بين ميكيافليي و ماركس -القيمة الفردية العليا -

فضيل التهامي

الحوار المتمدن-العدد: 4160 - 2013 / 7 / 21 - 00:13
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

إن محاولة التطرق إلى نظرية القيم السياسية تدفعنا في أول الأمر إلى فكرتين أساسيتين: أولهما ا ن هاته النظرية تطرح إشكالا عميقا، وثانيهما في كونها حقلا مازال لم يتعرض له المفكرون و الباحثين بشكل واضح.
ولعل المجهود الفكري الذي بدله الباحثين لدراسة نظرية القيم السياسية، أعطى لنا رؤية شاملة لدراسة هاته القيم سواء من حيث التأصيل الفلسفي أو المفاهيم المؤطرة ، بل حتى محاولتهم التأصيل من منطلق المرجعية الإسلامية (توحيد الله وتنزيهه عن الطبيعة ) بشكل يعطي للاجتماع البشري صفته الإنسانية المتمثلة في المجتمع الحامل لقيم مشتركة.
فالحديث عن نظرية القيم السياسية يدفعنا إلى التأصيل و محاولة التطرق إلى نسق المدركات السياسية الجماعية، التي يقصد بها تلك المجموعة من المبادئ المرجعية التي توجه و تميز السلوك الإنساني، و تنتقل به من المستوى الفردي الخاص و من بعده اليومي و الزمني المحدود إلى السلوك الجماعي.
فهاته المرجعية تكون كأساس و محدد للقيم الجماعية التي تتحدد بها الأهداف الجزئية لحركة المجتمع الحضارية.
عموما فالقيم الجماعية باعتبارها الهدف الكلي و المطلق الذي على الجماعة أن تسعى لتحقيقه إلى أهداف جزئية , تنقل هدا الهدف من نظامه الجماعي إلى نظامه الفردي،أي ترجمة القيمة الجماعية إلى قيمة سياسية فردية ،التي تختلف على مستوى التصنيف إلى قيم تقيميه و أخرى نظامية و ثالثة وصفية.
ومن هنا سنقوم بالبحث و التنقيب عن القيمة الفردية العليا عند ماركس و ميكيافيلي من خلال قيمهما الجماعية ، باعتبارهما مفكرين يختلفا من حيث الحقبة الزمنية و المرجعية الفكرية و دلك من خلال استنطاق بعض المراجع المتعلقة بهدا الموضوع.
فماهي القيمة الفردية العليا عند ماركس و ميكيا فيل؟
لقد أدت الظروف التي عاشتها ايطاليا من تجزئة و تعاقب الأنظمة على حكمها,-;-وكذلك الظروف التي عاشها ميكيافلي نفسه إلى تبني منظومة القيم متعددة:-;-كقيمة الحب و الكراهية و الخوف-;-, وقيم دينية و أخلاقية.
إلا أن أعلى قيمة في نسق العلاقات التراتبية فيما بين هده القيم هي القوة-;-, وباعتبارها حسب ماكيافيل آلية في التعامل و أساس للشرعية السياسية، و أداة لتحقيق الوحدة.
في حين أن كارل ماركس جاء في نسق قيمه الجماعية "المساواة" كأعلى قيمة، و دلك من خلال إبراز العلاقة بين الظاهرة السياسية و الظاهرة الاقتصادية، وتتجلى هده القيمة حسب ماركس من خلال ملكية و سائل الإنتاج بعد الصراع مع البرجوازية و تحقيق ثورة البروليتاريا ، و الوصول إلى مرحلة الشيوعية كأعلى مرحلة لتحقيق هده القيمة العليا "المساواة" ، التي اعتبرت كتسوية للأوضاع الاقتصادية وليست مجرد تسوية للحقوق السياسية .

ومن هنا ساحاول ان أتناول في هذا المسار محورين أساسين الأول سأتطرق فيه إلى سيرة كل من المفكرين ميكيافلي و ماركس ، مبرزا الأفكار المؤثرة فيهما.
أما الثاني سأحاول أن أعالج فيه القيمة الفردية العليا لدى المفكرين ، مبرزا أن القوة هي أساس الوحدة عند ميكيافيل ، و معيار تحقيق المساواة عند ماركس .

