فضيل التهامي
الحوار المتمدن-العدد: 4161 - 2013 / 7 / 22 - 01:39
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
بعد وصول الملك محمد السادس الى الحكم ، نهج المغرب خطابا سياسيا إصلاحيا ، عبر عدة محطات تاريخية ، تبنى من خلالها إصلاحات هيكلية : سياسية ، اجتماعية ، اقتصادية ( حسب تصور الفاعلين السياسيين الرسميين ) ، أكدت مدى رجاحة أطروحة الإصلاح من داخل النسق السياسي ، و إبعاد اي تغيير راديكالي للبنى السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية القائمة..
وقد تجسد الخطاب الإصلاحي في المؤسسة الملكية بالدرجة الأولى كفاعل أساسي في الحقل السياسي المغربي ، من خلال الخطب الملكية الموجهة الى الشعب المغربي ، و التي استعملت فيها عدة مفاهيم تحوي دلالات إصلاحية من قبيل : التأهيل الشامل ، الإصلاحات الجوهرية ، الإصلاحات العميقة ، التحديث الاقتصادي و الاجتماعي ، التأهيل السياسي... لتتعدد مواضيع و مجالات الإصلاح ، و لتصبح عبارة عن سلسلة من الحلقات الدائرية ، التي شملت ميادين السياسية و الاقتصاد و الاجتماع ، و حتى الدين...وقد كان أخرها الإصلاحات الدستورية لسنة 2011 ، و التي جاءت في سياق مختلف عن باقي الإصلاحات السابقة ( سياق " الربيع العربي " ) ، بحيث طل الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس ، واضعا بذلك المرتكزات السبعة للإصلاح الدستوري ، و التي جاءت على الشكل التالي:: "
- تقوية مكانة الحكومة ،عن طريق دسترة المجلس الحكومي ، وتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب.
توسيع صلاحيات البرلمان - -
- توسيع مجال الحريات وحقوق الإنسان، والتنصيص في التصدير على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ، مع دسترة سمو المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب على التشريعات الوطنية
- تعزيز استقلال القضاء ، وتعويض المجلس الأعلى للقضاء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وإحداث المحكمة الدستورية.
دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية -
التكريس الدستوري للجهوية الموسعة -
- - تقوية آليات المحاسبة والحكامة الجيدة ودسترة العديد من المؤسسات مثل"مؤسسة الوسيط ،المجلس الوطني للحقوق الإنسان ، هيئة المناصفة. "
ومباشرة بعد اكتمال حيثيات الإصلاح على المستوى المسطري و التطبيقي، انقسم الشارع المغربي بين مؤيد و معارض ، و أغلبية صامتة ( رغم إظهار السلطة السياسية أن هناك إجماعا عاما ) : بحيث ذهبت البنيات السياسية الرسمية المحافظة ، من أحزاب سياسية و النقابات التابعة لها الى تأييد هذا النهج الإصلاحي رغم "فوقيته " ، ووصفته " بالتاريخي " ، و اقتنعت انه قادر على نقل المغرب نقلة نوعية نحو الرسو الآمن في ميناء ديمقراطي ،دون أي تهديد للاستقرار و لاستمرار العمل المؤسساتي.كما اعتبره منظروها من اكادميين وغيرهم ، انه " تغيير في ظل الاستمرارية ".أما الطرف الثاني ، و الذي تمثل في أحزاب يسارية ، و حركات إسلامية ، و نخب علمانية مستقلة ، و بعض الفصائل الطلابية الراديكالية ، فقد عارضت هدا الخطاب الإصلاحي ، معتبرة اياه لا يرقى الى مستوى التغيير الحقيقي الذي نادى به الشعب المغربي ، و الذي كان سقفه الملكية البرلمانية ، ملكية تسود ولا تحكم ، كما جاء في الوثيقة التأسيسية لحركة 20 فبراير . اما الطرف الثالث ، فقد اتخذ موقف الحياد ، و قرر عدم دخوله في احتكاكات مع السلطة ، و اختار استراتيجة " الملاحظة من بعيد " ، و الانتظار و الترقب بما ستؤول له الأوضاع في تلك الفترة .و تشكلت هذه الفئة من اتجاهات غير مسيسة ، إضافة الى نخب ربطتها علاقة مصاهرة قديمة مع السلطة السياسية .
