عباس علي العلي
باحث في علم الأديان ومفكر يساري علماني
(Abbas Ali Al Ali)
الحوار المتمدن-العدد: 4107 - 2013 / 5 / 29 - 00:45
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
نحن ثلاث حروف جمعت حقيقة الوجود كله بمختصر هو أنا وأنت وما بيننا من كل الروابط والضوابط والعلائق وما يشركنا ويجمعنا في هذه الكلمة الصغيرة,ليس في الوجود غير هذه الثلاث فلا معنى لكل القيم بدونها ولا تتم عملية الفهم خارجها, وكلها لو جمعت ما تنتج إلا كون مصغر بضوابطه وروابطه ومنها الدين والقيم الدينية,
ما قيمة الدين إن لم يكن في دائرة النحنويه بل أن هدف الدين الرئيسي ان يدعم هذه القيمة ويركز كل مفاعيله عليها ومن هنا تظهر أهميته وعلة وجوده,فهو مرتبط بها تفصيليا,ويدور في فلكها كليا لذلك كان القول بأن الدين ما هو إلا نحن,نحن التي تعني العدم والوجود ,تعني قضية العلة والمعلول وهو الوجود أصلا.
الدين لم يأتي ولن يكون ترفا ولا حاجة مرتبطة بالله وحده ولا مبرر له على قاعدة رغبة الله أن يفرض إردته دون أن تكون هذه الإرادة مصدرها دعم النحنونية بما يخدم الوجود ويسهل لها طرق النشأة الكاملة التي أساسها مصلحة الإنسان وخدمة وظيفة الاستخلاف والخلق,فهو يطرح لنا معالجة تتوافق بينها وبين أن يكون وجود الإنسان حقيقيا وحرا لذلك حرم الدين الظلم كما حرم علينا أن ننتهك الوجود وسماه الله تعالى ظلم النفس.
لذلك كان ظلم الاخر وظلم النفس بمستوى واحد كونه خطيئة لا تغتفر لمجرد أننا نريد ان نتجاوزها لأن التجاوز هذا بحاجة إلى تصحيح العلاقة أولا بين الظالم والمظلوم من خلال العودة إلى الرباط بينهما وهو الجزء الثالث من كيان نحن,وهذا الجزء مرتبط بالدين كما بينا فلا بد أن يمر الإصلاح منه وبه وإليه لأن الوظيفة التي جعلت هذا الرباط ضروريا والتي لها أصول في مسألة الاستخلاف والخلق هدفها الإصلاح,فكل ما لا يتناسب ولا يتماهى مع الإصلاح هو خارج الدين وخارج إرادة الله الأولى.
إذن الدين ليس إختراعا بشريا ولا هو مما ينتجه بعقله لكنه من المؤكد أن وعاءه الأول هو العقل ومنتهى وجوده فيه,وإلا لكانت النحنوية أكثر من صورة وماهية وهذا مالم يثبت بوجه من الوجوه,ولم يسلم به عاقل,وبالتالي فالله تعالى لم يجعله خارج علات الوجود ولم يمنح الوجود خيار إنتقاء نظام الرابط بين الأنا والأنت للصدفة أو للحاجة المجردة أو لذات الأنا والأنت وإلا كان هذا الوجود عبثيا لا ينتمي له.
هنا لا بد أن نبحث عن الدين بينهما بين الروابط التي تجمعهما وتفرق بينهما,نبحث بين علة الوجود وغائيته وما بين العلة والغائية تتجلى لنا إرادة الديان,إذن محل البحث ينحصر في إرادة الله وما يتفرع عنها من مظهر له إرتباط بنظم سليمة تؤطر سلامة التوافق والتناظر المبني على أن كلاهما شئ واحد له ماهية ذات وجهين لا يكتمل كل منهم إلا بالأخر وهما معا يشكلان وظيفة الاستخلاف ويبرران علة الخلق التي حصرها الله بإستهداف الرحمة وجعلها قاعدة الإصلاح في الأرض وفي السماء.
