أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلام عبود - دور الاحتلال في رسم صورة الحاكم العراقي















المزيد.....

دور الاحتلال في رسم صورة الحاكم العراقي


سلام عبود

الحوار المتمدن-العدد: 3469 - 2011 / 8 / 27 - 23:28
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


3
سجناء يديرون بلدا اسمه الجحيم
لم يكن حل أجهزة الدولة العراقية المدنية والجيش العراقي إجراءً سياسيا خاصا خالصا، يهدف الى إزالة مكونات قوة سياسية قديمة والإتيان بقوة سياسية جديدة فحسب، كما يتبادر الى الذهن للوهلة الأولى. إن الأمر تجاوز حدود تغيير الأدوار السياسية والحزبية الى ما هو أعمق، وتجاوز حتى حدود التغيير في أطر البناء الاجتماعي جغرافيا، وعرقيا، وطائفيا، وما يرافقها من تغيير في المواقع والوظائف. كان التغيير، بالدرجة الأولى، إجراءً بنائيا، وتكوينيا، أبعد مدى من حدود حل الجيش والدولة. كان قاعدة تأسيسية لمعمار سياسي أجنبي بإسناد محلي، يهدف الى إعادة بناء هياكل المجتمع من أعلى قمته الى قاعدته وفق تصميم محدد، مرسوم بدقة في مخططات المغيّرين. لأن التغيير تجاوز أطر السلطة والحياة الحزبية ووصل الى حد تهديم مؤسسات الدولة والبنى الإدارية والتنظيمية وقواعد المجتمع، رافقها تمزيق حاد للعلاقات المجتمعية ولبناء الفرد العراقي النفسي والروحي. كان التغيير باختصار شديد هدما تاما لمكونات الهوية التاريخية للمجتمع العراقي. وأحسب أن وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي " آفي ديختر" أكثر دقة من غيره في فهم ما حدث حينما قال: "سيظل صراعنا على هذه الساحة فاعلا طالما بقيت القوات الأمريكية التى توفر لنا مظلة وفرصة لكى تحبط أية سياقات لعودة العراق الى سابق قوته ووحدته. نحن نستخدم كل الوسائل غير المرئية على الصعيد السياسى والأمني. نريد أن نخلق ضمانات وكوابح ليس فى شمال العراق بل فى العاصمة بغداد"
بحلّ الجيش العراقي وُضعت القيادة المضطربة الحاكمة في الأسر تحت حراسة وحماية ميليشيات أجنبية وعرقية بشكل محكم، بما فيها بيوت ومواقع الحكومة والبرلمان، وأصبحت حياتهم ومصائرهم في أيدي من يحرسهم. أما ميليشياتهم الخاصة فلم تكن مأمونة الجانب من الناحية العملية، حتى في تقدير قياداتها وصانعيها. وهذا سبب خلاف المالكي والجعفري والصدريين وقوات بدر: عهود الأمان! أو من يأمن ويثق بمن؟ وهو الخلاف عينه الذي نشب بين القاعدة والصحوات، ومثله خلاف قيادات ما يعرف بالعملية السياسية في الأنبار، وخلافات الأحزاب الكردية. إن عنصر الثقة الوحيد في منظومة الحكم الجديدة يكمن في مقدار إرضاء القوات الأجنبية وشركات الحماية الأجنبية المرتبطة بها، وضمان أمن اسرائيل، وفي التعاون القلق- على قاعدة تقايض المنافع المباشرة- مع القيادة الكردية الحاكمة، في الوقت الراهن، في الأقل.
وعلى الرغم من الفوضى العارمة، وفقدان الرقابة والمسؤولية الاجتماعية والسياسية والأخلاقية، التي أحاطت بسبل عمل مؤسسات المجتمع الجديدة، إلا إن الجزء اليسير من فضائح صناعة آليّات عمل النظام السياسي والإداري، الذي يطفو أحيانا على السطح بسبب الصراعات الحزبية، يبيّن لنا حجم الكارثة الوطنية التي يعيشها المجتمع العراقي جراء فشل أساليب وصيغ ووسائل البناء السياسي والحكومي الراهن.
