أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم المطير - الثقافة العراقية بين فضاء البراري والقضبان الطائفية ..!















المزيد.....


الثقافة العراقية بين فضاء البراري والقضبان الطائفية ..!


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 1188 - 2005 / 5 / 5 - 12:48
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


ليس هنالك من بديل للحوار سبيلا للوصول إلى حقيقة الواقع الثقافي في العراق ، ولكل باحث ومثقف منظوره الخاص في صياغة الايجابيات والسلبيات عن نسق القيم الثقافية الجديدة وأساليبها الناشئة بعد سقوط دكتاتورية صدام حسين .
ما تعانيه الثقافة العراقية عموما من أزمات ومشاكل قيل عنها الكثير في الصحافة ، بالحق أحيانا وبالباطل أحيانا أخرى وبالادعاء والاجتهاد والأوهام في أحايين غيرها . كما قيل شيء كثير داخل مؤتمر المثقفين العراقيين في 12 – 14 نيسان 2005 وفيه - كما نقل لي - أشياء اتسمت بالجرأة والنزاهة .
ربما يطالب مثقفون كثيرون بممارسة نقد مركب .. فمن ناحية يتطلب الواقع نقد " الآخر " ومن ناحية ثانية ممارسة النقد الذاتي . في هذين الجانبين يتبلور صلب عملية الحوار الثقافي خاصة وقد تكونت في البلد مؤسسات ثقافية جديدة وعادت الروح إلى بعض المؤسسات القديمة بدماء جديدة , كما انتهى صمت الكثير من الأدباء والمثقفين بعد يقينهم أن احتفاليات " ثقافة العنف " قد زالت أو في طريقها إلى الزوال .
هل زالت ثقافة العنف ..؟ لا ادري هل يأتي مثل هذا السؤال متقدما عن أحلام متدفقة من نهر الإبداع العراقي الذي أراد المستبدون تجفيفه خلال عقود طويلة من زمن الخوف من سيف الكائن المتسلط ومحبرته .. أم يأتي السؤال من استمرار الدغل الوحشي النابت حول شواطئ بلد ما زالت أنفاسه مخنوقة بوسائل الإرهاب المتعدد الأشكال ومنها القتل بالرصاص ( قاسم عبد الأمير عجام ) والاختطاف وقطع رأس المثقف وفصله عن جسده الواهن ( أحمد الربيعي ) ..؟ هذه هي المسألة الكبيرة المبهمة في مدن قامت ثقافتها لزمن طويل على القهر والدم في شوارع مجذومة بتمجيد الحزب الواحد والقائد الواحد .
في كتابه ثقافة العنف في العراق تناول الكاتب العراقي سلام عبود بمقدرة صريحة " بعض " تفاصيل المشروع الثقافي الذي صاغه حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق بهدف خلق نموذج ثقافي يتناسب مع ترتيبات سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية أريد له أن يظهر الرئيس المستبد صدام حسين بأعين الناس العراقيين والعرب على انه رئيس بحق وقائد عربي على حق وقد مارس هذا الحزب بأشكال مختلفة عملية غسيل أدمغة المثقفين والناس الاعتياديين بالمال والوظائف العليا وبالامتيازات الطبقية و كوبونات النفط وبالقهر المسلح و العنف .. وقد وجد هذا المشروع نجاحا كبيرا باستقطاب عدد غير قليل من " كتـّاب " عرب وعراقيين مناصرين له و مناصرين لدولة يحكمها حزب واحد يتحكم هو نفسه باقتصاد نفطي مخطط له مركزيا . لا احد يدري كم من المثقفين العراقيين والعرب التهمهم هذا المشروع وكم من المثقفين البؤساء دخل البؤس إلى قلوبهم ترحما على سقوط ذلك المشروع لكن من السهل القول والاستنتاج ان صور الأمس قد نراها معلقة على جدران اليوم إذا ما ظل درب الثقافة باليا وإذا ما ظل المثقفون العراقيون في الداخل والخارج يضربون في ارض يباب ويطرقون أبوابا لا تفتح .. فقد ( كان هناك كتاب فخورون بإلإنتماء إلى حزب صدام الذي كان