أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سلام عبود - رحلة الموت السعيد من المنبع الى المصبّ















المزيد.....

رحلة الموت السعيد من المنبع الى المصبّ


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 4111 - 2013 / 6 / 2 - 23:45
المحور: المجتمع المدني
    


بعض ملامح الواقع العراقي على ضوء المنهج الفرويدي وعلم الاجتماع
الجزء السادس 6/ 10
بعد خمسة أشهر، في زيارة الإمام موسى الكاظم، في حزيران من العام نفسه، تكررت المأساة مجددا، بصورة نمطيّة، كما لو أنها إعادة عرض لشريط الموت السابق، ولكن بممثلين جدد.
حملت الصفحة الأولى من جريدة الصباح في عدد 16 حزيران 2012 طائفة من الأخبار المأسويّة، تم توزيعها بطريقة لم يسبق للإعلام البشري على مر التاريخ القيام بها. فقد تم توزيعها بطريقة تجمع بين السادية السلطوية السافرة والمازوخية الطائفية الممركزة، في وحدة فريدة لا مثيل لها. تبدأ الأخبار، كما حدث في العام الماضي تعيسة، بل مفرطة في التعاسة، ومبالغ في طريقة عرض جانبها الدموي. ويتضح من هذا أن القائمين على الإعلام كانوا حريصين حرصا شديدا على إثارة الفزع بين الناس، الى الحد الذي نشروا الأخبار المروعة من دون أن تحلل أو تجمع في حزمة خبريّة واحدة للتقليل من أثرها النفسي السلبي، ومن دون أن يتم وضع ترابط سببي بينها، لكي لا تظهر بجلاء الصيغ الطائفية والقصدية لترتيب الأخبار. وإنما تم نثرها، بالضبط، بالصورة البشعة نفسها، التي قام بها القتلة بنثر أشلاء ودماء القتلى والجرحي على أرصفة الشوارع. تبدأ الأخبار كما حدث تماما في الزيارة الشعبانيّة، شديدة التعاسة، ثم تنتهي نهاية سعيدة، بوصول الأحياء الى بيوتهم، بفضل رعاية وعناية السلطة، الساهرة على أمنهم وثرواتهم. أي أن صيادي الطرائد، الذين يتربصون بالفرائس، تمكنوا من اصطياد عدد من الحيوانات الضعيفة الزاحفة الى مواضع الكلأ. لكن القطيع، باعتباره كتلة واحدة، استطاع أخيرا الوصول الى مرابضه. وقد تم هذا الوصول السعيد بجهود السلطات المختصة. هذا ما تريد هيئة الإعلام العراقي قوله.
لكن نشوة النجاح التي حققوها في إعلامهم المثير، المدجج بالأرقام، في الزيارة الشعبانيّة، أفقدهم الإحساس بالحذر، فجاءت نتائج إعلامهم فاضحة. عند تحليل ما بثته وسائل الإعلام الحكومية نجد أن الصورة التي تريد هيئة الإعلام رسمها تتكون من ثلاثة عناصر: صياد شرير، طرائد، ومنقذ. أما حلقات المسلسل فهي ثلاث أيضا وحلقة ختامية. الحلقة الأولى، تهييج القطيع إعلاميا، واستنفاره لغرض تحويل الزيارة الى مليونية، وهذا ما قامت بتنفيذه الفضائيات ومراكز الدعاية في المحافظات. ولكلمة "مليون" هنا أهمية خاصة جدا في حسابات المتصارعين على ملكية الثروة والقوة. الثانية، نقل وإعلاف القطيع، الذي يصفه المركز الخبري لشبكة الاعلام العراقي قائلا: " أعلنت أمانة بغداد عن أن عدد السرداقات المنتشرة في أحياء العاصمة بغداد بلغ أربعة آلاف سرداق منها 1500 في مدينة الكاظمية، فيما انضم عشرة الاف متطوع إلى أعمال الأمانة لجمع النفايات. وبلغ عدد المتطوعين نحو عشرة الاف شخص اضيفوا الى عدد عمال الامانة البالغ 1500 عامل. وتبلغ زيارة الامام موسى الكاظم ذروتها يوم غد السبت والتي يتوقع حسب الجهات الرسمية ان تتجاوز الحشود الملايين من مدن بغداد والمحافظات الاخرى.
