محسن ابو رمضان
الحوار المتمدن-العدد: 4148 - 2013 / 7 / 9 - 17:31
المحور:
القضية الفلسطينية
تمر مصر بظروف استثنائية بعد الحراك الشعبي الواسع في يوم 30/ يونيو والذي افضى إلى عزل الرئيس مرسى وصياغة خارطة طريق تقود إلى اجراء انتخابات مبكرة على قاعدة اعلان دستوري جديد .
كنا قد أشرنا في مقال سابق إلى أن الاصطفاف الشعبي الواسع الذي قادته كل من جبهة الانقاذ وحركة تمرد الشبابية التي جمعت ملايين التواقيع بهدف إجراء الانتخابات المبكرة ،كان أحد اسبابه الرئيسية يكمن في سياسة الاقصاء عبر إجراءات من قبل الرئيس مرسي أدت إلى تعزيز نفوذ سلطة حزب الحرية والعدالة بوصفه الجناح السياسي لحركة الاخوان المسلمين الأمر الذي مس بصورة مباشرة مفاصل الدولة الرئيسية ،وذلك تحت مبررات " التمكين" عبر تعيين أهل الولاء بالمحافظات والجامعات ورؤساء تحرير الصحف ، وكذلك في مجال القضاء الذي أدار الأخير أي القضاء معركة باتجاه الحفاظ على استقلالية ومهنيته خارج دائرة نفوذ السلطة التنفيذية .
وكنا قد حذرنا في نفس الوقت من مغبة ممارسة سياسة الاقصاء بحق أنصار الرئيس مرسي ، بما في ذلك اتخاذ إجراءات من شانها المس بأسس التعددية وحرية العمل السياسي والتجمع السلمي ، بمعنى عدم اتخاذ سياسة الاقصاء بحق أنصار حركة الاخوان المسلمين ، بما يشمل عدم اغلاق المؤسسات والصحف أو الفضائيات التابعة للحركة وضمان الحق بالراي والتعبير والتجمع السلمي والتظاهر ، وعدم القيام بالاعتقالات السياسية .
إن الصدمة التي ألمت بقادة حركة الاخوان المسلمين جراء الإجراءات التي اقدم عليها الجيش الذي انحاز لإرادة الملايين الذين خرجوا بالشوارع يوم 30/ يونيو، تلك الاجراءات التي أدت إلى عزل الرئيس مرسي والبدء بتنفيذ خارطة طريق جديدة ، أدت أي هذه الصدمة إلى قيام الحركة وانصارها بتحركات شعبية واسعة وغاضبة ،الأمر الذي عمقت من حدة التوتر والاحتقان خاصة بعد حادث مقر الحرس الجمهوري، والذي ادى إلى استشهاد 52 شخص جلهم من المتظاهرين باستثناء ضابط واحد بالجيش، هذا الحادث الذي وبغض النظر عن الروايات المختلفة عنه ، فإنه إذا لم يتم تداركه فإنه سيشكل مدخلاً لانزلاق مصر في أتون نزاع اهلي لا تحمد عقباه .
فالعنف يستجلب العنف والدم يستجلب الدم وما من مستفيد من وراء هذه الحلقة الرهيبة سوى أعداء الشعب المصري الذين يتربصون به، حيث لن تكن هناك نتيجة محسومة خاصة إذا تم استخدام ذات الاساليب التي تستخدم في سوريا واستجلاب المجموعات المتطرفة المختلفة التي لا تفهم سوى العنف والقتل والدم ولا تريد أن تتفاهم .
إن حركة الاخوان المسلمين بما أنها وكما تعلن بأنها حركة وسطية ترفض العنف فإن ذلك يفترض منها العض على الجراح والحرص على المصلحة الوطنية والعامة حتى لو كان على حسابها وقتياً وذلك بما يمهد بامكانية الموافقة على الدخول في حوار وطني شامل مع ضمان حق مرشحيها بخوض انتخابات سواءً للبرلمان أو للرئاسة ، خاصة إذا أدركنا ان كل من الرئيس المؤقت وقائد الجيش وأحزاب المعارضة كانوا قد اعلنوا عدة مرات بأنهم لا يريدون اقصاء الحركة بل يريدون دمجها بالعملية السياسية وبناء نظام ديمقراطي جديد ، مبنى على الشراكة السياسية.