وبما أن هدف أي إصلاح هو الانتقال من وضع الى وضع أحسن ، أي تغيير سياسي حقيقي ، و الدفع بعجلة الديمقراطية الى الأمام ، وبعد الإصلاحات الدستورية الأخيرة التي تبناها المغرب ، آو ( فرضها السياق الإقليمي ) يبقى السؤال مطروحا : هل فعلا هذا الإصلاح استطاع أن يؤسس لانتقال ديمقراطي أم انه جعل الديمقراطية مؤجلة إلى وقت آخر ؟
إن تأسيس لمرحلة ديمقراطية في المغرب ، يمكن ان يتضمن العديد من الخطوات ، تبدأ باضمحلال ملامح الممارسة السلطوية ، و بزوغ ديمقراطية حديثة ، و ترسيخها على مستوى الفكر و الممارسة.
فقد ذهب العديد من الباحثين في مجال الدراسات الديمقراطية الى اعتبار أن عملية التحول الى الديمقراطية تمر عبر ثلاثة مراحل: المرحلة الأولى و هي مرحلة التحول الى الليبرالية التي تضمن قدرا كافيا من حقوق الأفراد و الحريات ، و تسمح بهامش كبير من المشاركة الفعلية – و ليس صورية – في اتخاذ القرار ، و التداول على السلطة.أما المرحلة الثانية ، فهي مرحلة " التحول الديمقراطي " ، التي تتجاوز المرحلة الأولى ( المرحلة التحول الى الليبرالية ) الى إصلاحات سياسية و دستورية . و أخيرا مرحلة ثالثة اطلقوا عليها اسم " مرحلة الترسيخ الفعلي للديمقراطية كممارسة حقيقة ، بعد خروجها من عباءتها النظرية..
وفي سياق حصيلة نتائج الإصلاح الدستوري الأخير ، يتضح ان الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي يزداد تأزما : فسياسيا فشلت الحكومة ( باعتبارها إفرازا لهذا الإصلاح ) في تدبير مجموعة من الملفات الشائكة منها محاربة الفساد و التي اكتفت بإجراءات سطحية كنشر لوائح المستفيدين من مقالع الرمال ، منتظرة الضوء الاخظر من الدوائر العليا للقرار نظرا لعدم توفرها على تجربة في تدبير الشأن العام...و اقتصاديا يعيش المغرب ركودا اقتصاديا خطيرا بعد تفاقم الأزمة على الشريك الاروبي ، مما اضطر الحكومة الى التوجه الى جيوب المواطنين ( الزيادة في أسعار المحروقات...) لسد الخصاص .أما على المستوى الاجتماعي ، تموقع المغرب في أخر سلم الترتيب في عدة مجالات كالتعليم و الصحة و الدخل الفردي...كما تفاقم نسبة البطالة بشكل كبير ، طبقا لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط...وفي المقابل حقق المغرب و طبقا لبعض التقارير الدولية ازديادا مهولا في مقارباته الأمنية اتجاه الحركات الاجتماعية ، و تدهور مستوى حقوق الإنسان طبقا لمجموعة من التقارير الدولية ( تقرير هيومن رايت ووتش الاخير (....
كل هذا جعل المواطنين المغاربة ، و المتتبع للشأن السياسي المغربي ، يقف وقفة متأمل و متسائل في نفس الوقت عن مادا حققت الإصلاحات الدستورية لسنة 2011 على مستوى الممارسة – و ليس الخطاب - ،و عن ماهية المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها للأخد بالخطاب الرسمي الذي يذهب بالقول أن المغرب حقق انتقالا ديمقراطيا ، و دحض الأطروحة المضادة ( أطروحة المعارضة : حركة 20 فبراير ) التي تقول أن المغرب يقوم بإعادة إنتاج نفس البني السياسية السلطوية ، فقط بآليات و أساليب جديدة.......