في المرتبة الثانية بعد الله. وبعدها تبخر الفخر لدى هذا وذاك ، لكن لفترة من الوقت فها هو ينبعث الآن لكن بصورة ملتوية كدخان سكائرهم الفاخرة.. لقد فتح هؤلاء الكتاب كيساً خرافي الحجم حشروا فيه الجميع ولصقوا عليه كلمة : عملاء. لكن هذا لايعني أن ذاكرتهم تعرضت للثقب مرة أخرى. فهم يعلمون جيدا أن صدام كان يحلم منذ مطلع شبابه في أن ينخرط في سلك الشرطة السياسية ! و أن حزبهم ، ، وكانت عقوبة الموت تنتظر كل من ينسحب منه ، لم يكن فوق الشبهات فيما يخص الخيانة الوطنية عبر العمالة. إذن هناك عمالة وعمالة أو وفق الصيغة الرائجة اليوم : الكيل بمكيالين. رغم ذلك فأنا أشك بأن هؤلاء الكتاب كانوا مترددين في تقبيل رامسفيلد و تشيني وبوش الأب من الجبين عندما أغدق هؤلاء ملياردات الدولارات على ( رئيسهم العراقي ) كي يواصل حربه ( المظفرة ) مع إيران. وحتى إذا كان هناك نفور من مثل هذا التقبيل آنذاك فهو يلاشك يعود لأسباب لها علاقة بالحب الأفلاطوني! ) .. كما قال عدنان المبارك كاتب عراقي مقيم في الدانمرك في مقالته المعنونة " عندما يأتينا اللامعقول العربي مخضبّاً بالدم "
كان كتاب سلام عبود واحدا من مجادلات هذا النوع من العنف بانتظار توعية جيل المستقبل الثقافي في العراق أو التنبيه لمخاطر مماثلة كي يسهم في إيجاد بدائل تحقق انطلاقا جديدا لمشروع ثقافي ديمقراطي ليبرالي بعد هزيمة النظام السابق وجميع مشاريعه الثقافية والسياسية والعسكرية . وهنا اجد نفسي متسائلا هل نثر كتاب سلام عبود هواءه على غصن مكسور هل اعتبرت هذه الدراسة التشخيصية وغيرها مجرد دخان سيكائر وثرثرة أم إن " الموقف " من ثقافة العنف لا يحتاج لغير ابتسامة هولندية ..!!
حقا انهزمت ثقافة العنف وارتبكت فروعها في البلدان العربية الأخرى أيضا .
غير أن مزايا الثقافة الديمقراطية الليبرالية لم تظهر بعد ، وليس في أفقها ، حتى الآن ، غير شعاراتها المثالية تدوّن على واجهات صحف كثيرة ، لا أعرف نسبة عدد قرائها الحقيقيين ولا نسبة الواعين بأهميتها أو بنواقصها أو بمدى تلاؤمها مع الواقع الجاري في عقول ومؤسسات المثقفين العراقيين .
ليس عندي جرد أو تقييم انجازات الثقافة العراقية أو نواقصها خلال عامين بعد سقوط النظام الدكتاتوري ومشروعه الثقافي .
ولا أريد أن أسعى لمناقشة الخطوط الرئيسية للتطور الثقافي في العراق فالأمر الأول هنا يستوجب توفير وتمييز فرضيات كثيرة وأساسية مشتركة بين :
المؤسسات الثقافية ،
والعمليات الثقافية .
المؤسسات الثقافية صارت كثيرة .. بدءا من مؤسسات وزارة الثقافة واتحاد الأدباء ونقابات الفنانين والصحفيين ومراكز أبحاث الثقافة في الجامعات ومئات من المراكز والتجمعات التي ظهرت في مدن عراقية كثيرة ، وانتهاء بمؤسسة مهرجان المربد ومؤتمر المثقفين العراقيين اللذين عقدا في نيسان 2005 بدافع تقوية الممارسة الثقافية وتبويبها للمستقبل .
غير أن " مثال " المؤسسات لم يرغب ، كما يبدو لي ، في تأسيس " عمليات ثقافية " تشكل بادرة تقييم حقيقي لما حققته القوى الثقافية البعثية سابقا وعن ما قد ينتج من " تدمير " متواصل لإمكانيات وطاقات ثقافية كامنة في داخل العراق وخارجه بفعل تيارات ثقافية جديدة وأبرزها تيارات نخب إسلامية متعددة ، منها تيارات " عقلانية " وهي جزء ضئيل ومنها تيارات تماشي في طريقة نموها وميادين تفاعلها ثقافة العقد السبعيني من القرن العشرين التي واصلت مسيرتها في العقود اللاحقة لإنضاج ثقافة الإكراه والعنف والسلطة .
