أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - صباح كنجي - محطات من أيام الشام ..














المزيد.....

محطات من أيام الشام ..


صباح كنجي

الحوار المتمدن-العدد: 4143 - 2013 / 7 / 4 - 13:49
المحور: سيرة ذاتية
    


تختزن ذاكرتي من أيام بلاد الشام الكثير من الأحداث والمواقف التي حجزت لها مكاناً عميقاً في الروح تأبى النسيان بعضها قاسي قسوة الغربة ومعاناتها ، وبعضها كوميدي ساخر يفجر ضحكاً يقهقه رغم مرارة الموقف وصدمته ..

(1)
الفرخة ..

بعد مكوث سنة في دمشق عام 1995 تمكنت بمساعدة من الطبيب العراقي الدكتور علي هاشم من استئجار غرفته التي تنازل عنها بعد فتحه لعيادة في مخيم اليرموك .. كالعادة تحول مسكني بالرغم من كونه غرفة واحدة الى مكان لتجمع العراقيين .. الضيوف .. الأصدقاء .. من ليس له سكن ..
في احدى المرات زارني مع صديقين له ابن خالي سيروان الذي كان يملك محلا للألبسة في الحسكة .. جاء لشراء وجبة جديدة من الملابس لمحله .. جلب معه قنينتان من الريان المشهور مع بقية مستلزمات السهرة .. بعد انتصاف الليل نفذت سكائرنا .. اقترح سيروان ان نذهب للبحث عن كشك ليلي مفتوح لاقتناء علب الدخان كما يسميها السوريون .. استوقفنا تاكسي .. جلست في المقعد الأمامي في حين حشر سيروان نفسه في المقعد الخلفي .. طلبنا من السائق أن يأخذنا لأقرب كيوسك لبيع السكائر ..
بعد مسافة قصيرة .. التفت السائق نحوي تفرس بوجهي ..قال مستعلماً :..
ـ عندي فرخة .. بدك فرخة ..
اجبته على الفور ..
ـ لا شكراً تعشينا .. فقط نبحث عن سكائر .. ضحك سيروان .. لكني لم أعر ضحكه انتباهاً لأن السائق كرر ..
ـ خيو .. فرخة .. فرخة .. رددت عليه ثانية ..
ـ شكراً نحن تعشينا .. اعتقدت انه قد ابتاع لنفسه دجاجة لا يحتاجها لهذا يعرضها علينا .. لكن ضحك سيروان تواصل مما جعلني افكر إنْ كنت قد اخطأت التعبير أو سوء الفهم ..
لكن السائق قطع عليّ فرصة التواصل .. قائلا :
ـ خيو.. فرخة .. فرخة .. تعرف شو الفرخة ؟ ..
اجبت بلغة الواثق المدرك من نفسه:
ـ نعم في واحد ما بيعرف فرخ الدجاج .. الم اقل لك نحن متعشين ..
هنا انفجر سيروان بالمزيد من الضحك الى حد كاد ان يغمى عليه .. لكن تدخل السائق حسم الموقف ..
ـ خيو.. رفيئك ـ رفيقك بيفهم شو قصدي .. ما اقصد الدزازة ـ الدجاجة .. بتفهم سوري .. الفرخة صبية جوا ايدي عمرها 14 سنة .. بدك إياها ؟ .. ولكونه ادرك جهلي وغبائي اوضح مشدداً .. بدك نسوان ؟..
قبل ان اجيبه أدركت سبب تواصل سيروان في ضحكه .. قهقهته.. التفت اليه قائلا بعدين اتفاهم و ياك ـ معك .. في ذات الوقت رددت على السائق ..
ـ قلت لك نبحث عن سكائر .. سكائر فقط .. تصورتك سائقاً يكدح من أجل معيشة اطفاله .. تبين انك عرس ـ قواد ..
عشتُ في دمشق مرتين خالطت الكثير من الناس فيها لم اسمع هذه العبارة السوقية .. أضفت .. لكونك عَرْساً ـ قواداً .. ولست بسائق توقف ايّها التافه سننزل من عربتك .. لا نريد اقتناء سكائر بواسطة قواد .. في الوقت الذي تمدد فيه سيروان على الأرض ممسكاً بطنه ليواصل ضحكه ..



