أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مصطفى مجدي الجمال - انقلاب عسكري أم انقلاب ثوري















المزيد.....

انقلاب عسكري أم انقلاب ثوري


مصطفى مجدي الجمال

الحوار المتمدن-العدد: 4124 - 2013 / 6 / 15 - 17:17
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
    


(ملحوظة: كتبت النسخة الأولية من هذه المقالة في مارس 2013 وظهرت في العدد الخامس من فصلية "الطليعة 21" التي تصدر بالقاهرة وأشترك في رئاسة تحريرها.. والصيغة الحالية تراعي بالطبع ما تطورت إليه الأحداث وما تنذر به..)

لكل شعب خصائصه.. وكان من الخصائص المألوفة في هبات الشعب المصري أنها تأتي غالبًا دون سابق إنذار، وبشكل مفاجئ لكل المحللين وحتى المتبحرين في النفسية الاجتماعية لهذا الشعب. وهي بالطبع خصائص تتحدد وفق سياقات عدة إلا أن الهبات الشعبية المصرية كانت دائمًا مفاجئة من حيث التوقيت والحجم.

غير أننا أمام ظاهرة جديدة لا شك، يندر أن يوجد لها نظير في التاريخ العالمي للثورات. فقد حددت طلائع شعبية- شبابية أساسًا- تاريخ خروجها لإسقاط النظام، وقبل الموعد المضروب بشهور عديدة. حدث هذا من قبل في ثورة 25 يناير، وإن كان الفارق هنا أن الداعين لفعاليات 25 يناير لم يتصوروا أن تتطور حركتهم إلى انتفاضة شعبية عارمة. أما اليوم فإن القوة الديمقراطية الداعية لفعاليات 30 يونيو يراهنون بوضوح على إسقاط النظام.

وفي تحديد الموعد لإسقاط النظام ميزة وعيب في أنٍ واحد. أما الميزة فهي إثبات قوة التحدي من جانب القوى الثورية، وتوعية الجمهور وكذلك القوى المتآلفة في الحركة بأن أي حلول جزئية لن تجدي، فضلاً عن امتلاك الوقت الكافي لحشد تراكمي متواصل. أما العيب فهو التخلي عن عنصر المفاجأة (وهو عنصر أساسي لنجاح أي تكتيك عسكري أو حتى سياسي) حيث يكون الطرف المعادي قد وصلته الرسسالة واضحة "بإعلان الحرب" قبلها بشهور، فيصبح بإمكانه ترتيب أوضاعه والإعداد لتكتيكاته المضادة بما في ذلك من مبادرات مفاجئة..

على أية حال.. هكذا سارت الأحداث، وعلينا أن نفكر في إطارها.

((( كيف أتينا إلى هذه اللحظة ؟ )))

من نافلة القول أن مصر بكل قواها السياسية والاجتماعية تمر بأزمات عنيفة. ومن ثم فإننا أمام حالة من الاستعصاء الاستثنائي. فلا توجد قوة واحدة، أو مجموعة قوى، قادرة على أن تمسك بزمام المبادرة الاستراتيجية والتحكم الواضح في الحلقة الرئيسية لسلسلة الأحداث الحالية ولا المقبلة.

ودون الخوض في تفاصيل ووصف هذا التشخيص، أقول إن قوى الثورة المضادة رغم نجاحها في الإمساك بقمة السلطة، مع تغيير نوعي ما في النخبة المتسلطة بإضافة التيارات ذات الأيديولوجيات "الدينية" واسئثارها بحصة كبيرة من المغانم، ورغم عملية الاستيلاء الشره من جانب جماعة الإخوان على المناصب الوسطى والمفصلية على الأقل في كافة مؤسسات الدولة.. فإنها لا تستطيع المضي في مشروعها وهي مستريحة.. بل إن شبح الفشل الذريع يحيط بها من كل جانب..

يرجع هذا إلى صعوبة- وربما استحالة- تحقيق إنجازات تحمي السلطة الحالية من نقمة الشعب، وبخاصة من الطبقات والقطاعات الكادحة التي تبحث عن خلاصها في مناخ أزمة خانقة وسياسات منحازة ضدها، وربما كان أكثر ما تخشاه النخبة المتحكمة الآن هي نقمة الفئات المتوسطة الفاعلة سياسيًا واجتماعيًا وإن على فترات، جراء الأزمة الاقتصادية العنيفة (بجوانبها البنيوية المستمرة والمتفاقمة، إلى جانب إلى جانب المستجدات الناجمة عن الاضطراب الاجتماعي والسياسي العنيف منذ انتفاضة يناير).