في الحقيقة أن العمليات الثقافية التي جرت خلال العامين الماضيين لم تكن قادرة على وضع ثقافة ديمقراطية ليبرالية بديلة لثقافة العنف ولم يصدر حتى الآن بيان ثقافي عراقي شامل ومسئول يدين " ثقافة العنف " وأشكاله المتعددة خاصة الثقافة الملثمة .. وظل فراغ كبير بين موجتين نائيتين : بين موجة تحمل مئات المثقفين الضحايا الذين ارتهنهم النظام البعثي بقصائدهم وقصصهم ولوحاتهم التشكيلية الخاوية إلا من تمجيد عيون الدكتاتورية ، وهم بانتظار من يطهر نفوسهم ببرد التسامح والعفو .. وموجة أخرى وضعت مثقفين آخرين بالمئات أيضا في أعماق المنافي وهم يتطلعون أن تعود بهم سفنهم غير المحملة إلا بالآلام والآمال عسى أن يدوروا في أفلاك شمس الحرية وفي مدارات أقمار الديمقراطية ..
بصورة عامة أقول انه لا المؤسسات الثقافية ولا الفعاليات الثقافية – خلال عامين - استطاعت أن تفك العقدة السيكولوجية / السياسية / الفكرية في جسد الثقافة العراقية ولم تتحكم بوسائل قادرة على إعادة صياغة الوعي الوطني الجديد لا بتراث ومكونات الثقافة العراقية ولا بطموحات تجديده الديمقراطي ولا بمؤثرات الحداثة في الأساليب الإبداعية والدراسية .
هل بإمكاني القول أن العقل العراقي قد دخل بعد سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان 2003 مرحلة جديدة بتجربة واقعية جديدة ..؟ هذا سؤال موجه لجميع المثقفين العراقيين لما يتضمنه من ضرورات البحث عن إشكاليات الثقافة العراقية التي شغلت بال الكثير من المثقفين العراقيين داخل العراق وخارجه منذ أربعة عقود من الزمان وخاصة في ما يتعلق بتجليات العقل الثقافي في المجالات النظرية والعملية ضمن فحص خطوات البداية بعد تشكيل الحكومة العراقة المؤقتة حيث أفردت للثقافة وزيرا متشبعا بالثقافة التقدمية ( مفيد الجزائري ) لأول مرة في تاريخ الثقافة والسياسة في العراق بل لأول مرة في العالم العربي كله وحيث أعيد تشكيل اتحاد الأدباء العراقيين بمركزية ديمقراطية وحيث تأسست العديد من منظمات المجتمع المدني ومنظمات ثقافية وأدبية كثيرة في المحافظات العراقية .
رحلة ليست طويلة في مسار الثقافة العراقية الجديدة . ويمكن القول أنها تجربة جديدة حيث انتقل البلد من ثقافة الحزب الواحد الضاغطة على القراء والمستمعين والمشاهدين بكتم أنفاس الكثير من المبدعين العراقيين من الذين هم خارج نطاق ودائرة الحزب الحاكم ، إلى منطلق الثقافة الإنسانية التعددية مختلفة الأساليب والرؤى .
هذا كله قد اتسم من نواح عدة بالتفاؤل التام بما يتعلق بمستقبل الثقافة والمثقف في العراق رغم أن الأحزاب العراقية – من تشكيلات مجلس الحكم السابق – قد وجدت متعة بالغة في عرض ما يسمى بالتوافقية الحزبية لوضع الأسس الروحية والمنطق الحزبي الضيق كأساس في تشكيلات وزارة الثقافة واغلب المنظمات الثقافية الأخرى كبديل عن التوافقية الديمقراطية التي تعتمد على ميزات الكفاءات الثقافية الجدلية وليس على التنافس الحزبي الضيق الرؤية مهما ادعى انتسابه إلى البعثات المبشرة بالديمقراطية .
