أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبري المقدسي - اليهودية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية















المزيد.....



اليهودية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4084 - 2013 / 5 / 6 - 11:03
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



اليهودية من أقدم الديانات التوحيدية التي تعلن إيمانها بإله واحد اسمه (يهوه). تربط اليهودية نفسها بابراهيم بن تارح، الذي دخل في عهد مع الله وترك موطن آبائه مدينة (أور) الكلدانية في وادي الرافدين حوالي 1850 ق. م، بأمر إلهي. ونشأت الصلة القويّة بين الله الواحد والمؤمنين به من نسل ابراهيم الذين كان عليهم أن يُثبتوا العهد بعلامة الختان.
فالتاريخ الاسرائيلي يبدأ حقيقة على صورة وعد يتحقق بين الله وابراهيم بوضع العلامة الخاصة، بالاضافة الى الايمان الذي درّبه عليه الله: "فتختنون القلفة من أبدانكم ويكون ذلك علامة عهد بيني وبينكم" تكوين 17:10. وتكون العلامة مع الوعد بتأسيس الامة في منطقة جغرافية هي أرض كنعان التي تدعى أرض الميعاد: "لنسلك أعطي هذه الأرض". ومن هنا تبدأ مسألة أرض الميعاد التي لم يستطع ابراهيم أن يسكنها بسبب المجاعة والصراعات القبلية العديدة آنذاك فإضطر للذهاب الى مصر.
وفي مصر ينمو عدد المؤمنين بشكل كبير جدا وخاصة بعد وفاة يوسف ابن يعقوب الذي كان وزيرا لدى فرعون. وبدأ الخوف ينتاب الفراعنة بعد ذلك ويتبين ذلك من التغيير الكبير في المعاملة مع المؤمنين بإله ابراهيم الذين كانوا يُسمون العبرانيون، وذلك خشية من كثرة عددهم وزيادة نفوذهم. وبدأوا يُشدّدون عليهم السُخرة والأعمال الشاقة ويُعاملونهم معاملة العبيد. فأختار الله شخصا مناسبا في قيادتهم للخروج من مصر ولأنقاذهم من أيدي المصرييّن وهو موسى المتربي تربية مصرية والمثقف ثقافة ملوكية عالية. فدعى موسى شيوخهم وبلغهم بالأمر الآلهي. وقاد موسى الشعب في مسيرته الشاقة الى أرض الميعاد لمدة 40 سنة. ومرّ الشعب في مختلف التجارب وواجه مختلف الصعوبات والمجاعات الى أن وصل الى هدفه بقيادة (يشوع ابن نون) الذي أستطاع أن يُخضع أهل تلك البلاد بعد قتل ملوكها وإحراق مدنها.
يؤمن اليهود أن لهم علاقة خاصة مع الله الواحد ويفتخرون بكونهم شعبه المختار، ويبلغ عددهم اليوم (15) مليون يهودي في العالم. ويعيش (5) مليون منهم في الولايات المتحدة. وفي اسرائيل الذي هو البلد الثاني من حيث العدد بعد الولايات المتحدة، إذ يتجاوز عددهم فيه(8. 4) مليون تابع. وكذلك في اوروبا حيث بقي فيها ما يقرب من (3.2 مليون) يهودي.
ولم يزدد عدد اليهود في العالم إلا بنسبة قليلة جداً في القرن العشرين. ففي سنة 1900 كان عددهم 11 مليون تابع بحسب الإحصاءات اليهودية الرسمية وفي 2002 أصبح عددهم 3 . 13 مليون تابع، وفي 2005 وصل عددهم الى6. 14 مليون وبلغت نسبة الزيادة في كل هذه السنين % 3 . 0 وهي نسبة قليلة جدا بالمقارنة مع الزيادة السكانية للشعوب والأديان الأخرى في العالم.
البدايات والأصول:
ينتسب شعب اسرائيل الى مجموعة الشعوب الآرامية وكان جنوب العراق المنشأ الأول لأنطلاق رحلة هذا الشعب الذي عرف بحبه للشرائع والقوانين والمشاريع الزراعية والإروائية. وتبدأ القصة بهجرة إحدى العشائر البابلية وهي عشيرة تارح من أور الى منطقة حرّان ومن هناك الى أرض كنعان ثم الى مصر فكنعان(فلسطين) مرة ثانية. وهي من الشعوب الآرامية النازحة الى حاران في ما بين النهرين، وهناك يسمع ابراهيم نداء الله ويستلم رسالته الخاصة. وينطلق من هناك مع عشيرته (بني تارح) الى شكيم في غرب الاردن، ومن هناك يذهب الى السامرة ثم الى الجنوب في حبرون ومن حبرون الى الشمال ومن هناك الى أقصى الجنوب الى مصر ومن ثمّ الخروج الجماعي بقيادة موسى والذي يستغرق حوالي 40 سنة.
وتذكر كتبهم المقدسة كيف ان الله كان حاضرا معهم من خلال تاريخهم. ويسمي اليهود هذه الكتب(التوراة)، وهي كتب النبي موسى الخمسة، ومع كتب الأنبياء وكتب التاريخ، يتكوّن كتابهم المقدس الذي يُسميّه المسيحيون بالعهد القديم.
وفي حوالي سنة 1700 ق. م، هاجر عدد كبير من هؤلاء العبرانيّون الى مصر هرّبا من الجوع، وكان لهم تقدير وإحترام كبيرين في بادىء الأمر. ولكن بعد فترة من بقائهم فيها، عاملهم المصريون بقسوّة شديدة وحسبوهم عبيدا. وبحسب التقاليد اليهودية، يُرسل الله عشرة كوارث، لإجبار الفراعنة المصريين بالموافقة على رحيلهم لأرضهم الموعودة. فقادهم النبي موسى بعد أن وحّدهم بعبادة إلههم (يهوه). وبعد ضياعهم في الصحراء، وصلوا الى أرض كنعان وكان عليهم أن يستوّلوا عليها من سكانها المحلييّن وتم ذلك سنة 1250 ق. م، وأوحى الله لموسى بالوصايا العشر في صحراء سيناء، التي أصبحت الشرائع الأدبية والأخلاقية لليهود والمسيحيين معاً.
وتوالت العهود المختلفة لليهود ومن أشهرها عهد يشوع والقضاة الذي يدوم قرنا ونصف القرن ويشغل حقبة زمنية تتراوح بين (1185ـ 1035 ق.م)، والمعروف بعهد الحكمة والبطولة، ومن ثم عهد الملوك الذي إبتدأ بالملك داود (1015 ـ 975 ق.م) والذي حارب أعداء اليهود وانتصر عليهم، وبعده حكم ابنه الملك سليمان الحكيم حوالي (975 ـ 935 ق. م)، والذي وحّد أرض اسرائيل وجعل أورشليم المركز الديني والسياسي، تحت حكم ابنه ناثان، وعُرف عهده بالعهد الذهبي. ومرّ الشعب بعد ذلك بفترة الضعف والانحطاط بسبب انقسام المملكة اليهودية وذلك بعد موت (الملك ناثان). حيث انقسمت المملكة الى(اسرائيل) مملكة الشمال و(يهوذا) مملكة الجنوب، وتبعتها الصراعات السياسية والعسكرية ولاسيّما بعد الاحتلال الآشوري لمملكة اسرائيل سنة(721 ق. م). وهزيمة مملكة(يهوذا) في عهد البابليين سنة (580 ق. م)، الذين دمّروا الهيكل وأخذ الكثير من اليهود أسرى الى بابل.
وتؤكد الفترة بعد تلك الإنهزامات والإنهيارات، على الإيمان بيهوه إلها وحيدا لإسرائيل والعالم، بالاضافة الى صراخ الأنبياء القويّ للعدالة الإجتماعية والتمسّك بروح الشريعة الآلهية. وشهدت تلك الفترة أيضا السماح لليهود برجوعهم لأرضهم وبلدهم شريطة أن يبقوا خاضعين لحكم الفرس. وساعد الفرس كذلك بأعادة بناء الهيكل في أورشليم بعد انتصارهم على الكلدان البابليين سنة (530) ق. م، وبمساعدة خاصة من اليهود العائشين في بابل. وقد استمر حكم الفرس في بابل الى أن أنهى أسكندر المقدوني حكمهم سنة (323) ق.م. وبعد فترة من الاستقلال في عهد المكابيين اليهود حوالي 128 ـ 63 ق. م ق. م، احتلّ الرومان أرضهم وشعبهم.
وقدم في تلك الفترة الصدوقيّون (كهنة الهيكل) والفريسيّون (معلمو الشريعة في الهيكل) تفسيرات متعدّدة للشريعة اليهودية، ونرى في ذلك العهد قيام حركات سياسية ودينية وروحانية غيّورة جدا تحضيرا لمجىء المسيح والخلاص من الاستعمار الأجنبي.
ومن هذه الحركات، حركة المُتمردين الغيارى التي لم تنجح في إحداث تغيير ايجابي، لا بل كانت السبب في تدمير أورشليم وللمرة الأخيرة سنة 70 ميلادية، وكانت النتيجة، تشتت اليهود في كل أصقاع العالم حيث مُورست ضدهم جميع أنواع الاضطهادات، وبلغت أشدها في العهد الهتلري في ألمانيا النازية بقتل الملايين منهم في مذابح جماعية Holocoast.
ولليهود اليوم ثلاثة طوائف مهمّة وهم: الأرثوذكس (التقليديون) والمحافظون، والليبراليون(المتحرّرون). فالأرثوذكس اليهود الذين يمارسون طقوسهم بجديّة شديدة، كالحفاظ على النظام الغذائي اليهودي المتطرّف وتقديس يوم السبت وغيرها من الشرائع والممارسات العبادية. واليهود المحافظين الذين يعتبرون التلمود كتابا قانونيا تشريعيّا وأما العصريون فلا يهتمون بكتاب التلمود ولا بشرائعه كوحي من الله. ومن التيارات الأخرى في الديانة اليهودية، الحركات العلمانية والالحادية والعرفانية التي سوف نأتي الى شرحها تفصيليّا.
ولا يزال اليهودي يعبُد يهوه (الرب الأله) في الكنيسات والجوامع، حيث يقوده الكاهن (راباي) وهو المُعلم أو القائد في الآرامية والعبرية. وتكون العبادة عادة في يوم السبت وهو يوم راحة، يبدأ من عصر يوم الجمعة وينتهي في عصر يوم السبت. ومن الأعياد اليهودية المهمّة: عيد (روش هوشعنا - السنة اليهودية الجديدة)، وكذلك عيد يوم كيبور(يوم التوبة)، وعيد الفصح (خلاص اليهود من عبودية مصر وعبورهم الى الحرية في الأرض الموعودة).
الله:
عندما أراد الانسان التعرّف على الله، كان طريقه الى ذلك، الطبيعة وكل الأشياء التي تراها العين المجرّدة، كالشمس والقمر والنجوم والكواكب والأرض والبحر والصاعقة والنار، فبدأ يعبدها، ويُسمّيها بالآلهة. ولم تكن هذه سوى تأليها لحقائق وقوى كوّنية، خاف منها، فألهّها. ومن هنا جاءت الضرورة لتسمية الأشياء، بأسمائها، وان يكون اسم للآلهة تُعرف بها، أي أن يعطى لكل شىء اسم يُعرف به، فهو يكون هويته وشخصيّته، أو بالأحرى أن تُعطي له رسالة ما يحملها معه الى حين وفاته. ولذلك يعطي الله آدم السلطة في التوراة لكي يسمي كل الحيوانات والطيور باسمائها وكذلك امرأته "حواء": "فجبل الرب الإله من الأرض جميع حيوانات البرية وجميع طيور السماء، وجاء بها الى آدم ليرى ماذا يسميها، فيحمل كل منها الإسم الذي يسميها به ... "هذه الآن عظم من عظمي ولحم من لحمي، هذه تسمى إمرأة" سفر التكوين 2 :18ـ 25. فكلمة الاسم بالعموم وفي الشرق القديم بالخصوص، تُعدّ مسألة ذات تقدير وإحترام كبيرين. لان الاسم، هو الشخص نفسه، والويل لإنسان لا يُذكر له أسم أو لا يتذكر أسمه، وهو كأنه ليس في الوجود، والأفضل له أن يختفي. إذ لا شخصية له ولاهوية ولا تاريخ ولا حاضر ولا ماضي ولا مستقبل، بحسب مفهوم الكتاب المقدس وآداب الشعوب القديمة.
ونجد حتى اليوم ان للاسم أهمية كبيرة، سواء كان اسم الشخص، أم الدولة، أم العائلة، أم شركة معينة. فعندما يعرض شخص ما شركته للبيع، فانه يعرض أسمها للبيع، وفي أسم الشركة يكمُن تاريخها وحاضرها ومستقبلها. ومن هنا كان أسم الله الذي سمي بالمجهول أو الكائن أو المطلق أو من الممكن تسميته (بالآخر) لانه، المختلف الذي لا يمكن مقارنته بشىء آخر، ولكونه بكل بساطة موجود بحد ذاته. ومن هذا المفهوم، نجد أن الاسم في الكتاب المقدس يدل على هذه الدلالة، فابراهيم بعد أن يبحث في رحلته عن (الله الواحد)، يصل الى القناعة به، فيُبشر أهل بيته أولا، ولكن من دون فائدة، لإنهم رفضوه، وإلهه. فما كان عليه إلا ترك موطنه والهجرة الى مكان بعيد، الى كنعان(فلسطين)، الأرض الموعودة، التي تدّر لبنا وعسلا. وبعد التضحية والجهد والمشقة في السفر، يُغيّر الله اسم أبرام الى إبراهيم. وكأن الله يُعطيه رسالة جديدة من خلال تغيير اسمه. وعندما يسأل النبي موسى عن اسم الله في سفر الخروج: "قال موسى لله: اذا ذهبتُ الى بني اسرائيل وقلتُ لهم: إله ابائكم أرسلني اليكم، فان سألوني ما اسمه؟ فماذا أجيبهم؟ فقال الله لموسى: " أنا هو الذي هو". هكذا تجيب بني اسرائيل: "هو الذي هو" أرسلني اليكم". لاحظ انه لا يسأل ماذا أدعوك ؟، بل، ماذا أسميك؟.
