أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فضيل التهامي - الثورات الديمقراطية في العالم العربي – تونس نموذجا – ( الجزء 2 )















المزيد.....



الثورات الديمقراطية في العالم العربي – تونس نموذجا – ( الجزء 2 )


فضيل التهامي

الحوار المتمدن-العدد: 4161 - 2013 / 7 / 22 - 01:29
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


3 - الثورة التونسية : محاولة للتحليل
إبتداءا من القرن 19 شكلت تونس وضعية خاصة في المنطقة العربية ، لكونها من الأقطار العربية الأولى التي سارت على درب تبنيها للفكر الإصلاحي في القالب الذي رسمته النهضة الأروبية الحديثة ، ليثم تكريسه مجتمعيا بعد الإستقلال رغم الطابع المحافظ للمجتمع التونسي ، الشئ الذي خلق اصطداما بين الخطاب الرسمي و الإتجاهات المحافظة ، أفرز أزمات عديدة داخل نسق هدا المجتمع ( أزمة الإنتماء ،و أزمة الهوية بحكم الموقع من اروبا ) ، ليمهد للبوادر الأولي لإنفجار أزمات محتملة. كما كان للإخلال الحاصل في معادلة التنمية و الديمقراطية في التسريع بتأزم الأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية بتونس ، بحيث نهجت الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم تونس شعار التنمية الإقتصادية دون السير في طريق ديمقراطي رغم الضغط التي شكلته النخبة السياسية التونسية المتنورة ذات التوجهات المختلفة ( اسلامية ، يسارية ).
فعلا و بعد تركم هده الأزمات ، وتوفر الشروط الموضوعية و الذاتية ، انفجرت الثورة التونسية ،و أطاحت بنظام حكم " بن علي " الذي استمر في الحكم مدة 23 عاما ، ليشكل هدا الحدث المفاجأ بداية فارقة و مرحلة جديدة في تاريخ العالم العربي . و لم تتوقف رياح هده الثورة عند الحدود التونسية فقط ، بل إنتشرت في باقي الأقطار الأخرى ، مزيحة أنظمة تسلطية تحمل قواسم مشتركة في الفساد و الإستبداد وحكم الحزب الواحد ،و تمركز ثروات البلاد في يد الفئة الحاكمة.
فالإنجاز الذي حققته هده الثورة ،إضافة الى هروب الرئيس و إسقاط نظامه ،و فتح نوافذ الحرية التي ظلت مغلقة طيلة حكم " بورقيبة " و "بن علي " دحضها لمجموعة من الأطروحات النظرية التى ذهبت في إتجاه إبقاء الأنظمة السياسية الأبوية في الحكم ، بحيث إهتم العديد من الباحثين في العلوم السياسية و مسألة الديمقراطية ببحثهم ،و محاولة فهمهم عن حقيقة ما وقع في تونس و الاسباب الكامنة وراء هدا الحدث.
ونحن بدورنا من حقنا أن نتساءل ، و إن سلمنا جدلا أن ما وقع كان ثورة بالفعل فما هي الأسباب و الدوافع التي أدت الى دلك ؟ ،و باعتبارها جاءت مختلفة عن الثورات الكلاسيكية ( الثورة البلشفية ، الثورة الامريكية ، الثورة الفرنسية ، الثورة الايرانية ) ، فما هي السمات الخاصة التى حملتها هده الثورة ؟ وما هي الأهداف التي حققتها ؟.وهل استطاعت أن تزيل بقايا النظام السابق ؟ وهل بإمكان هده التحولات السياسية أن تأسس لنا تجربة ديمقراطية جديدة تخلق القطيعة مع النظام السابق ؟.

1- 3 - أسباب و دوافع الثورة التونسية
ثمة عدة أسباب و دوافع لتفسير الثورة التونسية لا سواء على المستوى الداخلي كالعوامل البنيوية : سياسية ،إجتماعية ، إقتصادية ،و العوامل المساعدة : دلالة إحراق " البوعزيزي " لنفسه ، نسبة التعليم المرتفعة في تونس ، إنحياز الجيش للثورة ، التكونولوجيا ، دور المجتمع المدني و التحاقه بالإحتجاجات ، الطبقة الوسطى...إضافة الى عوامل أخرى مساعدة تحمل طابعا خارجيا ،سواء كانت إقليمية أو دولية.
- أ – الأسباب البنيوية
لقد استفحلت أزمات بنيوية في المجتمع التونسي خلال الأعوام الماضية تأًصلت ما قبل فترة حكم " بن علي " ،لكنه عمقها بسياساته ، بحيث تركزت في المناطق الساحلية أغلب النشاطات الإقتصادية من معامل صناعية و شركات كبرى ،و في المقابل إنتشرت نسب التهميش و البطالة و البؤس في المناطق الداخلية و الوسطى البعيدة عن الساحل ، والتي يشكوا أغلب سكانها من صعوبة العيش ، و قصاوة الطبيعة ، وندرة فرص الشغل. فيمكن إرجاع هده الظاهرة إ البنيوية إلى حقبة الإستعمار الفرنسي التي امتدت في تونس ما بين 1881 – 1956 ، و التي تكرست فيها الفجوة بين المدن و القرى الساحلية الغنية ، و المدن الداخلية و الوسطى المهمشة . لتزداد هده الهوة خصوصا بعد اكتشاف ثروات طبيعية داخل المناطق الداخلية ( فوسفاط ، الحديد ، النحاس ، الرصاص ) ، و بدلا أن يستفيد الشعب التونسي من هده الثروات ، أقدم المستعمر الفرنسي على إنشاء الوحدات الصناعية و المؤسسات الإقتصادية على طول الشريط الساحلي ، تكريسا لإستراتيجية نقل الثروات الى فرنسا. و بعد استقلال تونس تعمق هدا الخلل بشكل كبير رغم كل الموارد التي رصدتها الحكومات المتعاقبة لفائدة الجهات الداخلية ، و تبنيها لبرامج التنمية.
وقد كشفت دراسة قامت بها " منظمة رجال الأعمال التونسيين " و " الإتحاد التونسي للتجارة و الصناعات التقليدية في سنة 2010 ، أن أكثر من 52 في المائة من الشركات في تونس تموقعت في 7 محافظات ساحلية ( تونس ، صفاقس ، نابل ، سوسة ...) ، كما بينت هده الدراسة أن 32 في المائة من الشركات التونسية توجد في العاصمة تونس ، يليها في المرتبة الثانية التجمع الإقتصادي في كل من سوسة و صفاقس و المنستير و المهدية و الحمامات . و حسب نفس الدراسة أن 17 محافظة المتبقية لا توجد فيها إلا أقل من الشركات التونسية. مما يرجح فرضية ارتفاع نسبة البطالة في هده المدن ( الوسط و اجنوب ) أكثر من المعدلات الوطنية المعلن عنها ، رغم النزوح التي يعرفها سكان هده المناطق ، سواء الى آروبا ( الهجرة الغير الشرعية ) ،أو الى باقي الدول المغاربية ( ليبيا ، الجزائر ).
و بسبب هده العوامل كانت لهده الفئة المهمشة دورا كبيرا في المظاهرات التي أطاحت بالرئيس التونسي " بن علي " ، مثلما كان شبابها وقود الحركات الاحتجاجية التي اندلعت خلال العقود الماضية ( انتفاضة الخبز 1984 ) ،و التحركات التي عرفتها الحركة الطلابية في هده الفترة. وقد كان دلك نتيجة تضخم نسبة الفقراء في الأحياء الشعبية التونسية التي شكات أحزمة الفقر أحاطت بالمدن التونسية الكبرى..
عموما فقد اختلفت و تفاعلت مجموعة من المتغيرات الداخلية ( سياسية ، إجتماعية ، إقتصادية ) في إنجاح الثورة الثورة التونسية ، فالإستقرار المجتمعي بشكل عام يتحقق حينما يكون التوازن بين النظام السياسي و بيئته الداخلية حاضرا ، وهدا لم يكن متوفرا في تونس ، حيث عجز النظام التونسي عن تلبية المطالب الإجتماعية ، و احتوائها ، ليصبح هدا دافعا لبروز الحركة الإحتجاجية التي كان لها الدور الحاسم في قلب الأوضاع في تونس. فعلى الصعيد السياسي كانت الهوة شاسعة بين الخطاب السياسي الرسمي ، و الممارسة العملية، بحيث قدمت أغلب التصريحات الرسمية صورة مشرفة عن التقدم الإقتصادي و الإجتماعي التي حققته تونس رغم اقتصارها واقعيا على إعطاء الأولوية للشريط الساحلى الشمالي و تنميته ، و إهمال المناطق الجنوبية و الوسط . فقد دفعت هده التصريحات الشباب التونسي الى إتحاد موقف العزوف السياسي خصوصا خلال الإنتخابات الأخيرة سنة 2009 ، و مقاطعتها ، مما نتج عن وجود أزمة ثقة في الخطاب الرسمي جعل فئة الشباب تشكل الأغلبية داخل الحركات الإحتجاجية.
كما شكل الحضور المكثف و الهيمنة الواضحة للحزب " التجمع الدستوري الديمقراطي " على مجمل نشاطات الحياة السياسية ، و على جميع المستويات : محليا ، جهويا ، وطنيا ، و تضييقه الخناق على كافة المكونات السياسية الأخرى ، ومراقبتها عن طريق إنشاء لجان التنسيق الحزبي، إضافة الى التداخل الصارخ بين رئاسة الجمهورية و رئاسة الحزب و الوزارة الأولى.
وفي ظل مجاراته لقطار التحديث التي سارت في طريقة تونس ، عمد " بن علي " على القيام بمجموعة من الإصلاحات الدستورية و السياسية ( تم التطرق اليها في المحور السابق ) كالتعديلات عام 1998 التي أزاحت قيد عدد فترات الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية ، وتعديلات 2002 التي ألغت فترات تولي الحكم و رفعت سن الترشح من 70 إلى 75 سنة ، لينتج عن هده الإجراءات فوز مرشح واحد ووحيد إسمه " زين العابدين بن على " تحت يافطة " حزب التجمع الدستوري الديمقراطي " في سنوات 1989- 1994 – 1999 2004 ، بنسبة لا تقل عن 90 بالمائة.
فإن أغلب هده الإصلاحات كرست الرئاسة مدى الحياة ، و الحكم التسلطي ، لتتصاعد وثيرة الجدل في تونس بشأن مطالبة قوى سياسية مقربة من " قصر قرطاج " لتمديد الرئيس المخلوع لولاية سادسة الى 2014 ، و في المقابل إتجهت المعارضة للرفض متخذة مما تراه تعديلا جديدا يحمل صبغة الصنع و الفبركة ، و يكرس عمليا الرئاسة مدى الحياة ، و مدى تأُثير هدا على مستقبل الحياة السياسية التونسية ، و إشكالية التداول على السلطة بشكل عام.
وفي خضم العلاقة بين النظام السياسي التونسي و باقي المكونات السياسية الآخرى التي انصهرت في المنظومة الرسمية، وعدم قدرتها على التعبير عن مصالح الشباب و قضاياهم ، بحيث لم تستطع هده القوى القيام بدور مؤثر في الحياة السياسية ، و نقل الإشكالات الى أ جندات السياسة العامة للحكومة ، إضافة الى سيادة بعض الصراعات الأفقية داخل مكوناتها بسبب الجري وراء المصالح الخاصة ،و سعيا للعب دور الوساطة ، و الزبونية لحاشية الرئيس. فهده الأوضاع كلها دفعت الشباب الى تجاوز كل البنيات التقليدية ، و خروجه في تظاهرات غير مؤطرة ليعبر عن مصالحه بعدما عجزت الأحزاب عن هدا.
ومن ناحية أخرى يمكن إعتبار العوامل الإجتماعية أكثر أهمية في تفسير الحدث التونسي ، خصوصا أن الحركات الإحتجاجية التي عرفتها البلد في الستينيات و السبعينيات ، و انتفاضة الخبز في يناير 1984 ، كانت سبب تدهور الأوضاع الإجتماعية ، و تفش البطالة ، و الفساد و غياب العدالة الإجتماعية. فقد تفاقمت البطالة في المجتمع التونسي حيث أُثرت على 17 في المائة من عدد السكان البالغ عددهم 10 ملايين نسمة ، لتؤثر بشكل أكبر على شريحة الشباب، 30 في مائة منهم حاصلين على الشهادات الجامعية ، و التي باتت تشكل تحديا أكبر للحكومة التونسية نحو توفير فرص الشغل لهؤلاء الخرجين ، بعد أن أرتفع عددهم بشكل لافت في السنوات الأخيرة.
ورغم الإحصاءات الرسمية التي أشرت على التحسن في مستوى التشغيل من خلال بعض المخططات التنموية التي أقدمت عليها الحكومة التونسية ك " مشروع خارطة الصناعة الجديدة لدعم تنمية المناطق الداخلية " و " مشروع تنمية مناطق الوسط الغربي " و " مشروع المخطط العاشر للتنمية " ، إلا أن معدلات البطالة سجلت ارتفاعا بارزا في صفوف العاطلين عن العمل من حملة الشهادات الدين أرتفع عددهم خلال عام 2007 ليبلغ 102.3 الف عاطل ، ليرتفع هدا العدد سنة 2008 و يصل الى 168.8 الف عاطل، وهدا ما يوضح ارتفاع عدد المتخرجين من الجامعات سنويا . كما بدأ عدد العاطلين الحاملين الشواهد العليا يسجل ارتفاعا صارخا بدوره مند 1993 ، حيث سجل نسبة 10.9 في المائة كمعدل سنوي ، ليبلغ حوالي 18.4 في المائة ما بين 2007- 2001 .
وفي ظل هدا الوضع المتردي لهده الفئة من المجتمع التونسي ، صدرت مجموعة من التقارير الدولية حذرت من تأزم الأوضاع ، من بينها تقرير للبنك الدولي الذي أشار أن مشكل البطالة ، و خصوصا خرجي مؤسسات التعليم العالي الدين شكلوا حوالي 60 في المائة من الوافدين على سوق الشغل .
وإضافة الى مشكلة البطالة، كان لغياب العدالة الإجتماعية الدور المهم في تراكم العوامل التي فجرت الثورة ، بحيث شكلت السياسية التنموية الغير العادلة من أهم أسباب الاضطرابات الإجتماعية ، لأنها عمقت الهوة و الفوارق الإجتماعية ، حيث عرفت البلاد انقساما تنمويا بين الشريط الساحلي الذي تمركزت فيه أغلب النشاطات الاقتصادية ، و منطقة الوسط و الجنوب التي أهملت عبر مجموعة من المحطات التنموية التي عرفتها تونس ، وهو ما أدى بشباب هده المناطق الى الهجرة اتجاه اروبا ( الهجرة الغير الشرعية ) أو الى الدول المغاربية المجاورة ( ليبيا – الجزائر )، فرارا مما اسموه تدهور الحالة المعيشية بسبب غياب برامج تنموية في هده المحافظات المعزولة.
وقد زك هدا الوضع الإجتماعي المزري ، مجموعة من الإحصاءات التي صدرت عن المعهد الوطني للإحصاء سنة 2010 ، قاربت الأحوال المعيشية للسكان ، لتكشف على أن 33.9 في المائة من السكان يعيشون في وسط غير منظم ، وهدا يؤشر على تدني مستوى الخدمات الإجتماعية التي تقدمها المجالس البلدية ، و تشير نفس الإحصائيات أن هده النسبة سجلت 35.1 في المائة سنة 2004 ، لتنخفض بمقدار 1.2 في المائة خلال السنوات السابقة ، مع تركزها بشكل كبير في محافظات الوسط و الجنوب بحوالي 51.2 بالمائة.
أما الفساد الذي استشرى في كل مناحي الدولة التونسية ، كان السمة الأبرز في الحياة الإجتماعية و الإقتصادية ، و الذي يمكن تعريفه: الإستغلال السيء من طرف نخبة الدولة المتحكمة ، على إتخاد القرارات الإقتصادية و السياسية للوظيفة الرسمية من أجل تحقيق المصلحة الخاصة ( مصلحة الحزب ، المصالح العائلية ).
وفي تونس كان ظهور الفساد ملازما لتحكم الدولة البوليسية مند نشأتها ، التي مارست الإحتكار الأعمى لمصادر الثروة عبر النخبة الحاكمة التي تتكون من مجموعة من العائلات مارست مختلف أشكال النهب و السلب بطريقة منظمة ، بحيث نبع ( النهب الممنهج و المنظم ) من مجموعة من المصادر كان أهمها الشركات المتعددة الجنسيات و نسبة نجاحها الكبير في تحقيق الأرباح و مراكمتها لفائض القيمة ( حسب التعبير الماركسي ) ، بسبب حصولها على إمتيازات خاصة ، أكثر من الامتيازات الممنوحة للرساميل الوطنية بسبب دفع رشاوى لمحيط الرئيس ، و خصوصا عائلة " الطرابلسي" أو العائلة المالكة كما يصطلح عليها في الأوساط التونسية ، و عائلة " شيبوب " صهر " بن علي " ، إذ تتحكم هاتان العائلتان على نسب مهمة من إقتصاد البلاد ، بشرائها لمجموعة من الشركات التابعة للقطاع العام عن طريق الخوصصة ، إضافة الى حصولها على قروض دون ضمانات و دون حسيب و لا رقيب ، الشيء الذي جعلها تراكم ثروات طائلة ، في حين أن نسبة كبيرة من التونسيين تعيش تحت عتبة الفقر ، خصوصا في مناطق الجنوب و الوسط.
وطبقا لبعض التحقيقات الميدانية التي قامت بعض قوى المعارضة حول العائلات التي تمارس النهب المنظم خلال فترة 1991- 1998 ، كشفت و إضافة الى عائلتي " الطرابلس و شيبوب " إنتشار مجموعة من العائلات الأخرى التي سارت على نفس المنوال لنهب الثروات التونسية ، و التي تسابقت و تصارعت فيما بينها لضفر بأكبر الحصص ( عائلة لطيف ، عائلة عمار ، عائلة سليم رزوق ، عائلة الماطري ، عائلة بن علي ...) .
وفي الأعوام الأخيرة تجاوز الفساد ارتباطه بظهور الدولة البوليسية ، ليصبح ممؤسسا في شكل " صندوق التضامن الوطني " المعروف في الأوساط التونسية تحت إسم مستعار ب " صندوق 26/26 " الذي يعتمد في موارده على إقتطاعات الموظفيين ، و الهبات ، وإقتطاعات ضرائب الشركات الوطنية ، لسد حاجيات الفئات التي تنتمي الى المحافظات الفقيرة ( الوسط و الجنوب ) . أما واقعيا فقد كان هدا الصندوق آلية لنهب و سلب منظم للثروات التونسية ، فهده المؤسسة لا أحد مسؤولا عليها إلا الرئيس ، و لا تتعرض لأي مسائلة أو محاسبة من الجهات الرقابية المختصة ( وزارة المالية ).
فبعد نجاح الثورة وإسقاط نظام بن علي ، ظهرت مجموعة من الحقائق حول طبيعة هدا الصندوق ، و أهدافه الحقيقية ، بحيث قدمت وسائل الإعلام الرسمية للنظام السابق على أن هده المؤسسة تساهم في تنمية الأوساط الفقيرة ، لكن إنطلاقة الثورة من المحافظلت الفقيرة ( الجنوبية ) فندت كل الإدعاءات الرسمية التي كانت مجرد تضليل للرأي العام الوطني و الدولي لا أكثر.
إضافة الى العوامل السياسية و الإجتماعية السابقة الذكر التي تراكمت لتساهم في تفجير الثورة التونسية، إتخد العمل الإقتصادي نصيبه كذلك في تأزم الأوضاع داخل المجتمع التونسي ، بحيث شكل هدا العامل البيئة المناسبة لنمو الإحتجاجات ، فمع نهج البلاد لتوجه النيوليبرالي بتحرير الأسواق عبر التقويم الهيكلي التى تبنتها الحكومات السابقة ، و بالضغط من المؤسسات الإقتصادية العالمية ( صندوق النقد الدولي ، البنك العالمي ). و ما ترادف من إجراءات مرتبطة بهده السياسات ، خصوصا فيما يخص بتقليص الإنفاقات العمومية ،و تخلي الدولة عن سياسة التوظيف ، و زيادتها في الضرائب ، الشيء الذي أضر بالفئات الفقيرة و المهمشة ، لتزداد التناقضات ، و الإختلالات و الفوارق الطبقية داخل المجتمع التونسي
وبالرغم من محاولة النظام التونسي السابق وصف اقتصاده ب "بالمعجزة " رغم أن تونس لا تتوفر على موارد نفطية كجيرانها : ليبيا و الجزائر ، إلا أنها تعتبر الأفضل مقارنة بمجموعة من الدول الأخرى ، من حيث القدرة الشرائية و النمو الإقتصادي ، و في ظل شح موارد هدا البلد الذي يعتمد على السياحة ، فإن المشكل كان كامنا في انعدام التوازن في النمو الإقتصادي بين مناطق الجنوب و الوسط ( مكمن الإضطرابات الإجتماعية ) التي تعاني من قلة الأموال المرصودة لتنميتها ، و الشريط الساحلي الذي يتمركز فيه جل النشاطات الإقتصادية .
وبالإضافة الى إشكالية التوازن يعاني الإقتصاد التونسي مجموعة من الصعوبات دفعت بالعديد من التونسيين بالعمل في القطاعات الموازية " باعة متجولون " رغم المنع الذي يتعرضون له من طرف السلطات المحلية ، كما حاولو أيضا البحث عن بدائل أخرى للتخلص من شبح البطالة : كالهجرة نحو اروبا ( الغير الشرعية ) و باقي الاقطار المغاريبة ( ليبيا و الجزائر ). كما كانت للأزمة المالية التي اجتاحت الإتحاد الاروبي الأثر الكبير على الاقتصاد التونسي ، خصوصا أنه راهن على قطاع السياحة الذي تراجع بتراجع تقاطر الاروبيين على تونس.
وبسب ضعف التعاون و التجارة البينية بين تونس و البلدان المغاربية الأخرى ،اتجهت نحو الإتحاد الأروبي لتكون أولى الدول المغاربية التي وقعت على شراكة أورومتوسطية ، و تستفيد من دعم مالي بهدف تكييف إقتصادها مع شروط التبادل الحر . لكن هده الخطوة كان لها الأثر الكبير على الإقتصاد التونسي ،بتدميرها للشركات الوطنية الصغيرة و المتوسطة التي كانت لها الإمكانية في التخفيف من البطالة .
وإجمالا يمكن القول أن " المعجزة الإقتصادية " ، باتت شعارا رسميا أستخدمه النظام التونسي الزائل لتلميع صورته ، لكن سرعان ما أصطدم بواقع جعل التونسيين يكسرون جدار الخوف ،و يظهرون العداء للسلطة السياسية الذي ظل كامنا لعقود من الزمن ،و الذي أنتظر توفر الشروط الموضوعية و الذاتية و تراكم كل هده العوامل البنيوية: ( السياسية ، و الإجتماعية ، و الإقتصادية ) لتنفجر الثورة، إلا أن هده العوامل لم تأسس بمفردها لاندلاع هدا الحدث ، بل جاءت عوامل مساعدة ، منها من ظهر تدريجيا ، و منها من كان ظرفيا ، آنيا سرع بالحدث ، و جعله يظهر في هدا الوقت بالذات.

