أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - فضيل التهامي - موقف الحسن الثاني من عدم تنفيذ اتفاقية تسوية الحدود المغربية الجزائرية ( اتفاقية 9 شتنبر 1961)















المزيد.....


موقف الحسن الثاني من عدم تنفيذ اتفاقية تسوية الحدود المغربية الجزائرية ( اتفاقية 9 شتنبر 1961)


فضيل التهامي

الحوار المتمدن-العدد: 4154 - 2013 / 7 / 15 - 19:02
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


الدراسة البحثية :
موقف الحسن الثاني من عدم تنفيذ اتفاقية تسوية الحدود
المغربية الجزائرية ( اتفاقية 9 شتنبر 1961)
الموضوع :
منذ احتلال منطقة المغرب الكبير، عمدت الدول الاستعمارية إلى خلق مشاكل حدودية بين هذه الدول، ولم يسلم المغرب والجزائر من هذه المشاكل، بحيث أن فرنسا وبعد دخولها للمغرب والجزائر عمدت إلى تقسيم أراضي التابعة للتراب المغربي وإلحاقها بالجزائر.
وفي هذا السياق قامت الحكومة المغربية (الحسن II) والحكومة الجزائرية المؤقتة (فرحات عباس) إلى عقد اتفاقية لتسوية الحدود المغربية الجزائرية (9 شتنبر 1961). فقد نصت هذه الاتفاقية على أن المغرب سيساند الشعب الجزائري في معركته ضد الاستعمار، والدفاع على وحدته الوطنية، وسيعارض أي تقسيم للتراب الجزائري، وبالمقابل تعترف الحكومة الجزائرية بأن مشكلة الأراضي التي أقرت فرنسا حدودها بصفة جائرة سيوجد لها حلا بواسطة المفاوضات بين الطرفين لكن بعد استقلال الجزائر ظهرت مجموعة من التطورات على أرض الواقع، بحيث قامت الحكومة المغربية بمطالبتها بتنفيذ الاتفاقية المبرمة بين الجانبين، لكن تعذر عليها ذلك، بسبب تغير المواقف الجزائرية التي أصبحت ترى أن الاتفاقية المبرمة لم تعد صالحة، وبالتالي أقرت الجزائر بأن المغرب تجاهل مجموعة من الحقائق باعتبار أن الحقوق التاريخية لمغربية الأراضي قد تجاوزها الزمن، إضافة إلى أن منظمة الوحدة الإفريقية اعتمدت مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستعمار...
بعد أن أصبحت الجزائر تتمسك بالأراضي التي تركتها فرنسا باعتبارها الحدود الأصلية، متجاوزة الاتفاقية المبرمة ليتشبث المغرب بدوره بحقه التاريخي في الأراضي المقتطعة.
من هنا برز بشكل جلي هذا النزاع ، خصوصا بعد هجوم القوات الجزائرية على مناطق تابعة للتراب المغربي (الصحراء الشرقية) ليدفع الحسن الثاني إلى إرسال برقية إلى بن بلا : يقول ".... ونضيف أن المغرب على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات، وجميع الأوضاع بجميع الوسائل اللازمة." لتتطور الأوضاع وتنشب ما سمي بحرب الرمال.
فإلى أي حد كان موقف الحسن II صائبا ؟ وهل كانت أمامه خيارات أخرى ؟.
ستنطلق هذه الدراسة من فرضية مفادها أن الموقف الذي اتخذه الحسن II لم يكن في محله من جانب، بحيث اثر على العلاقات المغربية الجزائرية لينتقل التأثير إلى وحدة المغرب العربي، وبالتالي وضع عائق أمام بناء الوحدة المغاربية، ومن جانب آخر كان موقفه ضرورة ملحة، وهذه الأخيرة نابعة من الدستور المغربي، الذي ينص في الفقرة الأخيرة من الفصل 19 ( هدا الفصل الذي استنسخ في الفصلين 41 و 42 من دستور 2011 ) أن الملك هو : "الضامن لاستقلال البلاد وحوزة المملكة في دائرة حدودها الحقة ليعطي للصراع أبعاد أعمق من هذا كان سببه الاختلاف الاديولوجي للنظامين، لأن العالم في تلك الفترة كان عالما ثنائي القطب، فإن المغرب القوي بدولته وشرعية التاريخية، وكقوة إقليمية، ذات توجه ليبرالي، اصطدم بالجزائر ذات التوجه الاشتراكي التي أصبحت تتطلع إلى الزعامة والقيادة في المنطقة المغاربية.
ومن هنا يمكننا أن نطرح مجموعة من الأسئلة الفرعية نحاول من خلالها الإجابة على الإشكال المطروح.
1- ما هي بوادر بروز هذا الصراع ؟
2- ما هي الخلفيات الفكرية والسياسية التي أطرت موقف الحسن II ؟
3- ما هي أبعاد التي خلفها هذا النزاع ؟