السؤال هنا هل يسمح الدين مثلا لنفسه أن يرتبط في تبيان ماهيته خارج أطار نحن؟,أي بمعنى هل يمكن أن يكون الدين بما يمثل أن يكون له وجود حضوري خارج ال (نحن) ثم يبسط ما يراد منه عليها بما يملك من قوة الحضور والتأثير؟,أعتقد أن الجواب محسوما بالنفي فليس هناك أطار أخر يمكنه أن يستوعبه إلا العقل والعقل هو المدخل الوحيد للنحنونية,لأن الغير عاقل غير مكلف ولا مستوجب عليه الإقرار به.
البعض يرى الإمكانية وقد يصل بالتحليل العقلي الخاص به إلى هذه النتيجة ولكن لا يمكن أن يجدد ما يدلل به يقينيا على هذا الحال ويعجز من أن يثبت ما يقول((بالطبع هناك أسباب كثيرة أخرى لتشكل الدين وتعلن عن وجوده,فيكون تواجده هو شئ طبيعى وليس نبتا شيطانيا فهو تعبير حقيقى عن درجة التطور المعرفى والإجتماعى والسياسى للجماعات الإنسانية القديم .فى بحثى هنا لن أخوض فى هذه الأمور بل سأتطرق لفكرة أن الطبيعة بشكلها المادى البحت نحتت وشكلت وصاغت الشكل الأساسى للمعتقد والأخلاق(( .!!,الكاتب هنا يفترض أمرا دون دليل بل يطرح فكرة تأملية ونسي أن في مضمون كلامه نقض حقيقي للفكرة عندما يذكر أن الدين تعبير حقيقي عن درجة التطور المعرفي ولإجتماعي للمجموعة الإنسانية,دون أن يسمي العقل الذي هو القاسم المشترك بين هذا التطور الذي نظم المجموعة الانسانية وبين النحنوية.
الكاتب هنا لا ينكر أن العقل هو الذي يتصرف ليضبط الإيقاع الجمعي الوجودي للإنسان ولكن ينكر أن يكون هذا العقل بالضرورة حاجة بدوية ترافق الانسان منذ وجوده الاول بل يجعل هذه الحاجة متأخرة كثيرا عنه لإن الإنسان الأول لم يكن مضطرا لأن يكون عاقلا فهو يرد وجود العقل وبالتالي كل المفرزات التي ينتجها مردها سلسلة التطور والحاجات المتولده عنه على قاعدة أن هذا الامر مرتبط بقانونية البقاء للأقوى.
التعقل هنا يكمن في صورة الخيار الحر الذي تمليه الحاجة ناسيا أن الإدراك والوعي بها أساسا نتاج عقلي فمن لا يملك هذا المدرك لا يمكنه أن يكون واعيا ولا مستدلا عليه ففاقد الشيء لا يمكن أن يستعمله أو يكون عاملا به دون أن يكون متصلا به,((أن عدم إثبات التطور أو الحاجة والضرورة لوجود العقل ينفي الحاجة إلى مخرجاته المادية والمعنوية المتمثلة في التقنية والفكر والمنطق والأخلاق وقد يصبح الأمر طبيعيا إذا نادى العقل تحت ضغط الطبيعة أو الغريزة بالتراجع إلى ما قبل العقل على اعتبار أن العقل لم يكن مدبراً لوجوده وإنما جاء وفق عملية عبثية قام بها الإنسان في مراحله الأولى الحيوانية إبان مشيه على أربعة)) .
لا يتصور عاقل أن العقل بإمكانه النكوص عن موقعه هذا ليتخلى عنه لمصلحة العبث أو أن ينهي وجوده بحرية لإن المسألة ليست بهذه الصورة من البساطة التي يتحدث بها صاحب الرأي وكأن الأمور التي تسير الكون ومنها العقل قادرة في لحظة ما أن تغادر وظيفتها المرتبطة بوجودها دون أن تكون هناك قوة أعلى وأشد تلجئه على ذلك,وهذا فرض غير قابل للإثبات أو التسليم به بدون برهان.
#عباس_علي_العلي (هاشتاغ)
Abbas_Ali_Al_Ali#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