(2)

شقيقان يشحذان

الأيام الصعبة والحالات الحرجة التي حدثت معنا في الشام لا تعد ولا تحصى .. المشكلة الكبرى التي واجهت العراقيين كانت كيف يمكنهم تدبير اوضاعهم الاقتصادية خاصة وان النظام البعثي لا يسمح لنا بالعمل إلا إذا حصلنا على موافقة من القيادة القومية ..
ذات يوم كنت أسير في وسط دمشق من شارع لآخر دون هدف .. كل ما كان يشغلني كيف اتدبر مبلغاً يساعدني على تناول وجبة غذاء بعد أن هدني الجوع. حسبت ما في جيبي عدة مرات .. كان جل ما فيه 16 ليرة فقط وهي أقل من عشرة سنتات في حساب اليوم مقارنة بالدولار .. اختلط علي الأمر لم اعد قادراً على حسم خواطري وفي لحظة حسم قررت التوجه للمقهى المشهور بمقهى الوطنيين السورين المواجه لمتحف دمشق المركزي .. قلت محدثاً نفسي سأكتفي باستكان شاي .. لأجلس في المقهى عدة ساعات كي أقرأ بقية فصول رواية منزل السرور لناطق خلوصي وهي من أجمل الروايات العراقية .. استكان الشاي بـ 15 عشر ليرة سورية .. سيبقى بحوزتي ليرة واحدة تجعلني أشعر بأني لست مفلساً ..
بعد ساعة من مكوثي في المقهى رفعت رأسي عن صفحات الرواية .. أجلت النظر في زوايا المقهى .. لفت انتباهي صبيان يجولان بين الزبائن .. أحدهم في العاشرة من عمره.. الآخر قدرت عمرة بـ 12 عاماً .. كانا يرتديان ملابس نظيفة .. ينتعلان أحذية جيدة .. لا تبدو على ملامحهم علامات الفقر والبؤس أو الجوع ..
تقدم الصغير نحوي طالباً مساعدة .. مددت يدي دون تردد نحو جيبي لتلتقط الليرة الوحيدة .. قدمتها له .. شعرت بالسعادة لتخلصي من بقايا العملة التي كانت تشغل بالي .. إذ لا اعرف ماذا افعل بها لأنها لا تساوي شيئاً من جهة ولأني وهبتها لمحتاج قد يكون بأمس الحاجة لها رغم ضآلتها .. أخذت اتابع حركة الصبيان وهما ينتقلان بين زبائن المقهى ..
عند الباب الخارجي توقفَ الشحاذان .. يبدو انهما قد اعتادا على جرد حصيلة شحذ هم .. لاحظت الصغير يؤشر نحوي بعد أن سلم شيئاً غير مرئياً لشقيقه الذي تقدم يخترق الكراسي نحوي .. حينما وصل الى حيث اجلس .. قال بكبرياء..
ـ عمو نحن لا نستلم أقل من خمسة ليرات .. أعاد لي الليرة التي وهبتها لشقيقه.
قلت له .. وهبتكم كل ما املك.. انا يا عمو لا املك الا هذه الليرة التي منحتها لشقيقك ..
لا اعرف للآن من شفقَ على الآخر في ذلك اليوم .. اعترف اليوم ان الشحاذة فيها الكثير من الشجاعة والنبل ..

صباح كنجي
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
مقتطف من حكايا الانصار والجبل



#صباح_كنجي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفرحُ بالمقابر الجماعية!!..
- زهدي الداوودي في زمن الهروب ..
- الدوغاتي في العهد الديمقراطي ..
- بالجمر والرماد يؤرخ لكفاح الأنصار..
- مسؤول بعثي شُجاع ..
- ابو فلمير ذلك الثوري المرح..
- تنويه خاص لقراء صوت العمال ..
- جحش مُؤذي في بامرني ..
- استذكار للأول من أيار ..
- في رحيل وارينا زريا ..
- مدخل لتجاوز الوضع الراهن في العراق .. 2
- فواز قادري وهذه القصيدة ..
- القرآن وسيلة للتحرش الجنسي ..
- عدنان اللبّان في صفحات انصارية..
- المُتلصصُ على الموتِ في قوقعةِ خليفة ..
- مدخل لتجاوز الوضع الراهن في العراق ..
- سرحان يْكولْ ..الى الصديق فواز فرحان
- لا لدينٍ يُبيحُ إختطاف الأطفال..
- تقرير عن اوضاع حقوق الانسان في العراق
- المهرجان الثامن لأيام الرافدين الثقافية في برلين ..


المزيد.....




- زرقاء اليمامة: قصة عرّافة جسدتها أول أوبرا سعودية
- دعوات لمسيرة في باريس للإفراج عن مغني راب إيراني يواجه حكما ...
- الصين تستضيف محادثات مصالحة بين حماس وفتح
- شهيدان برصاص الاحتلال في جنين واستمرار الاقتحامات بالضفة
- اليمين الألماني وخطة تهجير ملايين المجنّسين.. التحضيرات بلسا ...
- بعد الجامعات الأميركية.. كيف اتسعت احتجاجات أوروبا ضد حرب إس ...
- إدارة بايدن تتخلى عن خطة حظر سجائر المنثول
- دعوة لمسيرة في باريس تطالب بإلإفراج مغني راب إيراني محكوم با ...
- مصدر يعلق لـCNNعلى تحطم مسيرة أمريكية في اليمن
- هل ستفكر أمريكا في عدم تزويد إسرائيل بالسلاح بعد احتجاجات ال ...


المزيد.....

- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي
- تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - صباح كنجي - محطات من أيام الشام ..