من الهام استخلاص النتائج والدروس من التجارب بالبلدان العربية المحيطة ، وعدم تحويل النزاع إلى طابعه العنيف والمسلح ، حيث أن التجارب المحيطة سواءً في ليبيا أو في سوريا أو في العراق وبغض النظر عن التباينات والاختلافات بين كل حالة من الحالات الثلاث أو المشترك بينهما يكمن في زيادة حدة الاحتقان والتمزق بالنسيج الاجتماعي والسياسي الداخلي وتعزيز الانقسامات الجهوية الجغرافية والطائفية واستنزاف مقومات ومقدرات المجتمع وصولاً إلى انهاكه واضعافه ، حيث أن المنتصر في تلك المعركة اصبح مهزوماً أمام حدة العنف والتهتك والاستنزاف واستغلال الموارد من العرب في اطار ترسيخ النزعات والانقسامات و التي يستفيد منها فقط كل من اسرائيل وأمريكا صاحبه نظرية الفوضى الخلاقة المبنية على آليات تجزئة المجزء وتقسيم القسم في سياق سايس بيكو جديد سيساهم في تعميق العنف والتبعية ويرسخ من اسس التراجع بدلاً من النهوض والبناء .
وإذا أدركنا ان الانتخابات هي وسيلة من وسائل التحول الديمقراطي ليس إلا وهي لا تعطي رخصة مفتوحة للحزب الحاكم بغض النظر عن هويته السياسية والفكرية لاجراء تغييرات بنيوية في قواعد النظام الديمقراطي الذي من الضروري أن يكون مبنياً على اسس متوافق عليها في اطار عقد اجتماعي ترتضيه القوى السياسية في اطار علاقتها مع الجمهور ،عقداً اجتماعياً مبنياً على فلسفة المواطنة المتساوية والمتكافئة ويرتكز إلى اسس سيادة القانون والفصل بين السلطات واستقلال القضاء واحترام كرامة وحقوق المواطنين وحرياتهم المستندة لمبادئ حقوق الانسان .
لا يمكن القيام بتغيير قواعد النظام الديمقراطي بحجة الحصول على الاغلبية بالانتخابات ، والا تحولت الديمقراطية كوسيلة للدكتاتورية حتى لو كانت ديكتاتورية الأغلبية ، فالديمقراطية تضمن حق الأقلية اساساً في اطار حق الأغلبية بالحكم وفق آليات ومحددات كابحة تمنع تحول هذا الحكم إلى صورة من صور الحكم المطلق .
وعليه وفي اطار الاستفادة من التجارب ، من الأهمية بمكان الاتفاق على مرتكزات الدستور قبل اجراء الانتخابات ، حيث من غير المناسب قيام الحزب الحاكم بصياغة الدستور ووفق رؤيتهم ومنطلقاته في تجاوز لمنطلقات الآخرين ، فالدستور يجب ان يستند إلى التوافق ويراعي مصالح الجميع بلا استثناء ، ويشكل قاعدة للنظام الديمقراطي المنشود المبنية على التعددية واحترام الآخر.
حتى لا يتم تعبيره في كل مرة يتغير بها الحزب الحاكم الأمر الذي يجعل الدولة عرضة للاضطراب الدائم.
فمن الواضح أن قانون المرحلة الانتقالية يفترض التوافق على اسس ومرتكزات الدولة " الدستور" قبل إجراء الانتخابات حتى لا يتم تغيره وفق رؤية أيديولوجية محددة للحزب الحاكم وعلى حساب الاخرين.
وعليه فلا بد من العودة الى اسس من الحوار الوطني الشامل تشارك به حركة الاخوان المسلمين جنباً إلى جانب مع القوى السياسية الأخرى يتم التوافق الوطني به على اسس الدولة المرادة بعد ثورة 25/ يونيو، بالاستناد إلى مبادئ الثورة " العيش ، الحرية، العدالة الاجتماعية " على قاعدة دستور متوافق عليه يضمن الحقوق المتساوية للمواطنين ، كما يضمن حرية العمل السياسي والنقابي والأهلي والاعلامي والتجمع السلمي .
إن بديل هذا الطريق يعنى الولوج في اتون صراع أهلي داخلي لا تحمد عقباه أو نتائجه ، سيعزز من آليات التفكيك والتفتيت بدلاً من الوحدة والتلاحم وسيؤدي إلى تراجع وتقهقر قدرات مصر بوصفه دولة مركزية واساسية بالمنطقة بغض النظر عن طبيعة الحزب الحاكم بها .
ومن الهام تجاوز حالة الاستعصاء التي تعيشها مصر وارتقاء جميع الاطراف إلى مستوى التحديات التاريخية ، فالأولوية تكمن بالحفاظ على مصر ودورها الناهض في مواجهة كل المخططات الخارجية ، فمصر كدولة مركزية تواجه مخططات معادية أبرزها مؤامرة مياه نهر النيل ، حيث تقوم اثيوبيا ببناء سد النهضة وابرزها كذلك استمرار الأطماع الأمريكية والاسرائيلية تجاهها ، خصاة تجاه سيناء.
إن مقاومة المخططات الخارجية يشترط الاتفاق على الاسس الديمقراطية التي تضمن التعايش والاختلاف تحت سقفها كشرط رئيس بما يضمن استمرارية الدور المطلوب لمصر على المستوى القومي في مواجهة كل التحديات.
#محسن_ابو_رمضان (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