1-ميكيافلي و ماركس :السيرة و المؤثرات الفكرية
1-1 ميكيافلي-;-
- سيرته :
ينتمي ميكيافلي إلى أسرة عريقة وغنية،-;-اشتغلت في السياسة ونفي جميع أفرادها من فلورنسا في 1260، لمدة قصيرة بعد الهزيمة في معركة مونتابوتو ، والدها هو بيرناردو وقد تزوج من بارتو ليميا نيلي وأنجب منها صبيان هما توتو ونيكولا وفتاتان هما جينيفيرا وبريمافيرا ، أما نيكولا فهو يحمل إسم جده الاكبر دون دي ميكيافلي .
فقد عاش حياته دفاعا عن مصلحة مدينة فلورنسا ، و حرية وطنه ايطاليا ، فتزامنت مرحلة شبابه مع فترة من فترات ازدهار و عظمة المدينة تحت سيادة لورنزو العظيم دي ميدتشي الذي دفع بالإبداع و العمارة إلي مستوى رفيع ، وتزامنت سنة التحاقه بالخدمة الحكومية 1498 مع سقوط حكم ال دي ميتشي ، و افول نجم الراهب سافونارولا الذي بسط هيمنته و نفوذه على الحياة العامة بفلورنسة خلال سنوات 1489- 1495 ، و استمر عمل السكرتير الفلورنسي نيكولا الى حدود 1512.
هذه السنة تم تسجيل عودة اسرة ال دي ميدتشي الى سدة الحكم ، و هي نفس السنة التي عرفت إقالته من منصبه ، لقد كان ميكيافلي طوال هذه المدة التي قضاها في خدمة جمهورية فلورنسه رجل المهمات الصعبة ، حيث اوفد في عدد كبير من البعثاث الديبلوماسية و العسكرية داخل ايطاليا و خارجها ، ابان فيها عن حنكته السياسية و درايته بشؤون الدولة و احوالها ،كما ساهم في العمل على اصلاح مؤسسة الجيش في مدينته و ذلك يتوليه عملية تشكيل و تجنيد الجيش من المنخرطين المتطوعين بهدف التخلص من آفة المرتزقة التي يحملها مسؤولية ضعف و انقسام ايطاليا.
- المؤثرات التي ترث فيه:
لقد أدت الظروف التي عاشها ميكيافلي من صراعات كبرى كانت فيها ايطاليا ممزقة و خاضعة لهيمنة فرنسا القوية و اسبانيا الموحدة ، بالإضافة إلى الصراع على الحكم بين اسرة ال ميدتشي الملكية و الجمهوريين بمدينة فلورنسا التي كانت مسقط راس ميكيافيل ، وقد تأثرت حياته بهاته التقلبات التي شهدتها المدينة خصوصا بعد دخول الجيش الفرنسي إليها و تعرضه للنفي ، فهاته الافكار التي جاء بها كانت بمثابة رؤية إصلاحية تسعى لتفسير أسباب الفساد السياسي ، مستعيا بأمثلة من التاريخ الروماني من اجل اجل توحيد ايطاليا و تكوين جيش وطني.
لقد تأثر ميكيافيل بمجموعة من الأحداث التي عاصرت صباه و شبابه من خلال الشخصية البارزة انداك هي شخصية لورنزو ال دي ميدتشي ، ثم خلفه في دلك سافونارولا الدي لا يقل أهمية رغم كونه من الرهبان الدومينيكان ، وقد مات لرونزو في عام 1492، و كان ميكيافيل انداك في 22 من عمره حين اعدم سافونارولا بعد ست سنوات.
إضافة الى أوضاع خاصة باطاليا تركت أثرا بالغا في نفسية ميكيافيل ، فقد جاء شارل الثامن الى ايطاليا عام 1494 متضاهرا بالرغبة في إعادة النظام الى بلاد مزقتها المنازعات الداخلية و الحروب ، و عندما انسحب منها في العام الموالي تركها في وضع اسوء من الفوضى كما كانت عليه في السابق.
كما ظهرت أحداث أخرى تاثر بها ميكيافيل تمثلث في الحرب التي نشبت في العام 1496 بين البابا الاسكندر السادس و بين اسرة الارويني ، و اغتال جيوفاني في بورجيا دوق غانديا في روما عام 1498، و كان الفرنسيون قد طردو من نابولي في عام 1495 ، و مات الملك شارل الثامن في السابع من نيسان عام 1498 ، ثم عادت أسرة ميدتشي الى الحكم ، و نفد الإعدام في خمسة من كبار مواطنها دون أن يسمح لهم بحق الاستئناف ، لينتهي عهد سافونارولا في عام 1498 نهاية شنيعة ، فقد نفد فيه حكم الإعدام شنقا في ساحة المدينة ، ثم في غضون شهر تلقى ميكيافيل بعد دلك التعيين في منصب مهم في مناصب الدولة.