ففي اليهودية يذكر أسم الله في الصلاة كثيرا، ولا يُذكر خارج الصلاة إلا في وقت تبادل التحايا، وذلك خوفا من تدنيسه. ونادرا ما يُذكر اسم النبي موسى في الصلاة، خوفا من الشرك بالله، ولكونه الوسيلة التي استخدمت لإيصال الرسالة الآلهية الى الشعب.
والأسم الأول والمهّم جدا لله في الكتاب المقدس هو (يهوه)، وهو أسم قديم له جذور عتيقة في التاريخ العبراني ويُذكر دائما عندما يتعلق الأمر بعلاقته بالانسان حيث يُذكر (6828) مرة في العهد القديم ومنها مثلا في سفر التكوين: "هكذا كان منشأ السماوات والأرض حين خُلقت يوم صنع الرب الأله الأرض والسماوات" تك 2: 4. ويستخدم هذا الأسم عادة مع صفة، كأسم مركب (يهوشع) والذي يعني الله هو خلاصي، ومن هنا يأتي أسم طائفة (شهود يهوه) حيث يدّعون أن اسم الله الحقيقي والشخصي هو (يهوه – جهوفا). وكذلك اسم (هللويا) ويعني (سبّحوا الرب). وكذلك الأسم (إيل) الذي يُستخدم في العهد القديم (250) مرة، وإيلوهيم الذي له صيغة الجمع ويُذكر في العهد القديم (2570) مرة. وأسماء أخرى لله (كأدوناي ـ السيد) و(عمانوئيل ـ الله معنا) والله القوي (إيل شداي).
وتؤمن الغالبية المطلقة من البشر اليوم بالله، ولكن بطرق مختلفة وبأسماء مختلفة. فمنهم من يسُميه الله أو يهوه أو ايلوهيم أو المطلق أوالحقيقة المطلقة أو الكائن أو الموجود أو المعلوم أو يسوع أو البراهما أو الكريشنا أو الباباجي أو ثيوس أو ديوس أو آدوناي أو إيل أو الطاو أو كوريوس أو دومينوس أو(ذلك الآخر). وكلّ هذه الأسماء إنما هي للخالق الواحد الأحد الذي هو لا إله الا هو، الكلي القدرة والكلي المعرفة. يتكلم مع الجميع بلغة يفهمونها إذ يتكلم بكل اللغات.
النبي موسى
يرد أسم النبي موسى مرارا عديدة في أسفار الكتاب العبراني(التوراة)، وبما أن الخروج من أرض مصر تم سنة 1250 ق.م، فيكون النبي موسى عاش على الأغلب في ذلك الزمن.
ولد موسى بحسب القصة في التوراة، على ضفاف نهر النيل من عائلة لاوية يهودية، وضعته أمه بين الخيزران في سلة من بردي. ولما أتت ابنة فرعون لتغتسل، أخذتها الشفقة عليه فتبنته أبنا لها ودعته موسى(ومعناه مُنتشل من بين الحشيش): الخروج 2/10. وكلفت الأميرة أمه برضاعته بحسب القصة في سفر الخروج، فعلمته أمه محبة الله الواحد ومحبة قومه منذ طفولته. وتحسب التوراة هذا الترتيب من عمل الله لكي يدخل موسى العبراني في قصر فرعون ويتعلم حكمة المصريين من علوم الحرب والقانون والسياسة والادارة وكل ما يحتاج اليه، لكي يكون زعيما قويّا يقود أمته الى الخلاص من العبودية. ولما صار عمره 40 سنة ذهب ليتفقد شعبه، وحزن جدا مما رآه من إضطهاد ضد شعبه في مصر، ودافع عن إخوته اليهود المظلومين. وصادف انه قتل رجلا مصريّا كان يعتدي على رجل يهودي، وبسبب خوفه من فرعون هرب الى الصحراء الى أرض مديان، فأصبح غريبا بعيدا عن بيته وعائلته وتزوج ابنة كاهن القبيلة وأنجبت له ولدين. وكانت الصحراء مكانا مُناسبا له لكي يختبر ايمانه بالله ويُهيىء نفسه لخدمته وقيادة شعبه، ولم يستسلم بالرغم من الصعوبات التي واجهها في حياته.
وبسبب كل المؤهلات القيادية والإدارية والغيرة الإيمانية لموسى، دعاه الله كما جاء في سفر الخروج من التوراة الى النبوّة وقيادة شعب اسرائيل وتحريره من العبودية في مصر. وذلك في رؤية غريبة يرى فيها موسى الله في عُليقة مشتعلة وهي لا تشتعل. وتكلم الله معه وأعطاه مهمّة تحرير العبرانيين الذين تجاوز عددهم آنذاك المليونين. وكان على النبي قيادتهم الى الأرض الموعودة في أرض كنعان وذلك في عهد الفرعون رمسيس الثاني الذي حكم مصر بين سنة 1300 ق.م و1200 ق.م. والفرعون في ذلك العهد بقساوته مع العبرانيين. وقد حاول بشتى الطرق منع موسى وشعبه من مغادرة البلاد.
أظهر الله لموسى وشعبه العلامات والمعجزات التي تشجعهم وتقوّيهم على طول الطريق المؤدي الى أرض الخلاص ولمدة 40 سنة عبر الصحراء في سيناء حيث إستلم موسى الشريعة من الله على لوحي الوصايا. ولما وصل الى جبل موآب بالقرب من مدينة أريحا، مات النبي موسى عن عمر ناهز 120 سنة وذلك في سنة 1185 ق.م، وأوصى بالقيادة ليشوع لكي يدخل أرض الميعاد مع الشعب وليؤسس الدولة الاسرائيلية ولأول مرة في التاريخ.
وكان يُعرف موسى النبي بغيّرته الشديدة وبحزمه وصبره على تحمل المشقات وحكمته في التغلب على المصاعب، وعلى ايمانه القويّ بالله الذي إختاره نبيّا ورسولا وقائدا يحكم شعب اسرائيل، ويُقرّر كل ما يخص مصلحة الشعب ومستقبله. وكان يُعرف عنه بأنه رجل الله الصادق وخادمه الأمين والمتواضع والوسيط الجيّد بين الله والبشر"خروج 20/18ـ 21".
النصوص المقدسة:
يتكون الكتاب العبراني من كتب الشريعة(التوراة ـ هاتوراه) والكتب التاريخية (كتوبيم) والكتب النبوّية (نبوّيم). وهي تشكل مكتبة كبيرة من أربعين كتابا. فالمجموعة الأولى التي تسمى كتب الشريعة: وهي الكتب الخمسة الأولى من التوراة، وتتكون من:(سفر التكوين، سفر الخروج، سفر الأحبار، سفر العدد، وسفر تثنية الاشتراع). وتسمى بالكتب التشريعية لأنها تتضمن مجموعة الشرائع الآلهية التي يحتاجها الشعب في تعامله اليومي والطقوس التي يستعملها في عبادته لله. وتتحدث تلك الكتب عن بداية البشرية ونشوء شعب اسرائيل من ابراهيم 1850 ق.م، الى موسى 1250 ق.م، وكذلك عن خروج الشعب من مصر ودخوله الى أرض سيناء، وعن المراسيم الطقسيّة للعبادة والصلاة، وعن الحوادث التي رافقت موسى وشعب اسرائيل حتى دخوله الأرض الموعودة.
والمجموعة الثانية من النصوص المُقدّسة للكتاب العبراني تسمى بالكتب التاريخية وهي ستة عشر كتابا. وتتكلم عن دخول أرض الميعاد وعن الحوادث التي جرت منذ موت القائد(يشوع بار نون) وحتى مولد الملك صموئيل وعن الوقائع التي تلت بعد سبي بابل.
والمجموعة الثالثة من الكتاب العبراني تتألف من سبعة عشر كتابا وهي مجموعة من النبوءات من أقوال وأحداث بالاضافة الى عودة الأسرى بعد الجلاء والضربات والمأساة التي كان يُعاني منها الشعب والأنبياء والتطوّرات الروحية التي حدثت في حياتهم. وتحتوي النبوات ايضا على خراب اورشليم وتشتت الشعب في العالم. والدفاع على حقوق الضعفاء والمظلومين ضد ظلم الأقوياء والأغنياء، وعن عدل الله ومحبته ورحمته وغفرانه لخطايا البشرية، وعن مجىء المسيح المخلص.
وساعدت التطورات العلمية الأركيولوجية Archiology الأخيرة في نشوء الدراسات الكتابية البالغة الأهمية والتي توصلت الى معرفة أصول الكتاب العبراني ولاسيّما التوراة، وتقسيمه الى أربعة تقاليد وضعت في عصور مختلفة:
التقليد اليهوهي: يعتقد العلماء أنه نشأ في أيام سليمان الملك سنة 950 ق.م. ويُسمي اليهود الله بإسم يهوه الذي يعني الرب.
التقليد الأيلوهيمي: نشأ في حوالي سنة 750 ق.م، بعد انقسام المملكة اليهودية الى المملكة الشمالية والمملكة الجنوبية. وايلوهيم اسم آخر لله بين اليهود وهو مشتق من أسم الله (أيل).
التقليد التثنيئي: يوجد هذا التقليد في سفر تثنية الإشتراع وتم تأليفه في مملكة الشمال في سنة 700 ق.م.
التقليد الكهنوتي: نشأ أثناء الجلاء في بابل بين سنة 587 ـ 538 ق.م.
وقد جُمعت (التقاليد الأربعة) في حوالي القرن الرابع أو الخامس على الأغلب من قبل الكهنة اليهود في كتاب واحد سمي التوراة. وجمعت كتب أخرى بعد ذلك بقرون لكي تشكل ما يُسمى بالكتاب العبراني أو العهد القديم. وكان القس البروتستانتي(ويتر) أول من اكتشف الطريقة الحديثة في قراءة التوراة في القرن الثامن عشر، الذي أكد على وجود قصتين متماثلتين للخلْق وأنه يمكن تمييزهما بواسطة استخدام الأسماء الإلهية المختلفة. وأن الأسماء الإلهية هي المعيار الذي يمكن بواسطتها التمييز بين الوثائق المختلفة من التوراة وكيفية جمعها في كتاب واحد. والدليل البسيط على صدق هذه الدراسة الكتابية وجود قصتين لخلق الإنسان، الأولى تتكلم عن خلق الإنسان من دون ذكر العنصر المادي المستعمل في خلقه: "فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلق البشر، ذكرا وانثى خلقهم". والقصة الثانية تحكي عن خلق آدم من الطين.
المخطوطات:
يُعدّ الكتاب العبراني الكتاب الثاني في العالم بعد العهد الجديد(الانجيل المسيحي) من حيث الكم الهائل من المخطوطات القديمة. ويُمكننا القول، أن المخطوطات التي اكتشفت في مخزن المعبد اليهودي بالقاهرة في التسعينات من القرن التاسع عشر، كانت ترجع الى القرن السادس والسابع والثامن وتعدّ اكتشافا تاريخيا مهمّا جدا، بكمّها الهائل وسلامتها من التلف. وتعود التالفة منها الى القرن الخامس الميلادي. وتتوزع هذه المخطوطات في أنحاء مختلفة من العالم حيث يدرسها الالآف من العلماء في الجامعات العالمية مثل جامعة كمبريج والجامعات الأمريكية اللآهوتية والجامعات الروسية.
والاكتشاف الآخر المهمّ والذي يحسبه العلماء بأهم الاكتشافات العصرية للمخطوطات الكتابية قاطبة، تم في منطقة قمران في الاردن سنة 1947 ميلادية، حيث اكتشف راع للغنم كهوفا مليئة بألاواني الفخارية والتي إحتوت على مخطوطات جلدية ملفوفة ومُغلقة بإحكام، تعود الى القرن الثاني والأول قبل الميلاد. وتأتي أهمية هذه المخطوطات كونها تؤكد صحة المخطوطات التي اكتشفت في القاهرة في سنة (1895) ميلادية. ومن المخطوطات المُكتشفة، السفر الكامل للنبي إشعيا وعدد كبير من النصوص الكتابية مع الشروحات والتفاسير الكتابية والنصوص النسكية والطقسيّة مع عدد من الكتب القانونية للطائفة الأسينية وهي جماعة يهودية نسكية كانت تعيش في تلك المنطقة تهيىء لمجىء المسيح ويُعتقد أن يوحنا المعمدان كان من أتباعها.
والمخطوطة المهمّة الثالثة، هي الترجمة السبعينية للكتاب العبراني والتي بدأ العمل بها في القرن الثالث ق.م، وانتهى العمل في القرن الأول ق.م وترجم من العبرانية الى اللغة اليونانية في مدينة الاسكندرية لليهود التابعين للحضارة اليونانية الرومانية، من قبل سبعين شيخا يهوديا. وتبرهن هذه النسخة المكتشفة عند دراستها النقدية، ومقارنتها مع المخطوطات الأخرى، على صحة الكتاب العبراني الذي بين أيدينا اليوم.