فنظرًا للطبيعة الطبقية للقيادات المتحكمة في التيارات "الدينية" الإخوانية والسلفية بأطيافها المختلفة (رأسمال تجاري ومالي وعقاري وخدمي كبير بالأساس، ومتشابك المصالح مع الرأسمال العالمي والخليجي والتركي) لا يمكنها بالطبع أن تحقق أي مكاسب عاجلة لكسب ولاء أو خداع الجموع الشعبية التي اتسعت دوائر خيبة الأمل بينها، خاصة عند أولئك الذين انخدعوا بجماعة الإخوان أو تصوروا أن الأفضل منحها فرصة كاملة، بدلاً من "حرق" مصر أو عودة نظام مبارك سواء في زي مدني أم عسكري. ومما زاد الأمر صعوبة بالنسبة لجماعة أن العامين الماضيين من التفاعلات الثورية حملا الكثير من "الآمال الشعبية المتصاعدة"، فضلاً عن تفجر الحركات الاجتماعية والاحتجاجية وتبلور الكثير من النقابات المستقلة والأحزاب والجبهات والائتلافات الديمقراطية.

تعاني قيادة جماعة الإخوان للثورة المضادة من مشكلات عديدة، لعل أهمها اعتمادها في الوصول للسلطة والبقاء فيها على تأييد الولايات المتحدة، ومن الواضح أن هناك خلافات آخذة في التزايد داخل البيت الأبيض حول صحة الاستمرار في الدعم المطلق للإخوان ومدى صدقهم في الالتزام بالوعود التي بذلوها لحماية المصالح الغربية والإسرائيلية، وبالأخص مدى قدرتهم في الحكم الفعال و"ضبط" الحركات الاحتجاجية الجذرية. وكانت الشهور الأخيرة بمثابة سحب مستمر من رصيد الإخوان عند الأمريكان. كما بدأت أقطاب أوربية تتململ وتنتقد صراحة الاستراتيجية الأمريكية في دعم ما يسمى "الإسلام المعتدل" وخطل الاعتماد عليه وحده. ومع ذلك كله فلا يزال الرهان الأمريكي كما هو على جماعة الإخوان مع إدخال بعض التعديلات على مسلكها وتحالفاتها.

أضف إلى هذا أن تعثر المشروع الأمريكي في سوريا وعدم قدرته على استنساخ التجربة الليبية قد أدى إلى إعادة برمجة دور كان مخططًا أن تضطلع به جماعة الإخوان الدولية هناك، خاصة بعد تبين حدود التأثير التركي على الأرض (رغم جسامته). كما تسببت هذه الاستراتيجية الأمريكية في إحداث مشاكل بين الولايات المتحدة وبين التيارات "الليبرالية" الموالية تقليديًا لها في مصر، وحالة الخوف الطبيعي التي أصابت الجماعة القبطية من طائفية التسلط الإخواني ومن ممارسات السلفيين في المجتمع، ناهيك عن الغضب المكتوم في قمم المؤسسة العسكرية بما لها من أهمية عند الأمريكان في أي مخطط لمصر أو الشرق الأوسط.

وقد اكتشفت الإدارة الأمريكية- متأخرة فيما يبدو- رعونة الأداء الإخواني في ممارسة السلطة، وضحالة كثير من قياداتهم، وعدم القدرة على التكيف مع مسئولية وضعيتهم في الحكم بعد عقود من العمل السري. وقد حاولت الإدارة الأمريكية التغاضي أحيانًا عن "أخطاء" الإخوان، وتبريرها أحيانًا أخرى، إلا أن الشراهة الإخوانية في الاستحواز قد فاقت في كثير من الحالات ما يمكن أن يحتمله المجتمع السياسي والمدني وحتى الدولي.

من المؤكد أن الإخوان قد استولوا على أهم مؤسسة في مصر، وهي مؤسسة الرئاسة.. إلا أن أداءهم الأحمق والمتخبط، بل وإملاء مكتب الإرشاد على شخص الرئيس، قد وضع هذه المؤسسة خطيرة الشأن في أسوأ أحوالها على مدى عقود. ولا يمكن أن نغفل بالمرة الأداء الباهت والبائس للرئيس نفسه حيث لا يملك أي مقومات كاريزمية يمكن أن تعوض نقاط الضعف في السياسة الإخوانية.