وخصصت وزارة النقل نحو ألف عجلة بالتنسيق مع قوات الجيش العراقي لنقل الزائرين من مدينة الكاظمية الى مناطق سكناهم وقد بدأت خطة النقل اليوم وفقا لمسؤول في الوزارة" ( صحيفة الصباح 15 حزيران 2012)
لقد أحصت السلطات المختصة أعداد القناني الفارغة المتكدسة في المزابل بنجاح، لكنها أخفقت، رغم مرور عشر سنوات، على انجاز إحصاء سكاني يحصر عدد المواطنين العراقيين!
وفي زيارة عاشوراء ارتفعت الأرقام الى مستويات مثيرة حقا. فقد " أعلنت محافظة كربلاء عن نشر اكثر من 32 الف عنصر أمني لحماية المعزين في ذكرى العاشر من محرم، وتهيئة 1200 سيارة لنقلهم " (الصباح 21 تشرين الثاني 2012)
الخطوة الثالثة، صيد الطرائد: ويتمثل بتوجيه الأخبار طائفيا، من طريق وضع مسميات ذوات دلالات طائفية، أماكن وحسينيات وأسماء. وزيادة في التأكيد تم تصدير الصفحة الأولى، من صحيفة الصباح، بخبر إدانة الأعمال الطائفية جاء على لسان أحد قيادات الطائفة الأخرى. وهذا ما نجده في الخبر الأول الذي ينص على: "النجيفي يدين تفجيرات زيارة الإمام موسى الكاظم"، ويطالب بإجراء تحقيق عاجل للكشف عن الثغرات التي يتسلل منها الإرهابيون الى الأجهزة الأمنية".
(لم يكتف النجيفي بإدانة تفجير مسجد سارية (السني)، بل ترأس وفدا نيابيا يوم السبت 18 آيار، وقام بتفقد ضحايا التفجير، الذي حدث في 17 آيار 2013. إن توجه النجيفي شخصيا الى موقع الحدث دليل جدي على صدق اهتمامه بالحدث، وعلى نبل مشاعره. لكن هذا النبل، ربما يبعث رسائل خاطئة، تزيد من شدة الاحتقان الطائفي، ولا تنقصه. فالنجيفي لم يزر موقعا واحدا من مئات المواقع الشيعية التي استهدفت من قبل الإرهابيين على مدى السنوات المنصرمة. إن النيات الطيبة، في ظروف الصراع السياسي الحاد، يجب أن توزن بدقة بالغة، لكي لا تكون سببا إضافيا من أسباب إثارة الأحقاد! وكان لزاما على النجيفي زيارة بعض مواقع التفجير، التي تعرض لها الشيعة أيضا، لأنه رئيس البرلمان العراقي كله.)
بعد هذا التمهيد الإعلامي الموجه بدقة طائفية، تم نشر ثلاثة أخبار متشابهة المضمون في صفحة واحدة، زرعت في مواقع متفرقة من الصحفة الأولى بعناية بالغة، تتعلق جميعها بتفجيرات تستهدف المواقع المدنية. الأول: " مصدر صحي: استشهاد وإصابة 143 مواطنا بانفجار سيارة مفخخة في ساحة عدن" ، والثاني: " ارتفاع حصيلة التفجير الارهابي الذي استهدف زوار الكاظم الى 46 شهيدا وجريحا"، والثالث: " استشهاد وإصابة 23 مواطنا بانفجار سيارة مفخخة في مدينة الشعلة مستهدفا الزوار".
الحلقة الختامية: النهاية السعيدة. وهذا ما نجده في الخبر الخامس، الذي يختص بنشر وقائع نهاية رحلة القطيع السعيد، والذي يقول: "وزارة النقل تعلن: نجاح خطة نقل الزائرين من الكاظمية الى مناطق سكناهم".
إذا أردنا إعادة ترتيب هذا المسلسل السياحي نصل الى الخلاصة التالية: حلقات هذا المسلسل بدأت بإعلان يؤكد الحرب الطائفية على لسان قيادي سني، وانتهت بالخبر الحكومي السعيد: وصول الطرائد الى مناطق سكناها! هذا هو جوهر الصراع في العراق، الذي تحول فيه المواطن الشيعي الى ضحية رخيصة يتلاعب بدمها وروحها أفرقاء من القتلة الطائفيين والعرقيين المتناحرين. قتلة يتربصون ببعضهم، لكنهم يخططون بعقل مشترك، ويرتبون ضرباتهم بحسابات مدروسة، و"روزنامة" دموية معروفة سلفا، جاعلين من المواطن المضلل فريسة دائمة للاصطياد المعلن والمتكرر.