وجدير بالذكر، أن النصوص المُكتشفة في منطقة قمران تطابق الكتب الموجودة في عهد المسيح والمُكتشفة في القرن التاسع عشر في القاهرة بمصر والكتب الموجودة بين أيدينا اليوم.
شىء من التاريخ
يبدأ تاريخ اليهود بدعوة الله لأبراهيم بن تارح، من أور الكلدانيين التي كانت مدينة عظيمة في العالم القديم. وقد كشف الأثريون عن وجود دلائل حضارية زاهرة فيها في عصر ابراهيم الذي عاش سنة 1850 ق.م، في الحقبة التي تسميها الكتابات المسمارية بالهابيرو أو العبيرو(العبرانيون)، وكانت التسمية تطلق على القبائل الرحل من السامييّن الذين عاشوا حياة البدو الرحل طوال قرون على غرار عدد من القبائل الاخرى والذين اختلطوا مع الآراميين. وتطوّر اسمهم الى عبري أو عبراني ومن ثمّ الى يهودي واسرائيلي.
آمن اليهود أو العبرانيون بالله الواحد ولذلك كان عليهم أن يتركوا المجتمع الذي يؤمن بقوى الطبيعة والأرواح الشريرة والذي كان يعبد الشمس (شمش) والقمر أو الهلال (الاله الذكرـ سين) والآلهة الاخرى التي كانت تمثلها التماثيل العديدة.
بعض الحوادث التاريخية لشعب اسرائيل:
1850 ق.م، انتقال ابراهيم بن تاراح من أور الكلدانيين في جنوب العراق الى حاران شمالا وتبنيّه الايمان بالله الواحد(يهوه ـ أيل شداي) والهجرة جنوبا الى كنعان بناء على نصيحة من الله.
1750 و1580 ق.م، نزوح أحفاد ابراهيم الى مصر في عهد حكم الهكسوس الذين عاملوهم معاملة حسنة واعتبروهم حلفاء.
1580 ق.م، ثورة المصريين على الهكسوس وطردهم من مصر واستعادتهم السيطرة والحكم فيها واستغلالهم للاسرائيليين في أعمال البناء.
1225 ق.م، بدء الحقبة التي يهمّ فيها اليهود بالخروج من اسرائيل والتي تدوم حوالي أربعين سنة.
1185 ق.م، دخول الاسرائليين أرض كنعان وتأسيسهم لمجتمعات وتجمّعات بشرية بعد جهد وعناء كبيرين.
1130 ق.م، دخول يشوع بن نوع الى كنعان عن طريق شرقي الاردن، بعد استلامه قيادة شعب اسرائيل بعد النبي موسى.
1185 ـ 1035 ق.م، فترة القضاة الواقعة بعد نهاية قيادة يشوع لشعب اسرائيل والتي دامت بحوالي قرنا ونصف القرن.
1050 ق.م، انتصار الفلسطينيين على اليهود واستيلائهم على تابوت العهد لمدة أربعين سنة، وتفوق الفلسطينيين على اليهود، بسبب نوعية السلاح المستخدم، ولمهارتهم في طريقة صهر الحديد.
1035 ـ 1004 ق.م، هي المدة التي بقي فيها شاؤول ملكا على اسرائيل والتي تميزت بالحروب العديدة مع الفلسطينيين.
1004ـ 975 ق.م، الفترة التي حكم فيها داود الملك الثاني لأسرائيل والذي بنى قصره بالحجارة والخشب الخاص من أرز لبنان. وشيّد معبدا لليهود في عاصمته وجعل اليهودية الديانة الرسمية للدولة الموّحدة.
975 ـ 935 ق.م، الفترة التي حكم فيها الملك سليمان الذي بنى الهيكل التاريخي المشهور لوضع تابوت العهد فيه وإنشغاله ببناء قصره الجميل وعيشه مع مئات الزيجات والجواري.
935 ق.م، انقسام مملكة اسرائيل الى مملكة في الشمال وتسمى اسرائيل وعاصمتها السامرة والى مملكة يهوذا في الجنوب وعاصمتها أورشليم (القدس).
880 ـ 850 ق.م، الفترة التي عاش فيها النبي ايليا الذي تصدّى لعبادة البعل وقاد الحملة الروحية لأرجاع اسرائيل الى جذورها الأصلية ونجاحه في إرجاع الملك آحاب من ضلاله.
رسالة أنبياء اسرائيل في القرنين التاسع والثامن(ايليا وعاموص وهوشع).
رسالة انبياء يهوذا في القرن الثامن (اشعيا).
رسالة انبياء يهوذا في القرن السابع (صفنيا وارميا والمراثي وباروخ وناحوم وحبقوق).
735 ق.م، نشوء الحرب السورية الأفرائيمية ضد آحاز، الذي أراد أن يبقى على الحياد، والتي انتهت الأمور بسقوط مملكة اسرائيل سنة 721 ق.م.
721 ق.م، استيلاء الملك الآشوري سرجون الثاني لمملكة إسرائيل وتدمير السامرة.
701 ق.م، اشتباك حزقيا ملك يهوذا مع سنحاريب ملك آشور.
640 ـ 609 ق.م، اصلاحات دينية كبيرة قام بها يوشيا وانهزامه على يد الفرعون(نكو) في معركة مجّدو.
586 ق.م، إنهيار مملكة يهوذا على يد(نبو خذ نصّر) بعد حصار دام ثلاثة أشهر وتدمير اورشليم وسبى معظم أهلها الى بابل.
رسالة أنبياء الجلاء (ارميا وحزقيا والقسم الثاني من اشعيا).
538 ق.م، احتلال الملك الفارسي(كورش) مملكة بابل واسرائيل بمساعدة الأسرى اليهود، والسماح لهم بالعودة الى بلدهم اسرائيل.
320 ق.م، زحف أسكندر المقدوني على الشرق وانتصاره على الامبراطورية الفارسية وبداية حكم البطالسة في اسرائيل.
312 ق.م، نجاح بطليموس في ضمّ المدن الفلسطينية وجوارها الى مملكته بعد تغلبه على أنتيغوس في غزة بمساعدة سلوقس.
166 ـ 160 ق.م، قيام ثورة المكابيين بقيادة (يهوذا المكابي) ضد السلوقيين واستعمالهم حرب العصابات ضد المستعمرين والمتعاونيين معهم من اليهود. واستمرار الثورة الى عهد(الاسكندر بالاس) على العرش السلوقي والذي أستطاع بدهائه إخماد الثورة الشعبية.
66 ق.م، احتلال الرومان لأسرائيل بقيادة القيصر(بامبيوس) وقتله آلاف من اليهود الرافضين لحملته واعتقاله ملكها السلوقي اليوناني أرسطو بوليس الثاني وارساله مقيّدا الى روما.
47 ق.م، اعتراف روما بهرقانُس ملكا على اليهود، ونيل أنتيباطر لقب الحاكم وابناه لقب وكلاء: فازائيل لأورشليم وهيرودس لليهودية.
40 ق.م، حصول هيرودس على لقب ملك اليهودية بحيلة ودهاء وتزوّجه من أميرة من سلالة الحشمانيين اسمها ماريام ابنة أخي أنتيغونس.
37 ق.م، استيلاء هيرودس على اورشليم وغزة والسامرة بمساعدة الكتائب الرومانية واشتهاره في الوسط اليهودي بالقساوة والوحشية وبتشجيعه على المصالح الرومانية على حساب المصالح القومية اليهودية. علما انه لم يكن بناء الهيكل في عهده، إلا دعاية لترضية الشعب ولكسب تأييده. وتوفي في السنة الرابعة قبل التقويم المسيحي.
6 ميلادية، خلع أرخيلاوس وتعيين الحاكم الروماني بيلاطس البنطي في عهد المسيح.
67 ـ 68 ميلادية، تشديد الحصار القاسي على اورشليم بقيادة فسباسيان ومن ثمّ تولي القيادة (تيطس) على رأس جيش قوامه خمسون ألف جنديّ ولمدة خمسة أشهر.
70 ميلادية، تدمير الملك تيطس مدينة اورشليم وإحراق الهيكل وازالة الدولة اليهودية سياسيا من الوجود وتشتت اليهود في كل أنحاء العالم.
132ـ 135 ميلادية، فشل الثورة اليهودية التي استمرت ثلاث سنوات بشكل حرب عصابات في عهد الامبراطور أدريانوس وتغيير اسم اورشليم الى (أيليوس) وإزالة معالم مدينة أورشليم وهيكلها تماما، والقضاء على معظم اليهود الموجودين فيها.
312 ـ 321 ميلادية، إعتراف الامبراطورية الرومانية بالديانة المسيحية وقيام الملكة هيلانة والدة الملك قسطنطين ببناء كنيسة القيامة في مدينة اورشليم.
395 ميلادية، انقسام الامبراطورية الرومانية الى قسم شرقي وقسم غربي وبقاء اسرائيل تحت حكم الامبراطورية البيزنطية الشرقية.
بدء الدعوة الاسلامية في مقتبل القرن السابع الميلادي ومقاومة أكثرية اليهود في الجزيرة العربية للدعوة الجديدة ومجابهتهم بقسوة من قبل الرسول محمد(ص) قبل أن يتهيئوا للأنقضاض على دعوّته.
638 ميلادية، عهد الفتوحات العربية الاسلامية لأسرائيل وتسلم الخليفة عمر بن الخطاب مدينة اورشليم (القدس).
626 ميلادية، تخلص الرسول محمد(ص) من بني قريظة(اليهود) بقتل رجالهم وسبي ذريتهم ونساءهم والاستيلاء على أموالهم في السنة الخامسة للهجرة.
627 ميلادية، سقوط خيبر بيد المسلمين وقضائهم على الوجود السياسي لليهود في الحجاز.
1099 ميلادية، دخول الصليبيين مدينة اورشليم (القدس)، وسيطرتهم على اسرائيل (فلسطين).
1187 ميلادية، استرداد صلاح الدين الأيوبي لفلسطين بعد انتصاره في معركة حطيّن وجعلها تحت حكم المماليك.
1516 ميلادية، احتلال فلسطين(اسرائيل) من قبل الأتراك العثمانيين.
1769 ـ 1821 ميلادية، استغلال اليهود للحملة الفرنسية على الشرق في تأسيس الوطن القومي لهم في فلسطين وبإعادة بناء مجد إسرائل الضائع فيها. وتركيزهم على مساعدة البريطانيين بعد فشل الفرنسيين في تحقيق ذلك الحلم.
1882 ميلادية، وصول نفر قليل من المهاجرين اليهود الى فلسطين بغية الاستقرار في أرض الأجداد وانشاءهم المستعمرات الزراعية والتي سميّت بالهجرة الاولى في منطقة يافا.
1895 ميلادية، دعوة هرتزل(الأب الروحي للصهيونية العالمية) والصحفي اليهودي النمساوي، الى تجميع اليهود في مكان ما في العالم.
1897 ميلادية، نشوء الحركة اليهودية الجديدة المسماة (الصهيونية) في مؤتمر بال في سويسرا، لغرض بناء دولة اسرائيل في فلسطين وانشاء الصندوق القومي اليهودي لمساعدة المشاريع والمجمّعات الزراعية الاسرائيلية في فلسطين والتي سُميّت(ريشون).
1905 ميلادية، حدوث الهجرة الثانية لفلسطين نتيجة للثورة الروسية وأنشاء عدة مستعمرات في مناطق الخليل والسامرة.
1917 ميلادية، وعد بلفور وتعييّن المندوب السامي اليهودي (هربرت صموئيل) من أجل تنفيذ المخطط الصهيوني.
1919 ميلادية، احتلال الانجليز لفلسطين بقيادة الجنرال اللمبي وبقاءها تحت الانتداب البريطاني ثلاثين عاما.
1947 ميلادية، صدور قرار تقسيم فلسطين واعلان قيام دولة اسرائيل في 15/5، وذلك بعد إنسحاب بريطانيا مباشرة تاركة الأرض بيد اليهود وتسليمهم القرار والحرية في إتخاذ زمام الأمور في إنشاء الوطن اليهودي في ما يُسمى بأرض الميعاد بعد إنقضاء حوالي عشرين قرنا على خراب أورشليم.
1967 ميلادية، احتلال اسرائيل لمدينة القدس (اورشليم) في ما يسمى بيونيو(حزيران) الأسود في حرب الأيام الستة.
1973 ميلادية، عبور القوات المصرية قناة السويس وإقتحام خط بارليف الحصين، واعلان وقف اطلاق النار بعد فترة قصيرة من بدء الحرب.
1978 ميلادية، توقيع اسرائيل ومصر اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع خلق نوع من الألفة والتفاهم بين اليهود في اسرائيل والعرب.
2005 ميلادية، فرض اتفاق خارطة الطريق من قبل الولايات المتحدة على الطرفين ورفضها من قبل معظم الدول العربية والاسلامية.
قصة الخلق التوراتية:
كانت الاسطورة تلعب دورا مهمّا في توضيح الخلق في جميع أديان العالم ولا يزال الانسان يستعمل الاسلوب نفسه والمفردات نفسها عندما يتكلم عن الله والخلق سواء من خلال الشعر أو القصة أو الرسم. ويُعرّف البعض الاسطورة، على أنها تصوير رمزي للأشياء والثقافات، بأبعادها الدينية والمادية وترتبط ببدايات البشر. وكان الناس قديما يكتبون الاساطير أو ينقشونها على الألواح والأواني والأحجار والجدران والقبور. ويقصّون فيها، قصص الأولين عن حياة الإنسان في الماضي القريب والبعيد.