- ب - الأسباب المساعدة
إضافة الى العوامل البنيوية التي تأصلت مند ما قبل الإستقلال ، وزاد تعميقها مع حكم كل من " بن علي " و " بورقيبة " ، ساهمت عوامل مساعدة في ااندلاع الثورة بعد زرع الوعي في ظمائر التونسيين ، و إدراكهم بضرورة التغيير، بحيث شكل إحراق الشاب " البوعزيزي" بعد منعه من ممارسة تجارته الموازية في سوق شعبية من طرف الشرطة ،الشرارة الأولى لاندلاع الثورة التونسية ،بحيث دفعت بالشباب التونسي الى الخروج بمسيرات غضب ، بحيث كانت أكثر المحطات حسما ، أحداث " القصريين و تالة " التي إستعصى على الأمن و الجيش التحكم فيها و إيقافها ، رغم سقوط العديد من القتلى و الحرحى و المعتقليين.
ورغم فرادة العملية التي قام بها هدا الشاب العاطل أمام مقر ولاية سيدي بوزيد ، إلا أنها تحمل دلالات رمزية أشرت على خلق وعي بالواقع الإجتماعي و الإقتصادي ، و رفضه جهرا ، و أمام مؤسسة رسمية. فتعاطف الشباب التونسي مع الحدث و الإمتداد الدي صار فيه جعله يرتقي الى الرمزية العامة بإعتباره حدثا ينير طريق كل من يبحث عن مخرجا لعطالته.
كما اعتمدت الثورة التونسية على وسائل الإعلام التكنولوجي ، و خاصة مواقع التواصل الإجتماعي ( الفايس بوك و التويتر ) و الفضائيات العربية ( قناة الجزيرة و العربية) و الغربية ( France 24 و غيرها ...) في خلق التواصل الجماهيري ، و من خلال هده الوسائط ضمن المحتجون وصول صوتهم الى شريحة كبيرة من التونسيين و العالم الخارجي ، و نقل تطورات الأحداث دون رقابة الأجهزة البوليسية. و ليثم إزاحة الخوف السياسي و كسر الصمت الإعلامي المطبق على الرأي العام التونسي ، لتقنعه هده الوسائل أنه لا يقل عن الشعوب الأخرى أحقية في إختيار من يمثله .
و باعتبار تونس من الدول التي تتميز بإرتفاع نسبة التعليم بالمقارنة بدول الجوار، وكذلك إرتفاع نسبة مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي التي هي الأكثر من بين شباب الدول المجاورة ، فخلال شهر يناير 2011 ، بلغ عدد مستخدمي موقع التواصل الإجتماعي « facebook » حوالي 19.09 في المائة من مجموع السكان ، و لتبلغ كذلك نسبة الشباب المستخدمين لهدا الموقع ممن تتراوح أعمارهم من 17 الى 44 سنة نسبة 87 في المائة من مجموع المستخدمين. ليكون هدا مؤشرا على الدور الفعال لهده الوسائط في نقل المعلومة رغم تحكم النظام على جميع وسائل الإعلام ( صحافة المكتوبة و الإكترونية ...و القنوات التلفزية) و جعلها ابواقا له.
عموما فقد اعتبرت هده المواقع الإلكترونية و الفضائيات من العوامل التي دفعت بالجماهير التونسية الى الخروج الى الشارع ، ومع بدأ الثورة في سيدي بوزيد إلا أنها سرعان ما تناقلتها هده المواقع في شكل " دعوات و صور و مقاطع فيديو " لتنتشر على الشبكة العنكبوتية ،ففي غالب الأحيان كانت هده الدعوات للإحتجاج تتخذ شكلا " فايسبوكيا "قبل ان تصبح واقعيا. كما وفرت هده المواقع كذلك فضاء مهما للتعرف على القوى السياسية و الفاعلين في الداخل و الخارج ، و أسهمت بعد مغادرة الرئيس " بن علي " في ترشيد و تنظيم حركة الشارع عبر النداءات الداعية الى تشكيل لجان شعبية لحماية المدن من أي تحرك محتمل من قبل " بلطجية " الحزب بن علي.
ومن جهة أخرى كان للجيش دورا كبيرا في مجريات الامور ، من خلال التزامه موقف الحياد من الإحتجاجات ، ومنع سقوط العديد من الشهداء و الجرحى ، ليتضح أن شخصيات عسكرية و أمنية قامت بدور أساسي في الدفع بأبن علي نحو الإطاحة مثل : العقيد "عماد حطاب " نائب مدير الأمن الرئاسي السابق ، و الجينرال " رشيد عمار " قائد أٍركان الجيش. ورغم انتماء بن علي الى العائلة العسكرية إلا أن الضباط و باقي الجيش تخلوا عنه لإمكانية وجود فصل مسبق في أدهان الضباط بين الدولة و النظام، ليتلخص موقفه ( الجيش ) في إلتزامه بالوظائف المحددة له دستوريا ، و المتمثلة في حماية الحدود و السهر على أمن المواطن التونسي.
وإضافة الى عامل الجيش كان للجهات النقابية دورا مهما في تطعيم الاحتجاجات بعد إنظمامها الى المتظاهرين في مختلف المناطق التونسية ، و قد ظهر في السياق " الإتحاد التونسي للشغل " الذي يعد من أقدم و أعرق مؤسسات المجتمع المدني في تونس ، و قد كانت هده النقابة حاضنة شعبية للعمل الوطني و التحرر من الإستعمار ، لتلتحق بالثورة التونسية، و تتفاعل معها بقوة ، خصوصا خلال مرحلته الأخيرة. فقد قام المئات من نقابي هده المنظمة بالتجمع في ساحة " محمد علي " في تونس العاصمة ، و تعبيرهم عن تضامنهم مع أهالي سيدي" بوزيد و القصريين" ، و شجبهم عن الممارسات القمعية و الإعتقالات التي تعرض لها الشعب التونسي مند بدأ الثورة. أما "الإتحاد التونسي للشغل " فكان متفاعلا بدورة كباقي مكونات المجتمع المدني ، فبتاريخ 2 شتنبر 2010 ، قام بإرسال عضويين من المجلس التنفيذي الى " سيدي بوزيد " للضغط على المسؤوليين الأمنيين و إطلاق سراح المعتقليين ، لتلتحق النقابات الأخرى و تدخل عل الخط ، حيث أعلنت نقابة المحاميين إضرابا في 9 يناير 2011 ، و أعلنت مساندتها للثورة ، لتقوم هده النقابات بإصدار بيان مشترك تقر من فيه مشروعية كل المطالب التي رفعها التونسيين.
وأما خارجيا ، فقد ساهمت كذلك منظمات المجتمع المدني العالمية في الدفع بعجلة الثورة نحو النجاح ،من خلال إصدارها بعض التقارير التي شجبت المقاربة البوليسية التي تبناها النظام من خلال قمعه للحق في التظاهر ، فهده الخطوات ساهمت بشكل أو بآخر في دعم المسيرات الإحتجاجية ، و تحويل اليأس الذي زرعه بن علي بسياساته القمعية ، الى تحفيز و مواصلة التظاهر . و من هنا يمكننا أن نرصد بعجالة، و بدون الإغراق في التفاصيل بعض التقارير المنظمات الحقوقية :
- تقرير أصدرته " منظمة العفو الدولية " ، و بناءا على إستطلاع أجرته في تونس ،أن النظام التونسي مازال يعرف عدة خروقات في مجال حقوق الإنسان ، ووجود قمع ممنهج و منظم.
- تقرير أصدرته منظمة " مراسلون بلا حدود " شجبت فيه منع الصحافيين و المراسلين الأجانب من أداء عملهم ، خصوصا أثناء الإنتخابات الأخيرة.
- تقرير أصدرته " الشبكة الأروبية المتوسطية " كانت خلاصته ، أن تونس تنتهك و بشكل سافر الحقوق و الحريات التي إلتزمت بها إتفاقية الشراكة بينها و بين الإتحاد الاروبي.
- تقرير صادر عن " منظمة هيومن رايتش وتش " في 2009 ، يقول أن الإنتخابات التونسية الأخيرة مرت في جو خال من النزاهة و الحرية ، و تحت أعمال قمع ، و الضغط على المعارضة.

