أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مصطفى مجدي الجمال - ثورات واستخبارات















المزيد.....

ثورات واستخبارات


مصطفى مجدي الجمال

الحوار المتمدن-العدد: 3798 - 2012 / 7 / 24 - 08:55
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


أبدأ حديثي بواقعة تاريخية بعيدة.. ومن روسيا.. فمن المعروف أن قائد ثورة البلاشفة 1917 فلاديمير لينين قد عاد إلى بلده قبل شهور قليلة من ثورة أكتوبر بعد سنوات طويلة قضاها في المنفى، ولكن المفارقة أن الظروف القهرية للحرب العالمية الأولة ونهاياتها قد أجبرته أن يقطع الطريق من سويسرا إلى روسيا- مع العديد من الثوار في المنفى- عبر ألمانيا وفي قطار ألماني، وبمعرفة السلطات الألمانية، التي كانت في حالة حرب مع روسيا..

وفي الحقيقة أن هذه الرحلة "التعسة" قد جعلت الإعلام والسلطات القيصرية تتهم لينين بالعمالة للألمان، وهو بالقطع لم يكن كذلك.. غير أن هذه التهمة السخيقة مازالت تتردد في بعض الكتابات "التاريخية" دون إيراد أي أدلة، سوى قرائن واشتباهات في السياق.. بل تدحضها تمامًا ممارسات لينين والثورة فيما بعد، وإن طفت الشكوك لفترة عندما اضطر لينين إلى قبول صلح بريست ليتوفسك (وتنازله عن جمهوريات البلطيق الثلاث) الذي لم يستمر طويلاً.

لكن تظل الاجتهادات مختلفة في محاولة الإجابة عن سؤال: ولماذا ساعد الألمان ثوار روسيا؟ من المؤكد أن االسبب المرجح هو تصور السلطات الألمانية أن دخول القادة المنفيين سوف يزيد الاضطرابات الداخلية في روسيا القيصرية ومن ثم الإسراع بقبول الصلح مع ألمانيا التي أرادت التفرغ للجبهة الغربية في أوربا.

هدفي من استحضار هذه الواقعة الوصول إلى استنتاج عام لا يخص الواقعة وحدها.. وهو أن الثورات مجال خصب لنشاط أجهزة الاستخبارات من كل الأنواع.. والأنشطة الاستخبارية لا تنحصر في ذلك التصور المحدود عن كتابة التقارير وإرسال المعلومات والقيام بأنشطة اغتيالات أو تفجيرات.. فهي تمتد أيضًا للتعاون مع قوى سياسية أو قبلية أو حتى جماعات ثقافية ومدنية.. للقيام بأنشطة معينة أو توجيهها لخدمة مصالح دول بعينها لا يفترض بالضرورة أن تتلاقى أهدافها النهائية مع قوى الثورة أو التمرد..

وقد ازداد دور الأنشطة الاستخبارية في التلاعب بالثورات أو الاستفادة منها، بفعل عاملين إضافيين هما التطور التكنولوجي الهائل الذي يتيح الإبقاء على سرية الاتصالات لأطول فترة ممكنة مما يطمئن المتعاونين، كما يمكن الاستخبارات من هتك معظم البيانات والمعلومات الخاصة بالدولة موضع النشاط الاستخباري.. والعامل الثاني هو النفوذ الكبير الذي اكتسبته في العقدين الأخيرين وسائل الإعلام الجماهيرية في التحكم في تدفق وطبيعة المعلومات، ومن ثم تشكيل الرأي العام..

