أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - صباح كنجي - ليلة الرعب..















المزيد.....

ليلة الرعب..


صباح كنجي

الحوار المتمدن-العدد: 4168 - 2013 / 7 / 29 - 11:42
المحور: سيرة ذاتية
    


ليلة الرعب ..

الى الصديق رزكار عقراوي ... للمقارنة
بين رعب هذه الليلة فقط وتقاعد الانصار

اليقظة والحذر .. التوتر والقلق .. الخوف والرعب .. مفردات يومية تفرض نفسها في حياة الأنصار ، فشبح الموت الذي يلاحقنا ليل نهار يدفع بنا في كل يوم للمزيد من اليقظة والانتباه إلى حد كنا أحياناً نتحول إلى كتلة حساسة قابلة للاشتعال ، هذا ما كان يخلق المتاعب بيننا .. و شهدنا حالات خصومة مؤسفة في لحظات غضب أدت لخسارة أشجع الأنصار في حوادث كانت نادرة لكنها حصلت ووقعت لا يمكن نكرانها ..
أما الطيران والقصف المدفعي المستمر فكانا أفظعُ وسيلتين لجعلنا نندفعُ لأقصى حالات التوتر بحكم عدم مقدرتنا على مواجهة الخطر ، عكس ما يحدث لحظة المواجهة العسكرية مع الجيش و الجحوش ، حيث يتحول الاشتباك رغم خطورته إلى فرح يرافقه الكثير من المواقف الساخرة والنداءات المضحكة ، لا بل كان هناك من له الاستعداد للرقص في ساحة المعركة .. ناهيك عمن يجيد النكتة .. في اللحظة الحرجة يحول المأساة إلى ملهاة .. وهي حالات لم تكن نادرة في حياة الأنصار بالرغم من صعوبتها وآلامها ..
شخصياً واجهتني الكثير من المواقف الصعبة في عدد من الكمائن والعمليات وحالات من ملاحقة الطيران .. كما واجهتُ صعوبة أثناء النزول والتسلل إلى المدن بسلاح بسيط لا يتعدى المسدس الصغير مع عدد محدود من الرصاصات وسط هول ومخاطر الأجواء البوليسية وقسوة الحرب التي عمقت من إجراءات السلطة ودفعتها لوضع المزيد من نقاط التفتيش والكمائن في داخل المدن وخارجها ، بالرغم من ذلك نخترق تلك المعابر .. نواصل العمل كأننا في نزهة لا يستحضرنا الخوف عندها .. لا اذكر نصيراً امتنع عن تأدية مهمة كلف بها إلا نادراً ..
هكذا تعايشنا مع القلق .. الخوف .. الرعب .. الجوع .. ننتقل من وادي لآخر في سهل الموصل المنبسط .. من قمة جبل إلى أخرى في كردستان على امتداد عقدين من الزمن مرت بنا فيها الكثير من المواقف الصعبة .. حينما أتذكرها يأتيني شريط طويل منها ..
لكن ذاكرتي تتوقف دائماً عند حدث لن أنساهُ .. حدثٌ مررت به في ليلة ليلاء اضطررت فيها بحكم المطر الشديد مع نصيرين رافقوني حينها للجوء إلى أكواخ الرعاة في كلي رمان لنبيت عندهم .. المطر فيها لم ينقطع مما حدا بنا للتوقف والاحتماء بأكواخهم .. الذين كانوا يحتضنونا بفرح ويستقبلوننا بود قل نظيره رغم تعبهم ومعاناتهم في الحصول على المواد الغذائية في ظل الحصار والمنع الذي فرضته السلطة عليهم ..
في ذلك الحين توجهت لكوخ راعي من بري كارة .. كنت أتردد عليه بين الحين والآخر .. يأتي مع غنمه شتاء من قرى كارة التي تتساقط فيها الثلوج إلى منطقة المزوري ويختار كلي رمان مستقراً له ومن ثم يعود في الربيع ..
الراعي الدمث الأخلاق ..لا يتضايق من وجودنا معه .. تكررت زياراتي له ولاقيت نفس الترحيب .. لكن هذه المرة اختلفت الأمر ، بعد أن توجه كل منا نحو كوخ .. قصدت أنا صاحبي الراعي الأعزب الذي تجاوز الخمسة عقود من عمره...
وجدتُ في الكوخ امرأة تبدو عليها ملامح البلادة ، بعد دقائق علمت منه أنها زوجته من شهرين .. هكذا اختصر الموقف ليعلمني انه ليس وحيداً هذه المرة ، حاولت مغادرة الكوخ بعد العشاء لأجل النوم في مكان آخر ، لكنه رفض وأبى أن يتركني قال :..
ـ هي ليلة وتنقضي على عادة الكُرد الطيبين ..
مضى من الوقت ساعتان استمعت إلى حديثه عن الجو .. الغنم .. تذمره من السلطة مع تواصل نفثه للدخان من سكائر اللف واحتساء المزيد من أقداح الشاي التي تقدمها لنا عروسه التي لا تقل عنا شراهة في إشعال المزيد من السكائر .. كنت حينها أقدم لهما بين الحين والآخر سكائر من علبة الدخان التي مالت إلى تدخينها الزوجة مما دفعني لفتح جعبتي وإخراج علبة منها وضعتها تحت تصرفها..
