أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان علي - اللغة إذا ما تحولت عثرنا على لغة أخرى















المزيد.....



اللغة إذا ما تحولت عثرنا على لغة أخرى


حنان علي

الحوار المتمدن-العدد: 4173 - 2013 / 8 / 3 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


اللغة إذا ما تحولت عثرنا على لغة أخرى :
اللغة هي الهوية التي تعوض عن الأفكار والرؤى المختلفة , وهي الأداة التي يستخدمها الجنس البشري للتبادل بينهم وتخاطب في أمورهم , فقد جُمعت هذه اللغة بمعجمات عربية وغير عربية , وتضمنت هذه المعجمات الألاف بل الملايين من المفردات المستعملة وقليلة الاستعمال والمهملة , وكل هذا من أجل حفظ هذه اللغة من الاندثار والموت مع الزمن , هذا من وجه نظر اللغة المتداولة بين البشر , أما اللغة التي استعملها الشعراء والكتّاب فهي لغة أخرى , إذ تعج فيها الانزياحات عن المألوف وتحمل المفردة الواحدة شتى المعاني , وتحل العاطفة محل العقل فيها , وتذهب بالقارئ إلى عوالم متخيلة من صنع المفردات , وكلها عبارة عن علامات وشفرات على حد تعبير شارل ساندرس بيرس , ففي الشعر كل شيء مباح وكل شيء مسموح , ذلك لأن لغته هي من تحولت بالمتلقي إلى الغوص بمتاهات الحروف.
ولابُد من الإشارة إلى أن اللغة قد تختلف من عصر لآخر , وهذا طبيعي لأنها كائن حي يتغير بحكم التغيرات التي تجري عليه , فتارة يكون محاكي العصر , وتارة تجده متأثر بالماحول من أمور تكنلوجيا أو ما شبه ذلك , فلكل عصر مفرداته التي تتماشى معه , ومن هنا نفتح الباب لنرى ما كانت لغة الشعر العربي القديم الذي نجده في نتاج الأمة العربية التي ما برحت تنفك عنه فهو ديوانها , بعد تنظير بسيط لتعريفات اللغة من علماء العربية من أمثال ابن جني والجاحظ وابن طباطبا العلوي , وبعد هذه المقدمة القصيرة الطويلة بالوقت نفسه لابد لي من بيان ماهي لغة الرجز بالعصر الأموي الذي ذاع واشتهر واظهار خصائصها وتحولاتها على أيدي أشهر الرجاز .
اللغة : هي((أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم)) (1) ؛لأنها تمثل وسيلة مشتركة في التفاهم والتفكير عند الناس والتعبير عن مشاعرهم و أفكارهم , فللغة (( دور ايجابي في توجيه الفكر والتأثير فيه كما إن للفكر فعاليته المتميزة في توجيه اللغة وإعادة تشكيله لعلاقاتها في إثناء تشكيله لنفسه ))(2) اللغة وسيلة من الوسائل التي يعتمد عليها للتعبير عما يدور في خلجات النفّس ولا يمكن لها أن تؤدي دورها في المعنى المراد إلاّ إذا كانت سليمة .
لهذا يقول الجاحظ : (( فإذا كان المعنى شريفاً واللفظُ بليغاً , وكان صحيح الطبع بعيداً من الاستكراه , منزّها عن الاختلالِ مصوناً عن التكلُّف , صنَعَ في القُلوب صنعَ الغَيث في التُربة الكريمة )) (3) وقد حاول الدارسون القدامى والمحدثون الإشارة إلى طبيعة اللغة والأسلوب الشعري في بناء القصيدة على مستوى العلاقة بين اللفظ والمعنى , كما يقول ابن طباطبا أن الشعر الجيد هو الشعر الذي (( فتسابق معانيه ألفاظه , فيلتذ الفهم بحسن معانيه كالتذاذ السّمع بمونق لفظه)) (4) وكذلك أن (( تكون الألفاظ منقادة لما تراد له غير مستكرهة ولا متعبة , لطيفة الموالج , سهلة المخارج))(5) ثم يعود ويقول : (( فإذا ورد عليك الشعر اللطيف المعنى ,الحلو اللفظ , التام البيان, المعتدل الوزن , مازج الروح ولاءم الفهم ,وكان أنفذ من نفث السّحر , وأخفى دبيباً من الّرقى , وأشدّ إطرابا من الغناء , فسلّ السخائم , وحلّل العقد , وسخى الشّحيح , وشجع الجبان وكان كالخمرُ في لطف دبيبه وإلهائه وهزّه وإثارته)) (6) ويشدّد قدامه بن جعفر على العلاقة بين اللفظ والمعنى بقوله: ((هو أن يكون اللفظ مساوياً للمعنى حتى لا يزيد عليه ولا ينقص عنه)) (7). أما أبو علي الحاتمي فيقول : (( فإذا كان اللفظ فصيحاً, والمعنى صريحاً , واللسان بالبيان مطّردا, والصّواب مجيدا , والآلةُ مستعدةً , والبديهةُ مسعفةً, والألفاظ متناسخةً , غير مفتقرة إلى تأويل , والمعاني والحجج عند الحاجة ماثلة....... فتلك هي البلاغة, وهناك انتظام شمل الإبانة )) (8) واتفق فريق من اللغويين على أنّ اللفظ والمعنى عنصران متلازمان , فلا يغني أحدهما عن الآخر كما يقول ابن رشيق : (( اللفظ جسم وروحُه المعنى , وارتباطه به كارتباط الروح بالجسم: يضعف بضعفه , ويقوى بقوته , فإذا سلم المعنى واختلّ بعض اللفظ كان نقصاً للشعر وهُجْنةً عليه)) (9) وكذلك ذهب أرسطو إلى أن يكون اللفظ الجميل هو الذي يوافق مقتضى الحال , فضلاً عن أن يكون غير مستعمل في الأمور التي تحطّ من شأنه كاستعماله في الكذب و الأسماء الدنيئة وما شاكلهما , ويحذر أيضا من تركيب الألفاظ العربية وتأليفهما و التي لا يتفق بعضها مع بعض في التعبير عن معان حقيقية (10) . ويؤكد أنّ من حق الشعر أن (( يُعنى فيه بفصاحة اللفظ وقوته ، ليُتدرك به تقصير المعنى, وتتجنب فيه البذالة)) (11)
