 , ص 122.
6ـ عالم الرواية , رولان بورنوف و ريال اونيلية , ص 158 .
7ـ تقنيات السرد في عالم علي بدر الروائي , المصدر السابق , ص 117 .
8ـ تقنيات السرد في عالم نجم والي الروائي , المصدر السابق , 178و 179.
9ـ المصدر السابق , ص 180.
10ـ ينظر بناء الرواية ( دراسة مقارنة لثلاثة نجيب محفوظ ) , د. سيزا احمد قاسم , ص 130و131.
11ـ بحث (جماليات الشخصية في الرواية العراقية ) , د. نجم عبد الله كاظم ,كلية الآداب , جامعة بغداد, مجلة الأقلام , العدد الرابع.
12- ينظر بناء الروابة , سيزا احمد قاسم , ص 132, 133, 134.
13- صنعة الرواية , بيرسي لوبوك , ترجمة عبد الستار جواد , ص85,61.
المصادر :
1ـ بناء الرواية ( دراسة مقارية لثلاثة نجيب محفوظ ) , د. اسيزا احمد قاسم , مطبعة الهيئة المصرية العامة ,ط1 , 1984.
2ـ بنية النص السردي ( من منظور النقد الأدبي ) , د. حميد الحمداني , مطبعة مركزالثقافي العربي , الدار البيضاء , ط3, 2000.
3ـ تقنيات السرد في نظرية و تطبيق , آمنة يوسف , مطبعة دار الحوار للنشر , اللاذقية, ط1, 1997.
4ـ تقنيات السرد في عالم بدر الروائي , إشراق كامل كعيد , أشراف د. يوسف اسكندر , ( رسالة ماجستير ) , جامعة بغداد , 2009.
5ـ تقنيات السرد في عالم نجم والي الروائي , احمد عبد الرزاق ناصر , أشراف د. يوسف اسكندر , ( رسالة ماجستير ) , جامعة بغداد , 2010.
6ـ جماليات الشخصية في الرواية العراقية , د. نجم عبد الله كاظم , كلية الآداب , جامعة بغداد , بحث منشور في مجلة الاقلام , العدد الرابع .
7- صنعة الرواية , بيرسي لوبوك , ترجمة عبد الستار جواد , مطبعة مجدلاوي, عمان , ط2, 2000.
8- الشخصية في السرد الروائي , مقال , د.حميد الحمدانيwww.google.com
9- عالم الرواية , رولان بورنوف و ريال اوئيليه , ترجمة نهاد التكرلي , مراجعة فؤاد التكرلي و محسن الموسوي , مطبعة دار الشؤون الثقافية , بغداد , ط1, 1991.
10- المصطلح السردي ( معجم المصطلحات ), جيرالد برنس , ترجمة عابد خزندار , مراجعة وتقديم محمد بريري , مطبعة المجلس الأعلى للثقافية , ط1, 2003 .
#حنان_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
اليوتيوب
لينكدإن
تيلكرام
تمبلر
بلوكر
الموبايل