كانت المفاجأة عند حدود العاشرة ليلاً مع اشتداد هطول المطر وحلول الظلام الحالك... في هذه اللحظات بالذات بدأت العروس تنفذ مع دخان السكائر همومها قائلة بتذمر ..
زوجي السابق .. قتله البيشمركة... قتله الظلام .. قبل سنة ترملت .. نعم قتله الكفار..
ـ اف .. اف .. قلت لأستفسر منها .. ومن قتله يا خالة؟... ماذا فعل ليقتل ؟..
كانت الإجابة أفظع مما أتصور .. لم أتوقع أن أواجه موقفاً كهذا حينما قالت مجيبة :..
ـ قتله الشيوعيون .. قتله الكفرة .. تلاشى الزمن بين الكلمات لأسمع بقية جوابها الصاعق والمرعب .. قتله المجرم صباح كنجي .. أخذت تكيل أقذع الشتائم لي ختمتها بسؤال .. هل انتم شيوعيين؟...
كنت في حيرة من أمري وأنا استمع لهذه المرأة المنكوبة وهي توجه لي جريمة قتل زوجها بين مصدق ومكذب لحالها .. لا أستطيع أن احكم أو اجزم على سلامة عقلها فهي تقصُ حالتها بحضور زوجها الجديد وشخصتني مدعية بيقين مؤكد .. أنا القاتل لزوجها كأن الشك يساورها بوجودي... قلت في خطوة أولى لتفادي الحرج ..
ـ لا لسنا شيوعيين .. بل من حزب الشعب جماعة سامي سنجاري وتفادياً لحالة القلق التي انتابتني من احتمال معرفتها بي وان حديثها ليس بريئاً بل مقصود بحكم تشخيصها لي ، قلت مكرراً نحن من الحزب الشعب .. اسمي خالد .. خالد ايسياني .* أخذت تتمتم وتتأوه على زوجها القتيل المفقود كأنها فقدته للتو فيما لاذ الراعي بالصمت .. يستمع لها مثلي وهي تحكي قصة مقتل زوجها على يدي كما تعتقد ..
توقفت متأملا الموقف العصيب .. أخذت أفكر بالأسوء واحتمال مجيء قادم من رفاقي الأنصار أو أي بيشمركة من حزب آخر صدفة ينادي باسمي فيتطور الموقف ويتعقد ، بحثت عن ذريعة لمغادرة الكوخ في ذلك الليل المطير .. لكن الوقت كان قد فات فتوجهت بسرعة إلى الأنصار الذين يرافقوني لأقول لهم:
ـ أنا لستُ صباح بل خالد ايسياني .. إياكم أن تنادوني باسمي .. نحن اليوم من حزب الشعب .. باختصار حسمت الأمر معهم ، عدت للكوخ حيث الراعي وزوجته تحسبتُ لاحتمال غدرها .. قررت البقاء صاحياً دون نوم حتى الصباح. الدقائق تمرُ كدهر .. زادَ من خوفي أن الراعي هو الآخر مسلح ببندقية كلاشنكوف لا يصعب على المرأة الكردية استخدامها .. كذلك وجود طبر حاد لقطع الخشب في متناول يدها بالقرب من المدفأة الخشبية المشتعلة ..
حينما تمددت في فراشي قبيل منتصف الليل خفض الراعي ضوء الفانوس .. أبقى بصيصاً منه للاستدلال عليه عند الحاجة .. أخذت أتقلب في موضعي متحفزاً لأستقبل ضربة طبر أو سحبة أقسام لبندقية توجهها نحوي انتقاماً لزوجها .. كان الرعب كل الرعب يحيط بي كأنني في مقصلة للموت. . مرت لحظات كنت مستعدا فيها لمغادرة الكوخ والبقاء ساهراً تحت المطر بحجة الحراسة ، لكن همس الراعي لزوجته يطلب منها أن تقترب منه ليضاجعها عطل من رغبتي وقراري في مغادرة الكوخ وجعلني أتوقف عن التنفس كي لا افسد عليه لحظة متعة راودته في تلك الساعات التي كان الموت يتسلل إلى مفاصلي وأعماقي وشبح الفناء يطوقني ..
أمَا لهذه الليلة المرعبة من نهاية ؟!!
كأنّ الزمن قد توقف ليجعل نهايتي على يد هذه المرأة الحمقاء الثكلى بزوجها الأول الذي قتلته !.. وقد آن لها لتنتقم مني ، بعد أن دخلت دهليز الموت بقدمي مقدماً رأسي لها ببرود كأني في أجواء حالة انتحار .. ساعات الليل تزيد من رعبي .. مضيتُ فيها حاملا رأسي فوق كفي حتى مطلع الفجر...
من يومها أتساءل مع نفسي متى ؟.. أين ؟ .. كيف ؟ ارتكبتُ تلك الجريمة ؟.. فلا استدل على ما يفيدني ويذكرني بها .. ومن هول مفاجأة المرأة المذكورة لي أسعى لمحو رعب تلك الليلة من ذاكرتي لأتذكر ملامح القتيل الذي لم التقي به ولو مرة ولن التقي به بعد أن رحل وتركني احمل وزر رحيله وأعباء جريمة لا ادري كيف حدثت ؟ .. متى يغادرني طيف تلك الليلة المرعبة ؟ .. لست ادري!..
صباح كنجي
29/7/2013
ــــــــــــــــــــ
ـ الفقيد خالد ايساني من اهالي بوزان سكنت عائلته الكادحة في اسيان كان كادراً نشطاً وشجاعاً في صفوف حزب الشعب اسر من قبل مفارز السلطة وغيب في معتقلات الدكتاتورية ..
ـ مقتطف من حكايا الانصار والجبل



#صباح_كنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عويل الذئاب لزهدي الداوودي ..
- محطات من أيام الشام ..
- الفرحُ بالمقابر الجماعية!!..
- زهدي الداوودي في زمن الهروب ..
- الدوغاتي في العهد الديمقراطي ..
- بالجمر والرماد يؤرخ لكفاح الأنصار..
- مسؤول بعثي شُجاع ..
- ابو فلمير ذلك الثوري المرح..
- تنويه خاص لقراء صوت العمال ..
- جحش مُؤذي في بامرني ..
- استذكار للأول من أيار ..
- في رحيل وارينا زريا ..
- مدخل لتجاوز الوضع الراهن في العراق .. 2
- فواز قادري وهذه القصيدة ..
- القرآن وسيلة للتحرش الجنسي ..
- عدنان اللبّان في صفحات انصارية..
- المُتلصصُ على الموتِ في قوقعةِ خليفة ..
- مدخل لتجاوز الوضع الراهن في العراق ..
- سرحان يْكولْ ..الى الصديق فواز فرحان
- لا لدينٍ يُبيحُ إختطاف الأطفال..


المزيد.....




- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...
- مئات المستوطنين يقتحمون الأقصى المبارك
- مقتل فتى برصاص إسرائيلي في رام الله
- أوروبا.. جرائم غزة وإرسال أسلحة لإسرائيل
- لقطات حصرية لصهاريج تهرب النفط السوري المسروق إلى العراق بحر ...
- واشنطن.. انتقادات لقانون مساعدة أوكرانيا
- الحوثيون: استهدفنا سفينة إسرائيلية في خليج عدن وأطلقنا صواري ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - صباح كنجي - ليلة الرعب..