وبإضافة الى العوامل المساعدة السابقة الذكر ، كان للطبقة الوسطى وزن كبير في إنجاح الثورة ، بحيث تم دحض فرضية اندثار هده الطبقة داخل المجتمع التونسي تحث وطأة التفاوت الطبقي، بين فئة قليلة تملك وسائل الإنتاج ، و أغلبية عريضة تتعرض للاستغلال ( حسب التعبير الماركسي ) ، و بالتالي غياب طبقة أخرى تحتل وسط الهرم المجتمعي لتونس ، لتصبح هده الفرضية مسلمة يصعب تجاوزها. لكن تطور الأحداث في تونس أثبتت ظهور هده الطبقة بشكل لافت للنظر ، بحيث شكلت حوالي 48 بالمائة حسب الدراسة التي قام بها الكاتبان الفرنسيان " نيقولا بو" و " كاترين غراسيه " في كتاب " الوصية على قرطاج " الصادر في باريس سنة 2009. فهده الطبقة قد إشتغلت في جهاز الدولة ، و تغلغلت في النسيج الإقتصلدي المتحول حضاريا ، لتصبح عماد المجتمع الجديد بعد مشاركتها في تحقيق الثورة الى جانب الفقراء و المهمشيين الدين تم إقصاءهم من الحياة الإقتصادية و السياسية بسبب التزواج الحاصل بين السلطة و المال. لكن هدا لا يمكن أن ينفي الوجه الحقيقي للتفاوت الطبقي التي شخصته الحالة الثورية السابقة في التفاوت بين الفئات الإجتماعية ، و المناطق الجغرافية.

كما برزت عوامل مساعدة أخرى ، و هده المرة على الصعيد الخارجي، لا إقليميا ، و لا دوليا .فإقليميا يمكننا إعتبار القيود الإدارية ،و الرسوم المالية ، و المضايقات التي يتعرض لها التونسيون على الحدود مع بقية بلدان الجوار ، و التي تعيق تنقلهم للعمل الذي يعتبر المصدر الرئيسي لرزقهم، خصوصا السكان القاطنيين في الوسط و الجنوب ، من العوامل الدافعة الى الحراك الإجتماعي . ومن هنا يمكننا أن نستحضر تلك القيود التي فرضتها ليبيا على دخول التونسيين الى أراضيها في غشت 2010 ، ترتب عنها إنفجار الأوضاع في منطقة الجنوب الشرقي ، حيث إنتفض سكان ولاية " مدنين " إحتجاجا على تضييق الخناق التجاري مع هده الدولة.
أما دوليا فقد أسهمت مجموعة من الدول الغربية في إضعاف النظام التونسي ، كما تراكمت أخطاء الخارجية التونسية ، و أخطاء بن علي مع بعض الدول الغربية المؤثرة في صنع القرار في تونس ( فرنسا ، و م أ ) ، ومن بين هده الأخطاء تصعيد بن على خطابه مع الولايات المتحدة ، خصوصا بعد دعوة واشنطن السفير التونسي للفت إنتباهه للأوضاع التي عاشتها تونس قبيل هروب بن علي ، إضافة الى تلويح مجلس الأمن بعقد اجتماع طارئ لتدارس إصدار قرارا يدين نظام بن علي.
هده العوامل و غيرها تداخلت مع عوامل بنيوية و ظرفية تراكمت خلال عقدين من الزمن ، لتستفحل خلال الاشهر الفارطة ، حيث كانت النتيجة الإطاحة بإبن علي ، و نجاح الثورة التونسية التي جاءت مختلفة عن باقي الثورات الكلاسيكية السابقة بحملها مميزات و سمات خاصة جعلت العلوم الإجتماعية تجد صعوبة في وضعها في إطار نظري يليق بحلتها.

3-2 سمات و إنجازات الثورة التونسية

لقد حملت الثورة التونسية سمات خاصة ، بالمقارنة مع الثورات الكلاسيكية التي عرفها العالم ( الثورة البلشفية ، الثورة الفرنسية ، الثورة الأمريكية ، الثورة الإيرانية ) ، بحيث إمتازت بطابعها السلمي رغم محاولة نظام " بن علي " جرها لخندق دو طابع عنفي ، و بالتالي كسب شرعية أكثر لبقائه و ربحه بعض الوقت لمحاولته الإلتفاف على المطالب الإجتماعية و تكسير الطابع الثوري للحدث ، تحث ذريعة الفتنة ، و اللاستقرار . و قد تجلى هدا الطابع في الشعارات التي رفعها التونسيين " سلمية سلمية ". فبعد محاصرة المتظاهرين رموز النظام السابق في مراكز الشرطة ، و مقرات الحزب الحاكم ( حزب التجمع الدستوري ). وعكس التوقع بأن تعم الفوضى و اللاستقرار ، أبدى الشباب مسؤولية كبيرة اتجاه المال العام ، و حرصهم على حماية الممتلكات العامة عبر إنشائهم لجان شعبية سدت الفراغ الأمني ، و تصدت ل " بلطجية " الحزب الحاكم.
فقد يمكننا تفسير هدا الطابع السلمي للثورة التونسية من منطلقات تاريخية أنتروبولوجية تجلت في حضور العمق التاريخي لمشروع حل الصراع السياسي في تونس عير فكرة العقد الإجتماعي ، و مساهمة الإستعمار الفرنسي تاريخيا في نزع الأسلحة من أوساط المجتمع التونسي خوفا من إستعمالها صده .
ليضاف كذلك الطابع الجماهيري لهده الإنتفاضة الشعبية بسبب الإتساع الأفقي و العمودي لحجم الأضرار الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية التي خلفها النظام التسلطي السابق ، خصوصا في المناطق التي كانت سباقة في إندلاع الإضطرابات الإجتماعية ( المحافظات الجنوبية و ووسط البلاد : سيدي بوزيد ، القصريين ، تالة ) مما وسع السخط الشعبي للتونسيين تبلور في قالب احتجاجي عجز النظام عن صده.
كما أن من الظواهر التي لفتت المفكرين و الباحثين في العلوم الإجتماعية و العلوم السياسية بالخصوص ، أنه هده الثورة لم تكن مؤطرة من قبل البنيات السياسية الكلاسيكية من أحزاب سياسية و حركات إديولوجية : فلا القومية ، ولا الإسلامية ، و حتى الماركسية التي كانت لها القدرة في إستقطاب النخبة ، إستطاعت أن تركب على موجة الحراك الشعبي ، و أن تقود المتظاهرين في الشارع . فالباحث التونسي توفيق المديني زك هده السمة بقوله : " هنا تكمن فرادتها الحقيقية مع بداية القرن الواحد و العشريين ، إذ أنها ثورة غير إديولوجية بالمعايير التي نعرفها عمليا و نظريا ". فلم يحمل المتظاهرين إذن شعارات توحي على أن ثورتهم برجوازية ، أو عمالية ،و لم يرفعوا لافتات تحمل دلالات توحي على أن لهم مشروع شيوعي أو خلافة إسلامية ، بل كانت شعاراتهم فضفاضة يمكن أن ينخرط فيها أي مواطنا رافضا للوضع الإجتماعي و الإقتصادي و السياسي التونسي ، كيف ما كان طيفه الإديولوجي ، و أصوله الإجتماعية ،و موقعه الطبقي.
ومن جهة أخرى ، و إدا تأملنا قليلا الى الدين فجروا الثورة ، فسنكتشف أننا أمام جيل جديد ما بعد الحركات الإسلامية ، فالنسبة لهم لقد ولت تلك الحركات الثورية التي تحمل طابع إديولوجي ، معتمدين مكان هده المرجعيات شعارات برغماتية ملموسة " إرحل...إرحل " ،و لم يستعونوا بالطروحات الإسلامية كما فعلت الحركات السلفية في الجزائر ،و لا بالتصورات العلمانية و القومية ، إضافة الى إختفاء نظرية المؤامرة في إوساط هؤلاء ، فلم يشيروا أثناء تظاهرهم الى الولايات المتحدة الأمريكية ، أو إسرائيل أو إلى أي دولة أخرى رغم مساندة هده الدول لنظام بن علي حتى أخر أنفاسه.
فقد اعتبرت إذن هده الحركة الشبابية المحرك الرئيسي للثورة ، هدا الجيل الأكثر تعلما ، و الأكثر قدرة على التعامل مع وسائل الإتصال التكنولوجيا ، و المتكون من طلاب الجامعات و الخرجين الجامعيين المعطلين ، هده البطالة التي يعاني منها الآلاف من التونسيين دو المؤهلات العلمية العالية ، و كثرة الإحساس بالظلم الإجتماعي الناجم عن حالة الفساد المستشري في كل أعضاء الجسم التونسي..
وما أعطى لهؤلاء الشباب القوة و القدرة على إنجاح احتجاجاتهم ، دلك العالم الافتراضي الذي شكل منبرا لهم ، حيث وظفوا ثورة وسائل الإتصال الحديثة في عملية التعبئة و الحشد للمظاهرات التي عمت مختلف المدن التونسية ،و فرضوا على نظام " بن علي " ثورة معلوماتية جديدة إستطاعت تكسير الرقابة البوليسية على وسائل الإتصال. و من جهة آخرى كان لفتوة الهرم العمري للمجتمع التونسي دور كبير في إنجاح الثورة، و الذي أصطدم بهرم سلطوي قريب الى الشيخوخة ، أنتفت فية آليات التواصل مع هؤلاء الشباب و مطالبهم الإجتماعية.
و بالإضافة الى ما سبق ، تميزت الثورة التونسية بالعفوية و التلقائية ، وتركز مطالبها على أمور إجتماعية بعد أن تطورت وذهبت في اتجاه إسقاط النظام ، فهدا الحراك كان جوهره بالأساس الغضب العفوي ضد الفجور الذي مارسه النظام التسلطي المنخرط في نظام العولمة النيوليبرالية.
كما امتازت بسمات أخرى من قبيل طول النفس للتحرك الشعبي ، و التوزيع الجغرافي للاحتجاجات ، فمن حيث المدة فقدت أستغرق إسقاط النظام حوالي 25 يوما ، في حين أن التوزيع الجغرافي كان إنطلافه من المحافظات المهمشة الواقعة جنوب و وسط البلاد ( سيدي بوزيد ، القصريين ، تالة...) ، لتتجه نحو الشمال و الشريط الساحلي ، دون أن ننسى انه و لأول مرة في التاريخ تستغل الثورة الفضاءات الإجتماعية كوسيلة للضغط على النظام ، فهدا ما فعلة التونسيين في ثورتهم.