وبعد وفاة البابا بوليوس الثاني في سنة 1913، أصبح الكاردنال جيوفاتي ال ميدتشي البابا الجديد باسم ليو العاشر ، و ليثم تدبير مؤامرة تورط فيها ميكيافيل و اعتقل ثم اطلق سراحه لعدم ثبوت اشتراكه في المؤامرة ، و ليقوم بكتابة رسالة الي قيتوري يصرح فيها انه يأمل في ال ميدتشي ان يطلبو خداماته عندما تستقر الامور ، لكن ما توقعه لم يحدت ، و قضى ميكيافيل الاتنتي عشر سنة التالية قي داره الريفية على مقربة من سان كاسيانو في صيعة صغيرة كانت ملكا لعائلته لوفت طويل.
كل هدهَ المؤثرات التي أثرت في فكر ميكيافيل ، جعلته يطرح مجموعة من التساؤلات كانت بمثابة إشكالية للإجابة عن تساؤلات عصره من خلال اغلب مؤلفاته ،" الأمير" ،" المطارحات "، "فن الحرب" و التي بين من خلالها على بعض الطرق المجدية للوصول إلى الحكم ، و كيفية ممارسته، ثم كيفية المحافظة عليه . فميكيافيل في معالجته لأمور السياسة ابتعد عن الخطاب السياسي اليوناني المفرط في المثاليات ، و الخطاب الثيولوجي الكنسي ، و لتظهر مفاهيم في فكر ميكيافيل مثل مفهوم القوة و الدهاء.
2-1 كارل ماركس
- سيرته :
ولد كارل ماركس في مدينة تريف بألمانيا سنة 1818 ،من أب يهودي اعتنق البروتستانتية ، بعد أن تهدد مركزه بسبب قوانين معادية لليهود ، كان طالبا ذا نضوج فكري مبكر بشكل خارق ، انكب بشكل خاص على دراسة التاريخ و الحقوق و الفلسفة ، تأثر بهيغل الذي كان يهيمن على الفكر الألماني ، بحيث اعتبر ماركس في صف الهيغليين اليساريين المنشقين على اورتودكسية المعلم.
فقد عمل ماركس بالسياسة مند صغره ، و هو نحو التلاثين من عمره بالاشتراك مع انجلز في كتابة أهم اعماله "البيان الشيوعي " "و الرأسمال " ، و هما في شكلهما النهائي نتاج مشترك لهما و يتضمنان أهم أفكار ماركس ، هدا بالإضافة إلى " الاديولوجيةالالمانية" ، " و الصراعات الطبقية في فرنسا " ، فضلا عن انفراد ماركس بنشر العديد من الأبحاث و المؤلفات في كافة المجالات الفلسفية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية ، و لعل أهمها :"حول المسالة اليهودية "،" و مساهمة في نقد فلسفة القانون عند هيغل" ، "و الاقتصاد السياسي" ،" و الفلسفة و العائلة المقدسة" و" تاريخ المذاهب الاقتصادية" .
-مؤثراته الفكرية
تأثر كارل ماركس بالفلسفة الألمانية، خاصة منهجية هيغل في التحليل الذي يعتمد عل المادية المثالية ، بمعنى أن الفكر هو الذي يحدد الواقع ، هده الهيغلية المقلوبة " المادية الجدلية " الذي أسقطها ماركس على المجتمعات تكتمل في مادية تاريخية.
و من جهة أخرى تأثر كذلك بالثورة الفرنسية و على وجه الخصوص باشتراكية بابيف و سان سيمون ، الذي كان معجبا بالصناعة الحديثة حيث قرن الدخل بالعمل و اخضع الصناعة للتنظيم ، في حين أن فورييه دعا إلى تقسيم عائد الصناعة بين العمال و الرأسماليين ، فهؤلاء حاولوا القضاء على الاقطاع فاثرو على الفلاحين الدين احسو إحساسا واضحا بتغيير أحوالهم الاجتماعية.
وتاثر بافكار الاقتصاديين الانجليز ، خاصة ان العالم تحكمه قوتنين اقتصادية محددة ، اصافة الى ظروف انجلترا الدولة التي عاش فيها بعد نفيه من المانيا
كما اعتقد أن الأوضاع في ظل النظام الرأسمالي من حيث التصنيع يعتبر اكثر تدنيا مما ساد في المانيا ، مما جعله يعمم تحليله ليس فقط من واقع ألمانيا ولكن من الظروف السائدة في وقته.