لقد ضمت وزارة الثقافة في عهد وزيرها مفيد الجزائري عددا من الكوادر الثقافية الوطنية ممن يملكون خبرات ثقافية واسعة ، فهل بالإمكان معرفة ما تنتجه المرحلة الثانية وموقف حكومة إبراهيم الجعفري من الثقافة ومن مؤسساتها ، وهل يصبح الأمل متحققا في صياغة " العقد الثقافي الجديد " وإنقاذ الثقافة من موازين المحاصصات الحزبية ومن إشكاليات " الهندسة الوراثية الطائفية " باسم " التعددية " وغيرها فجاء إلى الثقافة وزير جديد( نوري فرحان الراوي ) ولا ادري هل ستظل الثقافة في المستقبل أيضا مجرد و شاح للزينة أم هل يتأهب الوزير الجديد لنحيب الصراعات الحزبية والمذهبية تحت لافتة " التعددية الوظيفية " لتظل الثقافة العراقية بعدها تائهة في طريق الظمأ .
إن التعددية لا تعني فقط التعددية الحزبية مطلقة كانت أو مقيدة‏, ، ولكنها تعني في المقام الأول التعددية الإيديولوجية والفكرية ، والتي في إطار الدستور والقانون ـ ينبغي أن تمارس بأقصى درجة من الحرية والمسئولية‏ ، حتي تعرض الرؤى المختلفة‏ والاجتهادات المتعددة للأحزاب السياسية والمثقفين المستقلين ومؤسسات المجتمع المدني ومراكز الأبحاث والجامعات‏ وتعرض علي جموع الشعب للمفاضلة الحرة بينها‏.‏

بعبارة أخري نتوقع أن تكون وزارة الثقافة " مؤسسة " حوار ديمقراطي صريح ومباشر ليس فقط داخل مقرها بل بينها و بين مختلف التيارات السياسية العراقية داخل الوطن وخارجه من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار‏ ، من أجل تشخيص المشكلات الثقافية والفكرية والاتفاق ما أمكن علي استراتيجيات التنمية الثقافية الشاملة التي من شأنها أن تقود ليس فقط نشاطاتها بل نشاطات كل الوطنيين لتحقيق عبور مجتمعنا من حالة التخلف إلي حالة التقدم‏ ومن حالة العنف إلى حالة السلم الاجتماعي ‏. لقد أشار رئيس لوزراء الدكتور إبراهيم الجعفري بكلمته في البرلمان العراقي مساء يوم 3 أيار 2005 انه يريد أن لا تكون الثقافة العراقية ذاتا ساكنة بل يريدها ذاتا نشيطة متحركة تستحضر من سنوات الظلم الغابر طريقا جديدا يضع الثقافة والشعب في هواء متألق . يا ترى هل يتحول قول رئيس الوزراء إلى فعل أم ستظل أقواله البرلمانية مجرد موجات تعلو وتهبط في بحر مقفر لا يسلم من قصف العنف الطائفي . بكل الأحوال سيظل المثقفون العراقيون مفتحي القلب في المستقبل لاختبار رقعة المسافة بين الأقوال والأفعال في زمن صارت فيه بعض الوزارات والمؤسسات وحتى بعض السفارات إلى مساجد لا تنطق باسم الحكومة الديمقراطية بل باسم الله العلي القدير ..
بالتأكيد انه ليس من صالح العقل الثقافي العراقي أن يحاول احد فرض نموذج ثقافي شرقي أو غربي محدد سياسيا واجتماعيا وفكريا على المؤسسات الثقافية أو على المثقفين العراقيين كما انه ليس من الصحيح فرض صياغة مبادئ دينية سواء كانت سمحاء أو متزمتة على المثقفين العراقيين ففي الحالين يعيق النمو والتقدم .