عموما و بالإضافة الى ماسبق ، فإن أهم سمات الثورة التونسية ، كونها فندت عدم صحة ألافتراض القائل : " العجز الديمقراطي العربي " ، هدا العجز الذي تغذى على مجموعة من التغيرات : كالنفط ، والصراعات المناطقية ، و التدخلات الخارجية ،و الذي يفيد أن المنطقة العربية تمثل استثناءا تاريخيا و جغرافيا ، على إعتبار أن هده المنطقة هي الوحيدة في العالم التي لم تمسها عجلة التغير الديمقراطي.
فهدا التصور الذي تم نشره و التأكيد عليه بعد إصدار التقرير الأول للتنمية الإنسانية العربية عام 2004 ، لينتشر في أوساط الباحثين و المثقفين ، حتى بدى أنه مسلمة لا يمكن دحضها إطلاقا . إلا أن التجربة التونسية فندت هدا الإفتراض في الحالة العربية بشكل عام ، و ابرزت على أن الشعوب العربية قادرة على مجارات التحولات الديمقراطية التي عرفها العالم ، إن توفرت الشروط الموضوعية و الذاتية.
أما على مستوى الإنجازات ، فمند انطلاقة الثورة التونسية حققت مجموعة من الإنجازات ،لا داخليا ، و لا خارجيا : فعلى المستوى الداخلي نجحت بمطالبها الإجتماعية، و السياسية في الضغط على النظام و إسقاط الرئيس " زين العابدين بن على " من الحكم ، و خلقت جو من الحراك السياسي في الشارع ، و بعثث روح جديدة في جسم المعارضة بمختلف أطيافها الفكرية و الإديولوجية ، حيث قامت هده المعارضة و لأول مرة بإصدار بيان مشترك يشجب السياسة القمعية للنظام ،و تبنت الإحتجاجات الإجتماعية للشعب التونسي ، ليثم إفشال توريت الحكم الى حاشية و أقاريب الرئيس. وبعد دلك ثم ظهور نخبة سياسية جديدة ،طفت في الحياة السياسية الجديدة....

أما خارجيا : فقد يمكن أن تحقق أيضا انجازات قد تكمن في إعادة بناء الإنسان العربي ،إذ ثم تكسير حاجز الخوف من السلطة الدي عمر لقرون طويلة ، إضافة الى إمكانيتها إعادة صنع الشعوب العربية ، بعد أن أثبت هدا الحراك التقاطع بين هده الأقطار، في التاريخ و الدين و الحضارة و اللغة....و حتى الاستبداد و التسلط ، بحيث عبروا عن تلاحمهم و تضامنهم ، معبرين عن وحدة المصير المشترك.


و خلاصة القول ،فالثورة التونسية استطاعت تفنيد مقولة الاستثناء العربي في ما يخص التحول الديمقراطي للشعوب ، بعد إطاحتها بالنظام البوليسي في تونس ، لتكسر حاجز الخوف الذي خيم و لمدة طويلة على مخيلة الشعب التونسي و الشعوب العربية عامة ، ليجعل هدا التحول السياسي العلوم الإجتماعية امام تحديات كبيرة ،وإعادتها النظر في مجموعة من الأطروحات التي كانت سائدة . إلا أن التحدي الأكبر يطرح في مرحلة ما بعد الثورة ، و ما مدى امكانية النخب التونسية الجديدة في تحقيق الإنتقال الديمقراطي و توسيع هامش الحريات و تحقيق العدالة و الحرية و الكرامة للشعب التونسي و قابليتها لوجود معارضة حتى و إن كانت من بقايا النظام الزائل.فهدا كله لا يمكننا ان نتوقعه بهده البساطة إن لم نضع مسافة شاسعة بين هدا الحدث ( الثورة ) و تحقيق الديمقراطية ،لنجعل الزمن هو الكفيل للحكم على النظام السياسي الجديد : هل فعلا سيحقق الديمقراطية المنشودة ، و يخلق القطيعة مع سياسات النظام السابق؟ ام سيكرر نفس السيناريو الذي صار على نهجه بن علي بعد الانقلاب الأبيض؟؟؟؟؟

- المراجع المعتمدة :

- حنة ارنت ، في الثورة ، ترجمة عطا عبد الوهاب ، الطبعة الأولى ،المنظمة العربية للترجمة ، أيلول ( سيبتمبر ) ، 2008.
- اريك هوبزباوم ، عصر الثورة ( اروبا 1789-1848 ) ، ترجمة فايز الصياغ ، المنظمة العربية للترجمة ، الطبعة الاولى ، بيروت ، يناير 2007.
- عبد الوهاب الكياني ، موسوعة السياسة ، الجزء الاول ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بدون تاريخ.
لينين ، الدولة و الثورة ، تعاليم الماركسية حول الدولة، ومهمات البروليتاريا في الثورة ، مقدمة الطبعة الثانية ، موسكو ، 1918.
- توفيق المديني ،سقوط الدولة البوليسية في تونس ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، الطبعة الاولى 2011.
- ابراهيم بدوي ، سمير المقدسي ، غاري ميلانت ، تفسير العجز في الوطن العربي : دور النفط و صراعات المنطقة ، تفسير العجز في الوطن العربي ،الطبعة 2011 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الأولى 2011.
- رفيق عبد السلام بوشلاكة ، الاستبداد الحداثي العربي : التجربة التونسية نمودجا ، الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة ، مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية ، الطبعة 1 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2005 .
- محمد عصام لعروسي ، الحراك السياسي العربي: هل هو بداية لعقد إجتماعي جديد ؟ ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 393 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2011..
- احمد تهامي عبد الحي ، لمادا لم تتنبأ العلوم الاجتماعية بالثورات العربية ؟ مجلة السياسة الدولية ، العدد 6 ، اكتوبر 2011.
جاك قبانجي ، لمادا فاجأتنا نتفاضتا تونس و مصر ؟ مقاربة سوسيولوحية ، المجلة العربية لعلم الاجتماع ، اضافات ، ع 14 ، ربيع 2011.
- تيموثي جارتون آش ، الثورة المخملية ، هل هناك تغيير بلا عنف ، مجلة وجهة نظر ، ترجمة عادل فتحي ،العدد 135 ، ابريل 2010.
- عزمي بشارة ، في الثورة و القابلية للثورة ، سلسلة دراسات و اوراق بحثية ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) ،ااغسطس 2011 ،.
- مرشد القبى ، قراءة في قراءات الثورة التونسية ،سلسلة تقييم حالة ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) ، ااكتوبر 2011 .
- ايمان احمد رجب ،الثورات ، المفاهيم الخاصة بإنهيار النظم السياسية ، ملحقة مجلة السياسة الدولية ، ع 184 ، ابريل 2011.
_ آمال موسى ، ثورة ام انتفاضة ؟ مجلة المغرب الموحد ، العدد 12 ، 1 ماي 2011.
- ناجي عبد النور ،الحركة الاحتجاجية في تونس ،وميلاد الموجة الثانية من التحرير السياسي ،مجلة المستفبل العربي ،مركز الدراسات الوحدة العربية ، ع 387 ،2011.
- لطفي طرشونة ،منظومة الحكم التسلطي و الإنحراف االإستبدادي، الثورات و الاصلاح الديمقراطي في الوطن العربي من خلال الثورة التونسية ،سلسلة ملفات ، المركز العربي للابحاث و دراسة السياسات ، 2011.
- عبد الوهاب الافندي ،دولة الثقب الاسود ،مجلة وجهات نظر ،ع 136 ،فبراير ،مارس ، ابريل 2011 .
- طارق الكحلاوي ، تونس : ثورة طور الإنجاز ،مجلة الاداب ، عدد 1-2-3 ، يناير ، فبراير ،مارس ،2011 .
- صابر محمود الحباشة ، ثورة الكرامة و الحرية :نهاية الاستئصال و بناء المنوال ( قراءة في عناصر من ثورة 14 يناير 2011التونسية )،المجلة العربية لعلم الاجتماع – اضافات – ع 14 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2011.
- جمال بن حمدان ،تونس : قراءة في خطاب الثورة ، مجلة المغرب العربي الموحد ، العدد 12 ،دار النشر للمغرب العربي2011 ،
- - كمال بن يونس ،" التهميش الشامل ":عوامل ادلاع الثورة ضد نظام بن علي قي تونس ، مجلة السياسة الدولية ، العدد 184 ، ابريل 2011.
- العربي الصديق ، تونس : ثورة المواطنة..." ثورة بلا رأس "،( سلسلة دراسات واوراق بحثية )، المركز العربي للابحاث و دراسات السياسات ( معهد الدوحة ) ، يوليوز 2011 ، ص:14.
- رشيد الخالدي ، الثورات العربية 2011 ، ملاحظات تاريخية أولية ، مجلة دراسات فليطينية ، ع 186 ، ربيع 2011
- عائشة التايب ، الخلفيات الإجتماعية و الإقتصادية للثورة التونسية ، الثورات و الإصلاح و التحول الديمقراطي في الوطن العربي من خلال الثورة التونسية ،سلسلة ( ملفات))، المركز العربي للابحاث و دراسات السياسات ( معهد الدوحة ) ،ماي 2011.
- عبد العالي حامي الدين ، الثورة الشعبية في تونس ،مدى قابلية النمودج للتعميم ،سلسلة ( تقييم حالة ) ، ا المركز لعربي للابحاث و دراسة السياسات ، يناير 2011 .
. - نجيب بودربالة ، الثورة التونسية ، مجلة وجهة نظر ، العدد 49 ،صيف 2011 ..
عز الدين عبد المولى ، دور الإعلام في ثورة الشعب ، الثورات و الاصلاح الديمقراطي في الوطن العربي من خلال الثورة التونسية ، سلسلة ( ملفات )المركز العربي للابحاث و دراسات السياسات ( معهد الدوحة )، ماي 2011.
- غسان سلامة ، عن تونس ،مجلة المستقبل العربي ، العدد 384 ،مركز دراسات الوحدة العربية ،2011.
- محمد عبد الشفيع عيسى ، فروض نظرية على محك الخبرة الثورية الأخيرة في تونس و مصر ،مجلة المستقبل العربي ،العدد 386 ،مركز دراسات الوحدة العربية ، 2011.
- المولودي الأحمر ، الطابع المدني و العمق الشعبي للثورة ، الثورات و الاصلاح الديمقراطي في الوطن العربي من خلال الثورة التونسية ، ( سلسلة دراسات واوراق بحثية )، المركز العربي للابحاث و دراسات السياسات ( معهد الدوحة ) ، يوليوز 2011.
- توفيق المديني ، ربيع الثورات الديمقراطية ، مجلة المستقبل العربي ،العدد 386 ، مركز دراسات الوحدة العربية2011
- ياسين الحاج صالح ، قضايا في شأن تونس الجديدة ، مجلة ألآداب ، عدد 1-2-3-2011،.
. -اباهر السقا ، الحركات الإحتجاجية العربية الجديدة : إعادة الإعتبار للفضاء الإجتماعي ، مجلة آفاق برلمانية ، العدد 4 ،المؤسسة الفلسطينية للدراسات الديمقراطية ، رام الله ، أيلول 2011
- منصف المرزوقي ، ألأفاق المدهلة و المرعبة للثورة العربية ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 386 ، مركز دراسات الوحدة العربية ،2011.

- - Béatrice hibou ,tunisie , économique politique et moral d’un movement social ,la tunisie en revolution la politique Africain n121 maras 2011.

- Samir amin, le -print-emps arabe Publié par Mouvements, le
1er juin 2011. http://www.mouvements.info/2011-le--print-emps-arabe.html .