فلم يحدث في تاريخ البشرية أن ظهر جيش علني وسافر من المزوّرين بهذا الحجم، الذي ظهر في العراق عقب سقوط سلطة صدام حسسن على يد قوات الاحتلال. وما يزيد الأمر سوءا أن هذا الجيش من المفسدين ظهر بين ثنايا الشريحة التي يراد لها تصحيح مسار المظالم السياسية السابقة.
وهذا يعني أن الفساد لم يعد محميا حكوميا، بقوة الدولة والأحزاب حسب، بل غدا أيضا حاضنة لولادة فساد جديد ينبت في رحم الفساد القائم. أي إن الفساد ما عاد خللا في الوظيفة السياسية والحكومية وطريقة إدارة الحكم حسب، بل تعدى ذلك وصار سبيلا لتفقيس أشكال متعددة من الفساد الاجتماعي، تُنتج في معمل الفساد الكبير. إن الفساد هنا قانون أخلاقي وسياسي منهجي يتناسل باتحاد تام بين عناصر محددة، أهمها، أولا: ممارسة السلطة باعتبارها غاية، هدفها الرئيس تثبيت وجودها، وليس باعتبارها وسيلة لتحقيق أهداف إجتماعية أو غايات سياسية وطنية. ثانيا: التشريع المبني على قاعدة محددة، تتمثل في حماية الممارسة السياسية الخاطئة، ثالثا: الخلل الأخلاقي، الاجتماعي والفردي، الذي يستغل الطرفين السابقين - سوء الادارة وتسييس القانون- لمصلحته النفعية الخاصة. رابعا: ظهور طرف رابع، يهتبل حالة الخلل الاجتماعي العامة تلك، جاعلا من قانون الفساد الاجتماعي قوة خاصة، تقوم بتسيير العلاقات الاجتماعية والمهنية لصالح استمرار معادلة الفساد حيّة في الواقع: سوء إدارة يقود الى تيسيس القانون، وهذا يقود الى تنظيم المصالح الوطنية بطريقة توزيع الأدوار والحصص، وهذا يقود الى تطوير الفساد باعتباره آلية تنظيمية مهنية واجتماعية. إن هذا الضرب من الفساد لا يستطيع أحد مكافحته، لأنه يرتبط جوهريا بآليات بناء منظومة الحكم، سواء وعى القائمون به ذلك أم لم يعوا. حينما يتم تزوير هيئة مكافحة التزوير يخرج الفساد من موقعه باعتباره سلوكا، ويذهب الى موقع تأسيسي أبعد، الى موضع لا سبيل الى تغيير بعض هياكله الشاذة، إلا من طريق تدمير منظومة الحكم المنتجة له تدميرا كاملا، وإعادة بنائها دستوريا بطريقة صحيحة قائمة على مبدأ الحقوق المدنية والمواطنة وسيادة القانون.