لست بالتأكيد من هذا النوع من السياسيين الذين يتقاذفون الاتهام بالعمالة دون هوادة أو يرون المؤامرة وحدها وراء كل شيء.. وإنما أريد أن أوضح أن هناك فرقًا بين التأكيد على مشروعية ثورة ما، وبين تبرير لجوء بعض قياداتها أو جماعاته للاستعانة أو الاستقواء بالخارج أمام سلطة مستبدة أو وحشية.. فإذا كانت هذه الاستعانة من موقع الضعف أو الاستهتار بأهمية حفاظ الثورة الوطنية على استقلاليتها، فإنها بهذا المسلك تنجرف أو تنزلق من البراجماتية "الذكية" إلى التبعية وإغماض الأعين عن الاختراق الآخذ في الاتساع في صفوف الثورة، حتى لتنعقد الأمور في النهاية للعملاء الأقحاح.

في العراق.. أقامت الجماعات المعارضة لنظام صدام حسين علاقات وثيقة مع الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، بلغت تخوم العمالة الصريحة بالتزويد بالمعلومات عن المواقع والشخصيات والإمكانيات العسكرية و"النووية" والعلمية والاقتصادية (وحتى فبركة بعض المعلومات لخدمة صانع القرار في الدوائر الأجنبية)، وهو ما تُوِّج في النهاية بالاحتلال الأمريكي الصريح بعد تدمير البنية التحتية وإزهاق أرواح مئات الألوف من الشعب العراقي..

ولسنوات ظل المحتل هو المتحكم الوحيد في ثروات العراق وإعادة بناء سلطاته والعلاقات بين الجماعات العرقية والقومية والمذهبية..الخ. أي أن العلاقة المختلة في إطار الاستقواء البراجماتي بالأجنبي قد أفقدت الثورة قدرًا من مشروعيتها، كما أنه لم يكن من الحصافة تجاهل المصالح الإمبريالية الجشعة والعدوانية والعنصرية التي حددت إيقاع التدخل، بل وحتى رسمت وطبقت مسارات التغيير..

في مصر.. بدأت جماعات الإخوان المسلمين بعد الغزو الأمريكي للعراق، والسلفيون (في مرحلة متأخرة) في إجراء اتصالات سرية بدوائر أسميت "دبلوماسية" أو "مراكز بحثية" أمريكية.. وهي بالطبع ليست بعيدة عن الدوائر الاستخبارية إن لم تكن هي عينها..

التقت إرادة الطرفين.. فقد كان الأمريكان يريدون اختبار فكرة "الإسلام المعتدل" في مصر خاصة بعد اتضاح انسداد الأفق السياسي أمام نظام مبارك ، والمفاضلة بين النموذجين التركي والباكستاني أو تخليق نموذج جديد يستفيد من التجربتين.. أما الإخوان فقد راهنوا على منافسة مبارك، ثم المجلس العسكري فيما بعد، على كسب التأييد الأمريكي.. وبالفعل قدموا التطمينات المطلوبة مثل احترام معاهدة السلام مع إسرائيل، وإبداء الاستعداد للقيام بأدوار وظيفية في المنطقة خاصة في مواجهة المحور "الشيعي"، وحل مشكلة غزة من خلال إجراءات تدرجية تسمح للكتلة السكانية الغزاوية بالتمدد في سيناء وتخفيف الضغوط هكذا على أمن إسرائيل، فضلاً عن الحفاظ على جوهر النظام الرأسمالي النيوليبرالي والتابع في مصر.. وبلغ الأمر حد تقديم خدمة مباشرة بالإفراج عن الأمريكان المتهمين بأنشطة تمويل غير قانونية "للمجتمع المدني"..

وهكذا من أجل الوصول للسلطة والاحتفاظ بها، لم يكن لدى مكتب الإرشاد أي مانع من من استخدام أساليب الدبلوماسية السرية تحت راية ما تسمى "الدبلوماسية العامة" الأمريكية، والتعاون غير المتحفظ مع الدوائر الاستخبارية الأمريكية.. وهكذا ضمن الأمريكان السيطرة على الجناحين القائدين للثورة المضادة في مصر والمتنافسين فيما بينهما (إلى حد التناحر في بعض الأوقات).. ومن خلال هذه العملية المزدوجة نفذ الاثنان الخطط الأمريكية بحرف الثورات وتوجيهها في طريق غير وطني ومنذر بتفكيك الدولة المصرية والإغراق في صراعات عرقية وثقافية ومذهبية تنهك جسد المجتمع المصري على حساب كل من الصراع الطبقي أو الموقف الوطني من الصهيونية والإمبريالية..