وإذا كان التراخي المحتمل تزايده في الدعم الأمريكي للإخوان من أهم المشاكل التي تعترض مسيرتهم في السلطة، فإن الخطر الحقيقي عليهم- إذا لم تتصاعد الحركة الثورية الجماهيرية- يتمثل في التحديات التي يمثلها قلق بعض قيادات المؤسسة العسكرية وكوادرها الوسطى من تردي الوضع الأمني في سيناء (خاصة الجماعات الإرهابية وعصابات الجريمة وتمدد نفوذ المنظمات الفلسطينية "الإسلامية"..)، والتحدي الأخير الذي تمثله إثيوبيا بالنسبة للنيل شريان الحية للمصريين، وتصاعد احتمالات العصيان المدني في مناطق حساسة، وحتى نذر الحرب الأهلية والصراع الطائفي وتمرد سكان الأحياء العشوائية..

لكن سيظل أكثر ما يقلق المؤسسة العسكرية تزايد مساعي الإخوان لاختراقها هي نفسها، والمساس بحصانة وامتيازات القيادات، واستمالة بعضها على حساب الأخرى. وهو ما يعني تهديد استمرار الصفقة التي فرضتها الولايات المتحدة على الجانبين وجاء بمقتضاها الإخوان إلى مؤسسة الرئاسة. فضلاً عن توافر دلائل قوية على بناء ميلشيات إخوانية وسلفية، مارست حتى الآن أدوارًا محدودة في التصدي للمعارضين وحصار المحكمة الدستورية ومدينة الإنتاج الإعلامي. والأخطر من هذا كبه تلك العلاقات المشبوهة، بل المفضوحة، بين جماعة الإخوان وحركة حماس وبعض المنظمات "الجهادية" في غزة وسيناء.

أيضًا أخذت التناقضات تبرز أكثر من أي وقت مضى في العامين الأخيرين بين الإخوان وجماعات السلفيين المختلفة. ولا يوجد توجه واحد للجماعات السلفية، إلا أنها قد اصطفت بوجه عام مع الإخوان في المعارك الحاسمة مثل الاستفتاءات والانتخابات الرئاسية والدستور والموقف المعادي للإعلام الليبرالي والقضاء المستقل والحركات والأحزاب الثورية و"المدنية". ولا يمكن التنبؤ بما ستؤول إليه تلك التناقضات في حالة الاستقطاب الحاد مع المؤسسة العسكرية، وفي ظل إصرار الإخوان على منح السلفيين حصة ضئيلة من كعكة المناصب والنفوذ، وهناك عامل آخر يتعلق باحتمالات الموقف السعودي من جماعة الإخوان.

هناك مسألة أخرى لا ينظر إليها المحللون باهتمام مناسب، وتتعلق باحتمالات الانشقاق الأفقي أو العمودي داخل جماعة الإخوان نفسها، بفعل الصراعات الشخصية، أو ضغوط المعارضة الجماهيرية، أو التأثيرات الخارجية.. لكن أكثرها خطرًا يمكن أن يتعلق بتمرد جيلي/ طبقي بين شباب الإخوان. وإن كان من المرجح ألا تلحق تطورات كهذه ضررًا كاملاً بالجسد الإخواني الكبير. وهناك تحليلات ترى أن الجماعة، وتحديدًا رجلها القوي، قد وضعت مرسي وبعض المسئولين في واجهة المشهد ليتم "استهلاكهم" في أداء المهام الابتدائية "القذرة" في عملية الأخونة.

يدرك الإخوان جيدًا المصاعب التي تواجههم.. لكنهم يحاولون المضي في كل اتجاه إلى أقصاه، مع الاحتفاظ بمرونة تسمح لهم بالتراجع عن خطوات معينة إذا تبين استحالة المضي فيها دون مشاكل كبرى. بل إن الإخوان مستعدون كثيرًا للذهاب إلى حافة الهاوية لترويع الخصوم وتدجينهم إن لزم الأمر. وهم لم يقفوا مكتوفي الأيدي أبدًا إزاء العقبات التي تعترضهم. وقد نجحوا بالفعل في تسخير إمكانياتهم المالية والأيديولوجية وعلاقاتهم الخارجية لتحقيق مكاسب انتخابية، وتحجيم وتحييد مقاومة بعض مؤسسات الدولة. كما نجحوا بطرق عديدة في تقسيم وتفكيك واختراق بعض الائتلافات والحركات الشبابية، وفي استمالة بعض الزعامات والجماعات "الوسطية" والمتحالفة سابقًا مع نظام مبارك، والأخطر كان عقد اتفاقات النفع المتبادل مع رؤساء العشائر في صعيد مصر أساسًا.