وعلى كل حال، فان الأساطير والملاحم والفلكلور والحكايات الشعبية وحكايات الخوارق والخرافات، هي كلها فن أدبيّ يجب أن نعتز به وأن نقدمه للأجيال الآتية بفخر وإعتزاز لكونه يُجسّد تاريخنا الإنساني. فكلمة (الاسطورة) في اللغة اليونانية mythologia mythos تعني(قصص تقليدية) وتحكي عن الآلهة والأبطال وهي قصص متداولة تقليديا تفسّر بدايات الأشياء سواء كانت كونية أم طبيعية. وتُفسّر حالة طبيعية لها صدى عالمي عميق في النفوس. وتتكلم عن الواقع في حياة الناس، بصيغة واحدة تقريبا(ما كان في البدء). فالاسطورة من هذا المفهوم هي: إطار يضعه الإنسان حول حقيقة ما يُحاول أن يُزيّنها كما نُزيّن اليوم العروس والعريس في حفلة الزواج.
وتختلف الاسطورة عن الخُرافة والفلكلور وهي حكايات لا يُعرف لها مؤلف ما وتدور على الألسن في المجالات الشعبية المختلفة. فالخُرافات لا تعتمد على الحقيقة أو الحدث أساسا لها بل تعتمد على البطل (الاله أو الآلهة)، وتختار من الأحداث ما يُلقي الضوء على شخصية(البطل) وتُؤثر في حركته. ومُعظم هذه القصص الفلكلورية والخرافية، غير مُقنعة عادة وغير منطقية. والشىء الذي يمُيّزها عن بقية الأجناس الأدبية الشبيهة بها هو طابعها وجوهرها المُقدّس الذي يريد أن يُخاطب الانسان الذي أبدعها وصاغها لنفسه وللأجيال من بعده. وأما الخُرافة، فإن راويها والمستمع اليها يعرفان بأنهما ليسا مكلفين بتَصديقها. فحين نبني البيت مثلا، فإننا نحتاج الى الخارطة أولا ثم الى المواد الأولية للبناء. فهناك الخريطة التي هي(الحقيقة) في الأساطير، والمواد الأولية التي هي (الرموز الاسطورية) التي تزيّن الحقيقة الآلهية.
فالكتاب المقدس مثلا يستلهم من الأساطير الكبرى ولاسيّما في روايات خلق العالم، وقصة خلق الانسان وروايات الطوفان ورواية عبور البحر الأحمر ورواية برج بابل وغيرها من القصص التي فيها حبكة اسطورية يتبناها الكاتب ويُحَوّلها تحويلا عميقا ويجعل منها رواية لاهوتية وتاريخية. ولا نقصد في طبيعة الحال بالتاريخ العلمي الذي لا يتكلم إلا وفي يده المصادر وأمام عينيه آثار التنقيبات.
فالكاتب لا يريد أن يكتب عن التاريخ والحضارة البشرية الاولى أو تاريخ الانسان الأول، بل بالأحرى يريد أن يكتب من الواقع الانساني الحالي ليقول شيئا أو ليُبدي رأيا في التاريخ بما هو الواقع الانساني الماضي على وفق تفكير منطقي وحضاري مُستعينا بآداب الشعوب المجاورة من سومرية وبابلية وكلدانية وآشورية وكنعانية وفينيقية ومصرية وفارسية وأغريقية. ولهذه الأسباب نجد تشابها كبيرا في أساطير المشرق القديم والأساطير العالمية الاخرى مع قصص الخلق وغيرها من القصص في الكتاب المقدس كقصة طوفان نوح وقصة يونان وأيوب وحزقيال وغيرها. ومن هذا المنطلق ومن هذا المفهوم للاسطورة والدين سوف نعالج قصتين من قصص الكتاب المقدس: 1 ـ الأيام الستة للخليقة. 2 ـ قصة الانسان وخطيئته في الفردوس.
1ـ الأيام الستة للخليقة:
في البدء خلق الله السموات والأرض، وكانت الأرض خاوية خالية وعلى وجه البحر ظلام، وروح الله يرف على وجه المياه. وقال الله ليكن نور... وفصل الله بين النور والظلام... وكان اليوم الأول. وقال الله ليكن في وسط المياه جَلد يفصلُ بين مياه ومياه... وكان اليوم الثاني. وقال الله: لتجتمع المياه... ولتظهر اليابسة... وسمى الله اليابسة أرضا ومجتمع المياه بحارا... وقال الله لتنبت الأرض نباتا... فأخرَجت الأرض نباتا... اليوم الثالث. وقال الله: ليكُن في جلد السماء نيّران تفصل بين النهار والليل، وتُشير الى الأعياد والأيام والسنين... فكان كذلك... اليوم الرابع. وقال الله: لتفض المياه خلائق حيّة ولتطير طيور فوق الأرض على وجه السماء... وكان مساء وكان صباح: اليوم الخامس. وقال الله: لتخرج الأرض خلائق حيّة من كل صنف... ورأى الله ان هذا حسن. وقال الله: لنصنع الانسان على صورتنا كمثالنا، وليتسلط على سمك البحر وطيّر السماء والبهائم وجميع وحوش الأرض وكل ما يدبّ على الأرض. فخلق الله الأنسان على صورته، على صورة الله خلقهم، ذكرا وأنثى خلقهم.
والمعنى اللاهوتي للمقطع هو أن الله في الأيام الثلاثة الاولى، يفصل الأشياء بعضها عن البعض. ففي اليوم الأول يفصل الله بين الليل والنهار والظلمة والنور. وكأنه يوجه رسالة للذين يعبدون(النور "أهورمزدا" ـ والظلام "أهريمان")، وهي آلهة للزرادشتيين الفرس قائلا لهم أن النور والظلام ليسا بإلهين، فانما الهُنا الذي هو إله واحد، خلق النور والظلام، في اليوم الأول.
وفي اليوم الثاني، يفصل الله بين المياه التي فوق الجلد والمياه التي تحت الجلد. وفي اليوم الثالث، يفصل الله بين اليابسة (الأرض) وبين مجتمع المياه (البحار). فبعد أن يجري الله عدة عمليـات فصل، تظهر اليابسة ليجعلها مكاناً مناسباً للانسان. فهو يفصل السموات والأرض والنور والظلمة في اليوم الأول. ويفصل السماء والبحر في اليوم الثاني، ومن ثمّ الأرض والنبات في اليوم الثالث، فالشمس والقمر والنجوم في اليوم الرابع، فالسمك والطيور في اليوم الخامس، فالحيوانات والحشرات والانسان في اليوم السادس. والأرض ليست إلهة، حيث أن إلهُنا (يهوه) الذي هو إله واحد، هو خالق الأرض في اليوم الثالث (كانت الشعوب الكنعانية والفينيقية والسومرية تُقدسّها وتؤلهها).
وفي الأيام الثلاثة الأخرى يخلق الله النيّرين العظيمين والطيور وأصناف الحياة في المياه والبهائم والحوش، وأخيرا، الانسان، ذكراً وانثى ويباركهم قائلا لهم انموا واكثروا واملأوا الأرض.
ويذكر كاتب الأيام الستة، النيّرين العظيمين كالسراجين المُضيئين الشبيهين بالسراج في الهيكل، بدلا من أن يذكر الشمس والقمر. ويوجه الكتاب هنا رسالة جوابية من (يهوه) إله اليهود، قائلا لجيران اسرائيـل الوثنييـن، إن آلهتهـم ليست بآلهة، وانما هي مُجرّد خلائق، خلقها (يهوه) في اليوم الرابع. وفي اليوم الخامس، يُوجه رسالة للفينيقين وغيرهم من الذين يعبدون آلهة البحار(ليوثان)، قائلا لهم: إن آلهتكم باطلة وإن الله (يهوه)، الاله الحق الذي لا إله إلا هو، خالق الأسماك الكبيرة في البحار.
وخلق العالم اذاً، موّزع على ستة أيام الى أن يصل الى يوم السبت. ويُشدّد كاتُبنا هنا على(السبت) مُبيّنا أهميته لان الله نفسه يحفظه ويُضفي عليه طابعا مقدسا. والله (يهوه) يخلق في هذه الأيام الستة، عالما جميلا عادلا بالرغم من الشرّ والألم فيه، كون اليهود(ومنهم كاتب القصة) كانوا في جلاء بابل، يعيشون في حالة مزرية وفي عالم ملىء بالإحتقار ولكن الخلق هو أمل مستقبليّ يُريدنا(الكاتب) أن نصل إليه مستقبلا وليس هو شىء مفقود أو مكان ما فشل الانسان في الإحتفاظ به.
وبعد ما درسنا المقطع نعود فنقارنُه بمقطع من القصص البابلية عن خلق العالم إذ تقول إحدى القصص: لم يكن هناك سوى(أبسو) المحيط الأزلي... و(تيامات) المياه المالحة... لا سماء ولا أرض... لا آلهة ولا بشر... فقط الفضاء.. والمياه الممتدة الى ما لا نهاية .. لا شىء سوى ظلمة حالكة... وكان منها آلهة نور... وأطلت (تيامات) حيث قرّرت أن تتخلص من آلهة النور (كونها لم تعرف سوى الظلام والفوضى)، فخلقت (تيامات) الوحوش المُخيفة المفترسة وانطلقت الثعابين المهولة ذات السم... والتنانين... والكلاب... والعقارب.. كلها تتحرك تحت امرة الأله الوحش (كنجو) الذي وعدته تيامات بالزواج اذا تغلب على آلهة النور... فيأتي الاله مردوخ لمحاربة الآلهة (تيامات) لنُصرة إلهة النور... فيقتل تيامات.. ثم يقطع قلبها.. يأخذ منه حبوب القضاء والقدر.. ومن جسم تيامات الممزق تخلق.. السموات.. والأرض.. والكواكب.. فيفكر مردوك بخلق من يعبد الآلهة.. يقوم بخدمتها. فيخلق الانسان.. حيث ينحنى مردوخ على الأرض ليعجن التراب بدماء كنجو الشرير.. ويصنع من الطين أناسا تقوم على خدمة الآلهة وعبادتهم.
فاذا قارنا هذه القصة من آداب البابليين مع القصة التوراتية، نجد تشابهاً كبيرا مع فروقات كثيرة أيضا. فالتشابه بين القصتين: هو مفهوم الخلق للكون والانسان وكل شىء تقريبا، مع وجود الماء والظلام قبل الشروع في الخلق في القصتين. وأما الفرق بين القصتين: فنجد أن الله(يهوه) في قصة التكوين لا يحتاج الى عقد معاهدات مع آلهة اخرى للبدء في الخلق، فهو يخلق(كل شىء) بكلمة من فمه وفي فترة قصيرة هي ستة أيام، حيث يخلق الانسان حرّا من التراب فقط من دون أن يكون فيه شىء إلهي كما هو في الأساطير البابلية. والخالق هو مجرّد عن الخلائق كليّا، صاف من أي تعلق بالمادة. وليس الشرّ من جوهره ولا يحتاج الى إستخدام الأنسان كما هو الحال في القصص البابلية التي تقول بأن الآلهة تخلق الانسان لكي يُعينها في أعمالها لكسلها.
وفي الاسطورة البابلية (اينوما ايليش ـ حينما خلق)، تعقد الآلهة معاهدات وتتزاوج وتحارب بعضها بعضا وتخلق الإلهة (تيامات) آلهة شريرة صغيرة، ويشن الأله مردوخ حربا شعواء عليهم وينتصر عليهم وعلى تيامات (الإلهة الأم) التي أوجدتهم، ويلقي القبض على الاله(كنجو) قائد الآلهة الشريرة المُتمرّدة، فيُحكم عليه بالموت، ويُقتل للتخلص من الشرّ الذي فيه، ويُستعمل دمه(الممتزج بالشر) في جبل الانسان. والغاية من خلقه كانت لمساعدة الآلهة في أعمالها. فالانسان هنا لا حول له ولا قوّة، حيث أن الشرّ من جوهر جبلته وفي طبيعته من دون إرادته أو إختياره. وأما في القصة التوراتية فالأمر يختلف كثيرا عن القصص البابلية ولاسيّما في مسألة توزيع الكاتب عمل الله على ستة أيام وإستراحته في اليوم السابع. ويجب علينا التأكيد هنا بأنه لا مجال للتفسير العلمي المُبرّر الذي يحاول أن يقول: أن الكاتب يقصد باليوم الواحد ألف سنة أو مئة الف سنة وغيرها من المُهاترات والمزايدات التي لاعلاقة لها بالكتاب المقدس، فالكتاب المقدس إذا هو كتاب ديني وروحاني وقصصه، لاهوتية تعليمية، تهتم بمعنى وجود الأشياء وكيفية ظهورها للعيان، وليس بكيفية وجودها. وهو أيضا كتاب يَحكم على الأشياء الموجودة حولنا، حكما عيانيا وليس تحليليا علميّا على الاطـلاق، لان القصـة تعتمـد أصـلا على الأساطير كمواد للبناء، والايمان اللاهوتي بالله الواحد الأحد، كخارطة هندسية لهذا البناء.
فالخلق إذا يكون بشكل تصاعدي، يبدأ مثلا، بالسماء والأرض والنور والظلام، فاليابسة، فالنبات، فالنجوم، فالسمك، فالطيور فالحيوانات والحشرات ومن ثمّ الانسان.