ولذا يقول د. شوقي ضيف: (( أول ما يلقانا في نصوص الشعر ألفاظه , وهي ليست ألفاظاً محددة الدلالة يدلّ بها الشعراء على أشياء حسية من واقعهم الخارجي , فإنهم لا يعبرّون عن هذا الواقع ومسمياته الحقيقية , إنّما يعبرون عن واقعهم النفسي وما تختلج به نفوسهم من مشاعر وأحاسيس)) (12), وهذا يعني أنّ الشعراء ليسوا على نمط واحدٍ في تعاملهم مع الألفاظ والتراكيب, بل إنّهم يتفاوتون في استعمالاتهم بحسب ما تقتضي ضرورة التعبير عندهم , فإذا تطلّب الموقف التعبير عن أمور سهلة أتوا بما يناسب حالتهم بألفاظ مرنة , وتراكيب سهلة على مستوى الاستعمال والدلالة والتقليد الشعري , وعندما يقتضي الأمر عكس ذلك نراهم يستعملون ألفاظاً ذات معانٍ قوية , تضيف إلى جوّ القصيدة دلالات نفسية عميقة وانفعالية عالية , عبّروا عنها بألفاظ خشنة تدل على موقف الشاعر النفسي (13), ومن هنا تأتي قوة الأداء اللغوي مرهونة بإمكانية الشاعر في اختيار الألفاظ المناسبة ضمن القصائد والمقطوعات الشعرية , حتى تعطي ثمارها المطوية وتحقق أهدافها في الوضوح والبيان لدى المتلقي (14). وبناء على ذلك لابّد من أن نشير إلى طائفة من الخصوصيات الفنية التي تميز بها نتاج الرّجاز الأدبي والإبداعي على مستوى الألفاظ , فقد وردت مجموعة من الألفاظ عّبر بها الرّجاز عن خبراتهم و تجاربهم في عصرهم , تضمنت دلالات خاصة تدور حول الغرابة اللغوية و الألفاظ الجافة البدوية الوعرة والصعوبة في فهم مثل هذه الألفاظ و تداولها , وقد تحول الرجز عند رؤبة و أبيه إلى صناعة لغوية ؛ لأننا نجد شعرهما مليئاً بالغرائب اللغوية التي يستغلق فهمها على القارئ , فيعرضها على إدراكه مرات و مرات , ثم يضطر إلى اللجوء للمعجمات اللغوية لاستخراج معانيها , وهذه التراكيب اللغوية , والاشتقاقات والتصريف في اللغة , جعل من النحاة واللغويين في عصره من أمثال يونس بن حبيب و أبي عبيدة و خلف الأحمر و أبي عمرو بن العلاء فضلاً عن بعض الشعراء الذين يُعنون بالغريب جعلهم يولعون بتتبع كلامه و جمع غريبه ,ومن ثم الاستشهاد به و سؤاله عن كل ما يصعب عليهم في المعاني والصيغ و التراكيب (15) , وما من شك أن أبرز خصيصة أسلوبية تميز بها رجز العجاج هي إفراطه الواضح في استعمال الوحشي والغريب والنادر من الألفاظ والتراكيب , وحشد الكلمات الوعرة والوحشية في أراجيزه , وتترجح هذه الألفاظ بين الوضوح والغموض وكذلك المعاني , فتارة تبرز المعاني الواضحة التي لا غموض فيها مطلقاً و طوراً تبدو جلية لا يشوبها إلا بعض الألفاظ الغريبة , وأحياناً تظهر غامضة لأسباب كثيرة جداً (16) .
أما الوضوح المطلق فهو قليل نسبياً في أراجيزه , وأكثر ما نصادفه في وعظه أو غزله أو بعض المقطعات القصيرة , ومثال ذلك قوله في الوعظ :
فالحمدُ للهِ العَلِيّ الأعظمِ
ذي الجَبَرُوتِ والجلالِ الأفْخمِ
وعالِمِ الإعلانِ والمُكَتَّمِ
ورَبِّ كلِّ كافرِ ومُسْلِمِ
والساكنِ الأرضَ بأمرٍ مُحْكَمِ
بَنَى السَّمواتِ بغير سُلَّمِ (17)
فلا إغراب في الألفاظ هذه الأبيات , ولا غموض في المعاني , ذلك لأنها لا تستمد المعاني والأخيلة من نفحات الصحراء , وإنّما تستمدها من الدين الحنيف , فتأتي سهلة واضحة كأنها تقرب من أساليب النثر الفني . يقول عبد الحفيظ السطلي : ((ومثل هذه الأبيات قلّ أن نصادفه في أراجيزه ؛ ذلك لأن من خصائص مدرسة الرجز الإغراب في ألفاظ اللغة , ولهذا غالباً ما نجد وضوح المعاني و هنا يفهم الألفاظ اللغوية الغريبة في أبيات العجاج ......)) (18) ويكثر العجاج من الألفاظ الغريبة في رجزه , فلا يفهم المعنى إلاّ بعد رَيْث و إبطاء , وَعْودٍ إلى معجمات اللغة , و سؤال عن معاني الألفاظ واحدة بعد أخرى , ومن ذلك قوله :
وبَلْدَةٍ نِياطُها نَطِيُّ
فِيّ تُناصيها بلادٌ قِيُّ
الخِمْسُ والخِمْسُ بها جُلْذِيُّ
نَقْطَعُها وقد وَنَى المَطِيُّ
رَكْضَ المذاكي واتَّلَي الحَوْلِيُّ
ومُخْدِرُ الأبْصارِ أخْدَرِيُّ(19)
ومهما كثر الغريب في هذه الألفاظ , فالمعاني واضحة , إذ لا نجد غموضاً متى وقفنا على معاني الألفاظ الغريبة , وهذا ما نصادفهُ غالباً في رجز العجاج , كما وهناك غموض في معانٍ وجدناها في رجزه ؛ ويعود هذا لأسباب كثيرة ,أبرزها ما اتخذه لنفسه من تصرف واسع في اللغة والتراكيب وبناء العبارة بوجه عام(20) . فإذا أجابت معجمات اللغة عن معاني الألفاظ الغريبة في رجزه , فالمعنى واضح لا غموض فيه ولا إيهام , لكنها ربّما أحجمت أحياناً , فلم نجد فيها شرحاً لهذه الكلمة أو تلك , وبذلك نجد أنفسنا أمام مشكلة غامضة لا يتيسر فهمها في غالب الأحيان ,وقد كان هذا شأن الأصمعي نفسه في شرحه للديوان , فقد أنشد هذا البيت :
هَشْمَكَ حَوْلِيَّ الهَبِيدِ آرِكا (21)
ثم قال : (( ويروي الراتكا .... والرتك أن تقارب الخطو و تسرع المشي .قال الأصمعي: وأما قوله : الهبيد الراتكا , فإن هذا لا أدري ما هو )) (22) وقال ابن قتيبة في المعاني الكبير : ((وقال :لا أدري ما الهبيد الراتك , غير أن الرتك مقاربة الخطو)) (23) , فالمعنى في البيت غامض ؛ لأن العجاج أتى بلغة لا يعرفها رواة الشعر العربي مثل الأصمعي وابن قتيبة . وهذا حدث عندما جاء بلغة تحتمل أكثر من وجه واحد :
أزْمانَ أبْدَتْ واضحاً مُفَلَّجا
أغَرَّ بَرَّاقاً وَطرْفاً أبْرَجا
ومُقْلةً وحَاجِباً مُزَجَّجا
وفاحِماً ومَرْسِناً مُسَرَّجا (24)