من هنا كان حل الدولة والجيش شكلا من أشكال العنف الموجه الى الروابط المجتمعية والى جوهر بناء الشخصية الوطنية. ولهذا السبب تغلغل الفساد تغلغلا عميقا في سبل صناعة القرار السياسي. إن تفكيك الدولة عاد بالعراق عقودا الى الوراء، معدلا من مسار أولويات المجتمع. فبدلا من أن تقوم الدولة بوظائفها الطبيعية المعتادة راح السياسيون الجدد يمارسون وظيفة بناء مراكز قوة، في هيئة أحزاب أو كتل أو قوائم، وليس القيام بوظيفة تخطيط أو تطوير وتحديث أو تغيير نشاط دولة. وقد أنتجوا دولة على مقاساتهم وأشكالهم وأحجامهم. وفي المجال الحزبي والتنظيمي جرى الأمر عينه. كانت الانتخابات وتقاسم السلطة وسيلة لإعادة بناء وهيكلة كيانات الأحزاب، بدلا من أن تكون الأحزاب وسيلة لصياغة البرامج الوطنية وتنفيذها. أي تمت إعادة المجتمع وإزاحة وظائف السياسيين الى مرحلة ما قبل الصفر، الى مرحلة ما قبل تنفيذ المهمات الخدمية اليومية: الوظيفة الأكثر شكلية وبدائية في المجتمع. وفي موضوع حل الجيش كانت الغايات مركبّة، تحمل أغراضا وأبعادا متعددة، منها ما يخص القرار السياسي نفسه، وليس المهمات الأمنية والسيادية فحسب. إن السياسي الحاكم السجين في بقعة محروسة من قبل قوات غريبة عبد كامل العبودية. يمكن للمرء معاينة هذا الوضع العبودي بيسر تام من طريق قراءة تقييمات القادة الأميركيين للسياسيين العراقيين الحاكمين. بعد مذكرات بريمر المهينة، جاءت مذكرات بوش، التي وصف فيها حالة الاستعباد هذه، حينما قص علينا حكاية أول اتصال أجراه مع المالكي، اضطر فيه المالكي الى مغادرة مكتبه في مجلس الوزراء والتوجه الى السفارة الأميركية لغرض تلقي المكالمة. وقد أمر بوش سفيره زلماي بالبقاء أثناء المكالمة، لكي يشعر المالكي بمقدار الثقة التي يوليها بوش لزلماي كحاكم فعلي للعراق، ولكي يفهم المالكي جيدا مكانة السفير الأميركي في منظومة الاحتلال، ويفهم موقعه الشخصي "الوظيفي" جيدا في "العملية السياسية" الفعلية، لا الدعائية.
وفي ذروة التسابق الى إعلان تأييد بقاء القوات المحتلة اجترح الطالباني مأثرة دبلوماسية وأخلاقية كبيرة، حينما قام بزيارة للسفير الأميركي جيمس جيفري. وقد أصدر "مكتب رئاسة الجمهورية" بيانا يشرح أسباب وضرورات الزيارة يوم الجمعة 22 تموز 2011. ونقلا عن شبكة شبكة أخبار العراق يوم السبت 23 تموز 2011، فإن النائب عن الكتلة الكردستانية محمود عثمان برر الزيارة قائلا: " إن زيارة الطالباني بالرغم من مخالفتها للأعراف الدبلوماسية إلا أنها تمثل صفة التواضع التي يحملها في التعامل مع الآخرين". وقد علق كثيرون سلبا على تلك الزيارة "مكتشفين" من خلالها أن أميركا هي التي تدير العراق فعليا. وهو اكتشاف لا يقل تدنيا، فكرا وعرفا، عن الزيارة نفسها. أما قائمة المالكي فقد رد أعضاؤها على تلك الزيارة بسخرية مشوبة بالاستصغار والتجريح، من دون أن تسعفهم الذاكرة على استعادة زيارة المالكي لزلماي. وهو أمر يبين أن الاذلال، وليس التواضع، خصيصة تنافسية، يقيس بها المحتلون حجم الكرامة التي يتمتع بها الحاكم العراقي.