2- قصة الانسان والمأساة (الخطيئة) في البستان:
واما في المقطع الثاني الذي بوّدنا أن نعالجه هو: النص المقدس: "كانت الحيّة أحيّل جميع حيوانات البرية التي خلقها الرب الاله. فقالت للمرأة: "أحقا قال الله: لا تأكلا من جميع شجر الجنة؟ "فقالت المرأة للحيّة:" من ثمر شجر الجنة نأكل، وأما ثمر الشجرة التي في وسط الجنة فقال الله: لا تأكلا منه ولا تمساه لئلا تموتا ". فقالت الحيّة " لا لن تموتا، ولكن الله يعرف أنكما يوم تأكلان من ثمر تلك الشجرة تنفتح أعينكما وتصيران مثل الله تعرفان الخير والشر". ورأت المرأة أن الشجرة طيّبة للمأكل وشهيّة للعين، وأنها باعثة للفهم، فاخذت من ثمرها وأكلت وأعطت زوجها أيضا، وكان معها فأكل. فأنفتحت أعينهما فعرفا أنهما عُريانان، فخاطا من ورق التين وصنعا لهما مآزر.
فنادى الرب الاله آدم وقال له: أين أنت؟ فأجاب سمعت صوتك في الجنة، فخفت ولأني عريان أختبأت. فقال الرب الاله: من عرفك أنك عريان؟ هل أكلت من الشجرة التي أوصيتك أن لاتأكل منها ؟ فقال آدم: المرأة التي أعطيتني لتكون معي هي أعطتني من الشجرة فأكلت. فقال الرب الاله للمرأة: لماذا فعلت هذا ؟ فأجابت المرأة: الحية أغوتني فأكلت".
نجد في هذا النص المقدس، أجوبة دينية عديدة، لأسئلة طالما، يسألُها الإنسان أينما كان والى يومنا هذا: وتدور الاسئلة في معظمها حول الانسان والكون الذي يحيط به والشمس والقمر والنجوم والكواكب والمرأة والشرّ والموت والخلود وكذلك حول علاقته بالآخر ولاسيّما بالمرأة والحيوانات والنباتات. ويحاول الكاتب أن يُجيب على كل هذه الأسئلة بأسلوب اسطوري أستقاه الشعب اليهودي من آداب الشعوب المجاورة ولاسيّما الأدب السومري والبابلي والآشوري.
وهي قصة لاهوتية تعليمية عميقة، تؤكد على شىء واحد، ألا وهو(الله الخالق)، الذي يخلق الانسان ويُقيمه وكيلا وسيّدا للكون ليدير شؤونه وليجعله صالحا للسكن له ولنسله. ويسمي الأشياء والكائنات الحيّة بمسميّاتها. وفي القصة الكتابية أهمية خاصة للإنسان وكرامته، فهو لم يخلقه لكي يكون عبدا لله مسّيرا، وإنما حرّا ومُخيّرا في أعمال الخطيئة وفي أعماله الاخرى.
ويتكلم الكاتب عن فجر البشرية ولا يدّعي امتلاكه سجلات البشر الأوائل الذين سكنوا العالم منذ العصور الحجرية القديمة. ويريد أن يقول: إن محبة الله هي السبب الرئيسي التي من أجلها وُجدت الخلائق كلها وأن العالم ليس وليد صدفة، كما يدّعي بعض العلماء وبعض من الفلاسفة، بل هو ثمرة من ثمرات مخطط الله الآب المُحب الذي من فيض حبّه أعطى الوجود لجميع الكائنات.
ويريد الكاتب أن يقول: إن الانسان(كل الانسان) هو مُجرّد حفنة من تراب نفخ فيه الله نسمة الحياة، ويُسميه الكاتب آدم(التراب الأحمر) ويُسمي المرأة (حواء ـ السيدة الحياة)، ومعنى هذين الأسمين(السيد الإنسان والسيدة الحياة).
ومن الأساطير الاخرى المشهورة في الألف الثاني قبل الميلاد، هي الاسطورة البابلية التي تحكي عن خلق آدم من قبل الآلهة وإعطائه روحا فاسدة بعيدة كل البعد عن الصدق والصلاح.
وأما في قصة الكتاب المقدس، فإن الانسان يُخلق من لا شىء وليس فيه شىء من جثث الآلهة كما تدّعي القصص البابلية. ويُركز الكاتب في سفر التكوين على علاقة الله بالانسان وعلاقة الرجل بالمرأة وعلاقة الانسان بالكائنات الاخرى والكون. وهذه العلاقة التي بدأت وكأنها العلاقة نفسها بين الله وشعب اسرائيل في سيناء، التي يُعبّر عنها بعلاقة العهد بين الله والانسان، أي أن يكون شعب اسرائيل أمينا مع الله وان لا يعبد غيره من الآلهة (لا يكن لك آلهة تجاهي) الخروج 20: 3. فهذا العهد يُعبّر عنه باسلوب إسطوري وتعليمي جميل جدا، حيث يطلب الله (يهوه) منه أن يكون أمينا للرب ويضعه تحت حمايته(بركته) واذا زاغ واخطأ فإنه يخرج من تحت حمايته (بركته) وحينئذ فقط يشعُر بعريّه(انفتحت أعينهما فعلما أنهما عريانان) "تكوين 3 :23"، وإذا أخطأ وتعدى حدوده المرسومة له(فأنت يوم تأكل منها موتا تموت) " تكوين 2 :15 "، ويقصد بالموت هنا، الهلاك الروحي أو الموت الروحي.
ففي ملحمة جلجامش يجد بطل القصة(ثمرة الحياة) بعد جهد جهيد ويرى بئرا مياهه عذبة، وينزل اليه ليغتسل. فإذا بحيّة تشمّ رائحة الثمرة، وتخرج من الأرض لتأكل الثمرة وتغيّر جلدها القديم. فيبقى جلجامش هناك ويبكي الى الأبد وتسيل دموعه.
والرجل والمرأة هما من طبيعة واحدة في التوراة وانهما يختلفان عن الحيوانات. وعلاقتهما ليست، علاقة سيّد ومسود، بل هي علاقة شريكين على نفس المستوى. وفي هذه القصة التوراتية: يتعجب الرجل حين يرى المرأة لانها تكافئه. وأما في الأساطير القديمة، فالمرأة غير متكافئة وغير محترمة كسيدة أو شريكة الحياة للرجل. والشىء الوحيد الذي من أجله تُحترم في الأساطير هي أنها مصدر للتكاثر.
وبعد أن يجبل الله الانسان(آدم ـ السيد الانسان) ويُسكنه في جنة عدن(الفردوس) ويخلق له شريكة الحياة(حواء ـ السيدة الحياة) ويقيمه وكيلا له ومسؤولا عن كل ما خلق، وعن كل ما كان يتمناه: واحة خضراء مليئة بالأشجار المثمرة والمياه الغزيرة، بالاضافة الى الأنهر الأربعة التي كانت في الفردوس، التي تمتد جغرافيا لتشمل الأرض كلها(المعروفة سابقا). فهو ليس حُلماً جميلاً فقدناه بل هو غاية مستقبلية مُثلى علينا تحقيقها بالعمل الدؤوب لحراثة الأرض وتشجيرها وتنظيفها وزرع الخير والسلام والمحبة في كل مكان. واستخدام كل شىء لمجد الرب الاله ولخدمة البشر، مهما كان لون بشرتهم وجنسهم ودينهم.
وبعد ان تُغري الحيّة المرأة بالأكل من الثمرة الممنوعة ومشاركة الرجل لها، يقاصص الرب الاله، آدم وحواء والحيّة، بدءً بالحيّة ثم المرأة ثم الرجل، فيُطردون من الجنة أي من(الحياة مع الله). ونجد هنا أن للحيّة دورا مهمّاًّ مع ان الكل يعلم أن الحيّة لا تتكلم، ليس الآن ولا في عهد الانسان الأول. وهي تلعبُ دورا شبيها في الأساطير القديمة ولاسيّما(اسطورة جلجامش)، حيث نراها تسرق منه(ثمرة الحياة) بالحيلة، فيصبح الانسان مغلوبا على أمره، ويعود الى مدينته(اوروك) خالي اليدين. فأن كان اختيار(الحيّة) رمزاً اسطورياً مشابهاً للأديان القديمة، الا أن مفهوم الخطيئة هو مفهوم خاص بالكتاب المقدس لانجده في الأساطير البابلية والمصرية. وأما الشرّ (الخطيئة) في قصة التكوين فهو إختيار شخصي للانسان وحرمانه من شجرة الحياة كان بإختياره الحرّ والخاص ولم يكن بسبب مباشر من الحية(المُجرّب) ولا بفعل عملها. ولكن الأمر يختلف في الأساطير القديمة، فالإنسان لا حول له ولا قوّة، وهو خادم للآلهة ومجبول بالشرّ من الآلهة، يفقد الخلود بالصدفة المؤلمة.

العقائد
تتضمن الشريعة الموسوية قوانين وتشريعات أخلاقية وتربوية وروحية واجتماعية مع سلسلة من العقوبات والفرائض العبادية، وهي تهدف الى تنظيم الحياة الدينية للشعب. وتعود في شكلها الحالي الى القرن 9 ـ 8 ق.م، وتتوجه الى شعب تجاوز حيّاة البداوة الى حيّاة الزراعة والتجارة والحياة المدنية.
وتعدّ الوصايا العشر في الشرع اليهودي جزءاً من العهد الذي قطعه الله مع شعبه، والتي تتخذ كامل معانيها من صميم العهد الذي صنعه الله مع موسى ومع شعب اسرائيل، إذ يكشف الله عن ذاته وعن مجده لأول مرة في التاريخ البشري في صحراء سيناء بعد حوالي ثلاثة أشهر من ترك الشعب أرض مصر. ويُعطي الله لموسى الكلمات العشر، منقوشة على لوحيّ الحجارة، والتي سميّت بتابوت العهد. وكان الشعب يحمل هذه الألواح معه في صندوق خاص رمزاً لحضور الله بين شعبه، ثم تطوّرت الفكرة بعد إستقرار الشعب في الأرض الموعودة، الى بناء الهيكل في اورشليم لكي يوضع التابوت فيه.
وكان العهد حدثا تاريخيا جوهريا بالنسبة الى الشعب ونعمة مجانية من الله، عليه أن يقبل به ويُطيعه إختياريا وينتمي اليه انتماء خاصا. وأن يكون حارسا وأمينا له. فإن خالفه، يخرج من نطاق البركة(النعمة) ويُطرد من الفردوس(آدم الانسان الأول = شعب اسرائيل).
والشريعة أو الناموس، هي أنواع من الفرائض الدينية التي ترافقها المكافأة أو العقاب. وتنقسم الى الزامية تأمر المؤمن وغير الزامية، قابلة للنقاش والبحث. ومن أنواعها: الشرائع العبادية والأسرية والاجتماعية والطقسيّة.
وتبدو هذه الشرائع قريبة في شكلها وفرائضها من الشرائع السومرية والأكدية والآشورية ولاسيّما الشرائع البابلية من عهد(حامورابي). لكونها صيغت في الفترة التي كانت تحكم بابل على فلسطين في الألف الثاني قبل الميلاد. وكان من الطبيعي أن تؤثر هذه الشرائع على الشعوب التي تحكمها ومنها الشعب الاسرائيلي الذي استعملها وأستفاد من بنودها في الحياة اليومية.
وهذه بعض العقائد والشرائع اليهودية:
• يشير اليهود إلى الشريعة بكلمة(التوراة)، وهي تعني القوانين أو التشريعات الخارجية تحديدا، لتنظيم حياة الشعب الخلقية والتربوية. وكذلك الى التشريعات القانونية والمُعاملات المدنية والاقتصادية والقضائية، بالاضافة الى التوصيّات العبادية والطقسيّة وطريقة ممارستها وكيفية إقامتها(خروج 20/2ـ 17، تثنية 5/ 6ـ 21). والى الوصايا الالزامية التي كان على الشعب أن يُقدسها ويضعها كعصائب بين عينيه ويُطبقها في حياته، فهي بمثابة عهد بينه وبين الله. ويفرّق اليهود بين (الشريعة المكتوبة)، وهي الواردة في أسفار موسى الخمسة من طرف، وبين (الشريعة الشفوية)، التي هي الشروحات والتفسيرات لحاخامات اليهود، التي سجلت في التلمود وغيره من الكتب من طرف ثان.
• أوصى الله آدم بالمحافظة على العهد، ولكن مُخالفته للوصية الاولى هي التي أدّت الى طرده من الفردوس في قصة الخطيئة في البستان أو الفردوس (تكوين 2/16ـ 17 ). ولم يترك الله آدم من دون وصية، إذ يُذكر بها قايين(تك 4/ 7). ويحدث الطوفان بعد العصيان على الوصية (6/5)، ومن ثم يُعطي الله وصايا عالمية أممية لنوح (9/ 3ـ 6)، والتي كانت بمثابة الشريعة القانونية والأخلاقية الاولى للأنسان الذي لم يقدر الإحتفاظ بها.
• الطاعة للوالدين وهي من العقائد المهمّة والجوهرية في اسرائيل ويجب أن تستمر حتى بعد موتهما وأن توفر لهما ما يلزمهما من الماديّات ورعايتهما عندما يعجزان عن العناية بنفسيّهما.