وبدون الإيغال في حديث عن تكتيك تقسيم الأدوار يمكن القول إن بعض القوى سابقة الارتباط بجماعة الإخوان وخرجت منها تنظيميًا لسبب أو آخر، تلعب الآن أدوارًا مهمة لصالح "إنجاح المشروع الإسلامي" في مجمله، مثل الدور الذي يلعبه حازم أبو إسماعيل وسط السلفيين، وعبد المنعم أبو القتوح مع الليبراليين، وحزب الوسط مع القوميين..الخ.

على المستوى الإقليمي أخذت جماعة الإخوان تلعب بأوراق جديدة و"غير تقليدية" مثل العلاقات مع إيران والصين وروسيا، والتحركات باتجاه السودان وليبيا..الخ على أمل ابتزاز بعض المكاسب من قوى إقليمية ودولية باتت مترددة في دعم الجماعة. مع الاستمرار في المناورة الأكبر بإبداء أعلى درجات الاستعداد للتعاون مع الجهود الأمريكية في تطويع حركة حماس والحركات الجهادية الأخرى، والاستمرار في التطبيع مع الكيان الصهيوني، والانخراط في عموم المشروعات الأمريكية بالمنطقة.

((( حال القوى الثورية )))

في المقابل تعاني القوى الديمقراطية والثورية من نخبوية وتفكك وتشتت وعدم استطاعة الاتفاق على بديل كامل لسياسات وكيانات السلطة القائمة. فللأسف تبخر وتقلص الكثير من الحركات الشبابية التي لعبت دورًا كبيرًا في الإطاحة بمبارك. وذلك بفعل عمليات الاستيعاب والاستمالة من جانب السلطة، وغياب الرؤية السياسية المستقبلية عند هذه الحركات (فمعظمها كان يعرف كيف يمكن أن يسقط النظام السابق دون أن تكون لديه رؤية للنظام المأمول وكيفية بنائه)، والانسياق وراء ثنائية العسكر/ الإخوان، والتناقض المفتعل بين العمل السياسي/ الحزبي والأنشطة الميدانية الصدامية.

وإن كانت نشأة وتطور حركة "تمرد" قد فتح طاقة جديدة لتعبئة الشعب، وإلهام الشباب للعودة بقوة إلى ساحة المواجهة. ومن الأمور المحمودة أن القوى السياسية الديمقراطية تعاملت حتى الآن بشكل مسئول مع هذه الحركة الشبابية الجديدة، وساعدتها ماديًا ومعنويًا. إلا أنه من الواجب التذكير بأهمية حماية الحركة من "الحب الخانق"، وكذلك مساعدتها في حماية نفسها من الاختراقات والاغترار.

بالنسبة إلى لقوى السياسية الديمقراطية المنضوية في جبهة الإنقاذ، فهي شديدة التباين ومن الصعب أن تتفق على برنامج استراتيجي موحد وقد تتوقف عند حدود أن تكون مجرد كتلة انتخابية، ومن الممكن أن تتعرض للانقسامات عند أي لحظة اختيار كبرى (مثل المشاركة في الانتخابات أم المقاطعة؟ التعاون مع "الفلول" أم لا؟ الموقف من احتمالات الانقلاب العسكري؟...)، إلى جانب التناقضات الذاتية بين الزعامات المتضخمة. ولعل نقطة الضعف الرئيسية في جبهة الإنقاذ أنه لا توجد بداخلها قوة يسارية موحدة قادرة على عصمها من التخاذل والمساومة.

هكذا.. مصر مقبلة حتمًا على مُرَكّب من الأزمات التي قد تتسابق فيما بينها لكنها ستؤدي جميعًا إلى حالة من الاستقطاب لن تنتهي إلا بحل جذري لصالح القوى الثورية، أو دخول البلاد في مرحلة رمادية أخرى بتدخل من طرف ثالث (مثل الجيش أو الولايات المتحدة). فهناك مؤشرات بوقوع أزمات دستورية وأمنية وطائفية واقتصادية- اجتماعية، فضلاً عن المخاطر الإقليمية. ونخص بالذكر احتمالات اندلاع تمرد جماهيري- في الريف والأحياء العشوائية أساسًا- غير قابل للسيطرة أو القيادة، بسبب تفاقم مشكلات الإفقار والبطالة والتضخم وانهيار الخدمات، إلى جانب غياب الوعي والتنظيم السياسي.. إلى حد ينذر بتفكك المجتمع وليس الدولة فحسب.

