عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4112 - 2013 / 6 / 3 - 23:46
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
مقام التسليم
يدور المقام بين قدرية قل كأمر وأختيارية قل كفعل وأيهما السالك بنا الى الواحد فأن كان القدر امرا وتسليما فالواحد ضاغطاً يلجئ اليه من هو تحت قدرته ويسوقهم اليه سوقا فيكون تسليمهم تسليم خضوع العمى لا تسليم رضا بالبصيرة {خَتَمَ اللّهُ عَلَى قُلُوبِهمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عظِيمٌ }البقرة7, فنبطل الواحد فينا من الواحد الأصل وهذا ظلم لا عدل فيه فكيف يكون الواحد العادل أحداً يظلم وهذا محال, ومحال أن نؤمن بالمحال ونبطل الواحد فينا فكلا الطريقين مسدود, فنعود الى نص أخر{وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ }هود34, فالواحد الذي يؤمر بقل ينصح والناصح غير مجبر من نَصَحَهُ, فكيف يكون له أمراً بالجبر مرةً ومتخليا عنه مرةً أخرى في موقع النصح وكلاهما واحد (ما ينطق عن الهوى), فالله الذي هو الواحد يريد أن يغويكم والغواية إغراء بأمر بتقديم ما يغوي لكي نتجنب أمر لا نريد أن نهتدي اليه بالواحد, فالأشكال بين الغواية وبين الهداية بين{وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ}الأعراف175, وبين{إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ }يونس9,فهل الغاوي هادي؟,أم كيف يكون الهادي غاويا؟,وهذا محال على العادل الواحد, فنكون بالمحال الثاني,أذن ماذا نقول{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُواْ لَوْ شَاء اللّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلاَ آبَاؤُنَا وَلاَ حَرَّمْنَا مِن شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم حَتَّى ذَاقُواْ بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِندَكُم مِّنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِن تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ أَنتُمْ إَلاَّ تَخْرُصُونَ}الأنعام148, فالعلة في الواحد أذن هو الذي قال (قل) لم يلحق القل هذه مع المفروضات بال(كن)أي إنَ كُنْ الواحد غابت عن (قل) فتاهت الأخيرة بين السين التسويفية وبين الشين التقديرية فيكون الواحد الصغير الذي تحت عظمة وحكم الواحد الكبير في حيرة من انتظار الشين أو الأعتماد على السين فذاقوا بأس العادل الواحد ظلما لأنفسهم وهم إن يظنون أن ما يتبعون هو من القل الذي جاءهم من بين ما جاءهم من العلم الذي مصدره الواحد, فيكون علم الواحد يدل على الظلم ويسوق اليه وهذا محال على الواحد العادل,وهذا محال ثالث.
نعم يمكن أن نقول أن الله قال ذلك بل هو الثابت عن الواحد فلا مجال لانكار ما قال, ومن الكفر أيضا أن ننسب الظلم للواحد العادل بحَمل المخلوق على ما ألجئه الخالق عليه دون أن يعقل المخلوق ما تعني فتنة القل وهو الذي قال{وَلَقَد تَّرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} العنكبوت35,فالواحد قال قل وترك بينة عليها, والبينة صنف فينا وصنف علينا, فالأولى (قلوب يعقلون فيها){أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}الحج46,فهي بينة ذاتية فينا وهي من عند الواحد شاهدة ومشهودة ,وأخرى بيننا وبين الواحد حجة لنا وعلينا {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الْأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ }العنكبوت63, هذه حجة علينا, وهذه حجة لنا لان فيها لام التملك فقال الواحد (لقوم يعقلون) ولم يقل على قوم يعقلون فأنظر كيف يسوق القائل الواحد الحجة{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ }البقرة164, فبالحجتين يتوحد الواحد بقل فلا بالذات ننكر ولا بالخارج نبطل فكان برهان الواحد فينا ومنا وعلينا ولنا وكلها وإن تشعبت فهي واحد بالأجمال, والواحد بالأجمال ضروري أن يكون متعمداً التفريق ليسد بها التمزيق {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذَا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ}سبأ7, فسبحان من جعل التفريق طريقا للتوفيق{قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىَ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ }هود88.
فنعود للمحال الأول فأن كان الواحد قد ساق القاف واللام بمقام الكاف والنون فهل لنا من الأمر شئ ومن ليس له من الأمر شئ ليس عليه من العتاب شئ ومن لا يعاتب لا يستعتب,فكيف يستعتبنا الله وهو الذي قطع الأعذار ورفع عنا الأنذار فكل شيء بأرادته مؤتمرة وكل واحد تحت سلطة الواحد منزجرة فالأمر مسئول والزاجر مسئول ولا على المطيعين من حساب إن هي الأ طاعة وتسليم دون بيان ولا توضيح, فمقام التسليم هو مقام العمى دون إبصار والله الواحد قد ذم العمى بدون البصر{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ }الأنفال22,{إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنفال55,ومدح الأبصار والمستبصرين{قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ }الأنعام104, {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولـئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً }الإسراء36,فما مقام التسليم إن لم يكن مقام العمى؟,.
مقام التسليم في عين الواحد كما قال قل أثنين,مقال في البيان بالأنذار والأعذار ومقال في الخيار بين التبيان أو الأنصراف, بهما يدور التوحيد في مقام التسليم واليهما ينتهي دور الإلجاء والتخيير.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