أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ريم ثابت - الاكتئاب... إكزيمة الماضي والحاضر














المزيد.....

الاكتئاب... إكزيمة الماضي والحاضر


ريم ثابت

الحوار المتمدن-العدد: 4108 - 2013 / 5 / 30 - 00:32
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في مقال سابق لي.. أشرت في سياق حديثي إلى الاضطرابات النفسية بوصفها (إكزيمات نفسية Psychological Eczema)، ويبدو أن هذه التسمية الصريحة قد استرعت انتباه البعض من غير المتخصصين واستنفرتهم، فعّلت أصواتهم تطالب بضرورة تعديل هذه التسمية أو إلغائها لما تحمله من مغالاة لفظية، إلا أن تبريري العلمي الموضوعي في إطلاق هذه التسمية يبدو أنه قد تجاوز حدود اللفظ، وانطلق من منظور (نفسي – اجتماعي Psycho-socially)، ففي حدود علمي ثمة مقاربة شديدة تجمع بين الاضطراب و(الإكزيمة)، تلك المقاربة تتأتى من آلية انتشاريهما في كيان الفرد أولاً، ثم المجتمع ثانياً، ولاسيما داخل المجتمع الذي يعاني الكثير من المشكلات المتفاقمة والمتجذرة اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً في أصولها، صحيح أن ليست كل حكة اضطرارية هي - في واقع الحال - (إكزيمة)، كما أن ليس كل اضطراب مؤقت يعتري الفرد هو بمثابة (إكزيمة) تداهم كيانه النفسي وتفتك به، لكن حينما نتحسس الأعراض التشخيصية، ونكشف عن ظهور فقاعات ملتهبة في النمط السلوكي والنفسي لدى الفرد، حينها نكون أمام منحى خطير من الاضطرابات أو بمعنى أدق (الإكزيمات نفسية).
ويأتي كل من الاكتئاب Depression والقلق Anxiety - في تصوري – على قمة (الإكزيمات) النفسية، إذ ذهبت الإحصاءات الطبية العالمية في هذا المجال إلى أن مرضى الاكتئاب ومرضى القلق يشكلان أعلى نسبة للمرضى المترددين على العيادات النفسية ومؤسسات الصحة النفسية والمدارس والجامعات، فالاكتئاب يدفع الكثيرين لطلب العلاج من العيادات النفسية والطبية، كذلك يدفعهم نحو البحث عن الخلاص النفسي والعون الاجتماعي، لذلك فإن دراسة مرض الاكتئاب - كإحدى الإكزيمات النفسية - تُعد مطلباً إنسانياً في المقام الأول قبل أن تكون مطلباً علمياً ونفسياً وطبياً وإجتماعياً.
من ناحية أخرى، يأتي الاكتئاب على قمة (الإكزيمات) النفسية التي عانى منها الأولون والآخرون عبر عصور متلاحقة، وهناك أدلة دامغة تشير إلى أن الأسبقين منذ قرون طويلة قد عرفوا مرض الاكتئاب وفطنوا له، إذ ظهر فهم كوامن الاكتئاب منذ أكثر من أربعة قرون، وفي ضوء كتابات العالم النفسي الشهير (بيرتون Burton)، وتحديداً كتابه الشهير(The Anatomy of Melancholy)، هذا الكتاب الذي – في رأيي - يُعد الأسبق من بين المؤلفات العلمية القيمة في مجال الطب النفسي المعاصر، ذلك لأنه قد سبقهم نحو الوصول إلى وصف الكثير من أعراض مرض الاكتئاب، ولعل ما يجعل كتابات (بيرتون) عن الاكتئاب ذات أهمية كبيرة، تناوله في تلك الكتابات الكثير من الأسباب والمسببات الموضوعية للمرض، مخالفاً بذلك ما ساد عصره في تفسير الاضطرابات النفسية، والذي كان معولاً على الشعوذة والخرافات والعفاريت والتلبس الشيطاني.
ومن الدلائل القوية على أن السابقين قد أدركوا مرض الاكتئاب وفهموا أسبابه وأعراضه، كتابات الأديب (ويليام شكسبير William Shakespeare) التي تخللتها الكثير من الإشارات إلى الاضطرابات النفسية، والتي كان يسقطها على شخوص معظم مسرحياته، والمتمعن في أدب (شكسبير) ومؤلفاته يجد أنه من خلال أطروحاته الأدبية لم يحاول رسم أحداث تغلفها رتوش رومانتيكية، وكذلك لم يحاول صنع صور سحرية للاكتئاب كما كان يفعل أغلب كتاب وأدباء عصره، بل راح يصف أعراض المرض تماماً مثلما يستطيع أي عالم نفسي معاصر وصفها الآن، وهكذا .. يمكننا أن نضيف إلى الإبداع الأدبي لـ (شكسبير) إبداعاً (علمياً – نفسياً) في وصف أعراض بعض (الإكزيمات) النفسية، وعلى رأسها (إكزيمة) الاكتئاب، ويتجلى ذلك واضحاً في تصويره للاكتئاب الذي اعترى (هاملتHamlet )، وتصويره للـ (هيستريا Hysteria) التي أصابت (كليوباترا Cleopatra)، وتصويره لـ (الاضطراب الدوري Cyclothymic Disorder) الذي أصاب (الملك لير King Lear) بعد تنازله عن ملكه، وتصويره للكدر والهم اللذين ألما بـ (ماكبث Macbeth) حينما انهار مجده وملكه....... الخ
ويشير بعض النقاد إلى أن (شكسبير) قد كان قاب قوسين أو أدنى من الجنون حينما كان يكتب (الملك لير)، إلا أن - في اعتقادي- (شكسبير) لم يكن مصاباً بالاكتئاب بالمعنى المرضي، ولكن قد يكون – في واقع الحال - عانى بين الهنية الأخرى حالات من الهبوط المزاجي، ذلك الهبوط الذي يطرأ أحياناً على مزاج أغلب الأدباء والمفكرين المبدعين، كما يمكن القول أيضاً أن الحساسية الأدبية المفرطة لـ (شكسبير)، وإطلاعه الواسع الواعي، وإلمامه الثقافي، جميعها أمور ساعدته في وصف حالة (الاضطراب الدوري) الذي أصاب (هاملت)، ومكنته في نفس الوقت من تصوير (الهيستريا) التي أصابت (كليوباترا)، وكذلك الاكتئاب المزمن الذي اعترى (هاملت)، وتمكن من (الملك لير)، وسيطر على (ماكبث).
وفي الفكر العربي برز الكثير من الرواد الأوائل الذين تناولوا حالات مماثلة من الاكتئاب، من بين هؤلاء الرواد: (أبو بكر الرازي) و(ابن سينا) اللذان أعطا وصفاً دقيقاً لحالات (الملنخوليا Melancholy)، ووصفات العلاجات الطبية التي اقترحوها، هذا فضلا عن العلاجات النفسية التي كانت تُعنى في المقام الأول بالإيمان والراحة والاسترخاء. أما على مستوى الفكر الأدبي فقد سبق (أبو الفرج الأصفهاني) الكثير من علماء العرب نحو إعطاء وصفاً دقيقاً لحالة هي أقرب ما تكون إلى المفهوم المعاصر لحالة (الاكتئاب السريري) أو حالة (الذهان الاكتئابي الدوري) التي انتابت (قيس ابن الملوح) جراء عشقه لـ (ليلى العامرية)، وقد حكى (الأصفهاني) عن هذه الحالة منذ ما يقرب من أكثر من ألف سنة في محتوى كتابه (أخبار النساء في كتاب الأغاني)، إذ أنه في مواضع مختلفة من قصة (قيس و ليلى) يقرر لنا (الأصفهاني) وصفاً دقيقاً لحالة (قيس) تقترب على نحو نموذجي من أعراض الاكتئاب المزمن بما تشمله تلك الأعراض من: عدم الاكتراث بالمظهر وإهمال إشباع الحاجات الأولية كالطعام والشراب والنوم، والاستغراق في الحزن والبكاء، والتشتت الذهني، وصولاً إلى (الذهان الاكتئابي الدوري) الذي جعله يستحق عن جدارة لقب (المجنون) بلغة أهل عصره...