2- القيمة الفردية العليا عند مكيافيل و ماركس
تتوفر كل جماعة سياسية على مدركات جماعية ، تتمثل في مجموعة من المبادئ المرجعية التي توجه سلوك الإنسان و تنتقل به من السلوك الفردي الى سلوك الجماعة ، من ماضيها الى مستقبلها ،فهاته المبادئ تتطور مع مرور الوقت لتصبح مصدر تماسك الجماعة ، ليتحقق تجانس في السلوكات و الوظائف الاجتماعية و الأهداف ، أي تكون نسق فكري يعبر عن تقاليد مجتمعية ، سياسية و واقع حضاري.
فهانه المدركات تنتج عنها قيم جماعية تتحدد بها الأهداف الجزئية لحركة المجتمع الحضارية ، لتتربع في أعلى نسق القيم لأي جماعة القيمة الفردية العليا التي تحدد وضيفة النظام السياسي في علاقته بالفرد في الجماعة ، وقد تتغير هده القيمة بحسب تغير و استقرار النظام السياسي.
أما فيما يخص القيمة الفردية عند ميكيافيل و ماركس و تبنيهما لمنظومة قيم مختلفة حسب مرجعيتهما الفكرية و مدركاتهم السياسية و كدالك الظروف التي عاشها.
فميكيافيل أدت الظروف التي عاشتها ايطاليا من تجزئة و تعاقب الأنظمة على حكمها ، و كذلك ظروفه الشخصية إلى تبني منظومة قيم متعددة ، كالقيم الدينية و الأخلاقية. إلا أن أعلى قيمة في نسق العلاقات التراتبية فيما بين هاته القيم هي " القوة " و باعتبارها حسب ميكيافيل آلية في التعامل و اساس للشرعية السياسية ، و أداة لتحقيق الوحدة ، في حين أن كارل ماركس جاء في نسق قيمه الجماعية " المساواة " كأعلى قيمة و دلك من خلال العلاقة بين الظاهرة السياسية و الاقتصادية.

1-1 القوة كأساس لتحقيق الوحدة عند مبكيافيل
لقد سلم ميكيافيل أن القوة هي أساس الشرعية السياسية ، وان النظم الموروثة لا تمثل مشكلة لان الحاكم قائم على أساس المشروعية و مشكلة الحاكم هو الاستمرار ، لكن الإشكال الأكبر يتضح في الإمارات الحديثة التي يجب أن تتحقق وحدتها السياسية من خلال القوة.فميكيافيل قد عبد القوة السياسية و النجاح السياسي ، و يرى أن السياسة تقاس مدى نجاحها بمدى استخدام القوة ، ليحرص على توعية الحاكم بان يعرف دائما على ما يجري من أمور تمكنه من ممارسة القوة السياسية ، و عليه فقد امن بالحاكم القوي الذي لا يستند إلى قيم أخلاقية او دينية و فصل الأخلاق عن السياسة.
و ارتباطا بقيمة القوة عند ميكيافيل ، و من خلال قراءة كتاب " الأمير " يتضح أن خطابه لا يقدم اكثر من برنامج سياسي ذي غيرة و وطنية ، فالفصل الأخير من الكتاب يتضمن دعوة ميكيافيل الصريحة لتحرير ايطاليا من البرابرة و يكشف عن الهوية الحقيقية للخطاب و صاحبه.
فكتاب " الامير " هو ادن هو دعوة الى تحرير ايطاليا ، و وحدتها ، و تقدمها و وحدثها السياسية في إطار دولة مركزية تم تقدمها باعتبار التقدم مقرون بالوحدة ، و دلك ما حصل في اسبانيا ، و يجب أن يحصل في ايطاليا من اجل قوتها و تقدمها ، هدا هو البرنامج المستعجل لميكيافيل و هدا ما يستقطب تاملاته السياسية.اضافة انه قدم و صيته لوطنه انطلاقا من كونه واحد من الانتلجنسيا الملتزمة بمصير و طنها ، انه يرهن و طنه و تقدمه و نهضته بوحدته العسكرية الداتية ( لا قوة المرتزقة . فهده هي الأمور التي تعلن عن نفسها عبر فصول الخطاب و تحدد البعد القطي لمشروعه السياسي ، يقول راندل : ( يجب الإشارة إلى وطنيته الايطالية ، و كراهيته للمؤامرات التي حاكتها البابوية في ايطاليا ، و تحرير جميع الايطاليين جميع الاهتمامات الدينية ، ساقته لان يبشر بفن في الحكم غايته الوحيدة قوة الدولة و توسعها و ازدهارها المادي...