إذا كانت الزيارة السابقة نجمت عن خطأ ما في الحسابات، تعذر فيه على القادة السياسيين والأمنيين توقع حجم القلق السياسي، الذي رافق الزيارة، فإن الزيارة المليونية الأخيرة، جرت في أوج الصراع الرامي الى سحب الثقة من المالكي، والتي سبقها بيومين لا أكثر قيام ثلاثين عملية إرهابية، ضربت العراق كله، في ساعات محددة.
تقول صحيفة الصباح في عدد 13 حزيران عن أجواء الزيارة المرتقبة:
"استشهد أكثر من خمسين مواطنا الاربعاء، وجرح العشرات في نحو 30 هجمة ارهابية استهدفت زوارا ومقاراً حزبية واهدافاً أمنية في 6 محافظات، حسبما ذكرت مصادر أمنية وطبية.
ووقعت التفجيرات والاعتداءات الارهابية في محافظات بغداد وبابل ونينوى وديالى وكربلاء وكركوك، بواقع 12 سيارة مفخخة و14 عبوة ناسفة، وهجمات مسلحة أخرى.
وتعد هجمات الاربعاء الأكبر منذ جريمة تفجير ديوان الوقف الشيعي الذي وقع قبل عشرة أيام وراح ضحيته نحو 25 مواطناً. "
في الكثير من بقاع العالم يقطع رؤساء دول وحكومات زياراتهم الخارجية عند سقوط قتيل برصاص الإرهاب، أما قادتنا فيحشدون 17 مليون برئ ويضعونهم في مواجهة إرهابيين قتلة، تواقين الى الذبح! أين موطن النقض: في العقل أم في الضمير؟
لماذا يجرى تحشيد ملايين الفقراء ووضعهم لقمة سائغة في أفواه صيادي الرؤوس الأشرار؟
الجواب عن هذا السؤال يوضح حقيقة المشهد اليومي.
ولكن، حتى هنا لم ينته المسلسل الدموي بعد. لقد رأينا جانبه السياسي والإعلامي والعسكري. أي رأينا المشاركة الوثيقة، والتفاعل الفوري، بين التضليل الإعلامي والطموحات السياسية الشريرة والأفعال الإرهابية الدموية. لكننا لم نر جانبه الأخير: القانوني. بعد يوم واحد من عودة "الزوار" الى مساكنهم آمنين، بفضل الحكومة، صادقت محكمة التمييز الاتحادية على قرار محكمة جنايات ذي قار، القاضي بإعدام المدانين في حادثة البطحاء، التي أثيرت في الزيارة السابقة. هنا نجد أن الزيارات لم تعد مناسبات للقتل والتحشيد السياسي والإعلامي حسب، بل أصبحت مادة للممارسة القضائية المبرمجة دينيا. ففي هذه المناسبات يتم ربط التاريخ الطائفي وحلقات الإرهاب ببعضه، في سلسلة متصلة الحلقات زمنيا وشعوريا وقضائيا. حينما نتأمل جيدا نص الحكم القضائي المنشور في الصحف، نكتشف أمرا مريبا، هو أن النص المنشور في الصخافة يخلو خلوا مطلقا من التاريخ. متى حدثت الحادثة موضع الحكم تحديدا؟ متى صدر الحكم القضائي؟ متى جرت المحاكمات الخاصة بالاستئناف، ومتى انتهت؟ لا ذكر لذلك. لماذا؟ لأن الجريمة والحكم عليها، في نظر ناشر الخبر، مجرد تذكير للقطيع العائد الى مراعيه المعشبة، بأن النهاية السعيدة سعيدة حقا. فالحكومة لا تنسى قتلى الزيارة السابقة. وهذا يعني أننا الشيعة الناجون ، السعداء بنجاتنا، نستطيع الاندفاع الى الزيارة القادمة بثقة تامة. فلو قتلنا فإن الحكم على قتلتنا سيراه أهلنا في الزيارة التالية، عند عودة الأحياء الى مساكنهم سالمين غانمين. هذا قرار حزبي لا رجعة فيه ولا نكوص أو تسويف. إنه مبدأ سياسي مقدس.