#ريم_ثابت (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كلاكيت ... آخر مرة
- الاضطراب النفسي: يصنعه الأسلوب السلبي.. ويعمقه التفسير الهام ...
- التنمية الرأسمالية وعَصَّارةُ البرتقال
- ليس في الإمكان أبدع مما كان
- صفحات من خواطر المحبين
- الحرية أم الجهل: من أين نبدأ؟
- ولع المغلوب بتقليد الغالب
- آليات الهيمنة ما بين الحب والغزو


المزيد.....




- سلمان رشدي لـCNN: المهاجم لم يقرأ -آيات شيطانية-.. وكان كافي ...
- مصر: قتل واعتداء جنسي على رضيعة سودانية -جريمة عابرة للجنسي ...
- بهذه السيارة الكهربائية تريد فولكس فاغن كسب الشباب الصيني!
- النرويج بصدد الاعتراف بدولة فلسطين
- نجمة داوود الحمراء تجدد نداءها للتبرع بالدم
- الخارجية الروسية تنفي نيتها وقف إصدار الوثائق للروس في الخار ...
- ماكرون: قواعد اللعبة تغيرت وأوروبا قد تموت
- بالفيديو.. غارة إسرائيلية تستهدف منزلا في بلدة عيتا الشعب جن ...
- روسيا تختبر غواصة صاروخية جديدة
- أطعمة تضر المفاصل


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ريم ثابت - الاكتئاب... إكزيمة الماضي والحاضر