• تجنب الغضب والحقد والحسد والخطايا الاخرى مثل الزنا والسرقة والقتل واشتهاء مقتنى الآخرين وغيرها من الوصايا الالهية التي تخدم الانسان وتحاول أن تنظم أمور الحياة للمؤمنين.
• تحريم أكل الدم والمشاركة في الذبائح الوثنية لكونها من الممارسات الوثنية للشعوب المحيطة بهم والمشاركة بها تجعلهم ينسون العهد مع الله الواحد الأحد.
• تحريم أكل بعض الحيوانات والطيور بسبب إستخدامها في العبادات الوثنية وضررها بالصحة وذلك لتذكير شعب اسرائيل دائما بأنه شعب مُكرّس لله الواحد وبأنه مختلف عن الشعوب الاخرى.
• إعطاء أول وأفضل ما يكسب الفرد المؤمن لله، لأنه يجب أن يكون الأول في حياة المؤمنين. وبإعطاء المؤمنين العشور لله بإنتظام يجعل(الله) على قائمة الأولويات.
• مساعدة الفقراء والمساكين من العشور للحيلولة دون وقوع الفقر والمجاعة ولغرض إقتسام الخيرات مع الآخرين واجتذابهم للإيمان الحق بالله.
• إطلاق العبيد أحرارا بعد ست سنوات من خروجهم من مصر مع تزويدهم بمؤونة الطعام الى أن يجدوا عملا أو طريقة اخرى يُحافضوا بها على كرامتهم الانسانية.
• منع تقديم الأبناء ذبائح كما كان يفعل الوثنيون وتحريم السحرّ والشعوذة والاتصال بعالم الأرواح لمعرفة المستقبل، لكونها من أعمال الشيطان. والأفضل إستبدالها بعبادة الله الحق.
• مراعاة الشريعة اليهودية، للفقراء والمساكين والتشجيع على معاملتهم انسانيا والتأكيد على منحهم الفرصة لتحسين أوضاعهم. ومنع ظلم الغرباء لأن (اليهود) أنفسهم كانوا غرباء في مصر.
• تحريم الشريعة العمل في يوم السبت ولو لطبخ الطعام، لكي يكون السبت مُخصّصا لله فقط، وليبتعد الانسان المؤمن عن المسؤوليّات اليومية التي تشغله عن التفكير بالله.
• تحريم الحيوانات المُجترّة ومنع الطيور الجوارح مع السماح في أكل نوع من السمك الذي له الحراشف والزعانف فقط. ومنع طبخ حيوان بدمه أو طبخ حيوان بلبن أمه. وأما بالنسبة الى الخمر فالشرع اليهودي يسمح بشربه.
الهيكل والكنيست:
كان تابوت العهد الذي يحمله الشعب معه في سيناء رمزا مهمّا لحضور الله بين شعبه، وبعد أن استقر الشعب في أرض كنعان وأسس مملكته، كان لا بد من بيت لله توضع فيه لوحيّ الوصايا، حتى تبقى ذكرى عهد سيناء حيّة في معبد مركزي يجتمع فيه الشعب ويُقدّم عبادته لله. وكان لابدّ من مذبح مركزيّ واحد للمحرقات ولتقديم القرابين.
واشتهر ذلك الهيكل بهيكل سليمان مع ان الملك داود(1015ـ 975 ق. م) هو الذي قرّر بنائه وتحديد موقعه على جبل موريا. ولكنه لم يشرع ببنائه لعدم موافقة الله بذلك. ولأن مهمّة داود كانت توحيد بني اسرائيل وتثبيت دعائم الحكم في اسرائيل وقيادتهم نحو النصر ضد أعدائهم الكثيرين. وهو المعروف عنه رجل القتال والحروب منذ أن مُسح ملكا لأسرائيل: "ومتى استوفيّت أيامك ورقدت مع آبائك، فإنني أقيم بعدك من نسلك الذي يخرج من صُلبك من أثبّت مملكته. هو يبني بيّتا لأسمي، وأنا أثبت عرش مملكته الى الأبد. أنا أكون له أبا وهو يكون لي إبنا" 2 صموئيل 12ـ 14. والملك سليمان(975ـ 935 ق.م) هو الذي شرع ببنائه، إذ كان لا بد من شخص يكون معروفا بالسلام والهداية أن يبني بيتا لله :"وعندما بدأ سليمان في بناء هيكل الرب في الشهر الثاني، شهر ربو"أيار" من السنة الرابعة لتوليه عرش اسرائيل، كان قد انقضى على خروج بني اسرائيل من ديار مصر أربع مئة وثمانون عاما. وكان طول الهيكل الذي شيّده سليمان للرب ستين ذراعا "نحو ثلاثين مترا" وعرضه عشرين ذراعا " نحو عشرة امتار" وارتفاعه ثلاثين ذراعا "نحو خمسة عشر مترا" 1ملوك 6/ 1ـ3".
وكان الهيكل طويلا موجها من الشرق الى الغرب، ويتضمن ثلاث قاعات متداخلة: الدهليز أو المدخل والقاعة الكبيرة للعبادة والصلاة والقسم الأهم (قدس الأقداس)، حيث تابوت العهد(لوحيّ الوصايا). وكان الملك يدخل قدس الأقداس ثلاث مرّات في السنة ليقدّم الذبيحة على مذبح البخور. وكان الكهنة والشعب يُقدّمون الذبائح الحيوانية على مذبح المُحرقات. وكان قد دُمّر هذا الهيكل سنة 587 ق.م، من قبل جيوش نبوخذ نصر البابلي.
والبناء الثاني للهيكل كان في عهد ششبصّر وزربابل والذي بني بمساعدة ملوك الفرس المجوس في سنة 538 ق.م، تعويضا عن مساعدة اليهود في إحتلال بابل. وكان البناء الثاني صغيرا، ولكنه سرعان ما دُنس ودُمّر في عهد الرومان سنة 169 ق.م، على يد الملك أنطيوخس الرابع أبيفانيوس.
وفي عهد الملك هيرودس الكبير، بني الهيكل وللمرة الثالثة وكان بناء عظيما وجميلا جدا حيث وسع من جانبيه الشمالي والجنوبي. ولكنه دُمّر في سنة 70 ميلادية على يد الجيوش الرومانية بقيادة تيطس.
الأعياد اليهودية:
العيد هو يوم أو سلسلة أيام يحتفل بها الناس في حدث ديني وتاريخي هام ويتم بإقامة الاحتفالات الدينية والدنيوية التي تتطلب معظمها الصيام والتوقف عن القيام بمختلف الأعمال.
وتأخذ الأعياد والاحتفالات مكانة مهمّة في اليهودية، لأنها تجسّد التعاليم الدينية لليهود وتاريخهم الملىء بالصراعات والانجازات الروحية والاثنية والنبوية. وهي تذكرهم أيضا بحضور الله بينهم وعبورهم من العبودية الى الخلاص. ويُقال ان الأعياد تقدس اليهود وتاريخهم أكثر مما يُقدس اليهود أعيادهم وإحتفالاتهم.
وفي التقويم اليهودي، تنقسم الأعياد والاحتفالات الى قسمين: قسم الأعياد الكبيرة وقسم الأعياد الصغيرة. فالأعياد الكبيرة هي التي جاءت بها التوراة وهي: روش هوشعنا، يوم كيبور، الفصح (العبور)، شافووت(السبت)، سوكوت(يوم المضال). والأعياد الاخرى هي أعياد صغيرة فيما عدا عيد (هانوكاه) الذي أصبح اليوم عيدا جماهيريا يُحتفل به كأنه عيد كبير ولكنه في الحقيقة عيد صغير لا يُذكر في التوراة.
الأعياد الخمسة الرئيسة:
روش هوشعنا: هو عيد رأس السنة اليهودية والذي يقع في اليوم الأول والثاني من شهر أيلول(السابع) من كل سنة حسب التقويم اليهودي. ويدعى هذا العيد بيوم الدينونة أو يوم الذكرى. ويحتفل فيه اليهود لمدة عشرة أيام، يُمارسون فيه الطقوس الدينية في التوبة وفحص الضمير.
يوم كيبور: وهو( يوم التكفير) في اليهودية. وكان يعدّ من أقدس أيام السنة للتكفير أو التطهيرعن الخطايا المرتكبة من قبل الشعب ضد الله. ويتبع روش هوشعنا بعشرة أيام ويقع في اليوم العاشر من الشهر السابع من التقويم اليهودي. ويُعد من الأعياد الدينية المهمّة جدا في اليهودية، إذ يُحاول اليهودي فيه أن يغفر ويتصالح مع الآخر ويطلب الغفران من الله على كل الخطايا المرتكبه. ويتجنب الأكل والشرب والجنس في هذا العيد. ويُسمى أيضا بيوم الغفران لتجديد ذكرى اليوم الذي نزل فيه موسى من سيناء، ومعه لوحيّ الشريعة حيث أعلن أن الرب غفر لهم خطئيتهم في عبادة العجل الذهبي.
الفصح (العبور من العبودية الى أرض الميعاد): يقع هذا العيد عادة في الخامس عشر من شهر نيسان ويستمر سبعة أيام، ويرمز الى إعادة الحياة الى الطبيعة بعد سُباتها، بالاضافة الى ولادة شعب اسرائيل. وفي هذا العيد يأكل اليهود أعشابا مُرة ترمز الى مرارة العبودية في مصر ويتناولون خبز الفطير. وفي وقت المساء يشرب اليهودي الخمر ويرمز ذلك الى التحرّر من العبودية والدخول الى فرح الحياة الجديدة.
عيد شافووت أو عيد الأسابيع: وفي اليونانية عيد الخمسين أو البنتيقوستي لأنه يقع سبعة أسابيع (خمسين) بعد عيد الفصح. وكان هذا العيد زراعيا يبدأ به الفلاحون بالحصاد الزراعي. وهو أيضا تجديد لذكرى استلام موسى النبي للشريعة من الله على جبل سيناء.
سوكوت(عيد المظال): يحتفل به اليهود في الخامس عشر من شهر تشرين الأول وهو ثالث أعياد اليهود الى جانب الفصح وعيد الأسابيع(شافووت) في نهاية السنة الحصادية وتخزين المحاصيل الزراعية للسنة كلها. ويستمر هذا العيد لمدة اسبوع واحد يقضي فيه اليهود فترة من التأمل في الله والايمان (تثنية 26: 1ـ17).
وجدير بالذكر، أن التقويم اليهودي هو تقويم قمري وهذا ما يؤدي الى إضافة 13 يوما كل فترة واخرى حتى تضبط الأعياد وتقع في مواسمها الصحيحة. وكل من هذه الأعياد يرتبط ارتباطا قويّا بالأرض والزراعة، بالاضافة الى الرموز اللآهوتية التي تكمن فيها.
الإنقسامات والإنشقاقات:
تنقسم اليهودية الى طوائف ومذاهب منذ الأيام الاولى من تأسيسها مثل غيرها من الأديان في العالم، إذ كانت في العهد الأول للمسيحية تنقسم الى جماعة الفريسيين والصادوقيين والى فرقة الغيارى والأسينيين.
وهذه نبذة عن المذاهب اليهودية القديمة:
الفريسيّة: وهي طائفة من المُعلمين للشريعة ومن المُحافظين على القوانين والنواميس الشرعيّة بحسب حرفية التوراة والناموس الموسوي، ولاسيّما في ما يتعلق بيوم السبت والطهارة الطقسيّة ودفع العشور ومُمارسة الشريعة ممارسة ًدقيقة. وسمّاهم خصومهم بالفريسيّين(المنعزلين) وفي الآرامية (بريشى). وأما إسمهم الحقيقي فهو الأحبار(حباريم ـ رفاق)، إذ كانوا هكذا يُسمون أنفسهم. وكان تأثيرهم على المجتمع اليهودي كبيرا بحيث كانوا القوّة الدينية الحقيقية التي تدير الشعب روحيّا، ولم يكن هدفهم سياسيّا بل روحيّاً محضا.
الصادوقية: هي طائفة من اليهود الكهنة التي نشأت قبل الهدم الثاني لهيكل سُليمان بقرنيين(كان التدمير الأخير للهيكل سنة 70 ق.م) وكانت الطائفة الصادوقية تتكون من عوائل ارستقراطية وتجارية، تتعامل مع الرومان بوّد وإحترام من دون المُحاولة الى مُحاربة الرومان المُستعمرين. وكانوا ينتمون إجمالا إلى الكهنة، ولايرتبط إسمهم بكلمة صاديق بل بصادوق الذي جعله سليمان على رأس كهنة أورشليم فأمّنوا خدمة الهيكل منذ ذلك الحين الى وقت الجلاء. ولم يتصادم الصادوقيون مع يسوع مثل الفريسيّين ومن الممكن أن يكون هذا هو السبب في عدم ذكرهم كثيرا في الأناجيل. وكانو من أغنياء اليهود (الطبقة الأرستقراطية)، ويتبنون موقفا مُتحرّراً وعلمانيا تجاه ممارسة الفريسييّن الدينية المُتشددة.