-Mohamed Hassan : « Les causes de la révolution tunisienne dépassent largement Ben Ali et son parti. »
http://www.michelcollon.info/spip.php?page=article_pdf&id_article=2986

- Amin Allal ,et Vincent Geisser Tunisie : « Révolution de jasmin » ou “ intifada-
http://www.mouvements.info/Tunisie-Revolution-de-

:



3 - الثورة التونسية : محاولة للتحليل

إبتداءا من القرن 19 شكلت تونس وضعية خاصة في المنطقة العربية ، لكونها من الأقطار العربية الأولى التي سارت على درب تبنيها للفكر الإصلاحي في القالب الذي رسمته النهضة الأروبية الحديثة ، ليثم تكريسه مجتمعيا بعد الإستقلال رغم الطابع المحافظ للمجتمع التونسي ، الشئ الذي خلق اصطداما بين الخطاب الرسمي و الإتجاهات المحافظة ، أفرز أزمات عديدة داخل نسق هدا المجتمع ( أزمة الإنتماء ،و أزمة الهوية بحكم الموقع من اروبا ) ، ليمهد للبوادر الأولي لإنفجار أزمات محتملة. كما كان للإخلال الحاصل في معادلة التنمية و الديمقراطية في التسريع بتأزم الأوضاع الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية بتونس ، بحيث نهجت الأنظمة السياسية التي تعاقبت على حكم تونس شعار التنمية الإقتصادية دون السير في طريق ديمقراطي رغم الضغط التي شكلته النخبة السياسية التونسية المتنورة ذات التوجهات المختلفة ( اسلامية ، يسارية ).
فعلا و بعد تركم هده الأزمات ، وتوفر الشروط الموضوعية و الذاتية ، انفجرت الثورة التونسية ،و أطاحت بنظام حكم " بن علي " الذي استمر في الحكم مدة 23 عاما ، ليشكل هدا الحدث المفاجأ بداية فارقة و مرحلة جديدة في تاريخ العالم العربي . و لم تتوقف رياح هده الثورة عند الحدود التونسية فقط ، بل إنتشرت في باقي الأقطار الأخرى ، مزيحة أنظمة تسلطية تحمل قواسم مشتركة في الفساد و الإستبداد وحكم الحزب الواحد ،و تمركز ثروات البلاد في يد الفئة الحاكمة.
فالإنجاز الذي حققته هده الثورة ،إضافة الى هروب الرئيس و إسقاط نظامه ،و فتح نوافذ الحرية التي ظلت مغلقة طيلة حكم " بورقيبة " و "بن علي " دحضها لمجموعة من الأطروحات النظرية التى ذهبت في إتجاه إبقاء الأنظمة السياسية الأبوية في الحكم ، بحيث إهتم العديد من الباحثين في العلوم السياسية و مسألة الديمقراطية ببحثهم ،و محاولة فهمهم عن حقيقة ما وقع في تونس و الاسباب الكامنة وراء هدا الحدث.
ونحن بدورنا من حقنا أن نتساءل ، و إن سلمنا جدلا أن ما وقع كان ثورة بالفعل فما هي الأسباب و الدوافع التي أدت الى دلك ؟ ،و باعتبارها جاءت مختلفة عن الثورات الكلاسيكية ( الثورة البلشفية ، الثورة الامريكية ، الثورة الفرنسية ، الثورة الايرانية ) ، فما هي السمات الخاصة التى حملتها هده الثورة ؟ وما هي الأهداف التي حققتها ؟.وهل استطاعت أن تزيل بقايا النظام السابق ؟ وهل بإمكان هده التحولات السياسية أن تأسس لنا تجربة ديمقراطية جديدة تخلق القطيعة مع النظام السابق ؟.

1- 3 - أسباب و دوافع الثورة التونسية
ثمة عدة أسباب و دوافع لتفسير الثورة التونسية لا سواء على المستوى الداخلي كالعوامل البنيوية : سياسية ،إجتماعية ، إقتصادية ،و العوامل المساعدة : دلالة إحراق " البوعزيزي " لنفسه ، نسبة التعليم المرتفعة في تونس ، إنحياز الجيش للثورة ، التكونولوجيا ، دور المجتمع المدني و التحاقه بالإحتجاجات ، الطبقة الوسطى...إضافة الى عوامل أخرى مساعدة تحمل طابعا خارجيا ،سواء كانت إقليمية أو دولية.
- أ – الأسباب البنيوية
لقد استفحلت أزمات بنيوية في المجتمع التونسي خلال الأعوام الماضية تأًصلت ما قبل فترة حكم " بن علي " ،لكنه عمقها بسياساته ، بحيث تركزت في المناطق الساحلية أغلب النشاطات الإقتصادية من معامل صناعية و شركات كبرى ،و في المقابل إنتشرت نسب التهميش و البطالة و البؤس في المناطق الداخلية و الوسطى البعيدة عن الساحل ، والتي يشكوا أغلب سكانها من صعوبة العيش ، و قصاوة الطبيعة ، وندرة فرص الشغل. فيمكن إرجاع هده الظاهرة إ البنيوية إلى حقبة الإستعمار الفرنسي التي امتدت في تونس ما بين 1881 – 1956 ، و التي تكرست فيها الفجوة بين المدن و القرى الساحلية الغنية ، و المدن الداخلية و الوسطى المهمشة . لتزداد هده الهوة خصوصا بعد اكتشاف ثروات طبيعية داخل المناطق الداخلية ( فوسفاط ، الحديد ، النحاس ، الرصاص ) ، و بدلا أن يستفيد الشعب التونسي من هده الثروات ، أقدم المستعمر الفرنسي على إنشاء الوحدات الصناعية و المؤسسات الإقتصادية على طول الشريط الساحلي ، تكريسا لإستراتيجية نقل الثروات الى فرنسا. و بعد استقلال تونس تعمق هدا الخلل بشكل كبير رغم كل الموارد التي رصدتها الحكومات المتعاقبة لفائدة الجهات الداخلية ، و تبنيها لبرامج التنمية.
وقد كشفت دراسة قامت بها " منظمة رجال الأعمال التونسيين " و " الإتحاد التونسي للتجارة و الصناعات التقليدية في سنة 2010 ، أن أكثر من 52 في المائة من الشركات في تونس تموقعت في 7 محافظات ساحلية ( تونس ، صفاقس ، نابل ، سوسة ...) ، كما بينت هده الدراسة أن 32 في المائة من الشركات التونسية توجد في العاصمة تونس ، يليها في المرتبة الثانية التجمع الإقتصادي في كل من سوسة و صفاقس و المنستير و المهدية و الحمامات . و حسب نفس الدراسة أن 17 محافظة المتبقية لا توجد فيها إلا أقل من الشركات التونسية. مما يرجح فرضية ارتفاع نسبة البطالة في هده المدن ( الوسط و اجنوب ) أكثر من المعدلات الوطنية المعلن عنها ، رغم النزوح التي يعرفها سكان هده المناطق ، سواء الى آروبا ( الهجرة الغير الشرعية ) ،أو الى باقي الدول المغاربية ( ليبيا ، الجزائر ).
و بسبب هده العوامل كانت لهده الفئة المهمشة دورا كبيرا في المظاهرات التي أطاحت بالرئيس التونسي " بن علي " ، مثلما كان شبابها وقود الحركات الاحتجاجية التي اندلعت خلال العقود الماضية ( انتفاضة الخبز 1984 ) ،و التحركات التي عرفتها الحركة الطلابية في هده الفترة. وقد كان دلك نتيجة تضخم نسبة الفقراء في الأحياء الشعبية التونسية التي شكات أحزمة الفقر أحاطت بالمدن التونسية الكبرى..
عموما فقد اختلفت و تفاعلت مجموعة من المتغيرات الداخلية ( سياسية ، إجتماعية ، إقتصادية ) في إنجاح الثورة الثورة التونسية ، فالإستقرار المجتمعي بشكل عام يتحقق حينما يكون التوازن بين النظام السياسي و بيئته الداخلية حاضرا ، وهدا لم يكن متوفرا في تونس ، حيث عجز النظام التونسي عن تلبية المطالب الإجتماعية ، و احتوائها ، ليصبح هدا دافعا لبروز الحركة الإحتجاجية التي كان لها الدور الحاسم في قلب الأوضاع في تونس. فعلى الصعيد السياسي كانت الهوة شاسعة بين الخطاب السياسي الرسمي ، و الممارسة العملية، بحيث قدمت أغلب التصريحات الرسمية صورة مشرفة عن التقدم الإقتصادي و الإجتماعي التي حققته تونس رغم اقتصارها واقعيا على إعطاء الأولوية للشريط الساحلى الشمالي و تنميته ، و إهمال المناطق الجنوبية و الوسط . فقد دفعت هده التصريحات الشباب التونسي الى إتحاد موقف العزوف السياسي خصوصا خلال الإنتخابات الأخيرة سنة 2009 ، و مقاطعتها ، مما نتج عن وجود أزمة ثقة في الخطاب الرسمي جعل فئة الشباب تشكل الأغلبية داخل الحركات الإحتجاجية.
كما شكل الحضور المكثف و الهيمنة الواضحة للحزب " التجمع الدستوري الديمقراطي " على مجمل نشاطات الحياة السياسية ، و على جميع المستويات : محليا ، جهويا ، وطنيا ، و تضييقه الخناق على كافة المكونات السياسية الأخرى ، ومراقبتها عن طريق إنشاء لجان التنسيق الحزبي، إضافة الى التداخل الصارخ بين رئاسة الجمهورية و رئاسة الحزب و الوزارة الأولى.
وفي ظل مجاراته لقطار التحديث التي سارت في طريقة تونس ، عمد " بن علي " على القيام بمجموعة من الإصلاحات الدستورية و السياسية ( تم التطرق اليها في المحور السابق ) كالتعديلات عام 1998 التي أزاحت قيد عدد فترات الترشح لمنصب رئاسة الجمهورية ، وتعديلات 2002 التي ألغت فترات تولي الحكم و رفعت سن الترشح من 70 إلى 75 سنة ، لينتج عن هده الإجراءات فوز مرشح واحد ووحيد إسمه " زين العابدين بن على " تحت يافطة " حزب التجمع الدستوري الديمقراطي " في سنوات 1989- 1994 – 1999 2004 ، بنسبة لا تقل عن 90 بالمائة.
فإن أغلب هده الإصلاحات كرست الرئاسة مدى الحياة ، و الحكم التسلطي ، لتتصاعد وثيرة الجدل في تونس بشأن مطالبة قوى سياسية مقربة من " قصر قرطاج " لتمديد الرئيس المخلوع لولاية سادسة الى 2014 ، و في المقابل إتجهت المعارضة للرفض متخذة مما تراه تعديلا جديدا يحمل صبغة الصنع و الفبركة ، و يكرس عمليا الرئاسة مدى الحياة ، و مدى تأُثير هدا على مستقبل الحياة السياسية التونسية ، و إشكالية التداول على السلطة بشكل عام.
وفي خضم العلاقة بين النظام السياسي التونسي و باقي المكونات السياسية الآخرى التي انصهرت في المنظومة الرسمية، وعدم قدرتها على التعبير عن مصالح الشباب و قضاياهم ، بحيث لم تستطع هده القوى القيام بدور مؤثر في الحياة السياسية ، و نقل الإشكالات الى أ جندات السياسة العامة للحكومة ، إضافة الى سيادة بعض الصراعات الأفقية داخل مكوناتها بسبب الجري وراء المصالح الخاصة ،و سعيا للعب دور الوساطة ، و الزبونية لحاشية الرئيس. فهده الأوضاع كلها دفعت الشباب الى تجاوز كل البنيات التقليدية ، و خروجه في تظاهرات غير مؤطرة ليعبر عن مصالحه بعدما عجزت الأحزاب عن هدا.
ومن ناحية أخرى يمكن إعتبار العوامل الإجتماعية أكثر أهمية في تفسير الحدث التونسي ، خصوصا أن الحركات الإحتجاجية التي عرفتها البلد في الستينيات و السبعينيات ، و انتفاضة الخبز في يناير 1984 ، كانت سبب تدهور الأوضاع الإجتماعية ، و تفش البطالة ، و الفساد و غياب العدالة الإجتماعية. فقد تفاقمت البطالة في المجتمع التونسي حيث أُثرت على 17 في المائة من عدد السكان البالغ عددهم 10 ملايين نسمة ، لتؤثر بشكل أكبر على شريحة الشباب، 30 في مائة منهم حاصلين على الشهادات الجامعية ، و التي باتت تشكل تحديا أكبر للحكومة التونسية نحو توفير فرص الشغل لهؤلاء الخرجين ، بعد أن أرتفع عددهم بشكل لافت في السنوات الأخيرة.
ورغم الإحصاءات الرسمية التي أشرت على التحسن في مستوى التشغيل من خلال بعض المخططات التنموية التي أقدمت عليها الحكومة التونسية ك " مشروع خارطة الصناعة الجديدة لدعم تنمية المناطق الداخلية " و " مشروع تنمية مناطق الوسط الغربي " و " مشروع المخطط العاشر للتنمية " ، إلا أن معدلات البطالة سجلت ارتفاعا بارزا في صفوف العاطلين عن العمل من حملة الشهادات الدين أرتفع عددهم خلال عام 2007 ليبلغ 102.3 الف عاطل ، ليرتفع هدا العدد سنة 2008 و يصل الى 168.8 الف عاطل، وهدا ما يوضح ارتفاع عدد المتخرجين من الجامعات سنويا . كما بدأ عدد العاطلين الحاملين الشواهد العليا يسجل ارتفاعا صارخا بدوره مند 1993 ، حيث سجل نسبة 10.9 في المائة كمعدل سنوي ، ليبلغ حوالي 18.4 في المائة ما بين 2007- 2001 .
وفي ظل هدا الوضع المتردي لهده الفئة من المجتمع التونسي ، صدرت مجموعة من التقارير الدولية حذرت من تأزم الأوضاع ، من بينها تقرير للبنك الدولي الذي أشار أن مشكل البطالة ، و خصوصا خرجي مؤسسات التعليم العالي الدين شكلوا حوالي 60 في المائة من الوافدين على سوق الشغل .
وإضافة الى مشكلة البطالة، كان لغياب العدالة الإجتماعية الدور المهم في تراكم العوامل التي فجرت الثورة ، بحيث شكلت السياسية التنموية الغير العادلة من أهم أسباب الاضطرابات الإجتماعية ، لأنها عمقت الهوة و الفوارق الإجتماعية ، حيث عرفت البلاد انقساما تنمويا بين الشريط الساحلي الذي تمركزت فيه أغلب النشاطات الاقتصادية ، و منطقة الوسط و الجنوب التي أهملت عبر مجموعة من المحطات التنموية التي عرفتها تونس ، وهو ما أدى بشباب هده المناطق الى الهجرة اتجاه اروبا ( الهجرة الغير الشرعية ) أو الى الدول المغاربية المجاورة ( ليبيا – الجزائر )، فرارا مما اسموه تدهور الحالة المعيشية بسبب غياب برامج تنموية في هده المحافظات المعزولة.
وقد زك هدا الوضع الإجتماعي المزري ، مجموعة من الإحصاءات التي صدرت عن المعهد الوطني للإحصاء سنة 2010 ، قاربت الأحوال المعيشية للسكان ، لتكشف على أن 33.9 في المائة من السكان يعيشون في وسط غير منظم ، وهدا يؤشر على تدني مستوى الخدمات الإجتماعية التي تقدمها المجالس البلدية ، و تشير نفس الإحصائيات أن هده النسبة سجلت 35.1 في المائة سنة 2004 ، لتنخفض بمقدار 1.2 في المائة خلال السنوات السابقة ، مع تركزها بشكل كبير في محافظات الوسط و الجنوب بحوالي 51.2 بالمائة.
أما الفساد الذي استشرى في كل مناحي الدولة التونسية ، كان السمة الأبرز في الحياة الإجتماعية و الإقتصادية ، و الذي يمكن تعريفه: الإستغلال السيء من طرف نخبة الدولة المتحكمة ، على إتخاد القرارات الإقتصادية و السياسية للوظيفة الرسمية من أجل تحقيق المصلحة الخاصة ( مصلحة الحزب ، المصالح العائلية ).
وفي تونس كان ظهور الفساد ملازما لتحكم الدولة البوليسية مند نشأتها ، التي مارست الإحتكار الأعمى لمصادر الثروة عبر النخبة الحاكمة التي تتكون من مجموعة من العائلات مارست مختلف أشكال النهب و السلب بطريقة منظمة ، بحيث نبع ( النهب الممنهج و المنظم ) من مجموعة من المصادر كان أهمها الشركات المتعددة الجنسيات و نسبة نجاحها الكبير في تحقيق الأرباح و مراكمتها لفائض القيمة ( حسب التعبير الماركسي ) ، بسبب حصولها على إمتيازات خاصة ، أكثر من الامتيازات الممنوحة للرساميل الوطنية بسبب دفع رشاوى لمحيط الرئيس ، و خصوصا عائلة " الطرابلسي" أو العائلة المالكة كما يصطلح عليها في الأوساط التونسية ، و عائلة " شيبوب " صهر " بن علي " ، إذ تتحكم هاتان العائلتان على نسب مهمة من إقتصاد البلاد ، بشرائها لمجموعة من الشركات التابعة للقطاع العام عن طريق الخوصصة ، إضافة الى حصولها على قروض دون ضمانات و دون حسيب و لا رقيب ، الشيء الذي جعلها تراكم ثروات طائلة ، في حين أن نسبة كبيرة من التونسيين تعيش تحت عتبة الفقر ، خصوصا في مناطق الجنوب و الوسط.
وطبقا لبعض التحقيقات الميدانية التي قامت بعض قوى المعارضة حول العائلات التي تمارس النهب المنظم خلال فترة 1991- 1998 ، كشفت و إضافة الى عائلتي " الطرابلس و شيبوب " إنتشار مجموعة من العائلات الأخرى التي سارت على نفس المنوال لنهب الثروات التونسية ، و التي تسابقت و تصارعت فيما بينها لضفر بأكبر الحصص ( عائلة لطيف ، عائلة عمار ، عائلة سليم رزوق ، عائلة الماطري ، عائلة بن علي ...) .
وفي الأعوام الأخيرة تجاوز الفساد ارتباطه بظهور الدولة البوليسية ، ليصبح ممؤسسا في شكل " صندوق التضامن الوطني " المعروف في الأوساط التونسية تحت إسم مستعار ب " صندوق 26/26 " الذي يعتمد في موارده على إقتطاعات الموظفيين ، و الهبات ، وإقتطاعات ضرائب الشركات الوطنية ، لسد حاجيات الفئات التي تنتمي الى المحافظات الفقيرة ( الوسط و الجنوب ) . أما واقعيا فقد كان هدا الصندوق آلية لنهب و سلب منظم للثروات التونسية ، فهده المؤسسة لا أحد مسؤولا عليها إلا الرئيس ، و لا تتعرض لأي مسائلة أو محاسبة من الجهات الرقابية المختصة ( وزارة المالية ).
فبعد نجاح الثورة وإسقاط نظام بن علي ، ظهرت مجموعة من الحقائق حول طبيعة هدا الصندوق ، و أهدافه الحقيقية ، بحيث قدمت وسائل الإعلام الرسمية للنظام السابق على أن هده المؤسسة تساهم في تنمية الأوساط الفقيرة ، لكن إنطلاقة الثورة من المحافظلت الفقيرة ( الجنوبية ) فندت كل الإدعاءات الرسمية التي كانت مجرد تضليل للرأي العام الوطني و الدولي لا أكثر.
إضافة الى العوامل السياسية و الإجتماعية السابقة الذكر التي تراكمت لتساهم في تفجير الثورة التونسية، إتخد العمل الإقتصادي نصيبه كذلك في تأزم الأوضاع داخل المجتمع التونسي ، بحيث شكل هدا العامل البيئة المناسبة لنمو الإحتجاجات ، فمع نهج البلاد لتوجه النيوليبرالي بتحرير الأسواق عبر التقويم الهيكلي التى تبنتها الحكومات السابقة ، و بالضغط من المؤسسات الإقتصادية العالمية ( صندوق النقد الدولي ، البنك العالمي ). و ما ترادف من إجراءات مرتبطة بهده السياسات ، خصوصا فيما يخص بتقليص الإنفاقات العمومية ،و تخلي الدولة عن سياسة التوظيف ، و زيادتها في الضرائب ، الشيء الذي أضر بالفئات الفقيرة و المهمشة ، لتزداد التناقضات ، و الإختلالات و الفوارق الطبقية داخل المجتمع التونسي
وبالرغم من محاولة النظام التونسي السابق وصف اقتصاده ب "بالمعجزة " رغم أن تونس لا تتوفر على موارد نفطية كجيرانها : ليبيا و الجزائر ، إلا أنها تعتبر الأفضل مقارنة بمجموعة من الدول الأخرى ، من حيث القدرة الشرائية و النمو الإقتصادي ، و في ظل شح موارد هدا البلد الذي يعتمد على السياحة ، فإن المشكل كان كامنا في انعدام التوازن في النمو الإقتصادي بين مناطق الجنوب و الوسط ( مكمن الإضطرابات الإجتماعية ) التي تعاني من قلة الأموال المرصودة لتنميتها ، و الشريط الساحلي الذي يتمركز فيه جل النشاطات الإقتصادية .
وبالإضافة الى إشكالية التوازن يعاني الإقتصاد التونسي مجموعة من الصعوبات دفعت بالعديد من التونسيين بالعمل في القطاعات الموازية " باعة متجولون " رغم المنع الذي يتعرضون له من طرف السلطات المحلية ، كما حاولو أيضا البحث عن بدائل أخرى للتخلص من شبح البطالة : كالهجرة نحو اروبا ( الغير الشرعية ) و باقي الاقطار المغاريبة ( ليبيا و الجزائر ). كما كانت للأزمة المالية التي اجتاحت الإتحاد الاروبي الأثر الكبير على الاقتصاد التونسي ، خصوصا أنه راهن على قطاع السياحة الذي تراجع بتراجع تقاطر الاروبيين على تونس.
وبسب ضعف التعاون و التجارة البينية بين تونس و البلدان المغاربية الأخرى ،اتجهت نحو الإتحاد الأروبي لتكون أولى الدول المغاربية التي وقعت على شراكة أورومتوسطية ، و تستفيد من دعم مالي بهدف تكييف إقتصادها مع شروط التبادل الحر . لكن هده الخطوة كان لها الأثر الكبير على الإقتصاد التونسي ،بتدميرها للشركات الوطنية الصغيرة و المتوسطة التي كانت لها الإمكانية في التخفيف من البطالة .
وإجمالا يمكن القول أن " المعجزة الإقتصادية " ، باتت شعارا رسميا أستخدمه النظام التونسي الزائل لتلميع صورته ، لكن سرعان ما أصطدم بواقع جعل التونسيين يكسرون جدار الخوف ،و يظهرون العداء للسلطة السياسية الذي ظل كامنا لعقود من الزمن ،و الذي أنتظر توفر الشروط الموضوعية و الذاتية و تراكم كل هده العوامل البنيوية: ( السياسية ، و الإجتماعية ، و الإقتصادية ) لتنفجر الثورة، إلا أن هده العوامل لم تأسس بمفردها لاندلاع هدا الحدث ، بل جاءت عوامل مساعدة ، منها من ظهر تدريجيا ، و منها من كان ظرفيا ، آنيا سرع بالحدث ، و جعله يظهر في هدا الوقت بالذات.