فهنا يصف المرسن وهو الأنف , بأنه مسرج ,وهو لفظ غير واضح تماماً فلا يعرف ما أراد بقوله مسرجاً , حتى اختلف في تخريجه , فقيل : هو من قولهم للسيوف سريجية منسوبة إلى قين يقال له سريج , يريد أنه في الاستواء والدقة كالسيف السريجي , فيعترف الأصمعي انه لم يسمع مثل هذا إلا في رجز العجاج , وما عرف معناه إلا بسؤاله أعرابياً عنه . فالغموض قد يترتب إذن على لغة العجاج نفسه , ولكنه لا يقتصر عليها وإنّما يتعداها إلى ولوع العجاج بالقلب المعنوي , ومن مثال ذلك ما نقله المرزباني , فقال: ((أخبرني الصولي قال : حدثنا القاسم بن إسماعيل قال : حدثنا محمد بن سلام قال : سمعت يونس يقول : كان رؤبة عندي , فقال له رجل ما معنى قول العجاج :
وحبس الناسُ الأمور الحبسا
فقال رؤبة : قلبه ويلك )) (25) فالمعنى قد استغلق في البيت بهذه الرواية لما فيه من قلب معنوي , وأصله (حبس الأمور الناسَ) , هذا ما يبرر الغموض في رجز العجاج , ومن أسباب الغموض أيضا طريقة العجاج في بناء بعض التراكيب بناءً يكثر فيه الحذف , أو التقديم و التأخير , وما أشبه ذلك. فإذا أكثر من الحذف أصبح المعنى غامضاً جداً , لا يفهم إلاّ بعد كدّ وعناء في التأويل والتقدير (26), ومن ذلك قوله :
وقَدْ يُسَامي جِنُّهُنَّ جِنّي
في غَيْطَلاَتٍ مِنْ دُجَى الدُّجُنّ
بمَنْطِقِ لَوْ أنَّني أسَنَي
حَيَّاتِ هَضْبٍ جِئْنَ أوْ لَوَانّي
في خَرْعَبٍ أسْوَدَ مُسْتَحِنّ (27)
فقد حذف متعلق (في خَرْعَب) في البيت الأخير , والتقدير (أو لو أني أنفخ في خَرْعَب) ولولا هذا التقدير لما فهم البيت , ولاسيما أن الخَرْعَب لم تشرح من قبل الأصمعي ولا وجود لها في المعجمات ,فهذه الأبيات لا تفهم بسهوله قبل إعادة النظر فيها , بتقديم ما تأخر و تأخير ما تقدم , أو تقدير الكلام المحذوف(28) .
وهذا الغموض يتركز في رجز العجاج , حين يتصرف بالألفاظ ويخرج على بنيتها في اللغة , ويأتي بصيغ لم تسمع إلاّ في رجزه . على الرغم من لجوئه في طائفة من أراجيزه إلى استعمال المفردة السلسة , والتراكيب السهلة المأنوسة , ويعود سبب كثرة الاستعمال الغريب إلى نشأته البدوية المحضة , فهو الذي حفزه لاستخدام الغريب , ودفعه للولوع باستخدامه المفرط في فنه الشعري , كما وان مجاراة ذوق أهل العصر من الرواة وعلماء اللغة الذين دأبوا على طلب الحوشي والغريب من الألفاظ والتراكيب , وتنافسهم الشديد في جمعه و تدوينه , فضلاً عن طبيعة الوزن الشعري والقافية اللذين كان العجاج يبني عليهما صناعته الشعرية , وكذلك قصر الوزن الشعري – وهو مشطور الرجز- ومسابقة قوافيه التي تتطلب من العجاج قدراً أكبر من المفردات اللغوية , فكان هذا حافزاً مهما في لجوء العجاج إلى ارتجال المفردات وتوليدها , وقد تمخض عن ذلك قدر غير قليل من الغموض والغرابة في مفردات فنه الشعري(29) , وقد أكد هذا قديماً أبو الفتح عثمان بن جني حين أشار في الخصائص إلى تصرف العجاج وابنه رؤبة باللغة وتوليد ألفاظها وايغالهما في ذلك, إذ قال : (( وقد كان قدماء أصحابنا يتعقبون رؤبة وأباه , ويقولون : تهضما اللغة , وولداها , وتصرفا فيها .... وذلك لا يغالهما في الرمز , وهو مما يضطر إلى كثير من التفريع والتوليد ؛ لقصره ومسابقة قوافيه ..... )) (30)
لقد عمد العجاج في مجموعة من أراجيزه الطويلة إلى استخدام طائفة من الألفاظ الأعجمية والمفردات الدخيلة , وحشد بعض التراكيب أو الأسماء غير العربية ,ولاسيما الفارسية ؛ ليملأ مساحات الوزن الضيقة , ويرأب فجوة القوافي المتدفقة التي يقتضيها مجزوء الرجز الذي بنى العجاج صناعته الشعرية على تفاعيله وأجزائه , وهكذا دأب على مقارنة بعض الألفاظ والمفردات الدخيلة التي استعملها في رجزه بأصولها الأعجمية , ودأب على إضفاء تغيير مناسب على المفردة الدخيلة التي يستخدمها و تعريبها ؛ وذلك بإبدال أحد حروفها أو أكثر مما لم يستخدم في الكلام العربي , بحرف آخر عربي أصيل , أو حذف بعض تلك الحروف , أو إجراء زيادة على حروف المفردة الدخيلة وهكذا , وقد يقوم أحيانا أخرى بإبدال (31) حركة بعض الحروف بحركة أخرى أكثر ملاءمة لأسلوب الكلام العربي , على وفق ما يراه مناسباً للوزن والقافية في رجزه . ومن تلك المفردات المعربة التي أضفى عليها تغييراً واضحاً , وأبعدها عن أصولها الأعجمية ؛ قوله في أرجوزة له :
بِسَلْهَبٍ لُيّنَ في تُرورِ
مُطَّرِدٍ كالنَّيزَكِ المَطْرورِ (32)
هذان البيتان في وصف قرن ثور , واستخدم لفظة (نيازك) وتدل على الرمح الذي ليس بطويل وهي بالفارسية (نيزه) , فأضفى تغييراً عليه بإبدال بعض حروفه , واستخدم هذه المفردة في أرجوزة أخرى وهي بصيغة (نيازك)
مِنَ الدّماءِ تَخْضِبُ النَّيَازِكا (33)
والنيازك هنا أيضاً الرماح , وهي لفظة معربة دخيلة شاع استخدامها في الكلام العربي . ومن الألفاظ الفارسية التي استخدمها العجاج وأضفى عليها تغيراً واضحاً وعرّبها على وفق طرائق العرب في أسلوب كلامهم ما ورد في أرجوزته الجيمية التي مطلعها :
مَا هَاجَ أحْزاناً وشَجْواً قدْ شَجَا (34)
وتعد هذه الأرجوزة من الأراجيز التي تضمنت ألفاظاً دخيلة , أضافها العجاج في رجزه فكانت أحد أسباب الغرابة في ألفاظه .