فدور ميكيافيل كمفكر سياسي ورجل حركة هو أن يوجه الحكام ، وقد دهب الى القول أن المعرفة السياسية مهمتها تعليم الحكام فن الشر ، ولكنه في الحقيقة أراد تعليم الحاكم فن الحكم على اساس الواقع بما فيه من خير و شر ، فمن الأقوال المأثورة عن ميكيافيل : اعتقد أن الوسيلة الحقيقية لمعرفة الطريق إلى الجنة هي معرفة الطريق إلى جهنم ، حتى يمكن تلافي الأخير ".
فميكيافيل يرتبط أساسا بميدان التنظير للواقع و ميدان التفكير في سبيل القوة ، يقول ميكيافيل : لا تخرج جميع الحكومات و المماليك التي حكمت الجنس البشري في الماضي و التي تتولى حكمه الآن على أن تكون في احد الشكلين ، إما الشكل الجمهوري أو الشكل الملكي ... .
عموما أتت قيمة القوة في نسق العلاقات التراتبية فيما بين القيم الفردية لتضطلع بمهمة تحديد و وظيفة النظام السياسي و علاقته بالفرد في الجماعة و طبيعة الوظيفة الحضارية للأمة ، و ساهمت خبرة ميكيافيل التاريخية للجماعة في تبني إحدى القيم السياسية لتصبح قيمة فردية عليا ، فهاته القيمة الفردية العليا " القوة " بتبنيها ميكيافيل عبر التجربة تبناه معه نظامه السياسي كقيمة فردية عليا تسعى إلى الحفاظ على السلطة بجميع الوسائل .
2-2 معيار تحقيق المساواة عند كارل ماركس
لقد جاءت قيمة " المساواة " في نسق مدركات كارل ماركس كأعلى قيمة من خلال إبراز العلاقة بين الظاهرة السياسية والظاهرة الاقتصادية ، لتجعل كذلك مفهوم الكفاف الاقتصادي كأساس لديمقراطية السياسية ، ويتجلى دللك عبر صيرورة للوصول إلى تحقيق هاته القيمة الفردية العليا " المساواة " بدءا من ملكية وسائل الإنتاج بعد الصراع الطبقي و تحقيق ثورة البلوريتاريا وصولا للمجتمع الشيوعي كأعلى مرحلة لتحقيق هاته القيمة.
فقد ذكر كارل ماركس أن البرجوازية خرجت من النظام الإقطاعي كقوة ثورية ، و فرضت أفكارها على المجتمع و نظمه وفقا للتجارة الحرة و سيطرة المادة ،مما جعل الأسرة باعتبارها اساس الدولة كمجردة وحدة قائمة على العلاقات المادية الخالصة ، كما أن ملكية وسائل الانتاج تؤدي بالضرورة لخلق مصالح طبقية تعمل لموجب الطبقة المالكة لتلك الوسائل للسيطرة على الدولة و استخدامها كأداة لاستغلال الآخرين.
ليعتبر ماركس كذلك أن النظام الراسمالي يحوي في طياته بدور فنائه ، حيث قام بتجميع اليروليتاريا في المدن و اضطهادها و مراكمة فائض القيمة على حسابهم ، و ظهور تناقضات داخلية داخل هدا النظام (الراسمالي بفعل القوانين التي اعتبرها ماركس حتمية ، هاته القوانين تتجلى في تراكم الراسمال ، أي زيادة الغني من جانب البرجوازية و تركز راسمال بيد ايد قليلة من الطبقة البرجوازية مما يعرقل المنافسة الحرة و يلقي ببعض من صغار البرجوازيين إلى صفوف البروليتاريا نتيجة لعدم تحملهم المنافسة ، إلى جانب زيادة بؤس العمال و تضاعف قوتهم العددية ، و ليتحقق نجاح الصراع الطبقي بين الطبقة البرجوازية و الطبقة البروليتاريا ، يتوج امتلاك الاولى لوسائل الانتاج و تحقيق ثورة البروليتاريا ، و الوصول الى مرحلة الشيوعية التي تتحقق فيها قيمة " المساواة " ، فهده القيمة اعتبرت مجرد تسوية للأوضاع الاقتصادية ، و ليس مجرد تسوية للحقوق السياسية ، ومن ثم تظهر خصائص هاته القيمة الفردية العليا " المساواة ":
- هي حق للإنسان و بهدا المعنى لا تأتي بجديد ، و إنما تعبر عن التقاليد الامريكية .