أما في ليبيا فقد اتخذ التدخل العسكري والاستخباري أوضح صوره وأكثرها صفاقة.. فمن تدريب لجماعات إسلامية وعرقية وجهوية إلى إمداد بالسلاح ثم القصف من الجو والعمليات الخاصة بالتنسيق مع تحركات الثوار.. وكان المجهود الحربي في معظمه يدار بواسطة قيادات أجنبية.. صحيح أن الثوار قد اضطروا لهذا تحت ضغط وحشية وغباء حكم القذافي وعائلته، إلا أن حجم التدخل الأجنبي (الاستخباراتي بالقطع) في الثورة كان أكبر مما يجب، بل بلغ حد التسليم برعاية شخصيات صهيونية ساقطة السمعة.. والذي لم يدركه الثوار الليبيون في حينه أن الدوائر الاستخبارية قد استطاعت من خلال التحكم في المساعدات والضربات الحربية زرع مقومات الصراع المستقبلي في الجمهورية الليبية تمهيدًا لتخفيف السيطرة المركزية على النفط الليبي..

وأخيرًا.. ضربت المعارضة السورية في الخارج مثالاً سيئًا للتبعية لتعليمات الأجنبي سواء بالأصالة أم بالوكالة (أمريكا وفرنسا أم تركيا والسعودية وقطر).. وقد تبين لاحقًا أن معظم معارضات الخارج لا علاقة قوية بينها وبين ثورة الشباب السوري في الداخل.. ومن خلال الأنشطة الاستخباراتية السافرة تتم استعادة تجربة أفغانستان والبوسنة بالاستعانة "بمجاهدين" من كل حدب وتوجه، حيث تدربهم وتسلحهم وتمدهم بالمعلومات وأجهزة الاتصال الحديثة شركات المرتزقة والأجهزة الاستخبارية المتعددة على أراضي دول الجوار، وبتمويل خليجي وإعلام ينفق عليه مئات الملايين.. وتزداد أهمية هذه الجهود بسبب الفشل في الحصول على قرار دولي يتيح إمكانية تكرار تجربة الناتو في ليبيا.. وبهذا تنحرف الثورة موضوعيًا من انتفاضة ديمقراطية واجتماعية إلى تخوم حروب أهلية وتدخل خارجي..

من المؤكد أن الاستخبارات الغربية والعربية والإسرائيلية تعرف أن الجماعات السلفية والجهادية التي تخوض حرب العصابات ليست البديل الأفضل لنظام الأسد، وأن أفضل البدائل من وجهة نظرها هو نظام يقوم على تحالف (قلق جدًا بالطبع) بين الإخوان المسلمين والمعارضة الليبرالية والمنشقين عن الجيش النظامي.. غير أن الهدف الحقيقي يبدو أبعد من هذا وقد يصل إلى تفكيك الدولة السورية والإنذار بحرب أهلية، وإعفاء إسرائيل من خطر الصواريخ السورية والسلاح الكيماوي،..الخ.

تعدد الدول المتدخلة في سوريا يعبر عن تعدد المصالح الدولية المتنافسة عليها.. ومن ثم فإن كل جهاز استخباري يعمل على تحقيق أهداف خاصة بدولته، وليس لوجه الله ولصالح انتصار الثورة السورية، وإنما استغلال انتصار متوقع للثورة من أجل تحقيق تلك الأهداف.. فالولايات المتحدة لا تفكر في منطقتنا حاليًا أبعد من النفط الإيراني وإسرائيل والموقع الاستراتيجي.. وتركيا تفكر في المسألة الكردية وتوسيع حدودها السياسية والاقتصاداية.. ودول الخليج يسيطر عليها هاجس كسر الهيبة والخطر الإيرانيين من خلال ضرب حليفيه في دمشق وجنوب لبنان..