أولا : بوادر بروز النزاع المغربي الجزائري :
منذ القرن الرابع عشر، بدأت منطقة المغرب العربي تتعرض للتجزئة اثر الهجمات الأيبيرية على سواحله، خصوصا منها الاحتلال البرتغالي لشواطئ المغرب، ثم الاسباني فيما بعد، كما أن الاستعمار العثماني زاد من تعميق هذا التقسيم، وذلك بتقنينه للحدود في مفهومها السياسي. الشيء الذي ترتب عنه تمزيق الوحدة الوطنية للمغرب العربي وأبعد الاندماج بين مكونات هذا القطر العربي.
وعلى أساس هذه التطورات، ركز المغرب على ضرورة وحدته الترابية، تلك الوحدة التي لم تستطع الدول المتعاقبة على حكم المغرب (الدولة المرينية، الدولة الوطاسية) أن تحافظ عليها بسبب الصراعات الداخلية والخارجية. وضمن هذا السياق المتسم بتمزيق الإطار الجغرافي للمغرب العربي، سلكت السياسة الاستعمارية الفرنسية في الجزائر منذ أواسط القرن 19 منهجية الاقتطاع والضم، وبمحاولة منها (فرنسا) خلخلت توازنات دول المغرب العربي، محاولة بذلك زرع بذور الصراع على المدى البعيد، بحيث عمدت إلى اقتطاع بعض الأراضي المغربية وإلحاقها بالجزائر.
فقد كانت هناك خلفيات وأبعاد إستراتيجية، دفعت فرنسا لتنهج هذه السياسة (سياسة الضم) معتبرة أن الجزائر ستظل تحت سيطرتها، بل أبعد من ذلك اعتبرتها مقاطعة تابعة للأراضي الفرنسية، وان كل اقتطاع من أراضي المغرب وضمها للجزائر ستصبح أراضي تابعة لها، في حين كانت تدرك أن المغرب سيستقل يوما، لتعطي المقاومة المغربية أكلها ويستقل المغرب سنة 1956، وليظل يساند المقاومة الجزائرية بكل الوسائل. وقد كانت فرنسا تقترح على المغرب بين الفينة والأخرى، تسوية مشاكله الحدودية مع الجزائر، إلا أنه كان يرفض الخوض في الموضوع، مرجئا ذلك حتى حصول الجزائر على استقلالها. بعد ذلك يمكن تسوية خلافهما الحدودية بطريقة ودية. في سياق محاولة المغرب استكمال وحدته الترابية، طالب الحكومة الجزائرية تسوية مشكل الحدود بتنفيذها لمقتضيات الاتفاقية المبرمة بين الحسن II وفرحات عباس (رئيس الحكومة المؤقتة أنداك) (2/9/1961) – اتفاقية سرية طفت بعد حرب الرمال 1963) لكن هذه الأخيرة طالبت الإمهال بعض الوقت إلى حين تخلصها من الاستعمار...
وبعد الإعلان عن استقلال الجزائر 5/7/1962 واصلت الحكومة المغربية مطالبتها للمسؤولين الجزائريين بهدف الإسراع بفتح مفاوضات حول الموضوع الحدودي، وتكررت هذه المطالب في عدة مناسبات، كاللقاء الذي جمع الحسن II بالرئيس بن بلا خلال مارس 1963، إلا أن الرد الجزائري الدبلوماسي جاء منافيا لالتزامات الجزائر اتجاه المسألة الحدودية مع المغرب، وذلك بتسويتها مباشرة بعد الاستقلال.
وفي هاته الفترة (فترة بن بلا) حاولت الحكومة الجزائرية إفراغ المطالب المغربية من مشروعيتها رغم وجود أدلة دامغة بحق المغرب في أرضه، لتلجأ الجزائر إلى وضع تبريرات لإخلالها بتنفيذ مقتضيات الاتفاقية : كالظروف التي أبرمت فيها الاتفاقية باعتبارها ظروف خاصة، وأن الحكومة المؤقتة لم تكن تمارس سوى اختصاصات محدودة، لتتمادى في إعطاء تبريرات أخرى معتبرة أن المجلس الوطني للثورة الجزائرية لم يصادق على هذه الاتفاقية.
ومن هنا يتضح أن الجزائر كانت لها إستراتيجية واضحة بحيث اعتمدت سياسة منع الوعود والإمطال في الوفاء بالتزاماتها لمنع المغرب في الدخول في مفاوضات مباشرة مع فرنسا على حسابها – فربما قد كان المغرب سيسترجع على الأقل جزء من أرضه – الشيء الذي لم يخدم هذه الأخيرة التي ورثت جزائر أخرى غير التي كانت قبل الاستعمار الفرنسي.
وفي هذا السياق أدرك الحسن II أن الجزائر غيرت موقفها بتملصها من تنفيذ الاتفاقية، وأصبحت تتمسك بالحدود المورثة عن الاستعمار معتبرة إياها الحدود الشرعية للدولة الجزائرية. ومن جهته فالمغرب أيضا ضل يتمسك بأطروحة الحق التاريخي لمغربية الأراضي المغتصبة.

ثانيا : الخلفيات الفكرية والسياسية للحسن II
إن الخلفيات الفكرية والسياسية للحسن II كانت تختلف على حسب الوضع السياسي القائم، والمحدد للنزاع، فحينما كانت الجزائر تحت الاستعمار وتتلقى الدعم الرسمي والشعبي من المغرب، برزت خلفية الحسن II الوحدوية وهي من بين الأسباب التي جعلته يوقع على هذه الاتفاقية، وظهر هذا جليا من خلال خطبه وندواته، في حين تغيرت هذه الخلفية بعد تغير الموقف الجزائري من قضية تسوية الحدود، وظهرت لديه خلفيات سياسية، خصوصا بعد الهجوم الجزائري على الأراضي المغربية والتي حملت طابعا دستوريا دفعته إلى تبنى استراتيجية الدفاع على حوزة الوطن.
أ‌- الخلفيات الفكرية للحسن II التي جعلته يوقع على الاتفاقية.
بعد جلاء المستعمر من أقطار المغرب العربي، تبنت الدول المستقلة مفهوم الوحدة المغاربية، عبر خطاباتها السياسية، إيمانا بأن هذه الوحدة ستفضي إلى الاندماج المغاربي وخلق التوازنات الاقتصادية والسياسية بالمنطقة، ووصولا إلى تفادي كل الصراعات بين مختلف هذه الدول.
وفي هذا السياق ومن خلال الخطب واللقاءات والندوات الحسن الثاني، ظهرت أبعاده وخلفياته الوحدوية التي جعلته يوقع على اتفاقية تسوية الحدود مع الجزائر سنة 1961. فما هو مضمون هذه الخطب الملكية ؟ وما هي ثوابتها؟.
إن القراءة المتأملة لخطب وندوات الحسن الثاني من 1961 (توقيع الاتفاقية التسوية) إلى 1989 (تاريخ توقيع على اتحاد المغرب العربي) توحي أنها تتمثل حول ثلاث ثوابت :
- حتمية الوحدة المغاربية.
- وجود عائق للوحدة المغاربية.
- إجرائية بناء الوحدة المغاربية.
وسنحاول أن نفصلها تباعا لنصل إلى خلاصات :

1- حتمية الوحدة المغاربية :
إن وحدة المغرب العربي في المنظومة الفكرية الملكية، ليست فقط مسألة مبدأ، أو مطلبا عصريا يفرضه منطق أواخر القرن 20، منطق التكتلات الاقتصادية الجهوية والدولية، وإنما هي إيمان راسخ ومعتقد ومقدس "إن بناء المغرب العربي ليس فقط من أهدافي الرئيسية ولكن هدفي الأسمى ..."
والظاهر من هذه الحتمية الوحدوية في فكر الحسن الثاني قد أملتها جملة من الأبعاد :
- البعد التاريخي : تاريخيا، فالوحدة متلاحمة مع الذات المغربية مند القدم، مند عهد الدولة الموحدية، أما حاضرا فهي في تصور الحسن الثاني تواصل بين الماضي والحاضر، واستمرار المد الوحدوي الذي عرفته شعوب المنطقة إبان فترة الاحتلال العسكري الفرنسي حين وحدت ونسقت حركات التحرير المغاربية جهودها السياسية والعسكرية... فهي عمل يصل بين الماضي والحاضر يدخل في نطاق ما دأب عليه أسلافنا من قبل، و يتم ما بدؤوه، ويصل ما انقطع بحكم الظروف والملابسات التي منيت بها بلدان المغرب العربي.
- البعد الاقتصادي : إلى جانب المحدد التاريخي، يمكن أن نلمس بعد آخر في فكر الحسن الثاني وهو البعد الاقتصادي، ولهذا البعد حضور واضح داخل النسق الفكري العام للملك، وارتكازا على ذلك دعا الحسن الثاني إلى إنشاء تكتل اقتصادي مغاربي لتجسيد مشروع حضاري... "دعونا إلى توحيد جهود بلدان مغربنا العربي، وإلى إنشاء تكثلات جهوية وإقليمية على غرار ما حدث في أوربا..." فاقتناعنا بهذه الضرورة هو الذي يبعث في نفوسنا مند استقلالنا الثقة، بجدوى إخراج المغرب العربي من حيز التفكير إلى حيز الوجود".
- البعد البشري-الجماهيري : بالإضافة إلى المحددين السابقين يمكن أن نرصد بعد آخر لحتمية الوحدة المغاربية في فكر الحسن الثاني، وهو البعد البشري الذي ظهر من خلال قول الملك : "فهذا العنصر هو محور الوحدة المغاربية المرتقبة... وعلى كل حال، فإن إقامة المغرب العربي أمر حتمي ليس فقط على الصعيد الاقتصادي أو التجاري أو الصناعي ولكن على الصعيد الإنساني...".
2- وجود عائق للوحدة المغاربية :
إن المتفحص في الخطب الملكية يلاحظ أن الحسن الثاني، لم يقف فقط عند التأكيد على حتمية الوحدة المغاربية، أبعادها المحددة، بل تعداه إلى تحليل العوامل الحائلة دون انجازها.
وفي هذا السياق السبب الوحيد الذي أكده الحسن الثاني عدة مرات في إحباط هذه الوحدة هو ما سماه بعدم التماثل الأنظمة الاقتصادية لدول المنطقة، وهو يلوح إلى الجزائر الذي أصبح نظامها موجها، بحيث تفصلها هوة عميقة بين دول المنطقة، بحيث شكلت هذه القطيعة على مستوى الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية عقبت أمام تقدم المسار الوحدوي المغاربي.
"مشكلة المغرب العربي هي مشكلة الجزائر، هي التي لها نظام اقتصادي خاص عن أنظمة دول المغرب العربي، وعلى هذا نجد هوة بين الطرف الشرقي والطرف الغربي، تلك الهوة هي الجزائر بنظامها الاقتصادي التجاري، والاجتماعي. وما دامت هذه الهوة موجودة فأعتقد شخصيا بأنه لا يمكن التفكير جديا في بناء المغرب العربي...".
لكن ما العمل هل نحن مضطرون إلى الانتظار إلى حين تتجانس أنظمة المنطقة ؟
3- إجرائية بناء الوحدة المغاربية :
إن وعي الحسن الثاني بالإشكالية الوحدوية، تتأكد من خلال انتقاله من طرح عائق الوحدة إلى البحث عن كيفية تنفيذها.بحيث قال الحسن الثاني (أنا اعتقد شخصيا أن المغرب العربي الكبير هو ضرورة من الضرورات ولكن المشكل في المغرب العربي الكبير هو المشكل نفسه بالنسبة للدول العربية، ذلك نريد أن نبني وحدة ولكن ننسى القواعد الضرورية التي يجب أن تتوفر للوصول إلى بناء تلك الوحدة، وهي الضرورة، هي شرط صحة لا شرط وجوب...).
ورغم هذا العائق الموضوعي الذي رصده الحسن الثاني في الاختلاف العميق بين الاختيارات الاقتصادية والاجتماعية لدول المنطقة، فإنه يؤكد على أن هذه الثغرة لا يمكن أن تحول دون الشروع الفعلي في بناء المغرب العربي اقتصاديا وعلى مراحل.
(لا أضن أننا بإمكاننا أن نعتبر انطلاقا من اختلاف الأنظمة انه من المستقبل القيام بشيء بسبب هذا الاختلاف، مثلا لا يعوقنا من إنشاء برلمان مشترك يرأسه بالتناوب المغربي الجزائري... حقا هناك تغرة تتجلى في التباين الموجود على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي بالنسبة للنظام الجزائري الموجه، إذا ما قورن بالنظام المغربي أو التونسي، وإذا هناك ثغرة فينبغي العثور عليها في هذا المجال، لا في تباين الحكومات، أي العثور عليها في تباين أسس الاقتصاد أو حتى في هذا الباب يمكننا أن نشرع في مهمتنا على مراحل وإلا نبعث تسوية المستحيل، بل تحقيق الممكن مرحلة تلو مرحلة، وخطوة تلو خطوة.)
- لكن من أين تكون بداية هذه الوحدة ؟ هل من الجانب الاقتصادي أو السياسي ؟
يجيب الحسن الثاني : "إذا أردنا الحديث عن الوحدة التنظيمية للمغرب العربي... فإنه من الضروري التفكير في الروابط الاقتصادية، قبل التفكير في الروابط التنظيمية التي يؤدي إلى الوحدة السياسية..."
إن الأولوية هنا يرجعها الحسن الثاني إلى البناء الوحدوي الاقتصادي، تم يليها مرحلة البناء السياسي.
ورغم هذه الأولوية الاقتصادية إلا أن الحسن الثاني يطرح الأساس التوفيقي لتدويب الفوارق بين النظامين المغربي والجزائري باعتبارهما نظامين غير مكتملين.
وبناء على ما تقدم يمكننا أن نخلص إلى :
_إن قضية وحدة المغرب العربي في فكر الحسن الثاني هي معتقد ثابت ومقدس لا يمكن التنازل عنه وأن إيمان الملك بهذه الوحدة جعله يبدل جهد في تحقيق التضامن والتعاون مع الجزائر، والدليل على ذلك المساندة الرسمية والشعبية للجزائر في مقاومتها للمستعمر الفرنسي ورفضه التفاوض مع فرنسا قبل استقلال الجزائر لتسوية مشكل الحدود.
_إن بروز مفهوم الوحدة المغاربية في فكر الحسن الثاني،كانت هي الأساس باعتبارها الانطلاقة التي تؤسس لاندماج مغاربي اقتصاديا، سياسيا، اجتماعيا.

ب‌- الخلفيات السياسية للحسن الثاني :

في الوقت الذي أبدى فيه الحسن الثاني نيته مع بن بلا، باعتبار أن الجزائر لا يمكن أن تتنصل من التزاماتها اتجاه المغرب فيما يخص مشكل الحدود خصوصا بعد المساندة الرسمية والشعبية للمقاومة الجزائرية.
تتلاحق الإنباء الواردة من الجزائر بشن الحكومة الجزائرية حملة تشهير وقذف على المغرب متهمة إياه بدعم ثورة القبائل الجزائرية وبالسعي بإخلال التوازن داخل البيت الجزائري.
وتعامل الحسن الثاني مع هذه الاتهامات بتعقل ورزانة سياسية لتفادي نشوء الصراع بين الدولتين واحتواء الأزمة، يتم التوصل إلى بلاغ مشترك أطلق عليه بلاغ الوفاق . ينص به عدم التدخل في شؤون بعضهما.
في هذه الظروف استيقظ المغرب على مهاجمة الجيش الجزائري غدرا لمركزي "حسي بيضا" و"تنجوب" على الحدود المغربية الجزائرية، ولم يكن حولهما نزاع، بل كانا خاضعين للتراب المغربي.
وبعد هذا الهجوم عقد الحسن الثاني مؤتمر بمراكش بين فيه ظروف هذا الاعتداء فقال : "لم يترك المهاجمون الجزائريون للمغاربة الموجودين بالمركزين المعتدى عليهما أي حظ للخروج قبل قصفهما واحتلالهما وفعلوا ذلك بدون إشعار مسبق..." وأضاف أيضا :"أمام هذا الهجوم الغادر لم يكن لدي سوى خيارين : أن يتسم رد فعلي بالقلق والانفعال أو بالتعقل والاتزان ووضعت راسي بين يدي متسائلا : من المستفيد من هذه الجريمة ؟ هل يعقل أن يعمد بن بلا إلى القيام بهذا الهجوم وتعلن لنفسه مشاكل خطيرة وهو يعاني من مشاكل داخلية".
ويتضح من خلال هذا المؤتمر أن الحسن الثاني وضع أمام خيارين إما أن يبادر بالرد أو يتزن، ويحاول معرفة من المستفيد من هذا الهجوم، خصوصا أن الجزائر كانت تعتبر صراعات داخلية على السلطة وان اتخاذ الخيار السريع (الحربي) قد يؤدي إلى إدخال العلاقات المغربية الجزائرية خندق ضيق قد يؤدي إلى خلخلة التوازنات في منطقة المغرب العربي.
وقد تكررت الهجومات مرة أخرى، وهذه المرة على مركز "إش" ليصل الأمر إلى الجزائر إلى استعراض عضلاتها داخل التراب المغربي مخترقة السيادة المغربية. الشيء الذي دفع الحسن الثاني إلى إرسال برقية للرئيس بن بلا يحتج فيها عن العدوان ومخاطبا بذلك الضمير الجزائري بقوله : "بوصفكم المسؤول الأول عن مصير الجزائر ومستقبل شعبها، لا يمكنكم أن تقدروا حجم العدوان المرتكب، وان لا تحسبوا عواقبه. أن الاتجاه الذي يبدوا أن الجزائر تسير في وجهته لن يساعد بالتأكيد على خلق جو ملائم للبحث عن حل مشاكلنا عن طريق التفاوض والحوار... ونضيف أن المغرب على استعداد لمواجهة جميع الاحتمالات وجميع الأوضاع بجميع الوسائل اللازمة"
لكن الجانب الجزائري لم يكترث ولم يقدم على أي خطوة سوى تعنته وإصراره على المواجهات الحربية، لينشأ الحرب. ليجد الحسن الثاني نفسه مضطرا إلى الدفاع على حوزة التراب المغربي، وهذا الاضطرار نابع من مرجعية دستورية.
ومن جهة الجزائر وبعد استقلالها نفت أي وجود لأراضي مغربية "الصحراء الشرقية" في الجزائر معتبرة أن الملف طوي نهائيا. وان مشكل الحدود هو ذريعة اتخذتها السلطات المغربية لشن هجومها العسكري واحتلال الجزائر.
وقد أكد الباحث الجزائري الدكتور محيي الدين، أن المغرب تجاوز ثلاث حقائق دامغة :
الأولى : أن الحقوق التاريخية نظرية تجاوزها الزمن واتبتت كاريتيتها في الصومال والكويت، والثانية : أن منظمة الوحدة الإفريقية التي كان المغرب عضوا مؤسس لها اعتمدت مبدأ احترام الحدود الموروثة عن الاستقلال، والثالثة : هي أن المغرب وقع مع الجزائر اتفاقيتين لترسيم الحدود النهائية بينهما كانت أولها اتفاقية للامغنية 1845 والتي استكملت باتفاقية الرباط 1972 وشهد توقيعها أكثر من 40 رئيس دولة.
ونتيجة للموقف الجزائري تطورت الاشتباكات المسلحة الجزئية التي بدأت بين قوات البلدين منذ غشت 1962 إلى حرب رمال فعلية خلال شهر أكتوبر 1963 دارت على حدود فكيك إلى بشار شمال تندوف.
فما هي الأبعاد الذي خلفها هذا النزاع ؟
إن الملاحظ لتطورات الأحداث بين المغرب والجزائر يعير اندلاع حرب الرمال إلى مشكل الحدود، لكن هناك متغيرات اخرى مفسرة :
يرى بعض الباحثين الجزائريين أن من الأسباب الجوهرية لاندلاع هذا النزاع هو التعارض في شكل الأنظمة السياسية والتوجه الإيديولوجي للبلدين.
هل هذا معناه أن التوجه الليبرالي المغربي كان مدعو للتصادم والصراع مع الإيديولوجية الاشتراكية الجزائرية ؟ أو العكس ؟.
مبدئيا يمكن الجواب بنعم لأن العالم في تلك الفترة كان عالما تنائي القطب، فإن المغرب القوي بدولته وشرعيته التاريخية، وكقوة إقليمية ذات توجه ليبرالي ناشئة بالمنطقة أو على تعبير الحسن الثاني : "لم أكن أسعى إلى مزاحمة الجزائر، ولكن لم أكن أقبل أن تزاحمني، إني أريد أن يقوم بيننا تعاون...".
وعلى الواجهة الأخرى فإن الجزائر لم تولد إلا من خلال 130 سنة من الاحتلال الفرنسي، من خلال حرب تحريرية وطنية قادتها إلى الاستقلال، متباهية برصيدها النضالي التحرري وخطها الاشتراكي. فقد أصبحت تتطلع إلى قيادة المنطقة المغاربية.
إن هذه المعادلة العلائقية التي تغذيها اعتبارات الزعامة واختلاف اللون الإيديولوجي ولد لدى الطرفين شعورا مرهفا بالمزاحمة والتخوف المتبادل، كان كفيلا بدفع الطرفين إلى المواجهة المسلحة. وهكذا وبعد الضربة العسكرية التي تلقتها الجزائر والتي دفعتها إلى الاستعانة عسكريا بمصر ليخوض الطرفان بتزامن مع هذه الحرب العسكرية حربا إعلامية، إيديولوجيا لينكشف بعد ذلك بعدا آخر من أبعاد النزاع توج الصراع إلى مستوى أعلى. فالمغرب غدا إلى الجزائر دعمها الفعال لمنفذي انقلاب صيف 1963، واعتبر الحسن الثاني إن الذي يهم بن بلا ليس "حاسي بيضا" ولكن النظام الذي اختاره المغرب.
أما من جهة الجزائر فقد ذهبت وسائل إعلامها إلى التأكيد أن الاشتراكية هي التي تقلق ملك المغرب.
إن عمق الاختلاف الذي وصل إليه الطرفين جعل أسلوب التفاوض الجدي غائبا إن استثنينا بعض اللقاءات الجافة، وخصوصا وان الجزائر تعمد دائما على محاولتها لإعادتها هاته العلاقات إلى النفق المسدود (إغلاق الحدود).