-هي كذلك ليست مساواة مشكلة ، بل مساواة فعلية ، و هي ايضا لا تفعل سوى أن تردد افكار توكفيل .
- هي تصنف المساواة بأنها مساواة اقتصادية ، و تعني التسوية في الأوضاع التي تسمح بتمكين من ينتمي إلى تلك الأوضاع بالممارسة الفعلية ، دون أن يقتصر على مجرد التصريح للمواطن بالقدرة على الممارسة الشكلية ، و هدا هو الذي يعنيه الفقه اليساري بان المساواة يجب أن تكون اقتصادية ،و هدا يعني أن المساواة هي تسوية في المواقف و ليس تسوية في الحقوق.
فالمساواة لا يجب أن تكون مساواة حسابية ، فهي ليست عملية مادية تطبق بطريقة شكلية بغض النضر عن ظروف المواطن ، إنما هي مساواة ذاتية و كل شخص له ظروفه،
فما تصيغه الفلسفة الماركسية هو أنها تجعل من مفهوم الكفاف الاقتصادي شرطا لازما للديمقراطية السياسية ، بحيث انه دون توفر هدا الحد الأدنى تصير قيمة المساواة مجرد حقيقة شكلية.
3- خلاصة:
بما أن القيم السياسية هي إطار فكري يغلف الأهداف المباشرة للحركة السياسية ، و تعبر عن وحدة الثراث الإنساني فيما يمثله من مدركات و نظم و تقاليد ، و بالرغم من التباين و الاختلاف في نسق هده المدركات باختلاف المرجعيات ، فان لكل من " القوة " عند ميكيافيل و قيمة " المساواة " عند ماركس عبرا عن قيمهما الجماعية باعتبارها أهداف ، سعا كل من المفكرين لتحقيقها .فميكيافيل يتبنى صمن منظومة قيمه قيمة" القوة" لتحقيق وحدة بلده ، في حين أن كارل ماركس تبنى قيمة" المساواة" لتحقيق مجتمعه المنشود " الشيوعي " ، رغم اقتصاره في تحقيق هده القيمة على الجانب الاقتصادي دون تحقيق الحرية السياسية حسب المفكر حامد ربيع ، في حين أن التداخل وارد في النظرية الماركسية بين الجانب الاقتصادي و السياسي .

ثالثا: المراجع المعتمدة:
- 1 - سعيد خالد الحسن، علم الاجتماع، مقدمة تجاوزيه، منشورات مؤسسة خالد الحسن مركز الدراسات و الأبحاث .
- 2- سعيد خالد الحسن، مدخل تمهيدي لدراسة نظرية القيم السياسية ( نسق المدركات الجماعية ) بدون نشر، وليس للتداول.
- 3 -;--;--;-حورية توفيق مجاهد ، الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده ، دار النشر مكتبة الانجلو مصرية , الطبعة الثانية 1992.
-;- 4 - جوك جاك شوفالييه ، المؤلفات السياسية الكبرى ، من ميكيافلي إلى أيامنا ، ترجمة الياس مرقص ، دار الحقيقة بيروت الطبعة الأولى 1980.
-;- 5 - نيقولا ماكيافيلي ، المطارحات ، ترجمة خيري حماد ، منشورات دار الأفاق الجديدة بيروت ،1983.
-6 -كمال عبد اللطيف، "خطاب الحظ و القوة" ،مجلة الفكر العربي المعاصر، مركز الإنماء القومي،بيروت عدد24 ،1983.
-7 - نيقولا مبكيا فيلي ،"الأمير" خطاب في فن تدبير الحكم ، تعريب خيري حماد، بيروت الأفاق الجديدة ، الطبعة الاولى 2004.
8 - عصمت سيف الدولة، نظرية الثورة العربية ، "الأسس" ، دار المسيرة، بيروت الطبعة الأولى 1970.
-;- 9- حامد ربيع ، محاضرات في النظرية السياسية، بدون نشر و ليست للتداول.



فضيل التهامي
باحث في القانون الدولي العام و العلوم السياسية
المغرب

#فضيل_التهامي (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات