خالد الصلعي
الحوار المتمدن-العدد: 4110 - 2013 / 6 / 1 - 19:52
المحور:
الادب والفن
قصة : لم أتعلم الندم
***************
منذ أن أدركت معنى الحياة شطبت من ذهني شيئا يسمونه الندم . لم أهضم وأنا لاأزال صغيرا معنى الندم . كان أبي حين أفعل خطأ ما يعقب خطأ سابقا يضربني ويعنفني ويخاطبني بصوته الجهوري : ألم تندم بعد ؟ فأصاب بالدهشة والخرس ، وأعجز عن الاجابة ، فيشتط غضبا ويصفعني أو يركلني ، ويدعو علي بدعوات مقيتة ، لم يتم الاستجابة لأي واحدة منها . كان يدعو علي بالموت ، بالهلاك ،بالمصيبة . لم أمت ولم أهلك ولم تصبني مصيبة .
غير أنني كنت حين أجيبه اذا حدث وأجبته : لكنني لم أرتكب نفس الخطأ يا ابي ، لم أكرر غلطتي السابقة ، انه خطأ جديد . رغم حداثة سني كنت أميز الفرق بين الاعتذار عن اقتراف خطأ متكرر ، وبين لا معقولية الندم عن خطأ لم أقترفه بمحض ارادتي أو عن قصد . لكن أبي رغم تجربته في الحياة لم يكن يستطيع التمييز بين الأمرين . وفي الحقيقة أنا نفسي لم أكن استطيع التعبير عن رأيي بكل هذا الوضوح .
حتى المعلمون الذين مررت على أيديهم ، كانوا يرتكبون نفس خطأ ابي ، فرغم أن الدروس لم تكن متشابهة ، ورغم أن المواد مختلفة ، ورغم أنني كنت طفلا كباقي الأطفال شقيا مشاكسا نزقا ، الا أنهم كانوا يطلبون مني أن أبدي الندم وأعتذر عن أخطاء أرتكبها لأول مرة لفرط شقاوتي أو لغياب البديهة ، اذا نعلق الأمر بسؤال تعليمي . أمد يدي ويمارس على فتوتهما ساديته وأمراضه النفسية المكلكلة ، لأنه فقط معلم .
ولكي أكون منصفا لم يكن كلهم مرضى . كان هناك رجال تعليم نزهاء ومقتدرين .
كبرت ولا زلت ليومنا هذا وأنا بدور أمارس مهنة التعليم ، وأب لطفل وطفلة أرتكب بعض الأخطاء ، ولا أعتذر ولا أندم . أحاول أن أشرح لمن هو أقرب مني رؤيتي لموضوع الندم ، وأن الأمر يرتبط بسيرورة الحياة ، ونحن نمارس في كل لحظة أعمالا وأشياء لا تتشابه ، تختلف عن بعضها ، تتناقض أحيانا ، قد أرتكب هنا خطأ ، وقد أرتكب في موضوع آخر خطأ آخر ، وقد أخطئ ثالثة في موضوع آخر ، لكنني لا أرتكب أخطائي عن عمد ،كما أنني لا أكرر نفس الأخطاء .
لكي أتعلم فن الحياة علي أن أمارس كثيرا من النشاطات وأحاول هنا وهناك وهنالك ، ولا بد اذن من ارتكاب أخطاء كثيرة ، لكنها لاتتشابه . فهل علي أن أندم على خطأ كي أراكم جبلا من الندم لا أستطيع تحمل ثقله ؟ .
#خالد_الصلعي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