هكذا تتم صناعة التاريخ الشعبي في العراق ، على ضوء التصعيد العاطفي الطائفي والحرب الإعلامية.
بهذه الطريقة البشعة يتم تصعيد دوافع الفرد في مجتمعنا من قبل الحاكم، ويتم استثمار مخزوناتها العاطفية وتوجيهها سياسيا، ثم توضيفها لغايات شريرة.
"‏صادقت محكمة التمييز الاتحادية على قرار محكمة جنايات ذي قار باعدام المدانيين في حادث تفجير البطحاء الذي استهدف زوار اربعينية الامام الحسين (ع) في كانون الثاني الماضي.
وذكر مصدر قضائي في تصريح صحفي ان “محكمة جنايات ذي قار أصدرت حكما بالاعدام شنقاً حتى الموت، لكل من المتهمين (ح ش) (هـ خ )، لتورطهما المباشر بتقديم الدعم والتمويل لانتحاري تفجير سيطرة البطحاء (25 كم شمال غرب الناصرية) الذي أثار غضب المواطنين العارم للقصاص من الجناة”.
وأكد أن “محكمة التمييز الاتحادية صادقت على القرار”.
جدير بالذكر أن انتحاريا فجر نفسه مطلع العام الجاري وسط حشود للزوار في تقاطع الخط السريع طريق ناصرية – سماوة حيث كانوا متوجهين سيراً على الاقدام الى مدينة كربلاء للمشاركة في احياء اربعينية الامام الحسين عليه السلام. وبحسب مصادر امنية و اخرى طبية فأن الاعتداء اسفر عن استشهاد 42 شخصاً وجرح اكثر من 54 اخرين." (الصباح 18 حزيران 2012)

الدلالات الاجتماعية للحدث

لو قمنا باستبعاد الدلالات السياسية والتجارية والايديولوجية وإشارات القوة، التي تحدثنا عنها سابقا. ولو تم التركيز على الدلالات الاجتماعية، وعلى الدوافع الداخلية المسيرة للحدث، نكتشف قدرا كبيرا من الخلل وعدم السوية الاجتماعية والنفسية والأخلاقية تتحكم بعقل وتفكير وإرادة القائمين على صناعة الأحداث، بصورتها التي تحدثنا عنها. ونكتشف حجم العدوانية الإجتماعية، التي تهيمن على المكون الشعوري، الذي يبني خطط تحشيد الناس دينيا لأغراض سياسية مباشرة.
ربما لا يتمكن الدارس من الوصول الى نتائج واستخلاصات نفسية واخلاقية عميقة عند دراسته الزيارات السابقة، التي طغت عليها الصبغة السياسية الأمنية. بيد أن نشوة النجاح في تحشيد ملايين الناس لأهداف دعائية جعل بعض القائمين على صناعة الحدث يفقدون حذرهم، أو يكشفون، من دون أن يدركوا ذلك، عن طبيعة محتواهم الأخلاقي وعن مكوناتهم الحقيقية، المستترة خلف شعارات دينية وسياسية مضللة.
ففي زيارة نصف شعبان- وهي أقل الزيارات حجما، وفق تأكيد القائمين عليها، حيث لم يتجاوز عدد الزائرين مليوني زائر- شعر الزائر الشيعي الذي تحدى الإرهاب عاطفيا لمصلحة مثله الأعلى، بأنه مجرد رقم محتقر، مسيّر بقوة التضليل العاطفي، وأن المستفيدين من تضحيته وعواطفه لا يكنـّون له الحد الأدنى من الاحترام، ويعاملونه معاملة مهينة، لأنه مجرد كم مسيّر، أو فرد في قطيع.