لقد سجل لنا التاريخ القريب حادثة سياسية، شديدة الندرة، في السلوك الذكوري العراقي، وهي حادثة انتحار رئيس وزراء العراق عبد المحسن السعدون عام 1929، التي أحاطها جو من الغموض الكثيف، ولم تشبع ملابساتها الحقيقية بحثا حتى اليوم. بيد أن وصيته، التي هي موضوع خلاف أيضا، تبين المأزق الذي عاشه هذا الرجل جراء تحكم سلطات الاحتلال البريطاني بمقدرات الأمور في العراق. كان خلاف السعدون مع"وكيل المعتمد السامي البريطاني"، الميجر يانك ( يانغ) معروفا للجميع. فكما تشير الوصية كانت " الأمة تنتظر الخدمة والانكليز لا يوافقون". وقد وصلت وقاحة "صاحب الفخامة الميجر يانك"، كما أسماه الملك، حدا بالغا حينما اعتبر نشر وصية السعدون( نشر النص مع بعض التحوير أشرف عليه كبار السياسيين العراقيين) في الصحف من دون موافقته المسبقة إخلالا بالمسؤولية، وطالب الملك فيصل أن يقدم له تفسيرا مقبولا، ففعل الملك ذلك صاغرا. كان عبد المحسن السعدون، الذي تولى الوزارة في الأعوام 22و25و 28و 1929، عسكريا خدم الدولة العثمانية ضابطا، وأحد مرافقي السلطان عبد الحميد. بيد أن أهم خبراته تركزت في عمله في الحقل النيابي عن العمارة عام 1908 ، وعن عن المنتفك عامي 1912و1914. عاد الى العراق بعد قيام المملكة العراقية 1921. انتحر كما تقول رسالته المؤثرة بسبب شدة ضغط الانكليز عليه، وبسبب كون البعض يرى فيه "خائن"، لأنه أدار الحكم في زمن الاحتلال. وتهمة "الخيانة" طعنة قاتلة حقا. المشككون في انتحاره قالوا إنه انتحر بطلقتين في الرأس!! وسواء كان انتحاره حقيقة أم تبريرا، وسواء كانت وصيته صحيحة تماما أم تشوبها الشوائب، كانتا – الوصية والانتحار معا- تعبيرا صادقا عن ورطة الجمع بين المحتل والشعب، والجمع بين استقلال الإرادة والخضوع لإرادة المحتلين في قبضة واحدة، قبضة لم تفض إلا طريق واحدة: رفعها وإطلاق النار بها على الرأس، طلقة واحدة انتحارا، أو طلقتين اغتيالا. بيد أن زمن الانتحار والإحساس بالكرامة وصحوة الضمير المتأخرة، أضحى بعيدا جدا. فقد مرغته في الوحل سنوات الديكتاتورية وماقبلها، وسحقته سحقا تاما دبابات الأميركيين الثقيلة.
في مثل هذا الوضع أصبح التمرد على الترتيب القائم المرسوم من أعلى، أو الإخلال بقواعده، أمرا خطيرا، يحتم وضع صاحبه فورا خارج منطقة الأمان سياسيا وأمنيا، وربما يقود الى ترحيله الى الخارج، ليعود لاجئا طريدا من حيث أتى. (لم يزل الغموض الكبير يحيط بمقتل عز الدين سليم والحكيم، أبرز القادة الفكريين والسياسيين لأقوى فصيلين شيعيين مؤيدين للاحتلال: الدعوة والمجلس الأعلى! ولا تسمح الإدارة الأميركية لأحد أن يطلع على نتائج التحقيقات النهائية، أو يقوم بنشر فحواها). لقد تحول الوطن من دولة وشعب الى شركة مقاولات حزبية مفتوحة الأسهم، يديرها موظفون بعقود عمل مؤقتة، تشترط تسفير من تنتهى صلاحيته أو من يخالف عقد عمله البرلماني أو الحكومي أو السياسي. من يذكر رئيسا اسمه غازي عجيل الياور؟ كان الياور أحد السياسيين الذين تمت صناعتهم على عجل. في مدة ستة أشهر فقط، كما يقول هو شخصيا بمباهاة. اتصل به رجال البنتاغون لأول مرة قبل أن يكون سياسيا بستة أشهر، تحول فيها الى رئيس دولة، وأية دولة: العراق الجديد، منارة الشرق الأوسط الجديد!
لقد فرض العنف والاحتلال على السياسيين الجدد طابع حياتهم، فهم بلا عوائل. هم أجانب بكل معنى الكلمة. إنهم لاجئون في فنادق ودور حكومية تحرسها فرق المرتزقة. كيف يحس هذا السياسي بالوطن؟ ما صلته بالوطن أصلا؟ إن وسيلته الوحيدة للارتباط بالوطن هي العنف والرشوة وشراء الذمم والتحالفات والصفقات التجارية السياسية. في مثل هذه الأوضاع يكون من المحتم أن يصبح الفساد الإداري والمالي والسياسي والأمني ، بالتوازي مع العنف، القناة الأساسية التي تربط الحاكم بالكيان الاجتماعي. لأن الفساد من حيث الجوهر هو الوجه الآخر للعنف: وجهه الشرعي المستتر والداخلي. أما الإرهاب فهو وجهه المسلح، الابتزازي المنظم، اللاشرعي والخارجي. وكلاهما، الإرهاب والفساد، هما التمويه السلوكي الحسي لعملية تقاسم صفقات بيع الثروة الوطنية عالميا وتقاسم العقود الخيالية الناتجة عنها. فهذه الصفقات المتعجلة هي الرأسمال الرسمي العالمي للعنف الداخلي ولتمزيق الذات الوطنية، وهي الحقيقة الرئيسة التي تكمن خلف جلّ ما حدث ويحدث. وستظل هذه الحال قائمة ما لم يحرر المجتمع إرادته وكيانه الاجتماعي ومخزونات عواطفه الملتبسة، ويستعيد هويته كوطن، لا كتجمع صناعي لطوائف أو أعراق أو عشائر ومناطق. لأن الفساد حاله كحال العنف، إحدى وسائط تسيير العلاقات بين الأفراد، في ظل غياب الآليات الطبيعية للتسيير والحركة المجتمعية، وفي ظل فقدان الرشد السياسي والثقافي الوطني.
حينما نريد أن نعرف حجم الأذى الذي يحدثه الفساد في نفوسنا، يتوجب علينا أن نسأل أنفسنا السؤال التالي: بما أننا نعرف كل هذا، لماذا نقبل به؟
إن الجواب عن هذا السؤال واحد، لا يقبل التأويل: لأن الفرد (المجتمع عامة) اعتاد أن يسطو على حقوقه الوطنية ولا يقوم بتحقيقها، وأدمن على افتراس جزء من الكيان الاجتماعي بنفسه، ولكن تحت غطاء جماعي، باسم المجمتع والقانون والدولة أو المؤسسة حزبية أو حكومية أو أهلية، من طريق التزوير والاحتيال أو السلب الانتقامي أو الشطارة أو المحاباة والروابط الحزبية والفئوية، وليس على أساس الحقوق المدنية، المقرة من قبل المجتمع دستوريا وقانونيا. ففي قانون الأفراد لا توجد مصالح عليا (اجتماعية ووطنية)، ترتبط بقيم عليا: المواطنة، الكرامة، الاستقلال، الحرية كسؤولية اجتماعية. لأن المؤسسة ذات الوظائف المختلة إجتماعيا عصبة جماعية، متماسكة بفعل روابط خارجية غير بنيوية، مفككة الجوهر كمنظومة اجتماعية وظيفية، تمنح الفرد المتحلل وطنيا وأخلاقيا، فرصة مثالية لإخفاء نوازعه الفردية باسم الشراكة الجماعية المزيفة والمصلحية الطارئة. فإذا أرادت الذات الاجتماعية ( الوطنية) التخلص من هذه المعضلة المغلقة، لا بد لها أن تقوم بما هو معاكس لذلك تماما. بيد أنها لن تنجح في ذلك المسعى أيضا إذا ظلت تربط حريتها بالآخر، واهب الحرية المنتظر. إن الذات الواقعة تحت شروط الخوف والاستعباد تعتاد على محاكمة سلوكها من طريق النظر الى الآخرين نظرتها الى قطيع، وليس الى جماعة بشرية حرة الإرادة وفاعلة ومنتجة ومسؤولة. وبما أن المجتمع مسيّر على أسس خاطئة تصبح ردود أفعال الأفراد ميّالة الى صناعة وتقبل الخطأ. لا سبيل الى الانفكاك من أسر العبودية الجماعية هذه سوى بالانتفاض عليها، أي الانتفاض على الذات أولا. بدون تلك الخطوة التمهيدية الضرورية والحاسمة لا يستطيع المجتمع الانتصار على عناصر ضعف الإرادة والتمزق، وعلى تراكمات الخوف ومضاعفاته السلوكية والنفسية.
إن هذا الوضع البشري الخيالي في درجة تدنيه تجاوز حدود وسقوف المأساة، وانقلب الى مهزلة مرعبة، ليس لها شبيه في أي زمان أو مكان. ومن أطرف هذه المهازل المأسوية ما نقلته صحيفة الصباح الحكومية، في 23 حزيران 2011 قائلة: إن أمن مجلس النواب العراقي يدار من قبل ثلاث شركات حراسة أمنية أجنبية. وأن غياب كلب إحدى هذه الشركات يوم الأربعاء المصادف 15 حزيران 2011 تسبب في حدوث إرباكات أمنية أدت الى منع الصحافيين من دخول البرلمان. وكان الكلب المقدس، الذي يحرس نواب الشعب العراقي، قد انتهت مدة تعاقده، وينتظر تجديدها، لكي يضمن مشرعو الوطن المحافظة على حياتهم وكرامتهم وحريتهم. الى متى سيظل البرلمان العراقي لا يشعر بطعم الأمان والعرفان إلا في ظل وجود الكلاب الأجنبيةّ؟
كان إحساس الرئيس بوش صادقا حينما شعر، كما يقول في مذكراته، في لحظة قلق وارتباك، اسماها لحظة ضعف عابرة، أنّ " العراق كُسر بصورة لا يصلح بعدها أبدا".
إن الطغاة هم أقدر من يرسم صورة المأساة. لذلك لا يخفي بوش تفاؤله، فهو يقول في مذكراته ذاتها إن العراقيين ربما سيشعرون بطعم الأمان وبالعرفان " بعد خمسين سنة" تقريبا، أي ربما بعد زوال النفط والاحتلال.



#سلام_عبود (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من يرسم حدود العراق ج2
- من يرسم حدود العراق؟
- باربي ربّانية!
- الشروط الأخلاقية للحرية
- الى مظفر النوّاب آخر الصعاليك
- المثقف العراقي المستقل تحت ظلال الاحتلال
- للّغة ثوراتها وثوّارها أيضا
- المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال(الجزء الثامن)
- المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال(الجزء السابع)
- المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال(الجزء السادس)
- المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال (الجزء الخامس)
- المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال (الجزء الرابع)
- المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال ( الجزء الثالث)
- المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال (الجزء الثاني)
- المثقف الشيوعي تحت ظلال الاحتلال (التجربة العراقية)
- الأسرار النفسية لهزائم صدام العسكرية
- ظاهرة العراقيّ الصغير: حقيقة أم خيال!
- المستبد عاريا
- إسقاط نظام المحاصصة الطائفيّة العرقيّة الحزبيّة هو الهدف الأ ...
- حطّموا متاريس دولة اللاقانون!


المزيد.....




- كينيا: إعلان الحداد بعد وفاة قائد الجيش وتسعة من كبار الضباط ...
- حملة شعبية لدعم غزة في زليتن الليبية
- بولندا ترفض تزويد أوكرانيا بأنظمة الدفاع الجوي -باتريوت-
- إصابة أبو جبل بقطع في الرباط الصليبي
- كيم يعاقب كوريا الجنوبية بأضواء الشوارع والنشيد الوطني
- جريمة قتل بطقوس غريبة تكررت في جميع أنحاء أوروبا لأكثر من 20 ...
- العراق يوقّع مذكرات تفاهم مع شركات أميركية في مجال الكهرباء ...
- اتفاق عراقي إماراتي على إدارة ميناء الفاو بشكل مشترك
- أيمك.. ممر الشرق الأوسط الجديد
- ابتعاد الناخبين الأميركيين عن التصويت.. لماذا؟


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سلام عبود - دور الاحتلال في رسم صورة الحاكم العراقي