الأسينيّة: هي التي عُرفت حديثا بعد إكتشافات كهوف قمران 1947 ميلادية، في منطقة بحر الميت (أريحا) في الصحراء الاردنية. وهي طائفة دينية يهودية، تجمع النظام الرهباني مع ميول نسكية لأول مرة في التاريخ اليهودي. ويظهر إسمهم في شكلين: أسانوي أو أسايوي أو أسيني، والآخرون يقولون ان إسمهم يعني الساكتين. والرأي الأصح (بحسب المحيط الجامع في الكتاب المقدس) هو الشفّائين من اللفظة السريانية: أسيا(طبيب). وكان الأسينيون يعيشون في مُجمّعات صغيرة ويُفضلون البتولية ويتقاسمون كل شىء مع بعضهم البعض في نظام اشتراكي رهباني وذلك في حوالي سنة 300 ق. م الى 100 ق. م. ولم يكونوا يشتركون في الحروب والتجارة، بل كانوا يعملون من أجل قوتهم البسيط في الزراعة والأعمال اليدوية. وكانوا يستعملون الوضوء ويمنعون الذبائح الحيوانية ويحترمون السبت احتراما شديدا.
الغيارى: كانوا جماعة سياسية قومية يُؤمنون بمجىء المسيح القريب مخلصا يُحارب الرومان بأستعمال القوّة ومن المنتمين الى هذه الجماعة في عهد يسوع المسيح هم: سمعان الغيور ويهوذا الاسخريوطي وباراباس الذي اطلق سراحه بيلاطس البنطي في عيد الفصح مع انه كان مجرما وقاتلا. عرف هذا الحزب بأصوليته وتعصّبه الشديد لليهودية إذ كانوا يمزجون الدين بالسياسة ويؤمنون بالثورة التحريرية ضد الرومان وبأستعمال كل الطرق الإرهابية للوصول الى غايتهم السياسية. وبدأت قوّتهم السياسية تظهر في سنة 44 ميلادية. واشتدّ دورهم في الثورة الشعبية سنة 66 ميلادية والتي أدت الى تدمير هيكل اورشليم سنة 70 ميلادية.
المذاهب:
تنقسم اليهودية الى أربعة مذاهب رئيسة وكل منها تذهب جذورها بعيدة في التاريخ اليهودي ولكل منها نظرتها الخاصة للدين وللايمان ومن هذه المذاهب: المذهب الارثوذكسي والحسيديم والمحافظ واليبرالي. وسوف نشرح كل من هذه المذاهب شرحا مختصرا نبيّن فيه تاريخ نشوءه وعقائده وعلاقته بالمذاهب الاخرى.
الأرثوذكسية
نشأ المذهب الارثوذكسي اليهودي في سنة 1795 ميلادية، مستندا على القوانين المكتوبة والشفهية للشريعة التوراتية. وحجتهم في الاعتماد على القوانين الشفهية بالاضافة الى الشرائع المكتوبة هي أن الشريعة لا تستطيع لوحدها أن تجيب على كل متطلبات الجماعة، ما لم تصاحبها التقاليد الشفهية للآباء.
وتنقسم هذه الجماعة بآرائها وعقائدها بالنسبة الى كثير من التفسيرات والعادات في جسم عقائدي واحد، وما يوحدّهم هو إيمانهم المتطرّف بالنسبة الى كون التوراة والتقاليد الشفهية من مصدر إلهي منزل ولا يتدخل العنصر الانساني في تدوينها.
وتعدّ طاعة الشريعة عند اليهودي الارثوذكسي من الأولويات الضرورية في حياته ويُوجه كل شىء في حياته نحو ذلك الاتجاه. ويُحاول بعض الارثوذكس الإبتعاد عن غير اليهود والإمتناع عن التعامل معهم في الحياة اليومية والسياسية والاقتصادية، ولكن بعضهم لا يُمانع من المخالطة مع غير اليهود اليوم. ويُقدر عدد أتباع الارثوذكس 10% من عدد اليهود في العالم.
العقائد والممارسات
تمارس الجماعة الارثوذكسية، التقاليد اليهودية القديمة وتحاول التركيز على الجذور القديمة للشريعة حيث تلتزم بحرفية الشريعة والتقاليد. إذ تحاول أن تحافظ على السبت وشرائعها من دون تغيير وبالطريقة نفسها كما حدّدتها التوراة قبل قرون من الزمان ومن دون تغيير كبير. وكذلك بالنسبة الى الشرائع القانونية والأخلاقية والأدبية، بالاضافة الى شرائع الأعياد والإحتفالات الدينية.
وللأرثوذكس ايضا قوانين صارمة في المحافظة على الأكل والشرب وعلى نوعية الأواني المُستعملة. فهم لا يأكلون اللحم مثلا مع المنتوجات الحيوانية الاخرى مثل اللبن والجبن، ويستخدمون أوعية وآنيات مختلفة تماما في حفضها في المخزن. ولا يزال الارثوذكس يتشددون في مخالطة الآخرين في التجمعات الاجتماعية والمناسبات والحفلات والدعوات خارج بيوتهم. فهم يمتنعون المشاركة فيها فيما عدا المطاعم التي تلتزم بالطريقة الارثوذكسية نفسها والتي يُسمونها كوشر(الحلال).
ولا يمتنع الارثوذكس من زيارة الأطباء في حالة المرض أو في حالة استعمال الأدوية الطبية، لأنهم يحسبون الأطباء وسائل يعمل الله من خلالهم لخير البشر ولعلاجهم من الأمراض المختلفة. وأما بخصوص الموت والدفن والطقوس اللازمة لذلك فهم يتبعون الطرق الشرعية كغيرهم من الطوائف اليهودية ولكنهم يمنعون ويحرّمون حرق الجثث. ويمنعون كذلك تشريح الجثث ويعدّونها طريقة تقلل من إحترام الشخص الميّت إلا في الضرورة القصوّى وبعد إستشارة راباي(الكاهن). ويبلغ عدد اليهود المحافظين 33% من عدد اليهود في العالم ويتمركزون في الولايات المتحدة واوروبا وروسيا واسرائيل.
بعض العقائد الاخرى التي يتبعونها الارثوذكس اليهود:
استعمال اللغة العبرية، لغة طقسيّة في الكنيسّات وتجمّعات الصلاة ولا يُسمح بأستخدام أية لغة أخرى.
السماح بالاجهاض فقط إذا كان استمرارية الحمل يُسبب خطورة جسدية أو نفسية للمرأة.
عدم السماح بأستعمال الحماية الصحيّة المتوفرة اليوم في الجنس مثل الكوندوم Condoms لمنع القناة الدافقة، وأنواع طبيّة أخرى لغرض منع الحمل.
عدم السماح بأختلاط الرجال والنساء في الجوامع والكنيسات.
عدم السماح بالزواج المثليHomisexuality مهما كانت الظروف أستنادا الى الآية التوراتية من سفر:"وإذا ضاجع رجل بآخر مُضاجعة إمرأة، فكلاهما يُقتلان لأنهما ارتكبا رجسا. ويكون دمهما على رأسيهما" اللاويين 20/13.
الحسديم:
نشأ هذا المذهب في بولندا سنة 1760 ميلادية، وهو من المذاهب المتشدّدة والمتطرّفة جدا في اليهودية. إذ يُغالي أتباعه في التمسّك بالشريعة التوراتية والتلمودية، ويلتزمون بنوع خاص من الملابس تتميز عن الآخرين بلونها الأسود وبالقبعات الكبيرة. وقد أسس هذا المذهب من قبل اليهودي المتطرّف (اليايزر بن شيم توف Eliezer Ba al Shem Tov) والذي أكد على مُراجعة الشريعة والتلمود مراجعة جديدة والتأكيد في الرجوع الى الجذور الأولية للشريعة الموسوية. وكان أتباعه يُسمونه بالصديق أو البار، إذ كانوا يؤكدون على قداسته واتصاله مع الله اتصالا مباشرا. وأنتشرت هذه الفرقة وتعاليمها بعد موت مؤسسها، في اوروبا كلها حتى الحرب العالمية الثانية، وانتشرت بعد ذلك في الشتات ولا سيّما بعد الإبادات الجماعية Holocaust من قبل النازيين في ألمانيا عندما قتل عدد كبير جدا من اليهود الحسيديم في ألمانيا وبولونيا والدول الاخرى. وغادر بعضهم الى الولايات المتحدة وأسسوا تجمعّات خاصة بهم في نيو يوركNew York ، حيث يجتمع اليوم أكثر من 000 ,100 تابع حسيديمي في ضاحية بروكلن Brooklyn .
وينتشر أتباع هذه الجماعة في كل مكان من بروكلن وهي الضاحية الغنيّة من ضواحي نيو يورك. وليس من الصعب تمييزهم عن الآخرين بسبب زيّهم الخاص جدا، فهم يلبسون اللون الأسود مع القبعات العريضة، تاركين لحاهم من دون قصّ ولا تقليم. ويستعملون زيّا مختلفا للصلاة تطبيقا لشريعة التوراة التي تحكم على الرجال بفصل النصف الأعلى من النصف الأسفل من الجسم في أثناء الصلاة.
ومن الأشياء الأخرى التي تميز أعضاء هذه الفرقة عن اليهود الآخرين هو تعليق التيفيلين على جباههم أو على أيديهم وهي رقعة جلدية يكتبون عليها الوصايا العشر ويضعونها بين عيونهم كما توصي بذلك التوراة. وبالنسبة الشعر واللحية فهم يتبعون الشريعة بحرفيّتها، إذ يؤكدون على عدم استعمال آلة الحلاقة في قصّ اللحية وتقليمها أو شعر الرأس إلى اليوم الأخير من حياتهم.
وجدير بالذكر، أن الحسديم كانت الطائفة اليهودية الاولى والوحيدة التي استعملت الموسيقى والرقص الخاص في طقوسها الدينية من خلال الترانيم والمزامير للتقرّب الى الله والوحدة معه، مما جعلها تنمو وبسرعة بين اليهود وغير اليهود.
اليهود المُحافظين:
هم من اليهود المحافضين على شريعة التوراة التقليدية ونصوصها المقدسة مع الإنفتاح على الثقافات والحضارات الاخرى والتعامل مع الدراسات الحديثة ومحاولة مقارنتها مع الثقافة اليهودية مع الاحترام للدراسات النقدية العلمية للدين. ويُمكننا إعتبار لاهوتهم الديني في الوسط بين الارثوذكس والليبراليين. ففي 1985 ميلادية مثلا، قرّرت منظمة مجلس الكهنة اليهود في أمريكا واوروبا واسرائيل التي أسست في سنة 1900 ميلادية، أن تقبل برسامة النساء واعطائهن الدرجة الكهنوتية.
ويشترك اليهود المحافظين في القضايا السياسية والوطنية الاسرائيلية ويُشجعون دراسة اللغة العبرية ويؤيدون بتطرّف الحركة الصهيونية في العالم ويُساعدون ماديا ومعنويا دولة اسرائيل وطنا شرعيا لجميع اليهود في العالم. وهم يتأقلمون مع جميع الطوائف اليهودية سواء كانت ليبرالية أم أرثوذكسية ولا يجدون صعوبة في التعامل معهم طالما كان ذلك في مصلحة اليهودية وإسرائيل.
وأما بالنسبة الى انخراطهم في الحياة العامة وتقبلهم للحداثة والتطوّر فهم حذرون جدا من تقبل وإكتساب كل أنواعها لئلا يُعتقد من قبل الآخرين، أنهم يسلكون طريق الليبراليين والمُجدّدين. ففي سبيل المثال، سُمح بإستعمال الكهرباء في يوم السبت بعد نقاش طويل من قبل قادتهم ولسنين عديدة. وسُمحوا باستعمال السيارة للذهاب الى المعابد والكنيسات في سنة 1960، رسميّا وفي فتوى خاصة لهذا الغرض. وكانت الفتوى خطوة مهمّة للأمام نحو التقدم والعصرنة بالنسبة الى المحافظين. إلا أن البعض من المحافظين يقلقون من الانفتاح الكبير نحو العصرنة والتقدم خوفا من فقدان الاتجاه الديني وروحية الشرع الموسوي.
بعض العقائد الدينية:
الشريعة ليست ثابتة، وهي قابلة للتطوّر بحسب الظروف والأماكن الجغرافية.
التوراة هي وثائق إلهية، كتبت من قبل الأنبياء المُلهمين من الله. ويرفضون رأي الارثوذكس القائل، بأن الله أملاها على النبي موسى حرفيّا. ويُقدسون التقاليد الشفهية التي توارثوها من الآباء بنفس الطريقة.
تفسير التوراة والشريعة والتقاليد الشفهية من قبل الكهنة بطريقة تلائم العقلية الحديثة مع الحذر الشديد لئلا يفقد ويُمس الجوهر.
الحركة الاصلاحية:
وهي حركة تجديدية مُستنيرة ظهرت في القرن التاسع عشر، غايتها التأكيد على الجانب الانساني للديانة اليهودية والتخلي عن الكثير من القوانين التشريعية والتقليدية الموروثة لغرض تقديم اليهودية كديانة عصرية تعيش في الحاضر والمستقبل كما عاشت في الماضي البعيد.
وكانت بدايات هذه الحركة في القرن الثامن عشر في اوروبا الغربية وفي المانيا بالتحديد عندما دعت مؤسسة مندلسون (1729-1786) التخلي عن كثير من الطقوس الدينية القديمة والتركيز على روحية الشريعة التي يحتاجها المؤمن في حياته اليومية أكثر من التركيز على حرفيتها الجامدة التي تبعده عن الايمان. ونشأت تيارات أخرى في اوروبا الشرقية وفي الولايات المتحدة الامريكية حملت نفس المبادىء ولاسيّما بعد أن هاجر عدد كبير من يهود المانيا واوروبا الى امريكا، ويتجاوز عددهم في أمريكا وحدها 2 مليون تابع. ولهم معابد ومعاهد خاصة بهم وينظمون مؤتمرات ومجالس لكهنتهم وجماعاتهم. وينتشرون في انجلترا وفرنسا وروسيا. ويُشكلون أكثر من ربع عدد يهود العالم. وهي حركة قابلة للنمو بين الجماعات اليهودية في العالم لكونها صيغة معاصرة وسهلة القبول بالنسبة الى عقلية الناس في هذا العصر. ومن الأسباب الرئيسة لنشأة هذه الحركة، الثورة التنويرية الثقافية والعلمية في اوروبا ومحاولة اخراج المجتمع اليهودي من عزلته وتناقضاته وكذلك للتخلص من حالة الجمود والتشدّد الديني الذي كان واقعا فيه.