كالحَبَشِيِّ التَفَّ أو تَسَبَّجا
في شَمْلَةٍ أو ذاتَ زِفٍ عَوْهَجا
كأنَّهُ مُسَرْوَلٌ أرَنْدَجا
في نَعِجاتٍ من بَياضٍ نَعَجا
كما رَأيْتَ في المُلاءِ البَرْدَجا
يَتْبَعْنَ ذَيَّالاً مُوَشّىً هَبْرَجا
فهنَّ يَعْكُفْنَ به إذا حَجا (35)
كما ضمن أراجيزه بعض الأمثال العربية , فإذا أراد أن يتحدث عما أصاب الناس من بلاء الخوارج , ألبس معناه ثوباً حسياً , وأخرجه في أطار من الأمثال , فقال :
فَقَدْ عَلا الماءُ الزُّبَى فَلا غِيَرْ
واخْتارَ في الدّينِ الحَرُورِيُّ البَطَرْ (36)
وقد جاء بهذا المعنى من قول العرب ((قد علا الماءُ الزَّبى )) فضربه مثلاً للأمر إذا تجاوز حَدّه , وبلغ غايته وأقصاه (37) , ويصرح أن بلاء الخوارج قد بلغ في أمره حتى انتشر عليهم فخالفوا الناس أجمع ,وقد أخرج هذا المعنى أيضا في لبوس الأمثال فقال :
يا عُمَرَ بْنَ مَعْمَرٍ لاَ مُنْتَظَرْ
بَعْد الذَّي عَدَا القُرُوصَ فَحَزَرْ
مِنْ أمْرِ قْومٍ خَالَفُوا هذ البَشَرْ (38)
وقد أتى بهذا المعنى من قول العرب ((عدا القَارِصُ فَحَزر)) يضربونه مثلاً للأمر إذا تفاقم (39) . وهذه الأمثال وما إليها قد استمدها العجاج من التراث العربي القديم , ولكنه ربما صاغ بعض المعاني بطريقة مختلفة وأطلقها لتكون أمثالاً على ألسنة الناس من بعده .
حشد رؤبة بن العجاج نخبة جديدة من المفردات و التراكيب الدخيلة أو المعربة استطاع توضيفها بإتقان كبير في نتاجه الأدبي , وما يستدعي بحر الرجز وقوافيه المتراكبة من هذا الركام الهائل من الألفاظ للتعبير عن أفكاره و معانيه المتدفقة , إذ كان يتقصد الغريب في أراجيزه حتى روى الأصفهاني أن يونس بن حبيب كان من أشدهم اتباعاً و أكثرهم سؤالاً له , حتى أنه قال له يوماً : ((حَتّام تسألني عن هذه الخزعبلات و أزخرفها , أما ترى الشيب قد بلغ في لحيتك)) (40) , وقد بيننا هذا في ترجمتنا لحياة رؤبة بن العجاج . فضلاً عن غرابة شعره ووحشيته , واستغلاق فهمه إلا على الخاصة من اللغويين , امتاز شعره أيضا بأنه كان يضيف إليه زوائد كثيرة من التصريف والاشتقاق في الأفعال والأسماء والأوزان والجموع , فضلاً عن الدخول كثيراً في الضروريات الشعرية , وكثيراً ما تكون مخالفة للضروريات المنصوص عليها والمتبعة , وكان مسوغه الأهم في ارتكابها موافقة الوزن و مراعاة القافية و الرويّ . وتميز شعره أو رجزه بإدخال الكثير من الألفاظ الفارسية التي عربها , واشتق منها أفعالاً في بعض الأحيان وضمنها قصائده , مستعملاً إياها في بعض قوافيه . كما اتسم شعره بتأثير بالألفاظ الإسلامية و لاسيما ألفاظ وقصص القرآن الكريم الذي نجد تأثيره قوياً و واضحاً , إذ نرى الألفاظ الإسلامية و المعاني الدينية تدور كثيراً في أراجيزه (41)؛ لذلك كان رؤبة من الشعراء الذين استشهد علماء النحو واللغة بشعره وعدوه شواهد نحويه و لغوية ؛ لفصاحتها ومعرفته باللغة معرفة دقيقة , فقد كان عالما بالغريب والحوشي من اللغة مما جعل فصحاء العرب و نحاتهم يستشهدون بكلامه و يسألونه عما يشكل عليهم و استشهد ابن منظور في معجمه بأراجيز رؤبة بما يقرب من (1124) .