يقول المشاركون في الزيارة النصف شعبانية، عن سبل التعامل معهم: " وصف مشاركون في الزيارة من المحافظات في أحاديث لـ (المركز الخبري لشبكة الاعلام العراقي)، مؤكدين انهم طالبوا المسؤولين في محافظة كربلاء بالتدخل لتخفيف هذه الاجراءات، فيما قال عدد من أهالي كربلاء إن الإجراءات وصلت إلى الأحياء السكنية، واسهمت في تقييد حركتهم وأعاقت اعمالهم، الامر الذي أكده أيضا خطيب جمعة كربلاء السيد احمد الصافي في إحدى خطبه من إن الإجراءات الأمنية يجب الا ترهق الزوار وان يكون التعامل جيدا مع الزوار" ( الصباح 10 تموز 2012)
لم يتوقف الأمر عند حدود الزوار، بل كشف الحدث بعدا داخليا آخر، ظل خفيا في الزيارات السابقة، وهو التنافس الشديد بين القوى السياسية والأمنية للسيطرة على صناعة الحدث:
"أكد نائب رئيس مجلس المحافظة نصيف جاسم الخطابي في مؤتمر صحفي عقده أمس، حضرته (الصباح) أن الحكومة المحلية تنتقد هذه الإجراءات اذ سجلت ملاحظات مهمة عليها رغم تثمينها لجهود الأجهزة الأمنية وتضحياتهم (العنف هو القاسم المشترك)، منبها الى ان الخطة الأمنية التي تم وضعها جرى تغييرها وليست الخطة التي تمت المصادقة عليها، مشيرا الى ان الحكومة المحلية تقدم الاعتذار لأهالي كربلاء جراء ذلك، كما تعتذر للزوار القادمين من المحافظات لتحملهم الصعوبات خلال سيرهم للوصول إلى المدينة لأداء الزيارة. أما رئيس اللجنة الأمنية في مجلس محافظة كربلاء حامد صاحب فقد رأى: "إن كربلاء تتحمل الكثير من العمل خلال الزيارات الدينية وهو شرف لها"، ودعا إلى تحقيق فوري لمعرفة الأسباب التي أدت إلى اتخاذ مثل هذه الإجراءات القاسية والتي لم تمنع من حدوث الخرق الأمني بتفجير سيارتين مفخختين.
إن هذه المناسبة هي أقل المناسبات في عدد الزوار. فلم يتجاوز عددهم المليوني زائر. ولكن، على الرغم من ذلك، اتخذت إجراءات أمنية غير مسبوقة، لا تستوجب هذا المستوى من التشدد.
وقد لفت الأمر انتباه مراسل جريدة (الصباح)، الذي راح يتساءل عن الأسباب التي أدت إلى اتخاذ مثل هذه القرارات والإجراءات: "هل إن سكوت الحكومة المحلية أدى إلى تفرد قيادة العمليات باتخاذ القرارات أم أن الأمر شخصي لحدوث تقاطعات في العمل؟" (الصباح 10 تموز 2012)
. لم يجن المجتمع من هذا التحشيد سوى مزيد من التصعيد في الدوافع العدوانية، لدى الفئات المتنافسة. وحتى في إطار الطائفة الأقوى. لم يكن أبناء الطائفة الشيعية، الذين قرأنا أقوالهم، أكثر رضا من غيرهم. لأن الأهداف المتوخاة من هذا التحشيد، بصرف النظر عن تسمياتها وطرق تجييرها وهالاتها التضليلية المنافقة، لا تخدم تطور المجتمع العراقي عامة، ومواطني الطائفة الشيعية على وجه خاص. لأن التحشيد العاطفي، واستغفال الجماعات شعوريا، مهمة سياسية إلهائية، بدائية، استخدمها المستبدون أجمع في العصور كافة، ونجحوا فيها نجاحا باهرا، ولكن على حساب تقدم شعوبهم.
# # # #
بعد مرور عام كامل على الزيارة السابقة، يلخص العدد 2838، بتاريخ 2 حزيران 2013 ، من صحيفة الصباح، الأحداث كلها، السابقة والراهنة واللاحقة.
تقول الصحيفة في صفحتها الثانية: " توقع وصول أعداد المشاركين في إحياء ذكرى استشهاد الإمام الكاظم (ع) إلى أكثر من 6 ملايين".