فهل يمكن تصور أن تُحل هذه الأزمات والصراعات بانتخابات ديمقراطية مثلاً، أو بتفاهمات "تاريخية" بين أطراف شديدة التناحر؟ بل هل يمكن أن تشهد مصر انتخابات ديمقراطية في ظل حكم الإخوان وحلفائهم؟ لا نظن. بل إن عقد الانتخابات في حد ذاته ربما يفجر المزيد من التناحر.

كذلك لن تنتظر الأزمة الاقتصادية- الاجتماعية المتفاقمة جهود الإخوان لتثبيت جماعتهم في السلطة، ومن ثم إمكانية الوصول إلى موارد جديدة من الخارج تستطيع دفع الدماء في عروق الاقتصاد.. وفي الغالب ستكون هذه الأزمة من أهم عوامل الانفجار الوشيك والذي يمكن أن يتطور إلى موجة ثورية جديدة.. ومن المتوقع أن تواجه السلطة هذه الموجة برد فعل دموي في ظل فهمنا لرؤية الإخوان لمعنى خسارتهم للسلطة؟ فهم لا يتصورون أنفسهم في مكان آخر خارج السلطة غير المعتقلات، وهم لا يتصورون تسليم دولة المشروع الإسلامي لأيدي العلمانيين..

هل نحن بصدد فوضى تنتهي بانقلاب عسكري حتمًا؟ أم مبادرة الجيش بانقلاب تعقبه فوضى/ اضطربات متوسطة الكثافة؟ أم تكون العودة للثنائية بين الجيش والإخوان ولكن بشروط جديدة ورعاية أمريكبة؟

للأسف هذه هي الاحتمالات الغالبة حتى الآن في ظل موازين القوى والمحددات الداخلية والخارجية. ولا بد من الاعتراف بأن الشوط لا يزال طويلاً أمام القوى الثورية الراديكالية لبناء بديل سياسي قوى وملهم للجماهير الشعبية.

ليست هذه رؤية متشائمة.. فلا مجال في التحليل السياسي الموضوعي لمثل هذه التعبيرات. ولتكن هذه الرؤية نقطة الانطلاق لدى جميع القوى الديمقراطية الثورية للبحث عن المخارج الفكرية والتنظيمية والجماهيرية للخروج من أزماتها الذاتية.

((( ماذا عن اللحظة ؟ )))

وتطبيقًا للرؤية السابقة على الأسابيع المقبلة.. أسجل أولاً أن بعض القوى السياسية تضع بطريقة أحادية وخطية تصورات مفصلة لما يجب أن تسير إليه الأحداث، دون أن تراعي تعدد القوى الفاعلة على جانبي الثورة والثورة المضادة. بينما البعض الآخر لا نكاد نلحظ لديه أي رؤية لمستقبل الأحداث ويترك نفسه للتعامل معها بالقطعة وكيفما ستحدث.

ومن المؤكد أن جبهة الإنقاذ الوطني ليست ليها تلك الرؤية، الموحدة على الأقل، وربما تكون قد استعدت على المستوى العملياتي- وحتى هذا مازال يبدو ضعيفًا- ومن ثم لن تستطيع الادعاء بحق التفاوض باسم القوى الثورية، خاصة مع توقع حدوث انشقاقات داخلها عند بعض المفارق.. مثل الخلاف بين "مجلس رئاسي" أم "انتخابات رئاسية"؟ ناهيك عن ذاتية ومنافسات "الزعامات"..

وتساؤل كبير آخر سينشأ حتمًا عن إمكانية استمرار الأطر "الرمزية" التي تجمع الحركات الشبابية في هذه المرحلة.. وهل يمكن أن تكرر ذات الأخطاء والاختيارات السلبية التي وقعت فيها الائتلافات الشبابية بعد ثورة 25 يناير؟ ومن المتوقع أن تتفجر خلافات حول الموقف من المعارضة السياسية والجيش والشرطة..الخ.