التجارب الثقافية العراقية الجديدة حققت حرية التعبير بعد سقوط الصنمية الثقافية في ربيع 2003 وقد اتضحت رؤية هذه الحرية ملموسة في الحرية الصحفية وفي حرية التنظيم الثقافي وفي حرية القول في المهرجانات الثقافية وفي حرية البحث الأكاديمي في الجامعات العراقية فهل في هذا كفاية ..؟
أول شيء يمكن قوله هنا عن ثقافة السنتين الماضيتين أنها ظلت تطوف على مستوى تخيلي ، من حيث الكم والنوع ، يمكن اعتباره دوران في حلبة سباق مع الزمن تعود غالبية أهدافها لولوج مستوى الإنتاج الكمي لمؤسسات العد الدكتاتوري المباد مع اختلاف نسبي في النوع . فالمؤسسات الحكومية تحركت بعيدا عن المستقبل متجهة نحو الماضي في سفن تحمل أشرعة مجلة الأقلام ومجلة الثقافة الأجنبية ومجلتي ( المزمار ومجلتي ) ودوران المسئولين في وزارة الثقافة والإعلام تحت آلات التصوير التلفزيوني في معارض الفن التشكيلي والندوات وغيرها من دون السعي الحقيقي لإعادة صياغة وتأمين مستلزمات الخصوصية الثقافية العراقية ذات التاريخ التجريبي الطويل الموروث للانطلاق بها نحو الإصلاح والتطوير وتعزيز تطبيقاتها المتجددة بكل طبقات تكويناتها وبكل ما يوسع مواطن انتشارها بين العراقيين الذين حرموا طيلة 35 سنة من الدوران في الناتج الثقافي العربي والعالمي الذي جدد كل النظريات الأدبية والفنية فقد أجمعت كل مؤسسات الدولة الدكتاتورية وفقا لمشروع ثقافة " جماهيرية " أسس لها ولتطبيقاتها حزب البعث العربي الاشتراكي الحاكم . مما اوجد إشكالية حقيقية بين خصوصية الثقافة العراقية الأصيلة وبين بقايا البروج الثقافية في مشروع الدولة الدكتاتورية الثقافي الذي استند في تعليمه للناس على " مهرجان المربد " لصياغة أدب العراق وجعله في موقع سكن خاص مهمته الأولى والأخيرة خلال 30 سنة تمجيد الحاكم الفرد . ورغم أن هذا المهرجان ظل في كل حياته السابقة مركونا في زاوية ثقافية متناهية الصغر ، فأن اتحاد أدباء البصرة بدعم من وزارة الثقافة – كما يقول الاتحاد – ظل مصرا حتى الساعة على أن يكون مهرجان المربد ضمن دائرة الشكل الذي تأسس عليه وهو بكل حال من الأحوال لا يريد أن يقارن نفسه بمدى اتساع مهرجانات الكون المتقدم . ولو كان احدهم من المسئولين الثقافيين العراقيين قد كلف نفسه لحضور معرض الكتاب في فرانكفورت أو معرض القاهرة أو معرض بيروت أو حتى معرض الشارقة في العام الماضي لاستطاع أن يلحق مسئولي الثقافة العراقية برسالة عاجلة عن كيفية دوران منصات المهرجانات العالمية والعربية ولاستطاع المسئولون جميعا من التقاط عناصر تسجيلية لتطوير الثقافة العراقية ومنتجاتها ومؤسساتها . وظل السؤال قائما حتى اليوم : هل بوسع وزارة الثقافة أن تغير هويتها الرسمية ؟ إن كل شئ عرضة للتغير‏ ، والتغير هو القاعدة لا الاستثناء‏..‏ ولكن ليست القاعدة أن يتحول الشئ إلي نقيضه‏.‏
غير أن الوزارة كانت شديدة الحرص علي أن لا تخرج فعالياتها خلال الفترة الماضية عن الجانب الترفيهي في الثقافة ( عقد ندوات شعرية ، افتتاح معارض فنون تشكيلية ، المشاركة في مربد البصرة الانعزالي .. مهرجان الفنون المسرحية .. مهرجان الأغنية العراقية في عمان .. الخ ) .. ونست الوزارة مهمتها الأساسية في تنمية مقدرة المواطن على التعامل والتفاعل مع الثقافة بعقلية جديدة تتميز بالوعي والنضوج والنقد . لا شك أن مثل هذه المقدرة أمر خطير جدا في المرحلة التي يمر بها العراق حاليا ، لأن إطلاق الممارسات الثقافية الفردية خصوصا توسيع مديات اشتراك ومساهمة المثقفين العراقيين في تطوير مجتمعهم بعد أربعة عقود من الجمود ، هو الهدف الرئيسي .