ثالثا : تقييم الموقف
إن هذا الموقف الذي اتخذه الحسن الثاني لم يكن سليما، بالرغم من جميع التبريرات التي يمكن أن يقدمها (الدوافع الدستورية – أسبقية الهجوم) لأن الخاسر الأكبر في النهاية هم الشعوب المغاربية بحيث اثبت التاريخ بأن الصراع الدائم في هذه المنطقة هو صراع حكام وليس صراع شعوب، المتطلعين إلى الوحدة في زمن يغلب عليه طابع التكتلات الاقتصادية والسياسية.
ومما لا شك فيه بأن هاته الصراعات أثرت سلبا على وحدة المغرب العربي، وساهمت في خلق التجزئة في هذا الكيان المغاربي، وجعلت الدولتين تستبعد قيام مغرب عربي فعال.
فإنهاء الصراع بين المغرب والجزائر هو رهين بأن تعمد النخبة المثقفة من مغاربة وجزائريين إلى تحمل مسؤولياتهم الوطنية والتاريخية، بالاعتماد على الحوار الفعال لاستخلاص الدروس والعبر من هذه الأزمة التي أخرت مسيرة البلدين الإنمائية وأضرت بالوحدة المغاربية.
فلابد من قراءة نقدية وتحليلية لمخلفات الماضي، والأحداث التاريخية التي أدت إلى حدوث هذه الأزمة خصوصا أن الدول العربية جميعها تسعى إلى تحقيق حد أدنى من التضامن العربي، للرد على التحديات التي يتعرض لها امن الدول العربية القومي، ودعم الثورة الفلسطينية التي ستظل في حاجة ماسة إلى مساندة هذه الدول العربية إلى أن يتم القضاء على الاحتلال الصهيوني.