وحكى السيوطي فقال : (( وذكر لرؤبة رجلُ فقال : كان إحدى بنات مساجد الله , كأنه جعله حصاة من حصى المسجد )) (42) واستشهد السيوطي ببيت رؤبة في باب (الإتباع) . قال : فمن أمثلة الإتباع وهو أن تتبع الكلمة على وزنها أو روّيها إشباعا و تأكيداً , قوله : (( أحمق بِلْغٌ(43) مِلْغ إتباع له , وقد يفرد , أي : قد يأتي بلا إتباع (كلمة مفردة) قال رؤبة :(والمِلْغُ يَلْكَى بِالكَلام الأمْلَغ) فأفرد الملغ ُ , فدل على أنه ليس بإتباع))(45) .ولقد استشهد النحاة و الصرفيون بأبيات رؤبة التي تضمنت ظواهر نحوية متعددة منها القياسي و منها الشاذ ذلك :
كفّ (ليت) عند اتصالها ب(ما) الكافة
من ذلك ما جوّزه سيبويه وغيره من النحويين من إلغاء (ما) في (ليتما) و ترجيح النصب , كما أنهم يجوزون أن تكون (ما) كافة , قال سيبويه: (( وقد كان رؤبةُ ابنُ العجّاجِ ينشد هذا البيتَ رفعاً , وهو قول النابغة الذبياني : قَالَتْ ألا لَيْتَمَا هذَا الحَمَامُ لنَا إلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفُهُ فَقَدِ(46) )) (47) ومما استشهد به من كلام رؤبة في باب الممنوع من الصرف أنه كان يصرف الممنوع من الصرف في حال الوقف و يمنعه في حال الوصل ؛ ذلك لأن رؤبة من الشعراء الذين كانوا يستشهد بأشعارهم فهم حجه للنحاة و اللغويين , فضلا عن ذلك أن رؤبة عاش في عصر الاحتجاج بالشعر فكان من الأوائل الذين احتج بشعره .
لقد استعمل رؤبة الألفاظ الأعجمية استعمالا عربياً ,قال ابن جني إن الأسماء الأعجمية النكرة التي دخل عليها الألف و اللام قد أعربتها العرب و استعملتها استعمال أسمائها العربية ؛ وذلك أنها تمكنت عندهم لأنها أسماء الأجناس وهي الأول وتدخل عليها الألف و اللام فجرت لذلك مَجْرَى رَجُلٍ و فَرَس . فهي لم يمنعها من الصرف إلاّ ما يمنع العربي ؛لأنها قد جرت مجراه(48) , ويدل على أنهم قد أجروها مجرى العربي, واشتقوا منها كما يشتقون من العربي قول رؤبة :
هَلْ يَعْصِمَنِّي حَلِفٌ سِخْتِيتُ
أوْفِضَّةٌ أوْ ذَهَبٌ كِبْرِيتُ (49)
قال : فِسْخْتِيتُ : من السَّخْتِ وهو الشديد بمنزلة زِحْليلِ من زَحْل .
وكان رؤبة يدخل الكثير من الألفاظ الفارسية في رجزه , ويخضعها للعربية و يشتق أحياناً منها ألفاظا جديدة , فمن ذلك :
كلمة (مربن) في قوله :
كَمْ جَاوَزَتْ مِنْ حاسِرٍ مُرَبَّنِ(50)
(مُرَبَّن) كلمة فارسية و معناها السراويل من السراب . وفي اللسان (ربن) قال : (( الرَّبٌونُ و الأُرْبونُ و الأُرْبانُ : العَرَبُونُ , وكرهها بعضهم و أرْبَنَهُ : أعطاه الأرْبُونَ, وهو دخيل , وهو نحو عُرْبون , و أما قول: رؤبة مُسَرْوَلٍ في آلِهِ مُرَبَّنِ .
ومُرَوْبَن , فإنما هو فارسي معرب , قال ابن دريد : و أحسبه الذي يسمى الرَّانَ)) (51) ورد البيت في المعرب برواية (مُرَوْبَنِ) , ونقل الجواليقي عن أبي بكر : (( ويُرْوى (مُرَبَّنِ) : فإنما هو فارسي معرب . أراد (الرَّابِنَانَ) وأحسبه الذي يُسمى الرَّان))(52)
وكذلك كلمة (هَفْتَق) في قوله :
كَأنَّ لَعَّابِينَ زارُوا هَفْتَقا (53)
وفي اللسان (هفتق) (( أقاموا هَفْتَقاً أي اسبوعا , فارسي معرب , أصله
بالفارسية هَفْتَهْ ))(54)
ومنه ايضا كلمة (يَلْمَق) في قوله :
تَرَى لَهُ بَرَانِسًا وَيُلْمقا (55)
ففي اللسان (لمق) ((واليَلْمَق : القباءُ المحشو , وهو بالفارسية (يَلْمَه)))(56)
كلمة (الرَّمَك) في قوله :
يَرْبِضُ فِي الرَوْثِ كَبِرْذَوْنِ الرَمَكْ (57)
قال الجواليقي : (( والرَّمَكَةُ الأنثى من البراذين , فارسي معرب . وقال أبو عمرو في قول رؤبة السابق : إن الرَّمَكَ بالفارسية أصله رَمَهْ))(58)
أمثال هذه الألفاظ كثيرة في رجز رؤبة , فهو يتعمد استعمال هذه اللغة وهذه الألفاظ ؛لأن المسألة (( تحولت عنده الى حس لغوي دقيق يصوغ به ألفاظا غريبة , أو قل متوناً لغوية , و كثيرٌ من جوانب هذه المتون كان يعتمد فيه على هذا الحس , بمعنى أنه كان يشتق أحياناً ألفاظا جديدة يأتي بها ليطرف اللغويين , وليكون لهم مادة يتدارسونها ))(59) .
إنّ قارئ ديوان رؤبة يشعر دائماً أنه يسير في أرض وَعرة صلبة كلها هذه الصخور من الألفاظ التي يرصفها رصفاً , والتي لاشك في أنه كان يأتي بها للخاصة وليس للعامة , وإذا كان الرواة يروون عن شاعر معاصر له أنه أتى بأربعة ألفاظ جديدة لم تكن معروفة في العربية وهو ابن أحمر , فإننا نؤمن بأن رؤبة أتى بمئات الألفاظ الجديدة في شعره و أراجيزه (60).
مثلما وجدنا الغريب و المعرب في أراجيز رؤبة وجدنا أثر الإسلام في شعره والكثير من الألفاظ والمعاني الإسلامية , مما يدل على تمسكه بالإسلام , و تأثره بالقيم والروح الإسلامية فألفاظه ومعانيه مستوحاة من القرآن الكريم و تعاليم الإسلامية (61) , إذن فرجز رؤبة ينقسم على مستويين من الألفاظ , مستوى غلبت عليه الوعورة و الصعوبة وأستغلاق فهمها على القارئ , ومستوى غلبت عليه السهولة و البساطة مقرونة بالروح الإسلامية و معانيها الواضحة بوضوح ألفاظها . وهذه طائفة من المعاني والمفردات الغريبة و الإسلامية في رجز رؤبة بن العجاج الذي امتاز به (( وهذا لاريب اتجاه جديد لم يكن الشعراء قديما يعرفونه , فالشعر أصبح لا يؤلف من أجل التعبير عن العواطف فحسب ,بل أصبح يؤلف أيضا من أجل يونس و أضرابه من اللغويين وقد استطاعوا أن يمرنوا رؤبة و أن يدربوه في صور مختلفة على هذا الأتجاه الجديد )) (62) .
وبهذا يكون رؤبة قد فتح الباب امام شعراء العصر العباسي لكي يقتبسوا منه الغريب و يوردوا الغريب في أشعارهم , الغريب أصبح جزءاً هاماً في مادة الشعر عند الشعراء من أمثال بشار بن برد و أبي نواس .
كان رؤبة يقتبس في رجزه من القرآن الكريم , ذلك في ناحيتين :
أولاً : في الألفاظ , وقد يتصرف في اللفظ بعض التصرف .
ثانياً : في المعاني .
وقد ورد معنى الأقتباس في اللسان بمعنى : القَبَسُ : النارُ . القَبَسُ : الشعلة من النار, فأقْبَسَني أي : أعطانِي منه قبساً , وكذلك اقتبست منه علماً أيضا : استفدته (63) .
أولاً : الاقتباس من ألفاظ القرآن الكريم :
فقد اقتبس لفظة (جنان الأعناب) في قوله :
يَسْقِي بِهِ اللهُ جِنَانَ الأعْنَابْ (64)
من قوله تعالى -;- وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ -;-(65) ,و اقتبس لفظة (المتقين) في قوله :
وَأنْتَ يَابْنَ المتَّقِينَ الْقَصْبَا (66)
من قوله تعالى -;- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَر )-;-67)
وكذلك (آدم , خليفة الله) في قوله :
حَتَّى يَنَالَ آدَمَ انْتِسَابُهَا
خَلِيفَةُ اللهِ الذَّي إجْلأبُهَا
إلَيْهِ حِينَ يَرْتَمِي عُبَابُها (68)
من قوله تعالى -;-وَإذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَئِكَةِ إنّي جَاعِلٌ فِي الأرْضِ خَلِيفَةً-;- (69)ومن ألفاظ القرآن الكريم أيضا ( موسى , والتابوت , وصاحب الحوت) وقد وردت في قوله :
نَجَّى وَكُلُّ آجِلٍ مَوْقُوتُ
مُوسَى وَمُوسَى فَوْقَهُ التَّابُوتُ
وَصَاحِبَ الحَوتِ وَأيْنَ الحُوتُ (70)
من قوله تعالى -;-أنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوبِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ-;- (71) وقوله تعالى -;-فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوبِ إذْ نَادَى وَهُوَ مَكْظُومٌ-;- (72)
وهناك الكثير في ديوان رؤبة من الاقتباس من ألفاظ القرآن الكريم .
ثانيا : الأقتباس من معاني القرآن الكريم :
فقد اقتبس من قوله تعالى -;-وَأقْرِضُواْ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا-;- (73) قوله :
وَاللهُ يَجْزِي القَرْضَ بِالإقْرَاضِ (74)
واقتبس من قوله تعالى ﴿-;- إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾-;- (75) في قوله
لَمْ يُكْسَ جِلْداً فِي دَمٍ أمْشَاج (76)
واقتبس من قصة يأجوج ومأجوج والسد في قوله تعالى -;- قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً{94} قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً{95} آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً{96}-;- (77) فمن هذه الآيات اقتبس رؤبة قوله :
مَا لَمْ يُبحْ يَاجَوجَ رَدْمٌ يَدْحَمُهْ
أوْ يَهْدِ مَاجُوجَ إلِيْنَا أثْرَمُهْ
وَالسَّدُّ مَا دَامَ شِدَاداً أرْدُمُهْ
حَدِيدُهُ وَقِطْرُهُ وَرَضًمُهْ
وَعَادَ بَعْدَ النَّحْتِ جَوْناً حَنْتَمُهْ (78)
أما ديوان أبي النجم العجلي فقد أختلف كل الأختلاف عن العجاجين فمعجمه اللغوي الذي ورد في أراجيزه كان سهلاً لا غريب فيه وجاءت ألفاظه واضحة المعنى و المبنى فلم نلتمس الغريب في أراجيزه التي بلغت تسعين أرجوزة .فمثال ذلك قوله واصفاً سيل :
إذا عَلاَ عَلْيَاءَ مِنْ عَلْيائِهِ
شَقَّ بها ماصَحَّ مِنْ سِقائِهِ
جَوْنٌ تَلُوذُ الطَّيْرُ منْ جَأوائِهِ
يَفيضُ عَنْهُ الرَّبْوُ مِنْ وَحَائِهِ
كأنَّ فَوْقَ الأكْمِ مِنْ غُثَائِهِ (79)
نلحظ كيف أستخدم أبو النجم في لغته الشعرية الألفاظ الواضحة ( علياء , الربو , وحائه , الأكم , الغثاء ) فهي ألفاظ سهلة و ذات معاني واضحة . وقال في وصف الخيل و الرهان :
لَّما رَأيْتُ الدَّهْرَ جَمّاً خَبَلُهْ
أخْطَلَ والدَّهْرُ كَثِيرٌ خَطَلُهْ
أنْفٌ ترى ذّبانها تُعَلِّلُهْ
مِنْ زَهر الرَّوْضِ الذي يُكَلِّلُهْ (80)
نجد الراجز هنا قد استوعب التراث اللغوي وأفاد من تجارب من سبقوه وعلى الرغم من تأثيره بالعجاجين إلاّ انه لم يورد الألفاظ الغريبة في رجزه , وهذا لا يعني موت لغته أو جمودها ؛ لأنها مادة الأدب التي يكتشف بقيمتها التعبيرية تجارب الحياة ونقلها الى الناس و تعريتها من قبل الشاعر لإكتشاف أجزائها .فأبي النجم أستخدم لغه قديمه لكنها واضحه المعاني مثل (الدهر , أنف , يكلله ) وغيرها , ونجد الوضوح سمه تغلب على نتاجه و هذا في قوله :
جَاءَ كَلَمْعِ البَرْقِ جَاشَ ماطرُهْ
يَسْبَحُ أوْلاهُ ويَطْفٌو آخرُهُ
فما يَمَسُّ الأرْضَ مِنْهُ حافِرُهُ (81)
فالراجز يأتي بألفاظ لا ينفرد بها بل قد استخدمها غيره من الشعراء لكن أبو النجم من خلال موهبته و أحاسيسه تمكن أن يستقي من الألفاظ الكثيرة ما يناسب المعنى و هنا يصور لنا فرساً و سرعته التي تماثل البرق الذي يحمل المطر و يطير من شدة جريه , ونلحظ كيف استخدم الألفاظ (برق , ماطر , يسبح , يطفو, الأرض) و هي ألفاظ واضحه جداً. وتسير لغة أبو النجم على مسير واحد و هو البساطة في الألفاظ التي تحمل المعاني الواضحة , نرى في قوله :
أحبُّ أمَّ العَمْرِ حُبّاً صادقِا
حُبَّ أبي جُوَالِقٍ جُوَالِقا
تَعَلَّمِي أنَّ عَلَيها سائِقا
لا مُبْطئاً ولا عَنِيفا زاعِقا
لَبّاً بأعجازِ المَطِيّ لا حِقا (82)
و قوله :
نَفِيسُ يا قَتَّالَةَ الأقْوَامِ
أقْصَدْتِ قلبي مِنْكِ بالسِّهامِ
وما يُصِيبُ القلبَ إلاّ رامِ (83)
استخدم الألفاظ الغزلية الجميلة الواضحة في المثالين , وقد وجد النقاد العرب أن طبيعة الألفاظ التي لابُد للشاعر أن يتخيرها ؛ لينجح في التعبير عن غرضه زاخرة بالمعاني التي يريد الشاعر النظم فيها .