لعل من المفيد الإشارة إلى أن الجانب الترفيهي في النشاطات " الثقافية " أمر ضروري ومطلوب ، لكن غلب عليه في الكثير من الفعاليات الطابع الإعلامي وليس الثقافي . صحيح أن للنشاط الإعلامي – الترفيهي سحر قوي يهدف إلى " تسلية " المشاركين فيه مصحوبا ببعض المقالات الصحفية التي تهدف إلى إعلاء شأن الفعالية لا إعلاء شأن و " تنمية " الثقافة نفسها ، كما هو واقع حال مهرجان ما زال حتى الآن يحمل أسم ( المربد ) الذي ارتبطت فعالياته على مدى ثلاثة عقود بتمجيد الذات الدكتاتورية من دون أي محاولة لتحويله من أداة ترفيهية إلى أداة تنويرية فكما هو معروف أن الفن والثقافة عموما لا يحققان نجاحا إلا بالاستناد إلى التنوير النقدي الواعي .
لقد وضع المثقفون العراقيون في داخل الوطن وخارجه في وزارة الثقافة أملا في أنها ستوفر الوسائل الأساسية اللازمة .
فالأثر الكيفي الحر والعقلاني في الثقافة العراقية لا يمكن ان يتحقق بالركون إلى الروتين الجامد الذي له أعذاره الكثيرة في عدم توفر ( التمويل ) من جهة وفي عدم استتباب ( الأمن ) من جهة ثانية رغم أن الحالتين جزء من الواقع الكلي المعروف بالفساد والفوضى . وقد أصبح هذان العذران بمثابة أيقونة العصر العراقي الجديد تبدو فيها مؤسسات الثقافة ، العامة والخاصة ، في موقع لا يمكن تغييره بل حتى أنها تعجز عن رؤية أي أفق حقيقي يمكنه أن يخطف قمة الصورة التي يمكن لهذه المؤسسات نفسه أن تساهم في كبح جماح الفوضى الأمنية بالتثقيف العملي المتوازن وان تساهم في البحث عن مصادر التمويل .
لا ادري سببا لعدم الاستفادة من الانترنت وهو وسيلة ثقافية إعلامية كبرى تحقق الإدماج الثقافي وتحقق التكامل الثقافي وتحقق أوسع طريقة للنشر السريع الواسع النطاق ويمكن تحقيق ذلك من دون الحاجة إلى تمويل ولا إلى حماية أمنية وما يؤسف حقا أن وزارة الثقافة العراقية لم تصل بعد إلى القناعة بان موقعها على الانترنت لم يتبين بعد كوسيلة من وسائل الاتصالات الثقافية والعقلية فالمتطلع إلى هذا الموقع يجد من السهل عليه أن يستنتج أن الهدف الأول للموقع هو القول أنا موجود وربما كان تأسيسه محاولة من محاولات اللحاق المجرد بالمودة فكل مواقع الوزارات العراقية على الانترنت شبه ميتة لان هدفها الأول والأخير دعائي ليس غير بينما صار الانترنت في العالم كله شبكة واسعة من المعلومات ووسيلة اتصال يومية بالجماهير.
خلال زيارتي إلى بغداد في العام الماضي أدركت أن مغير سرعة قابلية التحول والتكيف في العمل الثقافي عموما قد أخذ أبعادا متعددة وواسعة في النطاق الجماهيري الخاص ( نموذج الندوات في اتحاد الأدباء .. وفي المجالس البيتية – مجلس الشعرباف مثلا – وفي بعض المنتديات في بغداد والمحافظات الأخرى – المركز الثقافي السويسري نموذجا – وفي غيرها قامت فعاليات بسيطة عاجزة عن صياغة نماذج أصيلة للنمو والتقدم الثقافيين . لا أدري موقف العقل الثقافي العراقي – الرسمي وغير الرسمي – من هذه الفعاليات لكنني أخمن أن الخصوصية الثقافية في منطلقات أصلاح الوضع الثقافي وتطبيقاته الجديدة لم تتبلور بعد ، وما زالت قضية أو " إشكالية " علاقة المثقف العراقي بالذات الثقافية الموروثة من جهة ، وبالذات المتجددة من جهة ثانية وبالذات السلطوية من جهة ثالثة ما زالت معقدة ولم تؤكد تحررها ولا فاعليتها بالتفاعل الايجابي مع التطلع نحو الديمقراطية الليبرالية .