الخلاصة.. إن بعض الثوار يواجهون بحقيقة قاسية وهي استحالة- تقريبًا- الإطاحة بنظام مستبد ووحشي دون البحث عن معين خارجي.. ويضطر الثائر في معظم الأحيان إلى تقديم تنازلات "مرحلية" للقوى الأجنبية مقابل تمكينه من تحقيق انتصارات نوعية أولية على الأرض.. وقد يكون في نية الثوري بالطبع الانقلاب على تدخلات الأجنبي مستقبلاً بعد انتصار الثورة.. ولكن المتدخل الأجنبي لديه إلى جانب الإمكانيات خبرات تاريخية هائلة تمكنه من نسج علاقات جديدة على الأرض تجعل القوى الأجنبية هي المتحكم الأول في الفعاليات على الأرض وفي الدولة وفي المحافل الدولية. وقد يدرك الثوري خطل ما وقع فيه ولكن بعد فوات الأوان..

من أكبر الأخطاء التي يقع فيها المحلل والمخطط الثوري أن يتعامل مع الثورة كأنها منعزلة عن سياقات ومصالح دولية، ثم ينطلق رغم هذا في اتجاه متناقض باحثًا عن الدعم الخارجي دون تمحيص أو روية، تحت وقع الضربات الوحشية التي يقوم بها النظام الاستبدادي في بلده.. لهذا لا يجوز تحليل الثورات بوحدة تحليل واحدة هي الوحدة المحلية، وإنما يجب أيضًا التحليل بوحدتي تحليل إقليمية ودولية.. وبهذا يمكن المحافظة على نقاء الثورات من الاختلاط بأنشطة استخبارية مشبوهة، ومن التعاون الاستراتيجي مع إمبرياليات كبرى أم قوى إقليمية طموحة أم نظم عربية قبيحة ومتخلفة لأقصى الحدود.. ناهيك عن التردي في وحل التعاون مع تل أبيب..



#مصطفى_مجدي_الجمال (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وعيد المرسي ومآله القريب
- عودوا إلى جادة الثورة
- تحيا الآلة الكاتبة
- افرحوا أنتم !!!
- سموم اللغة الثورية الهابطة
- محاكمة القرن.. خطوة خطيرة نحو صدام معقد
- الثورة المضادة أفعى برأسين
- كل رجال البرادعي
- إنقاذ ثورة مصر من الضياع
- طرائف يسارية
- حتى لا تحترق مصر
- جبهة أم منابر حزبية
- يسار ب 3 رؤساء
- اليسار والاختيار
- ثلاث -شرعيات-.. و -كروكي- لصدام هائل وشيك
- مصر.. لحظة تاريخية مجنونة
- دروس متعددة ليسار يجب أن يتحد
- للدكتاتورية المحتملة في مصر.. وجهان
- الثورة المنشولة
- حوار مع خليل كلفت


المزيد.....




- هدفنا قانون أسرة ديمقراطي ينتصر لحقوق النساء الديمقراطية
- الشرطة الأمريكية تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة ...
- مناضل من مكناس// إما فسادهم والعبودية وإما فسادهم والطرد.
- بلاغ القطاع الطلابي لحزب للتقدم و الاشتراكية
- الجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي (الإتحاد المغربي للشغل) تدعو ...
- الرفيق جمال براجع يهنئ الرفيق فهد سليمان أميناً عاماً للجبهة ...
- الجبهة الديمقراطية: تثمن الثورة الطلابية في الجامعات الاميرك ...
- شاهد.. الشرطة تعتقل متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين في جامعة إيم ...
- الشرطة الإسرائيلية تعتقل متظاهرين خلال احتجاج في القدس للمطا ...
- الفصائل الفلسطينية بغزة تحذر من انفجار المنطقة إذا ما اجتاح ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - مصطفى مجدي الجمال - ثورات واستخبارات