المراجع المعتمدة :
الكتب
1- عبد الهادي بوطالب – نصف قرن في السياسة- أكتوبر 2001 مطبعة النجاح الجديدة البيضاء.
2- زكي مبارك : أصول الأزمة في العلاقات المغربية الجزائرية. بدون عنوان
3- علي الشامي : الصحراء المغربية – عقدة التجزئة في المغرب العربي، دار النشر بيروت 1980.
4- علال الأزهر : الوحدة والتجزئة في المغرب العربي، الصحراء المغربية، دجنبر 1981.
5- فاطمة الجامعي لحبابي : المغرب العربي، في الخطاب الملكي منذ الاستقلال إلى قمة مراكش المغاربية، مطبعة فضالة المحمدية المغرب 1989.
6- ذاكرة ملك الحسن الثاني 1993
7- الدستور المغربي 1996
الرسائل الجامعية :
1- محمد المالكي : إشكالية وحدة المغرب العربي. ر م 1983 الرباط.
2- الحسن بوقنطار : السياسة المغربية في المحيط المغاربي، ر م 2005 الرباط.
3- عبد اللطيف الحسناوي : قضية الحدود المغربية الجزائرية، ر م 2005 الرباط
المجلات المتخصصة :
1- مجلة أطياف مغربية، العدد الثاني يونيو يوليوز غشت 2009.
الخطب والندوات :
1- خطب وندوات الحسن الثاني، وزارة الإعلام، 1988. الرباط
2- ندوة صحفية للحسن الثاني عقدت بباريس، وزارة الإعلام، 1976 فرنسا


فضيل التهامي
باحث في القاون الدولي العام والعلوم السياسية
جامعة محمد الخامس الرباط المغرب
Tel 00212667934317
[email protected]



#فضيل_التهامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حركات الإسلام السياسي : بين الصعود و السقوط


المزيد.....




- الناطق باسم نتنياهو يرد على تصريحات نائب قطري: لا تصدر عن وس ...
- تقرير: مصر تتعهد بالكف عن الاقتراض المباشر
- القضاء الفرنسي يصدر حكمه على رئيس حكومة سابق لتورطه في فضيحة ...
- بتكليف من بوتين.. مسؤولة روسية في الدوحة بعد حديث عن مفاوضات ...
- هروب خيول عسكرية في جميع أنحاء لندن
- العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز يدخل المستشفى التخص ...
- شاهد: نائب وزير الدفاع الروسي يمثل أمام المحكمة بتهمة الرشوة ...
- مقتل عائلة أوكرانية ونجاة طفل في السادسة من عمره بأعجوبة في ...
- الرئيس الألماني يختتم زيارته لتركيا بلقاء أردوغان
- شويغو: هذا العام لدينا ثلاث عمليات إطلاق جديدة لصاروخ -أنغار ...


المزيد.....

- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب
- الاستراتيجيه الاسرائيله تجاه الامن الإقليمي (دراسة نظرية تحل ... / بشير النجاب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - فضيل التهامي - موقف الحسن الثاني من عدم تنفيذ اتفاقية تسوية الحدود المغربية الجزائرية ( اتفاقية 9 شتنبر 1961)