فضيل التهامي
باحث في العلوم السياسية
بعد وصول الملك محمد السادس الى الحكم ، نهج المغرب خطابا سياسيا إصلاحيا ، عبر عدة محطات تاريخية ، تبنى من خلالها إصلاحات هيكلية : سياسية ، اجتماعية ، اقتصادية ( حسب تصور الفاعلين السياسيين الرسميين ) ، أكدت مدى رجاحة أطروحة الإصلاح من داخل النسق السياسي ، و إبعاد اي تغيير راديكالي للبنى السياسية و الاجتماعية و الاقتصادية القائمة..
وقد تجسد الخطاب الإصلاحي في المؤسسة الملكية بالدرجة الأولى كفاعل أساسي في الحقل السياسي المغربي ، من خلال الخطب الملكية الموجهة الى الشعب المغربي ، و التي استعملت فيها عدة مفاهيم تحوي دلالات إصلاحية من قبيل : التأهيل الشامل ، الإصلاحات الجوهرية ، الإصلاحات العميقة ، التحديث الاقتصادي و الاجتماعي ، التأهيل السياسي... لتتعدد مواضيع و مجالات الإصلاح ، و لتصبح عبارة عن سلسلة من الحلقات الدائرية ، التي شملت ميادين السياسية و الاقتصاد و الاجتماع ، و حتى الدين...وقد كان أخرها الإصلاحات الدستورية لسنة 2011 ، و التي جاءت في سياق مختلف عن باقي الإصلاحات السابقة ( سياق " الربيع العربي " ) ، بحيث طل الملك محمد السادس في خطاب 9 مارس ، واضعا بذلك المرتكزات السبعة للإصلاح الدستوري ، و التي جاءت على الشكل التالي:: "
- تقوية مكانة الحكومة ،عن طريق دسترة المجلس الحكومي ، وتعيين رئيس الحكومة من الحزب الذي تصدر انتخابات أعضاء مجلس النواب.
توسيع صلاحيات البرلمان - -
- توسيع مجال الحريات وحقوق الإنسان، والتنصيص في التصدير على التزام المغرب بحقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا ، مع دسترة سمو المواثيق الدولية كما صادق عليها المغرب على التشريعات الوطنية
- تعزيز استقلال القضاء ، وتعويض المجلس الأعلى للقضاء بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية وإحداث المحكمة الدستورية.
دسترة اللغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى جانب العربية -
التكريس الدستوري للجهوية الموسعة -
- - تقوية آليات المحاسبة والحكامة الجيدة ودسترة العديد من المؤسسات مثل"مؤسسة الوسيط ،المجلس الوطني للحقوق الإنسان ، هيئة المناصفة. "
ومباشرة بعد اكتمال حيثيات الإصلاح على المستوى المسطري و التطبيقي، انقسم الشارع المغربي بين مؤيد و معارض ، و أغلبية صامتة ( رغم إظهار السلطة السياسية أن هناك إجماعا عاما ) : بحيث ذهبت البنيات السياسية الرسمية المحافظة ، من أحزاب سياسية و النقابات التابعة لها الى تأييد هذا النهج الإصلاحي رغم "فوقيته " ، ووصفته " بالتاريخي " ، و اقتنعت انه قادر على نقل المغرب نقلة نوعية نحو الرسو الآمن في ميناء ديمقراطي ،دون أي تهديد للاستقرار و لاستمرار العمل المؤسساتي.كما اعتبره منظروها من اكادميين وغيرهم ، انه " تغيير في ظل الاستمرارية ".أما الطرف الثاني ، و الذي تمثل في أحزاب يسارية ، و حركات إسلامية ، و نخب علمانية مستقلة ، و بعض الفصائل الطلابية الراديكالية ، فقد عارضت هدا الخطاب الإصلاحي ، معتبرة اياه لا يرقى الى مستوى التغيير الحقيقي الذي نادى به الشعب المغربي ، و الذي كان سقفه الملكية البرلمانية ، ملكية تسود ولا تحكم ، كما جاء في الوثيقة التأسيسية لحركة 20 فبراير . اما الطرف الثالث ، فقد اتخذ موقف الحياد ، و قرر عدم دخوله في احتكاكات مع السلطة ، و اختار استراتيجة " الملاحظة من بعيد " ، و الانتظار و الترقب بما ستؤول له الأوضاع في تلك الفترة .و تشكلت هذه الفئة من اتجاهات غير مسيسة ، إضافة الى نخب ربطتها علاقة مصاهرة قديمة مع السلطة السياسية .
وبما أن هدف أي إصلاح هو الانتقال من وضع الى وضع أحسن ، أي تغيير سياسي حقيقي ، و الدفع بعجلة الديمقراطية الى الأمام ، وبعد الإصلاحات الدستورية الأخيرة التي تبناها المغرب ، آو ( فرضها السياق الإقليمي ) يبقى السؤال مطروحا : هل فعلا هذا الإصلاح استطاع أن يؤسس لانتقال ديمقراطي أم انه جعل الديمقراطية مؤجلة إلى وقت آخر ؟
إن تأسيس لمرحلة ديمقراطية في المغرب ، يمكن ان يتضمن العديد من الخطوات ، تبدأ باضمحلال ملامح الممارسة السلطوية ، و بزوغ ديمقراطية حديثة ، و ترسيخها على مستوى الفكر و الممارسة.
فقد ذهب العديد من الباحثين في مجال الدراسات الديمقراطية الى اعتبار أن عملية التحول الى الديمقراطية تمر عبر ثلاثة مراحل: المرحلة الأولى و هي مرحلة التحول الى الليبرالية التي تضمن قدرا كافيا من حقوق الأفراد و الحريات ، و تسمح بهامش كبير من المشاركة الفعلية – و ليس صورية – في اتخاذ القرار ، و التداول على السلطة.أما المرحلة الثانية ، فهي مرحلة " التحول الديمقراطي " ، التي تتجاوز المرحلة الأولى ( المرحلة التحول الى الليبرالية ) الى إصلاحات سياسية و دستورية . و أخيرا مرحلة ثالثة اطلقوا عليها اسم " مرحلة الترسيخ الفعلي للديمقراطية كممارسة حقيقة ، بعد خروجها من عباءتها النظرية..
وفي سياق حصيلة نتائج الإصلاح الدستوري الأخير ، يتضح ان الوضع السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي يزداد تأزما : فسياسيا فشلت الحكومة ( باعتبارها إفرازا لهذا الإصلاح ) في تدبير مجموعة من الملفات الشائكة منها محاربة الفساد و التي اكتفت بإجراءات سطحية كنشر لوائح المستفيدين من مقالع الرمال ، منتظرة الضوء الاخظر من الدوائر العليا للقرار نظرا لعدم توفرها على تجربة في تدبير الشأن العام...و اقتصاديا يعيش المغرب ركودا اقتصاديا خطيرا بعد تفاقم الأزمة على الشريك الاروبي ، مما اضطر الحكومة الى التوجه الى جيوب المواطنين ( الزيادة في أسعار المحروقات...) لسد الخصاص .أما على المستوى الاجتماعي ، تموقع المغرب في أخر سلم الترتيب في عدة مجالات كالتعليم و الصحة و الدخل الفردي...كما تفاقم نسبة البطالة بشكل كبير ، طبقا لإحصائيات المندوبية السامية للتخطيط...وفي المقابل حقق المغرب و طبقا لبعض التقارير الدولية ازديادا مهولا في مقارباته الأمنية اتجاه الحركات الاجتماعية ، و تدهور مستوى حقوق الإنسان طبقا لمجموعة من التقارير الدولية ( تقرير هيومن رايت ووتش الاخير (....
كل هذا جعل المواطنين المغاربة ، و المتتبع للشأن السياسي المغربي ، يقف وقفة متأمل و متسائل في نفس الوقت عن مادا حققت الإصلاحات الدستورية لسنة 2011 على مستوى الممارسة – و ليس الخطاب - ،و عن ماهية المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها للأخد بالخطاب الرسمي الذي يذهب بالقول أن المغرب حقق انتقالا ديمقراطيا ، و دحض الأطروحة المضادة ( أطروحة المعارضة : حركة 20 فبراير ) التي تقول أن المغرب يقوم بإعادة إنتاج نفس البني السياسية السلطوية ، فقط بآليات و أساليب جديدة.......
فضيل التهامي
باحث في العلوم السياسية
#فضيل_التهامي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