هذا ما أشار إليه ابن الأثير (( الجزل منها يستعمل في وصف مواقف الحروب , وفي قروع التهديد والتخويف وأشباه ذلك وأما الرقيق منها فإنه يستعمل في وصف الأشواق وذكر أيام البعاد وفي استجلاب المودات , وملاينات الاستعطاف )) (84) وهكذا كانت لغة أبي النجم العجلي التي اتسمت بسهوله و السلاسة التي لم نعدها في نتاج العجاج و ابنه رؤبة , أما الأغلب العجلي فقد تراوحت لغته الشعرية بين الوضوح و الغموض , فيقول في فخر بقومه :
نحنُ بنو عجلِ إذا احمَرَّ الحَدَقْ
وَلَبِسَ الأبطالُ ماذيَّ الحَلَقْ
وثارَ للحربِ عجاج فَسَمَقْ
نحمي الذمار حين لا يحمي الفَرِقْ (85)
ففي هذه المقطوعة نرى كيف استخدم الراجز الألفاظ الواضحة (الحدق , الابطال , الحرب , الفرق) وهذه ألفاظ سهلة و سلسة . كما تتفاوت اللغة عنده فنلحظ ذلك في أختلاف مستوى اللغة , فيقول :
الحلمُ بعدَ الجهل قد يؤوبُ
وفي الزمان عَجَبٌ عجيبُ
وعبرةٌ لو ينفع التجريب
واللبُ لا يشقى به اللبيبُ
والمرءُ مُحَصَىً مرقوبُ
يهرمُ أو تعتاقُهُ شعوبُ
وكلُّ أقصى ربضه قريبُ (86)
نجد الراجز قد استخدم لغة تختلف عن المقطوعة التي سبقتها , فالألفاظ توحي بالقوة و دالة على معاني عميقة ؛ذلك لأن الراجز أراد من أبيات الحكمة التي تتطلب ألفاظ تحمل المعاني الدالة عليها . ونرى مستوى اللغة عنده يبقى على مستواه في قوله :
أصبحت لا يحمل بعضي بعضي
منفّهاً أروحُ مثلَ النقض
طول الليالي أسرعتْ في نفضي
حنين طولي وطوين عرضي (87)
ونتلمس الغموض في هجائه لسجاح التميمية التي يقول فيها :
قد لقيتْ سَجاحِ من بعدِ العمى
تاح لها بعدكَ حِنزابٌ وزى
مُلوَّحاً في العين مجلوزَ القَرَا
مثلَ الفَنيقِ قي شبابٍ قد أنى
مِنَ اللجيميّين أصحابِ القُرى (88)
نلاحظ الألفاظ التي وردت بهذه الأبيات (العمى , حنزاب , مجلوز , الفنيق , اللجيميين) فهذه المفردات تراثية و تختلف عن المفردات التي وردت في الأراجيز التي ذكرتها , وهذا المستوى الآخر الذي يرد في لغة الأغلب العجلي . وبهذا يكون تحديدنا للغة الرّجاز من خلال دراسة الألفاظ والعبارات التي وردت في رجزهم، حيث وجدنا أن (( التركيب الألفاظ واستعمالها في سياق التعبير الأدبي خاصية فنية، حيث إنَّ القيمة الذاتية للّفظ تكتسب أهميتها من خلال اتساقها وتلاؤمها مع سائر الألفاظ فتكسب الكلام نغماً تهش له النفوس)) (89) .
ومن خلال دراسة رجز الرّجاز وجدنا رجزهم يتسم بلغته الغريبة الغامضة من جهة والسهلة الرصينة من جهة أخرى، وهذا دليلٌ على تمرسهُم وتمكنهم من اللغة فهم ممن يتمسك بالدلالات المعجمية المتوارثة (90), و خلاصة القول : إن الرجز قد تطور في هذا العصر , وأتى ثماره اليانعة على يد العجاج الذي صنع بالرجز ما صنع امرؤ القيس بالشعر. وهكذا أصبح الرجز فنّاً من الفنون الشعرية المتجددة والمتطورة بل تعدى ذلك ليكون صناعة لغوية , فلم يعد يقصد به التعبير عن الأغراض الشعرية وحدها , بل أصبح وسيلة للتعبير عن غرائب اللغة وشواردها , حيث تحول ديوانا العجاج و رؤبة و أضرابهما إلى معجمين للغرائب اللغوية . و ربّما فتح الرّجاز باب الغريب أمام الشعراء فيما بعد ليثبتوا مهارتهم وتفوقهم في اللغة , كالمتنبي و أبي تمام .