على الجانب الآخر بن يقف الإخوان بالطبع مكتوفي الأيدي، ورغم ما اتضح من صلفهم، فقد أخذوا فرصتهم الكافية للإعداد للمواجهة الكبرى، وهم لن ينتظروا في مواقعهم مستسلمين لقدر محتوم. وإنما سيقومون بمبادرات تكتيكية يمكن أن نتصور بعضها فيما يلي:
- الاستماتة في حشد جبهة القوى الإسلامية، وحل أهم مشاكلهم مع السلفيين تحت ضغط التلويح بأن المشروع الإسلامي كله في خطر.
- محاولة استعادة ما تطاير من ثقة الولايات المتحدة والأوربيين تحت ضغط التلويح بمخاطر جذرية بعض قوى المعارضة، وأخطار وقوع فوضى أو حرب أهلية في مصر..
- محاولة الزج بالشرطة بأي شكل لتوريطها في الدفاع عن النظام، وقد يتم هذا عبر بعض الاختراقات للقوى الثورية لجرها إلى صدام مباشر مع الداخلية.
- محاولة استدراج القوى السياسية والشعبية إلى العنف قبل 30 يونيو.. وفي هذا الصدد يمكن تخيل الكثير والكثير من المؤامرات.
- محاولة اختلاق أو تضخيم خطر خارجي لوضع القوى الثورية في ركن صعب.
- تعظيم استخدام آليات الدعوة المتاحة لإدانة المتحركين ضد رئيس إسلامي منتخب.
- تشويه الحراك الثوري بالتركيز على تحركات "فلول نظام مبارك".
- بذل كل جهد لإخراج الأقباط والنساء من موجة الحراك الشعبي، حتى لو استلزم الأمر استخدام أقذر الأساليب.

في الختام أقول..
إن مصر مقبلة على أيام شديدة الخطورة.. ولن يحميها إلا وعي سياسييها ومواطنيها.. والإصرار على جذرية المطالب الثورية.. وأن تتأكد من أن النصر يحتاج إلى "صبر ساعة".. وبالأحرى أيام.. ولا بديل عن النصر الواضح وإلا وقعنا في براثن دكتاتورية غير مسبوقة..

وفي كل الأحوال.. لن تكون مصر على الصورة التي عرفناها في العامين الأخيرين.



#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الثورة المصرية بحاجة لطليعة
- لا نوايا حسنة في تبرير الإرهاب
- الساكت عن النقد...
- شافيز.. عرفته قبل أن أقابله
- حتى لا تخسر القضية الفلسطينية شعب مصر بسبب حماس
- حول الدعوة إلى تنظيم شيوعي للشباب
- السياسة الثورية.. وإلا الخيار نيرون !!
- قهر الفاشية.. أو الخروج من التاريخ
- لنكسر الفاشية أولاً
- ارتباك في بر مصر
- بلطجة نظام مرسي وجماعته لن تخيفنا
- لا وقت للميوعة
- حديث الصراحة مع المعارضة الليبية
- مصطفى مجدي الجمال - مفكر وسياسي يساري مصري - في حوار مفتوح م ...
- الروح الرياضية واللعب بالديمقراطية
- العودة للاهتمام بأمريكا اللاتينية.. توطئة
- هل يفعلها اليسار المصري هذه المرة ؟!
- الثورات العربية.. تقدير موقف
- مستقبل جمهورية مرسي
- ثورات واستخبارات


المزيد.....




- مؤلف -آيات شيطانية- سلمان رشدي يكشف لـCNN عن منام رآه قبل مه ...
- -أهل واحة الضباب-..ما حكاية سكان هذه المحمية المنعزلة بمصر؟ ...
- يخت فائق غائص..شركة تطمح لبناء مخبأ الأحلام لأصحاب المليارات ...
- سيناريو المستقبل: 61 مليار دولار لدفن الجيش الأوكراني
- سيف المنشطات مسلط على عنق الصين
- أوكرانيا تخسر جيلا كاملا بلا رجعة
- البابا: السلام عبر التفاوض أفضل من حرب بلا نهاية
- قيادي في -حماس- يعرب عن استعداد الحركة للتخلي عن السلاح بشرو ...
- ترامب يتقدم على بايدن في الولايات الحاسمة
- رجل صيني مشلول يتمكن من كتابة الحروف الهيروغليفية باستخدام غ ...


المزيد.....

- كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل ... / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان / سيد صديق
- تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ ... / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- المثقف العضوي و الثورة / عبد الله ميرغني محمد أحمد
- الناصرية فى الثورة المضادة / عادل العمري
- العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967 / عادل العمري
- المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال ... / منى أباظة
- لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية / مزن النّيل
- عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر / مجموعة النداء بالتغيير
- قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال ... / إلهامي الميرغني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان - مصطفى مجدي الجمال - انقلاب عسكري أم انقلاب ثوري