أما رئيس تحرير الجريدة فيصف الموقف الأمني العام، في افتتاحية العدد، بالقول: "يخوض الجيش والشرطة والقوى الامنية الاخرى حربا مكشوفة وواسعة ضد القوى الارهابية التي حشدت كل امكانياتها، بدعم خارجي معروف ومكشوف وكبير. بل ان هذه القوى تشن هجوما ارهابيا واسعا ضد الدولة العراقية، بما فيها الشعب العراقي والحكومة العراقية والقوات المسلحة العراقية"
وزارة الدفاع العراقية تزف الى الشعب العراقي نبأ سعيدا، بعنوان كبير، على الصفحة الأولى، يقول: " اعتقال خلية إرهابية كانت تخطط لقصف مواكب الزوار بـ (الكيمياوي) ... باستخدام طائرات مصنوعة كلعب للأطفال"
هل ما حدث في مقتلة "جسر الأئمة"، في 31 آب 2005، تمّ بفعل إشاعة مدبرة، أم إشاعة عفوية؟ وما الفرق بين نتائج ( ألف قتيل و 388 جريحا) الإشاعتين؟
هذا ما عنيته بتعبير "رحلة الموت السعيد"، وهو ماعنيته بسؤالي: أهو موت للعقل أم موت للضمير؟
الخلاصة الوحيدة، التي توصلت اليها من هذا الرصد الميداني المتعب، الذي كلفني آلاف الساعات من البحث والتحليل، على مدى سنوات، هو أن هناك من يريد إسقاط أكبر عدد من القتلى الشيعة، لكي يعطي لنفسه الحق في إطلاق النار على خصومه بدم بارد جدا (بناء دافع شخصي، نفسي وداخلي مصطنع)، ولكي يثبت لنفسه استمرار المظلومية (دافع نفسي وثقافي تاريخي جماعي، ذو غلاف ايديولوجي)، على الرغم من تزعمه قيادة المجتمع وتبدل الأدوار لصالحه، ويريد أن يثبت للجميع – بالعنف والعنف المضاد، وليس بالسلام والكفاءة وتطمين الاحتياجات الاجتماعية - أنه قوة تحشيدة كبرى، لا تضاهيها قوة أخرى (دافع سياسي). إن حشود الموت لا تقود إلا الى الموت. هذا ما غبي على هذه القيادات. لم يزل الموت، الذي ورثناه من حقب شريرة سابقة، هو قانون تسيير الحياة، وهو دستور السياسيين المتصارعين الأوحد، المعترف به من قبل الجميع.
إنها ثقافة الموت!
(جزء من الفصل الرابع- الباب الأول من كتاب: الثقافة العراقية تحت ظلال الاحتلال)



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ألغاز السياحة الدينية في زمن المفخخات
- موسم صيد الطرائد الشيعيّة
- مواكب عزاء لحماية الإثم السياسي!
- الطائفيّة أفيون الشعوب الإسلاميّة! (خطر احتكار الحقيقة دينيّ ...
- بعض ملامح الواقع العراقي على ضوء المنهج الفرويدي وعلم الاجتم ...
- ثورة عراقية في فن التزوير
- لقد ابتلع السنة الطُعم الشيعي، وابتلع اليسار الخيبة والتشرذم ...
- الثورة والكرامة بين الفلسفة والأخلاق والسياسة
- شاعر لكل البشر
- عدن: مرثية البحث عن الجنة!
- دور الاحتلال في رسم صورة الحاكم العراقي
- من يرسم حدود العراق ج2
- من يرسم حدود العراق؟
- باربي ربّانية!
- الشروط الأخلاقية للحرية
- الى مظفر النوّاب آخر الصعاليك
- المثقف العراقي المستقل تحت ظلال الاحتلال
- للّغة ثوراتها وثوّارها أيضا
- المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال(الجزء الثامن)
- المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال(الجزء السابع)


المزيد.....




- مفوض حقوق الإنسان يشعر -بالذعر- من تقارير المقابر الجماعية ف ...
- مسؤول أميركي يحذر: خطر المجاعة مرتفع للغاية في غزة
- اعتقال أكثر من 100 متظاهر خارج منزل تشاك شومر في مدينة نيويو ...
- مسؤولان أمميان يدعوان بريطانيا لإعادة النظر في خطة نقل لاجئي ...
- مفوض أوروبي يطالب بدعم أونروا بسبب الأوضاع في غزة
- ضابط المخابرات الأوكراني السابق بروزوروف يتوقع اعتقالات جديد ...
- الأرجنتين تطلب من الإنتربول اعتقال وزير داخلية إيران
- -الأونروا- تدعو إلى تحقيق في الهجمات ضد موظفيها ومبانيها في ...
- الولايات المتحدة: اعتقال أكثر من 130 شخصا خلال احتجاجات مؤيد ...
- مسؤول أميركي: خطر المجاعة -شديد جدا- في غزة خصوصا في الشمال ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سلام عبود - رحلة الموت السعيد من المنبع الى المصبّ