المصادر والهوامش :
الخصائص , ابن جني , 1/33
اللغة الشعرية في الخطاب النقدي العربي , محمد رضا مبارك , 16
البيان والتبيين , الجاحظ , 1/83
عيار الشعر , ابن طباطبا , 4-5
المصدر السابق , 5
المصدر السابق , 16
نقد الشعر , قدامه بن جعفر , 150
حلية المحاظرة في صناعة الشعر , الحاتمي , 1/123
العمدة في محاسن الشعر وآدابه ونقده , 1/124
ينظر : الخطابة , أرسطو طاليس , 202
ينظر : فن الشعر , أرسطو طاليس , 16
المصدر السابق , 195
في النقد الأدب , شوقي ضيف , 129
ينظر : الغربة والحنين في شعر الفتوحات الإسلامية من عصر صدر الإسلام إلى نهاية العصر الأموي , حمه رضا حمه , 88 (رسالة ماجستير)
المصدر السابق , 88
ينظر : التطور والتجديد في العصر الأموي , شوقي ضيف , 320
ينظر : الألفاظ الدخيلة والمعربة في أراجيز العجاج , غانم جواد رضا , 8 (بحث منشور بمجلة كلية اللغات)
ديوان العجاج , تح عزة حسن , 294
العجاج حياته ورجزه , عبد الحفيظ السلطي , 339
ديوان العجاج , 317- 318 / نياطها : نطي أي بعيد / المذاكى : المسان / مخدر الأبصار : يعني الليل كأنه أخدر الأبصار
ينظر : العجاج حياته ورجزه , 340
ديوان العجاج , 82/ الهبيد : الحنظل
المصدر السابق , 82
المعاني الكبير في أبيات المعاني , ابن قتية , 2/ 986
ديوان العجاج , 360-361/ المفلج : الثغر الذي ليس بعض أسنانه قريباً من بعض / المزجج : الطويل السابغ
الموشح في مآخذ العلماء على الشعراء في عدة أنواع في صناعة الشعر , المرزباني , 118-119
ينظر : العجاج حياته ورجزه , 342
ديوان العجاج , 188
ينظر : العجاج حياته ورجزه , 342
ينظر : الألفاظ الدخيلة والمعربة في أراجيز , 9
الخصائص , 3/ 298
يقول أبو منصور الجواليقي مشيراً إلى بعض ذلك :" .... و الإبدال يعني في بنية المفردة الأعجمية ,لازم لئلا يدخلوا في كلامهم ما ليس في حروفهم , وربما غيروا البناء من الكلام الفارسي إلى أبنية العرب..." , المعرب من كلام الأعجمي على حروف المعجم , أبو منصور الجواليقي , 54
ينظر : الألفاظ الدخيلة والمعربة في اراجيز العجاج , 10
ديوان العجاج , 237
المصدر السابق ,348
المصدر السابق , 34
ديوان العجاج , 351-363/ تسبّجا: أي لبس القميص – كما قال الأصمعي في شرحه لهذا البيت- و السبيبج : ثوب من صوف تلبسه (الجواري)وهو قميص ليس له كمان .(وتسبج لفظ فارسي معرب .ذكر الجواليقي في المعرب .23) , السبيبج : بقرة و البقيرة :برد يشق فليس بلاكمين ولا جيب و اصله بالفارسية (شبي))/ ارندج : الارندج : جلود يعمل منها الخفاف , يقول العجاج :هذا الثور كأنه قد البس هذه الجلود التي تعمله الاساكفة . وهو لفظ أعجمي معرب . ذكر الجواليقي في المعرب من كلام الأعجمي على حروف المعجم ص 64" والارندج و اليرندج اصله بالفارسية (رنده) وهو جلد اسود ...." / البردجا : أي السبي . وهو لفظ فارسي معرب , واصله بالفارسية (برده) , ينظر المعرب من كلام الأعجمي على حروف المعجم , 95 / الملاء: الملاحف
المصدر السابق , 13
ينظر : مجمع الأمثال , الميداني , 96/ وقد ورد في مجمع الأمثال (بَلَغَ السَّيْلُ الزُّبَى)
ديوان العجاج , 47
ينظر : مجمع الأمثال , 482
الأغاني , 20/345
ينظر : الظواهر النحوية والصرفية في شعر رؤبة , ماريا عبد الغفور قاسم , 4-5 (أطروحة دكتوراه)
المزهر في علوم اللغة وأنواعها , جلال الدين السيوطي , 2/ 353
بلغ هو " أحمق بَلغٌ أي هو من حماقته يبلغ ما يريده , وقيل : بالغ في الحمق , وأتبعوا فقالوا : بِلغٌ مِلغّ" لسان العرب , مادة (بلغ)
المزهر في علوم اللغة وأنواعها , 1/ 295
ديوان النابغة الذبياني , تح فوزي عطوي , 85
الكتاب , 1/ 282- 283
ينظر : الظواهر النحوية والصرفية في شعر رؤبة , 15
ديوان رؤبة بن العجاج , 26
المصدر السابق , 162
لسان العرب , مادة (ربن)
المعرب من كلام الأعجمي على حروف المعجم , الجواليقي , 207
ديوان رؤبة بن العجاج , 110
لسان العرب , مادة (هفت)
ديوان رؤبة بن العجاج , 113
لسان العرب , مادة (رمك)
ديوان رؤبة بن العجاج , 117
المعرب من كلام الأعجمي على حروف المعجم , 210
التطور والتجديد في الشعر الأموي , 320
المصدر السابق , 321
ينظر : ديوان رؤبة بن العجاج , 5, 17, 87, 88, 165, 114
التطور والتجديد في الشعر الأموي , 322
ينظر : لسان العرب , مادة (قبس)
ديوان رؤبة بن العجاج , 11
سورة الرعد , آية 4
ديوان رؤبة بن العجاج , 14
سورة القمر , آية 54
ديوان رؤبة بن العجاج , 22
سورة البقرة , آية 30
ديوان رؤبة بن العجاج , 26
سورة طه , 39
سورة القلم , 39
سورة المزمل , 20
ديوان رؤبة بن العجاج , 82
سورة الإنسان , 2
ديوان رؤبة بن العجاج , 32
سورة الكهف , آية 94- 96
ديوان رؤبة بن العجاج , 155
ديوان أبي النجم العجلي , 61
المصدر السابق , 312
المصدر السابق , 193
ديوان أبي النجم العجلي , 279
المصدر السابق , 421
المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر , ابن الأثير , 1/198
شعراء أمويون , نوري حمودي القيسي , 4/161
المصدر السابق , 4/147
شعراء أمويون , 4/ 159
المصدر السابق , 4/ 169
جرس الالفاظ ودلالتها في البحث البلاغي والنقدي عند العرب, ماهر مهدي هلال , 177



#حنان_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- نحن وواقعنا
- بلا عنوان
- الدراسات الأكاديمية
- الى امهات العالم اكتب


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الادب والفن - حنان علي - اللغة إذا ما تحولت عثرنا على لغة أخرى