- ب - الأسباب المساعدة
إضافة الى العوامل البنيوية التي تأصلت مند ما قبل الإستقلال ، وزاد تعميقها مع حكم كل من " بن علي " و " بورقيبة " ، ساهمت عوامل مساعدة في ااندلاع الثورة بعد زرع الوعي في ظمائر التونسيين ، و إدراكهم بضرورة التغيير، بحيث شكل إحراق الشاب " البوعزيزي" بعد منعه من ممارسة تجارته الموازية في سوق شعبية من طرف الشرطة ،الشرارة الأولى لاندلاع الثورة التونسية ،بحيث دفعت بالشباب التونسي الى الخروج بمسيرات غضب ، بحيث كانت أكثر المحطات حسما ، أحداث " القصريين و تالة " التي إستعصى على الأمن و الجيش التحكم فيها و إيقافها ، رغم سقوط العديد من القتلى و الحرحى و المعتقليين.
ورغم فرادة العملية التي قام بها هدا الشاب العاطل أمام مقر ولاية سيدي بوزيد ، إلا أنها تحمل دلالات رمزية أشرت على خلق وعي بالواقع الإجتماعي و الإقتصادي ، و رفضه جهرا ، و أمام مؤسسة رسمية. فتعاطف الشباب التونسي مع الحدث و الإمتداد الدي صار فيه جعله يرتقي الى الرمزية العامة بإعتباره حدثا ينير طريق كل من يبحث عن مخرجا لعطالته.
كما اعتمدت الثورة التونسية على وسائل الإعلام التكنولوجي ، و خاصة مواقع التواصل الإجتماعي ( الفايس بوك و التويتر ) و الفضائيات العربية ( قناة الجزيرة و العربية) و الغربية ( France 24 و غيرها ...) في خلق التواصل الجماهيري ، و من خلال هده الوسائط ضمن المحتجون وصول صوتهم الى شريحة كبيرة من التونسيين و العالم الخارجي ، و نقل تطورات الأحداث دون رقابة الأجهزة البوليسية. و ليثم إزاحة الخوف السياسي و كسر الصمت الإعلامي المطبق على الرأي العام التونسي ، لتقنعه هده الوسائل أنه لا يقل عن الشعوب الأخرى أحقية في إختيار من يمثله .
و باعتبار تونس من الدول التي تتميز بإرتفاع نسبة التعليم بالمقارنة بدول الجوار، وكذلك إرتفاع نسبة مستخدمي مواقع التواصل الإجتماعي التي هي الأكثر من بين شباب الدول المجاورة ، فخلال شهر يناير 2011 ، بلغ عدد مستخدمي موقع التواصل الإجتماعي « facebook » حوالي 19.09 في المائة من مجموع السكان ، و لتبلغ كذلك نسبة الشباب المستخدمين لهدا الموقع ممن تتراوح أعمارهم من 17 الى 44 سنة نسبة 87 في المائة من مجموع المستخدمين. ليكون هدا مؤشرا على الدور الفعال لهده الوسائط في نقل المعلومة رغم تحكم النظام على جميع وسائل الإعلام ( صحافة المكتوبة و الإكترونية ...و القنوات التلفزية) و جعلها ابواقا له.
عموما فقد اعتبرت هده المواقع الإلكترونية و الفضائيات من العوامل التي دفعت بالجماهير التونسية الى الخروج الى الشارع ، ومع بدأ الثورة في سيدي بوزيد إلا أنها سرعان ما تناقلتها هده المواقع في شكل " دعوات و صور و مقاطع فيديو " لتنتشر على الشبكة العنكبوتية ،ففي غالب الأحيان كانت هده الدعوات للإحتجاج تتخذ شكلا " فايسبوكيا "قبل ان تصبح واقعيا. كما وفرت هده المواقع كذلك فضاء مهما للتعرف على القوى السياسية و الفاعلين في الداخل و الخارج ، و أسهمت بعد مغادرة الرئيس " بن علي " في ترشيد و تنظيم حركة الشارع عبر النداءات الداعية الى تشكيل لجان شعبية لحماية المدن من أي تحرك محتمل من قبل " بلطجية " الحزب بن علي.
ومن جهة أخرى كان للجيش دورا كبيرا في مجريات الامور ، من خلال التزامه موقف الحياد من الإحتجاجات ، ومنع سقوط العديد من الشهداء و الجرحى ، ليتضح أن شخصيات عسكرية و أمنية قامت بدور أساسي في الدفع بأبن علي نحو الإطاحة مثل : العقيد "عماد حطاب " نائب مدير الأمن الرئاسي السابق ، و الجينرال " رشيد عمار " قائد أٍركان الجيش. ورغم انتماء بن علي الى العائلة العسكرية إلا أن الضباط و باقي الجيش تخلوا عنه لإمكانية وجود فصل مسبق في أدهان الضباط بين الدولة و النظام، ليتلخص موقفه ( الجيش ) في إلتزامه بالوظائف المحددة له دستوريا ، و المتمثلة في حماية الحدود و السهر على أمن المواطن التونسي.
وإضافة الى عامل الجيش كان للجهات النقابية دورا مهما في تطعيم الاحتجاجات بعد إنظمامها الى المتظاهرين في مختلف المناطق التونسية ، و قد ظهر في السياق " الإتحاد التونسي للشغل " الذي يعد من أقدم و أعرق مؤسسات المجتمع المدني في تونس ، و قد كانت هده النقابة حاضنة شعبية للعمل الوطني و التحرر من الإستعمار ، لتلتحق بالثورة التونسية، و تتفاعل معها بقوة ، خصوصا خلال مرحلته الأخيرة. فقد قام المئات من نقابي هده المنظمة بالتجمع في ساحة " محمد علي " في تونس العاصمة ، و تعبيرهم عن تضامنهم مع أهالي سيدي" بوزيد و القصريين" ، و شجبهم عن الممارسات القمعية و الإعتقالات التي تعرض لها الشعب التونسي مند بدأ الثورة. أما "الإتحاد التونسي للشغل " فكان متفاعلا بدورة كباقي مكونات المجتمع المدني ، فبتاريخ 2 شتنبر 2010 ، قام بإرسال عضويين من المجلس التنفيذي الى " سيدي بوزيد " للضغط على المسؤوليين الأمنيين و إطلاق سراح المعتقليين ، لتلتحق النقابات الأخرى و تدخل عل الخط ، حيث أعلنت نقابة المحاميين إضرابا في 9 يناير 2011 ، و أعلنت مساندتها للثورة ، لتقوم هده النقابات بإصدار بيان مشترك تقر من فيه مشروعية كل المطالب التي رفعها التونسيين.
وأما خارجيا ، فقد ساهمت كذلك منظمات المجتمع المدني العالمية في الدفع بعجلة الثورة نحو النجاح ،من خلال إصدارها بعض التقارير التي شجبت المقاربة البوليسية التي تبناها النظام من خلال قمعه للحق في التظاهر ، فهده الخطوات ساهمت بشكل أو بآخر في دعم المسيرات الإحتجاجية ، و تحويل اليأس الذي زرعه بن علي بسياساته القمعية ، الى تحفيز و مواصلة التظاهر . و من هنا يمكننا أن نرصد بعجالة، و بدون الإغراق في التفاصيل بعض التقارير المنظمات الحقوقية :
- تقرير أصدرته " منظمة العفو الدولية " ، و بناءا على إستطلاع أجرته في تونس ،أن النظام التونسي مازال يعرف عدة خروقات في مجال حقوق الإنسان ، ووجود قمع ممنهج و منظم.
- تقرير أصدرته منظمة " مراسلون بلا حدود " شجبت فيه منع الصحافيين و المراسلين الأجانب من أداء عملهم ، خصوصا أثناء الإنتخابات الأخيرة.
- تقرير أصدرته " الشبكة الأروبية المتوسطية " كانت خلاصته ، أن تونس تنتهك و بشكل سافر الحقوق و الحريات التي إلتزمت بها إتفاقية الشراكة بينها و بين الإتحاد الاروبي.
- تقرير صادر عن " منظمة هيومن رايتش وتش " في 2009 ، يقول أن الإنتخابات التونسية الأخيرة مرت في جو خال من النزاهة و الحرية ، و تحت أعمال قمع ، و الضغط على المعارضة.