هذا تصور أول وربما يكون هناك تصور آخر أكثر خطورة إذا ما أشرت إلى وجود عملية مركبة تكتسب زخمها ويزداد نفوذها بفعل عوامل وعناصر أخرى مضادة للإبداع والحرية والديمقراطية ينتهجها أصحاب وقادة أحزاب وثقافات إسلامية ينظرون إلى المجتمع كله بتصورات جامدة ومتعالية ومتعصبة ونفعية يبدون فيها بكونهم حليفا وحيدا ثابتا للإسلام ولكلام الله ولا يأبهون لصوت أو رأي يعلو ليقول بان الجمود وأحادية النظر ودعوى تمثيل شرعة الله هي ليست في جوهرها غير العدو الثابت لحضارة الإنسان وتطوره العقلي .
إن ثقافة العنف هي (مصلحة ) قد تكون طبقية أو حزبية أو سياسية ، وهي تتجدد أيضا وقد تتوسع حسب قواها الطالعة التي لا يستبعد ميلها نحو النضوج التدريجي وعلى مهل لتمكين نفسها من ممارسة هذا النوع من الثقافة ونشره حتى بوسائط الميديا المختلفة مثلما نجد أن مواقع في الانترنت قد غدت وسيلة لنشر ثقافة أبشع أنواع العنف التي يمارسها أصوليون حتى بقطع رؤوس بني ادم بالسيوف .
الرباط بين الديمقراطية والثقافة وسيلة مؤكدة في الإبداع الإنساني ، وصحيح أن الديمقراطية والثقافة عنصران متميزان أخدهما عن الآخر لكن تركيبهما في مجتمع معين هو انجاز إنساني عظيم يساعد في تجاوز مشاكل كثيرة تظل الروابط بينهما مصدرا لمشاكل صعبة أيضا داخل السلوك الحضاري للسلطة ، وللثقافة ، يعتبر فيه كأمر مسلم بان العنف لا يكون مرغوبا ولا موجودا بين هؤلاء الفرقاء مهما كانت الآراء متعارضة أو مختلفة ..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بصرة لاهاي في 4 – 5 - 2005



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديمقراطية للكَشر ..!
- إلى الوزراء الديمقراطيين الجدد
- الإرهابيون المراهقون .. والمراهقات ..!!
- عيش وشوف يا معيوف ..!!
- حكايات عن بعض الشعائر الدينية ..!
- أدمغة الشعوب لا تغسل ولا تباع ولا تشترى ..!!
- أمّا الدكتورة رجاء بن سلامة فجميلة حقا ً..!!
- مظفر النواب .. قضيته ليست بيتزا ..!
- عراقيون بالثقافة .. عراقيون بالفيدرالية ..!!
- عتاب إلى الرئيس جلال الطالباني ..!!
- مسامير 864
- مسامير 862
- مسامير 860
- مسامير جاسم المطير 859
- الطائفية السياسية عار الديمقراطية ..!
- اضحك مع الديمقراطية ..!!
- الاستبداد الجديد وفق نظام - موافج - القديم ..!!
- اتفقنا على أن لا نتفق ..!
- التنمية الثقافية أهم شروط بناء المجتمع المدني في كردستان الع ...
- الزرقاويون الشيعة في محافظة البصرة ..!


المزيد.....




- -يعلم ما يقوله-.. إيلون ماسك يعلق على -تصريح قوي- لوزير خارج ...
- ما الذي سيحدث بعد حظر الولايات المتحدة تطبيق -تيك توك-؟
- السودان يطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن للبحث في -عدوان الإم ...
- -عار عليكم-.. بايدن يحضر عشاء مراسلي البيت الأبيض وسط احتجاج ...
- حماس تبحث مع فصائل فلسطينية مستجدات الحرب على غزة
- بيع ساعة جيب أغنى رجل في سفينة تايتانيك بمبلغ قياسي (صورة)
- ظاهرة غير مألوفة بعد المنخفض الجوي المطير تصدم مواطنا عمانيا ...
- بالصور.. رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -الم ...
- -إصابة بشكل مباشر-.. -حزب الله- يعرض مشاهد من استهداف مقر قي ...
- واشنطن تعرب عن قلقها من إقرار قانون مكافحة البغاء والشذوذ ال ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - جاسم المطير - الثقافة العراقية بين فضاء البراري والقضبان الطائفية ..!