ومن عقائدها:
اعتبار اليهودية مجرّد دين والابتعاد عن الطروحات الأثنية والقومية التي كان البعض يُنادي بها في اوروبا وأمريكا من السياسيين والقوميين.
خلق روح المساواة بين اليهود وغيرهم بالملبس والمأكل والمشرب والثقافة اللغوية وذلك للقضاء على الحالة التقوقعية العنصرية التي يُمارسها اليهود الارثوذكس وجماعات الحسيديم المتطرّفة.
المشاركة الوطنية الفعالة لليهود في البلدان التي يعيشون فيها من دون التهرّب من الخدمات الاجتماعية والمدنية والعسكرية في بلدانهم بحجة القيود الدينية. مع خلق التآلف بين العقل والدين وإعطاء العقل الدور المناسب في تفسير الشريعة وشرحها. والتأكيد على الحرية الفردية في تفسير الشريعة بالطريقة التي تناسب حياتهم اليومية.
الموافقة على الزواج المختلط مع أتباع الديانات الاخرى وتعديل طريقة الختان وعادات الحداد على الموتى بحيث لا تتناقض مع متطلبات العصر.
ادخال الآلات الموسيقية مثل الأرغن والبيانو في الصلاة والسماح باختلاط الجنسين من المصلين في الهيكل وأجازة الزواج بغير اليهودي وتشجيع الجنسين بالصلوات المشتركة والجلوس المشترك في الكنيسات وقاعات الصلاة مع منع تغطية الرأس بالنسبة الى النساء وتعديل الطقوس الدينية واختصارها بقدر المستطاع. والاعتراف بالزواج المثلي للشواذ جنسيّا.
التأكيد على الجانب الأخلاقي من الشريعة أكثر من الجانب الليتورجي أو الطقسي لأن الأخلاق هي المبدأ التي قامت عليها الرسالة اليهودية وليس القرابين والذبائح والطقوس والسبوت التي لا يحتاجها الله بقدر ما يحتاج الى نشر العدالة في العالم.
السماح برسم الاناث كاهنات أو حاخامات وإعطاء المرأة دورا مساويا للرجل في كل الجوانب الدينية.
إلغاء الصوم من الحياة الروحية من التقويم اليهودي نهائيا لأن الصوم كان مرحلة يحتاجها المؤمن في القديم أما اليوم فرسالة المؤمن هي العمل والخدمة في الجماعة.
نفي وجود الملائكة وفكرة البعث والجنة والنار، والتأكيد على فكرة الخلود للروح فقط.
تبديل السبت بيوم الأحد تضامنا مع الأغلبية المسيحية مع السماح باستخدام السيارات للوصول الى المعابد لكون اليهودية لا تجيز السياقة في يوم الرب والسماح كذلك بإستعمال الأدوات الكهربائية التي كان ممنوعا استعمالها في يوم الرب.
رفض وعد بلفور الصهيوني بالخلاص الأواخري لأسرائيل وعدم تشجيع الناس بالهجرة الى فلسطين مع القبول بالأمر الواقع. وصرف النظر عن إعادة بناء الهيكل في اورشليم. مع حذف جميع الاشارات الى خصوصية الشعب اليهودي بكونه شعب الله المُختار.
وتراجعت الحركة الاصلاحية عن الكثير من القرارات التي أعلنتها في بداية نشوئها بسبب التطرّف الديني السائد اليوم في كل الأديان وبسبب محاربة الصهيونية العالمية لهذه الجماعة واعتبارها خروجا عن الدين وخيانة لعهد الله مع شعبه.
الرموز اليهودية:
تتميز اليهودية بوجود عدد كبير من الرموز التي تعبر الديانة من خلالها عن التعاليم والعقائد المختلفة. ومن أهمها(نجمة داود)، التي هي رمز يتكون من مثلثين متشابهين، يشكلان ست رؤوس أو ستة نجوم. وتظهر هذه النجمة في المجامع والمحافل والمقابر اليهودية ولاسيّما على العَلم الاسرائيلي. واستعملت هذه النجمة قديما من قبل اليهود وغير اليهود مع النجمة بخمسة رؤوس، التي كانت رمزاً جماليا في المناسبات الدينية والتاريخية. وكان ظهور النجمة الرمز في القرون الوسطى بين اليهود في أوروبا، ولم يكن تدل دلالة دينية في حينها، حيث وجدت على جدران بعض الكاتدرائيات القديمة في القرون الوسطى في أوروبا. وكان المغزى من إستخدامها لدى اليهود هو حماية اسرائيل من أعدائها كما كان يحمي داود في اسرائيل في حروبه مع الأعداء.
ولكن في القرن 17 الميلادي، وضع هذا الرمز ولأول مرة خارج الهياكل والمحافل اليهودية. وفي 1877 ميلادية، اشتهر هذا الرمز لكي يُمثل شعب إسرائيل في المؤتمر الصهيوني العالمي وأصبح منذ ذلك الوقت يمثل وجود إسرائيل ومستقبلها.
وكانت الطائفة اليهودية في(براغ) عاصمة (التشيك) هي الطائفة الأولى في العالم التي استعملت هذه النجمة وبهذه المعاني رسميّاً منذ القرن السابع عشر. ولكنها استعملت عالميا رمزا يهوديا وسياسيا، يُعبّر عن وجود اليهودية العالمية سياسيا في القرن التاسع عشر بديلا عن الصليب في الدول المسيحية (الموسوعة البريطانية 1994). مع أن استعمال الرمز لا أساس له في التوراة أو التلمود.
وترمز النجمة كذلك الى الميزان العادل بين الذكور والأناث. فالمثلث الأعلى يرمز الى الذكور والأسفل الى الاناث وترمز كذلك الى الخير والشر والتضاددات كلها، إذ أن للنجمة عند اليهودي تأثير شعوري حسّاس. ففي الحرب العالمية الثانية، كانت الدولة الألمانية النازية، تجبر اليهود لكي يضعوا هذا الرمز على ملابسهم، رمزا للهوية وللتميبز بينهم وبين الآخرين. وكان هذا التصرّف النازي السلبي ضد اليهود فرصة لإبراز الهوية اليهودية بفخر وإعتزاز. ويفتخر اليهود اليوم بهذه العلامة كما يفتخر المسيحي بالصليب، حيث توضع على الأعلام الاسرائيلية، وترفرف على المستشفيات والسيّارات المخصّصة للصحة، على غرار الصليب الأحمر والهلال الأحمر.
وهناك رموز يهودية اخرى مثل اليد، التي ترمز الى الحظ السعيد بحسب إعتقاد اليهود، إذ أن كثيراً من النساء اليهوديات وغير اليهوديات في بعض الأحيان، يلبسّن هذا الرمز للزينة. وترمز أيضا الى يد الله الممدودة للمساعدة وطلب الرحمة الآلهية ضد الأرواح الشريرة. وتنتشر في الثقافات العربية باسم يد(فاطمة)، وتُرسم عادة على أبواب البيوت الاسلامية مع العين التي تُبعد الحسد والشر عن عوائلهم.
والرمز الثالث والمهم عند اليهود هي المازوزا التي يضعها اليهود على أبواب بيوتهم للتبريك بها. وهي ليست رمزا للحظ السعيد كما يتوقعها البعض ويُفسّرها، ولا هي رمزا للتجديد لما حدث في مصر من وضع دم الحمل على أبواب المصريّين حينما قرّر اليهود ترك مصر والهروب الى الأرض الموعودة بقيادة النبي موسى. إلا أنها رمز على حضور الله في البيوت اليهودية. ويريد اليهودي من ذلك أن يُطبق القانون التوراتي في سفر التثنية:"اسمعوا يا بني إسرائيل، الرب إلهنا رب واحد، فأحبوا الرب إلهكم من كل قلوبكم ونفوسكم وقوتكم. وضعوا هذه الكلمات التي أوصيكم بها على قلوبكم. وقصّوها على أولادكم وتحدثوا بها حين تجلسون في بيوتكم. وحين تسيرون في الطريق. وحين تنامون وحين تنهضون. اربطوها علامة على أيديكم وأجعلوها عصائب على جباهكم. اكتبوها على قوائم بيوتكم وبوابات مُدنكم" التثنية 6/4ـ 9. وكل مرة يدخل اليهودي الى بيته يلمس المازوزا المُعلقة على الباب بإصبعه ويُقبّل الإصبع التي لامستها ومن ثمّ يدخل الى البيت وذلك تعبيرا على حُبّ الله وإحترامه.
والرمز الرابع هو (التيفيلين) وهو نوع من الرموز التي تدل على حُبّ اليهودي لوصايا الله، إذ يكتب اليهودي الوصايا العشر على قطعة من جلد ويربطها على يده أو على جبينه وبالتحديد بين عينيه، للتبارك بها ولتذكيره بالله دائما. والله يأمر اليهودي التقي في التوراة، أن يجعل كلام الله عصائب بين عينيه ووشما على يديه حيث يقول:".. ولتكن هذه الكلمات التي آمركم بها اليوم في قلوبكم وإجعلوها وشما على أيديكم وعصائب بين عيونكم" سفر التثنية 6: 4 ـ 8.
وأما المنارة فهي رمز ديني وروحاني في بيت كل يهودي، إذ يقول الكتاب المقدس في سفر الخروج" واخرط منارة من ذهب خالص فتكون قاعدتها وساقها وكاساتها وأزهارها كلها مخروطة معا من قطعة واحدة. ثم اصنع سبعة سُرج للمنارة واجعلها عليها بحيث تُضيء أمامها" الخروج 25/ 31ـ40. وعليه تكون المنارة رمزا من أقدم الرموز اليهودية، التي تتكون من تسعة رؤوس وتستعمل في الكنيسات والهياكل. والكوهانيم (المسؤول عن خدمة الكنيس) يُشعل المنارة في يوم السبت مساءً ويُنظفها صباحاً مستبدلا الفتيل والزيت القديم بالجديد. ويُقال إنها رمز لشعب اسرائيل ولرسالته، التي هي نور لشعوب الأرض(بحسب الاعتقاد اليهودي): "أنا هوالرب قد دعوتك بالبر، أمسكت بيدك وحافظتُ عليك وجعلتك عهدا للشعب ونورا للأمم" اشعيا 42/ 6. وعلى اسرائيل بحسب تعاليم المنارة ومغزاها أن تُحقق هدفها بإعطاء المثل الصالح، ليس بالقوة والارهاب، وهذا ما نجده في سفر زكريا:"فقال له الملاك هذه رسالة الى زربابل، لا بالقدرة ولا بالقوة، ولكن بروحي تُفلحون يقول الرب القدير" زكريا 4/5 .



#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزرادشتية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
- الزواج: واحد + واحد = واحد
- الهندوسية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية
- الأمل نزعة فطرية تعلم التشبث بالحياة
- سعادتي في الايمان
- الثقافة الصحية ركن من اركان المجتمع المتمدن
- لا نظام من دون منظم ولا حركة من دون محرك
- هل وجد الكون بالصدفة، أم هو أزلي، أم هو مخلوق؟
- الكون في نظر العلم والاساطير الدينية
- العمل قانون الحياة
- لماذا نحتاج الى الصداقة والاصدقاء؟
- مفهوم الزمن وقيمته في العلم والحياة اليومية
- بدأ الكون من نقطة كان الزمن فيها صفرا
- التفاؤل: مفتاح النجاح في الحياة العملية
- الحضارة المعاصرة: وليدة الحضارات القديمة مجتمعة
- الحداثة: الضامن الرئيسي لتحرير العقل
- اللغة: اهم ركيزة لتحصين الثقافة والهوية
- معرفة الذات: الطريق الامثل لمعرفة الآخرين
- الحضارة المعاصرة بنت الحضارات القديمة مجتمعة
- الثقة بالنفس: الاساس المتين للنجاح في الحياة


المزيد.....




- لم يسعفها صراخها وبكاؤها.. شاهد لحظة اختطاف رجل لفتاة من أما ...
- الملك عبدالله الثاني يمنح أمير الكويت قلادة الحسين بن علي أر ...
- مصر: خلاف تجاري يتسبب في نقص لبن الأطفال.. ومسؤولان يكشفان ل ...
- مأساة تهز إيطاليا.. رضيع عمره سنة يلقى حتفه على يد كلبين بين ...
- تعويضات بالملايين لرياضيات ضحايا اعتداء جنسي بأمريكا
- البيت الأبيض: تطورات الأوضاع الميدانية ليست لصالح أوكرانيا
- مدفيديف: مواجهة العدوان الخارجي أولوية لروسيا
- أولى من نوعها.. مدمن يشكو تاجر مخدرات أمام الشرطة الكويتية
- أوكرانيا: مساعدة واشنطن وتأهب موسكو
- مجلس الشيوخ الأمريكي يوافق على حزمة من مشاريع القوانين لتقدي ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبري المقدسي - اليهودية: المنشأ والجذور والعقائد الروحية