وبإضافة الى العوامل المساعدة السابقة الذكر ، كان للطبقة الوسطى وزن كبير في إنجاح الثورة ، بحيث تم دحض فرضية اندثار هده الطبقة داخل المجتمع التونسي تحث وطأة التفاوت الطبقي، بين فئة قليلة تملك وسائل الإنتاج ، و أغلبية عريضة تتعرض للاستغلال ( حسب التعبير الماركسي ) ، و بالتالي غياب طبقة أخرى تحتل وسط الهرم المجتمعي لتونس ، لتصبح هده الفرضية مسلمة يصعب تجاوزها. لكن تطور الأحداث في تونس أثبتت ظهور هده الطبقة بشكل لافت للنظر ، بحيث شكلت حوالي 48 بالمائة حسب الدراسة التي قام بها الكاتبان الفرنسيان " نيقولا بو" و " كاترين غراسيه " في كتاب " الوصية على قرطاج " الصادر في باريس سنة 2009. فهده الطبقة قد إشتغلت في جهاز الدولة ، و تغلغلت في النسيج الإقتصلدي المتحول حضاريا ، لتصبح عماد المجتمع الجديد بعد مشاركتها في تحقيق الثورة الى جانب الفقراء و المهمشيين الدين تم إقصاءهم من الحياة الإقتصادية و السياسية بسبب التزواج الحاصل بين السلطة و المال. لكن هدا لا يمكن أن ينفي الوجه الحقيقي للتفاوت الطبقي التي شخصته الحالة الثورية السابقة في التفاوت بين الفئات الإجتماعية ، و المناطق الجغرافية.

كما برزت عوامل مساعدة أخرى ، و هده المرة على الصعيد الخارجي، لا إقليميا ، و لا دوليا .فإقليميا يمكننا إعتبار القيود الإدارية ،و الرسوم المالية ، و المضايقات التي يتعرض لها التونسيون على الحدود مع بقية بلدان الجوار ، و التي تعيق تنقلهم للعمل الذي يعتبر المصدر الرئيسي لرزقهم، خصوصا السكان القاطنيين في الوسط و الجنوب ، من العوامل الدافعة الى الحراك الإجتماعي . ومن هنا يمكننا أن نستحضر تلك القيود التي فرضتها ليبيا على دخول التونسيين الى أراضيها في غشت 2010 ، ترتب عنها إنفجار الأوضاع في منطقة الجنوب الشرقي ، حيث إنتفض سكان ولاية " مدنين " إحتجاجا على تضييق الخناق التجاري مع هده الدولة.
أما دوليا فقد أسهمت مجموعة من الدول الغربية في إضعاف النظام التونسي ، كما تراكمت أخطاء الخارجية التونسية ، و أخطاء بن علي مع بعض الدول الغربية المؤثرة في صنع القرار في تونس ( فرنسا ، و م أ ) ، ومن بين هده الأخطاء تصعيد بن على خطابه مع الولايات المتحدة ، خصوصا بعد دعوة واشنطن السفير التونسي للفت إنتباهه للأوضاع التي عاشتها تونس قبيل هروب بن علي ، إضافة الى تلويح مجلس الأمن بعقد اجتماع طارئ لتدارس إصدار قرارا يدين نظام بن علي.
هده العوامل و غيرها تداخلت مع عوامل بنيوية و ظرفية تراكمت خلال عقدين من الزمن ، لتستفحل خلال الاشهر الفارطة ، حيث كانت النتيجة الإطاحة بإبن علي ، و نجاح الثورة التونسية التي جاءت مختلفة عن باقي الثورات الكلاسيكية السابقة بحملها مميزات و سمات خاصة جعلت العلوم الإجتماعية تجد صعوبة في وضعها في إطار نظري يليق بحلتها.

3-2 سمات و إنجازات الثورة التونسية

لقد حملت الثورة التونسية سمات خاصة ، بالمقارنة مع الثورات الكلاسيكية التي عرفها العالم ( الثورة البلشفية ، الثورة الفرنسية ، الثورة الأمريكية ، الثورة الإيرانية ) ، بحيث إمتازت بطابعها السلمي رغم محاولة نظام " بن علي " جرها لخندق دو طابع عنفي ، و بالتالي كسب شرعية أكثر لبقائه و ربحه بعض الوقت لمحاولته الإلتفاف على المطالب الإجتماعية و تكسير الطابع الثوري للحدث ، تحث ذريعة الفتنة ، و اللاستقرار . و قد تجلى هدا الطابع في الشعارات التي رفعها التونسيين " سلمية سلمية ". فبعد محاصرة المتظاهرين رموز النظام السابق في مراكز الشرطة ، و مقرات الحزب الحاكم ( حزب التجمع الدستوري ). وعكس التوقع بأن تعم الفوضى و اللاستقرار ، أبدى الشباب مسؤولية كبيرة اتجاه المال العام ، و حرصهم على حماية الممتلكات العامة عبر إنشائهم لجان شعبية سدت الفراغ الأمني ، و تصدت ل " بلطجية " الحزب الحاكم.
فقد يمكننا تفسير هدا الطابع السلمي للثورة التونسية من منطلقات تاريخية أنتروبولوجية تجلت في حضور العمق التاريخي لمشروع حل الصراع السياسي في تونس عير فكرة العقد الإجتماعي ، و مساهمة الإستعمار الفرنسي تاريخيا في نزع الأسلحة من أوساط المجتمع التونسي خوفا من إستعمالها صده .
ليضاف كذلك الطابع الجماهيري لهده الإنتفاضة الشعبية بسبب الإتساع الأفقي و العمودي لحجم الأضرار الإجتماعية و الإقتصادية و السياسية التي خلفها النظام التسلطي السابق ، خصوصا في المناطق التي كانت سباقة في إندلاع الإضطرابات الإجتماعية ( المحافظات الجنوبية و ووسط البلاد : سيدي بوزيد ، القصريين ، تالة ) مما وسع السخط الشعبي للتونسيين تبلور في قالب احتجاجي عجز النظام عن صده.
كما أن من الظواهر التي لفتت المفكرين و الباحثين في العلوم الإجتماعية و العلوم السياسية بالخصوص ، أنه هده الثورة لم تكن مؤطرة من قبل البنيات السياسية الكلاسيكية من أحزاب سياسية و حركات إديولوجية : فلا القومية ، ولا الإسلامية ، و حتى الماركسية التي كانت لها القدرة في إستقطاب النخبة ، إستطاعت أن تركب على موجة الحراك الشعبي ، و أن تقود المتظاهرين في الشارع . فالباحث التونسي توفيق المديني زك هده السمة بقوله : " هنا تكمن فرادتها الحقيقية مع بداية القرن الواحد و العشريين ، إذ أنها ثورة غير إديولوجية بالمعايير التي نعرفها عمليا و نظريا ". فلم يحمل المتظاهرين إذن شعارات توحي على أن ثورتهم برجوازية ، أو عمالية ،و لم يرفعوا لافتات تحمل دلالات توحي على أن لهم مشروع شيوعي أو خلافة إسلامية ، بل كانت شعاراتهم فضفاضة يمكن أن ينخرط فيها أي مواطنا رافضا للوضع الإجتماعي و الإقتصادي و السياسي التونسي ، كيف ما كان طيفه الإديولوجي ، و أصوله الإجتماعية ،و موقعه الطبقي.
ومن جهة أخرى ، و إدا تأملنا قليلا الى الدين فجروا الثورة ، فسنكتشف أننا أمام جيل جديد ما بعد الحركات الإسلامية ، فالنسبة لهم لقد ولت تلك الحركات الثورية التي تحمل طابع إديولوجي ، معتمدين مكان هده المرجعيات شعارات برغماتية ملموسة " إرحل...إرحل " ،و لم يستعونوا بالطروحات الإسلامية كما فعلت الحركات السلفية في الجزائر ،و لا بالتصورات العلمانية و القومية ، إضافة الى إختفاء نظرية المؤامرة في إوساط هؤلاء ، فلم يشيروا أثناء تظاهرهم الى الولايات المتحدة الأمريكية ، أو إسرائيل أو إلى أي دولة أخرى رغم مساندة هده الدول لنظام بن علي حتى أخر أنفاسه.
فقد اعتبرت إذن هده الحركة الشبابية المحرك الرئيسي للثورة ، هدا الجيل الأكثر تعلما ، و الأكثر قدرة على التعامل مع وسائل الإتصال التكنولوجيا ، و المتكون من طلاب الجامعات و الخرجين الجامعيين المعطلين ، هده البطالة التي يعاني منها الآلاف من التونسيين دو المؤهلات العلمية العالية ، و كثرة الإحساس بالظلم الإجتماعي الناجم عن حالة الفساد المستشري في كل أعضاء الجسم التونسي..
وما أعطى لهؤلاء الشباب القوة و القدرة على إنجاح احتجاجاتهم ، دلك العالم الافتراضي الذي شكل منبرا لهم ، حيث وظفوا ثورة وسائل الإتصال الحديثة في عملية التعبئة و الحشد للمظاهرات التي عمت مختلف المدن التونسية ،و فرضوا على نظام " بن علي " ثورة معلوماتية جديدة إستطاعت تكسير الرقابة البوليسية على وسائل الإتصال. و من جهة آخرى كان لفتوة الهرم العمري للمجتمع التونسي دور كبير في إنجاح الثورة، و الذي أصطدم بهرم سلطوي قريب الى الشيخوخة ، أنتفت فية آليات التواصل مع هؤلاء الشباب و مطالبهم الإجتماعية.
و بالإضافة الى ما سبق ، تميزت الثورة التونسية بالعفوية و التلقائية ، وتركز مطالبها على أمور إجتماعية بعد أن تطورت وذهبت في اتجاه إسقاط النظام ، فهدا الحراك كان جوهره بالأساس الغضب العفوي ضد الفجور الذي مارسه النظام التسلطي المنخرط في نظام العولمة النيوليبرالية.
كما امتازت بسمات أخرى من قبيل طول النفس للتحرك الشعبي ، و التوزيع الجغرافي للاحتجاجات ، فمن حيث المدة فقدت أستغرق إسقاط النظام حوالي 25 يوما ، في حين أن التوزيع الجغرافي كان إنطلافه من المحافظات المهمشة الواقعة جنوب و وسط البلاد ( سيدي بوزيد ، القصريين ، تالة...) ، لتتجه نحو الشمال و الشريط الساحلي ، دون أن ننسى انه و لأول مرة في التاريخ تستغل الثورة الفضاءات الإجتماعية كوسيلة للضغط على النظام ، فهدا ما فعلة التونسيين في ثورتهم.

عموما و بالإضافة الى ماسبق ، فإن أهم سمات الثورة التونسية ، كونها فندت عدم صحة ألافتراض القائل : " العجز الديمقراطي العربي " ، هدا العجز الذي تغذى على مجموعة من التغيرات : كالنفط ، والصراعات المناطقية ، و التدخلات الخارجية ،و الذي يفيد أن المنطقة العربية تمثل استثناءا تاريخيا و جغرافيا ، على إعتبار أن هده المنطقة هي الوحيدة في العالم التي لم تمسها عجلة التغير الديمقراطي.
فهدا التصور الذي تم نشره و التأكيد عليه بعد إصدار التقرير الأول للتنمية الإنسانية العربية عام 2004 ، لينتشر في أوساط الباحثين و المثقفين ، حتى بدى أنه مسلمة لا يمكن دحضها إطلاقا . إلا أن التجربة التونسية فندت هدا الإفتراض في الحالة العربية بشكل عام ، و ابرزت على أن الشعوب العربية قادرة على مجارات التحولات الديمقراطية التي عرفها العالم ، إن توفرت الشروط الموضوعية و الذاتية.
أما على مستوى الإنجازات ، فمند انطلاقة الثورة التونسية حققت مجموعة من الإنجازات ،لا داخليا ، و لا خارجيا : فعلى المستوى الداخلي نجحت بمطالبها الإجتماعية، و السياسية في الضغط على النظام و إسقاط الرئيس " زين العابدين بن على " من الحكم ، و خلقت جو من الحراك السياسي في الشارع ، و بعثث روح جديدة في جسم المعارضة بمختلف أطيافها الفكرية و الإديولوجية ، حيث قامت هده المعارضة و لأول مرة بإصدار بيان مشترك يشجب السياسة القمعية للنظام ،و تبنت الإحتجاجات الإجتماعية للشعب التونسي ، ليثم إفشال توريت الحكم الى حاشية و أقاريب الرئيس. وبعد دلك ثم ظهور نخبة سياسية جديدة ،طفت في الحياة السياسية الجديدة....

أما خارجيا : فقد يمكن أن تحقق أيضا انجازات قد تكمن في إعادة بناء الإنسان العربي ،إذ ثم تكسير حاجز الخوف من السلطة الدي عمر لقرون طويلة ، إضافة الى إمكانيتها إعادة صنع الشعوب العربية ، بعد أن أثبت هدا الحراك التقاطع بين هده الأقطار، في التاريخ و الدين و الحضارة و اللغة....و حتى الاستبداد و التسلط ، بحيث عبروا عن تلاحمهم و تضامنهم ، معبرين عن وحدة المصير المشترك.


و خلاصة القول ،فالثورة التونسية استطاعت تفنيد مقولة الاستثناء العربي في ما يخص التحول الديمقراطي للشعوب ، بعد إطاحتها بالنظام البوليسي في تونس ، لتكسر حاجز الخوف الذي خيم و لمدة طويلة على مخيلة الشعب التونسي و الشعوب العربية عامة ، ليجعل هدا التحول السياسي العلوم الإجتماعية امام تحديات كبيرة ،وإعادتها النظر في مجموعة من الأطروحات التي كانت سائدة . إلا أن التحدي الأكبر يطرح في مرحلة ما بعد الثورة ، و ما مدى امكانية النخب التونسية الجديدة في تحقيق الإنتقال الديمقراطي و توسيع هامش الحريات و تحقيق العدالة و الحرية و الكرامة للشعب التونسي و قابليتها لوجود معارضة حتى و إن كانت من بقايا النظام الزائل.فهدا كله لا يمكننا ان نتوقعه بهده البساطة إن لم نضع مسافة شاسعة بين هدا الحدث ( الثورة ) و تحقيق الديمقراطية ،لنجعل الزمن هو الكفيل للحكم على النظام السياسي الجديد : هل فعلا سيحقق الديمقراطية المنشودة ، و يخلق القطيعة مع سياسات النظام السابق؟ ام سيكرر نفس السيناريو الذي صار على نهجه بن علي بعد الانقلاب الأبيض؟؟؟؟؟

- المراجع المعتمدة :

- حنة ارنت ، في الثورة ، ترجمة عطا عبد الوهاب ، الطبعة الأولى ،المنظمة العربية للترجمة ، أيلول ( سيبتمبر ) ، 2008.
- اريك هوبزباوم ، عصر الثورة ( اروبا 1789-1848 ) ، ترجمة فايز الصياغ ، المنظمة العربية للترجمة ، الطبعة الاولى ، بيروت ، يناير 2007.
- عبد الوهاب الكياني ، موسوعة السياسة ، الجزء الاول ، المؤسسة العربية للدراسات و النشر ، بدون تاريخ.
لينين ، الدولة و الثورة ، تعاليم الماركسية حول الدولة، ومهمات البروليتاريا في الثورة ، مقدمة الطبعة الثانية ، موسكو ، 1918.
- توفيق المديني ،سقوط الدولة البوليسية في تونس ، الدار العربية للعلوم ناشرون ، الطبعة الاولى 2011.
- ابراهيم بدوي ، سمير المقدسي ، غاري ميلانت ، تفسير العجز في الوطن العربي : دور النفط و صراعات المنطقة ، تفسير العجز في الوطن العربي ،الطبعة 2011 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، الطبعة الأولى 2011.
- رفيق عبد السلام بوشلاكة ، الاستبداد الحداثي العربي : التجربة التونسية نمودجا ، الاستبداد في نظم الحكم العربية المعاصرة ، مشروع دراسات الديمقراطية في البلدان العربية ، الطبعة 1 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2005 .
- محمد عصام لعروسي ، الحراك السياسي العربي: هل هو بداية لعقد إجتماعي جديد ؟ ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 393 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2011..
- احمد تهامي عبد الحي ، لمادا لم تتنبأ العلوم الاجتماعية بالثورات العربية ؟ مجلة السياسة الدولية ، العدد 6 ، اكتوبر 2011.
جاك قبانجي ، لمادا فاجأتنا نتفاضتا تونس و مصر ؟ مقاربة سوسيولوحية ، المجلة العربية لعلم الاجتماع ، اضافات ، ع 14 ، ربيع 2011.
- تيموثي جارتون آش ، الثورة المخملية ، هل هناك تغيير بلا عنف ، مجلة وجهة نظر ، ترجمة عادل فتحي ،العدد 135 ، ابريل 2010.
- عزمي بشارة ، في الثورة و القابلية للثورة ، سلسلة دراسات و اوراق بحثية ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) ،ااغسطس 2011 ،.
- مرشد القبى ، قراءة في قراءات الثورة التونسية ،سلسلة تقييم حالة ، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات (معهد الدوحة) ، ااكتوبر 2011 .
- ايمان احمد رجب ،الثورات ، المفاهيم الخاصة بإنهيار النظم السياسية ، ملحقة مجلة السياسة الدولية ، ع 184 ، ابريل 2011.
_ آمال موسى ، ثورة ام انتفاضة ؟ مجلة المغرب الموحد ، العدد 12 ، 1 ماي 2011.
- ناجي عبد النور ،الحركة الاحتجاجية في تونس ،وميلاد الموجة الثانية من التحرير السياسي ،مجلة المستفبل العربي ،مركز الدراسات الوحدة العربية ، ع 387 ،2011.
- لطفي طرشونة ،منظومة الحكم التسلطي و الإنحراف االإستبدادي، الثورات و الاصلاح الديمقراطي في الوطن العربي من خلال الثورة التونسية ،سلسلة ملفات ، المركز العربي للابحاث و دراسة السياسات ، 2011.
- عبد الوهاب الافندي ،دولة الثقب الاسود ،مجلة وجهات نظر ،ع 136 ،فبراير ،مارس ، ابريل 2011 .
- طارق الكحلاوي ، تونس : ثورة طور الإنجاز ،مجلة الاداب ، عدد 1-2-3 ، يناير ، فبراير ،مارس ،2011 .
- صابر محمود الحباشة ، ثورة الكرامة و الحرية :نهاية الاستئصال و بناء المنوال ( قراءة في عناصر من ثورة 14 يناير 2011التونسية )،المجلة العربية لعلم الاجتماع – اضافات – ع 14 ، مركز دراسات الوحدة العربية ، 2011.
- جمال بن حمدان ،تونس : قراءة في خطاب الثورة ، مجلة المغرب العربي الموحد ، العدد 12 ،دار النشر للمغرب العربي2011 ،
- - كمال بن يونس ،" التهميش الشامل ":عوامل ادلاع الثورة ضد نظام بن علي قي تونس ، مجلة السياسة الدولية ، العدد 184 ، ابريل 2011.
- العربي الصديق ، تونس : ثورة المواطنة..." ثورة بلا رأس "،( سلسلة دراسات واوراق بحثية )، المركز العربي للابحاث و دراسات السياسات ( معهد الدوحة ) ، يوليوز 2011 ، ص:14.
- رشيد الخالدي ، الثورات العربية 2011 ، ملاحظات تاريخية أولية ، مجلة دراسات فليطينية ، ع 186 ، ربيع 2011
- عائشة التايب ، الخلفيات الإجتماعية و الإقتصادية للثورة التونسية ، الثورات و الإصلاح و التحول الديمقراطي في الوطن العربي من خلال الثورة التونسية ،سلسلة ( ملفات))، المركز العربي للابحاث و دراسات السياسات ( معهد الدوحة ) ،ماي 2011.
- عبد العالي حامي الدين ، الثورة الشعبية في تونس ،مدى قابلية النمودج للتعميم ،سلسلة ( تقييم حالة ) ، ا المركز لعربي للابحاث و دراسة السياسات ، يناير 2011 .
. - نجيب بودربالة ، الثورة التونسية ، مجلة وجهة نظر ، العدد 49 ،صيف 2011 ..
عز الدين عبد المولى ، دور الإعلام في ثورة الشعب ، الثورات و الاصلاح الديمقراطي في الوطن العربي من خلال الثورة التونسية ، سلسلة ( ملفات )المركز العربي للابحاث و دراسات السياسات ( معهد الدوحة )، ماي 2011.
- غسان سلامة ، عن تونس ،مجلة المستقبل العربي ، العدد 384 ،مركز دراسات الوحدة العربية ،2011.
- محمد عبد الشفيع عيسى ، فروض نظرية على محك الخبرة الثورية الأخيرة في تونس و مصر ،مجلة المستقبل العربي ،العدد 386 ،مركز دراسات الوحدة العربية ، 2011.
- المولودي الأحمر ، الطابع المدني و العمق الشعبي للثورة ، الثورات و الاصلاح الديمقراطي في الوطن العربي من خلال الثورة التونسية ، ( سلسلة دراسات واوراق بحثية )، المركز العربي للابحاث و دراسات السياسات ( معهد الدوحة ) ، يوليوز 2011.
- توفيق المديني ، ربيع الثورات الديمقراطية ، مجلة المستقبل العربي ،العدد 386 ، مركز دراسات الوحدة العربية2011
- ياسين الحاج صالح ، قضايا في شأن تونس الجديدة ، مجلة ألآداب ، عدد 1-2-3-2011،.
. -اباهر السقا ، الحركات الإحتجاجية العربية الجديدة : إعادة الإعتبار للفضاء الإجتماعي ، مجلة آفاق برلمانية ، العدد 4 ،المؤسسة الفلسطينية للدراسات الديمقراطية ، رام الله ، أيلول 2011
- منصف المرزوقي ، ألأفاق المدهلة و المرعبة للثورة العربية ، مجلة المستقبل العربي ، العدد 386 ، مركز دراسات الوحدة العربية ،2011.

- - Béatrice hibou ,tunisie , économique politique et moral d’un movement social ,la tunisie en revolution la politique Africain n121 maras 2011.

- Samir amin, le -print-emps arabe Publié par Mouvements, le
1er juin 2011. http://www.mouvements.info/2011-le--print-emps-arabe.html .

-Mohamed Hassan : « Les causes de la révolution tunisienne dépassent largement Ben Ali et son parti. »
http://www.michelcollon.info/spip.php?page=article_pdf&id_article=2986

- Amin Allal ,et Vincent Geisser Tunisie : « Révolution de jasmin » ou “ intifada-
http://www.mouvements.info/Tunisie-Revolution-de-

: - فضيل التهامي
باحث في القانون الدولي العام و العلوم السياسية



#فضيل_التهامي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورات الديمقراطية في العالم العربي – تونس نموذجا – ( الجزء ...
- ثورة 25 يناير المصرية و الصراع العربي- الإسرائيلي
- بين ميكيافليي و ماركس -القيمة الفردية العليا -
- الرؤى الغربية اتجاه الصراع العربي – الاسرائيلي ( القدس تحديد ...
- ملاحظات حول حركة تمرد المغربية
- إيران و الأمن القومي العربي.
- موقف الحسن الثاني من عدم تنفيذ اتفاقية تسوية الحدود المغربية ...
- حركات الإسلام السياسي : بين الصعود و السقوط


المزيد.....




- ماذا كشف أسلوب تعامل السلطات الأمريكية مع الاحتجاجات الطلابي ...
- لماذا يتخذ الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إجراءات ضد تيك ...
- الاستخبارات الأمريكية: سكان إفريقيا وأمريكا الجنوبية يدعمون ...
- الكرملين يعلق على تزويد واشنطن كييف سرا بصواريخ -ATACMS-
- أنطونوف يصف الاتهامات الأمريكية لروسيا حول الأسلحة النووية ب ...
- سفن من الفلبين والولايات المتحدة وفرنسا تدخل بحر الصين الجنو ...
- رسالة تدمي القلب من أب سعودي لمدرسة نجله الراحل تثير تفاعلا ...
- ماكرون يدعو للدفاع عن الأفكار الأوروبية -من لشبونة إلى أوديس ...
- الجامعة العربية تشارك لأول مرة في اجتماع المسؤولين الأمنيين ...
- نيبينزيا: نشعر بخيبة أمل لأن واشنطن لم تجد في نفسها القوة لإ ...


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - فضيل التهامي - الثورات الديمقراطية في العالم العربي – تونس نموذجا – ( الجزء 2 )