أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبري المقدسي - الأمل نزعة فطرية تعلم التشبث بالحياة















المزيد.....

الأمل نزعة فطرية تعلم التشبث بالحياة


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4080 - 2013 / 5 / 2 - 12:04
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


سعى الانسان في البحث عن الطرق الملائمة لراحته وإطمئنانه طول حياته. لذلك كان عليه أن يجتهد في طلب حقوقه بجرأة وشجاعة. فمن لا يحاول ويجتهد يعتبر غير ملتزم ويخسر هذه النعمة. إذ على الانسان أن يحاول الوصول الى أهدافه بكل الطرق المسموحة، وأن يتجاوز الظروف الغير الملائمة، بالرغم من كل الصعوبات والتحديات التي يواجهها في حياته.
ويلعب الامل دورا كبيرا في تحقيق غايات الانسان للحفاظ على بقاءه حيّا وطموحا وفعالا. إذ كما أن الغذاء ضروري لعيش الانسان المادي وبقاءه حيّا، كذلك الرغبات والأماني والأحلام، فهي ضرورية ايضا لنجاحه ولتحقيق مستقبله.
ولكي يحقق الانسان كل ذلك كان يجب عليه التركيز على منحى واحد من مناحي الحياة، وذلك بتحويل الأحلام والأماني والآمال لديه الى واقع يومي معاش. إذ أن الشخص الذي لا هدف له في الحياة يشبه كسفينة بلا دفة أو كسائق من دون اتجاه أو كجسم من دون مناعة. فلا بد إذا من تحديد ما يريده الانسان، لأن القرارات التي نصنعها تتحكم في مصيرنا ومستقبلنا أكثر من الظروف التي نصنعها من خلال تصرفاتنا وأعمالنا. ولكن لا بد من الاعتراف على أن المتعة الحقيقية تكمن في تحديد الهدف، والعمل على تحقيقه والوصول اليه. إذ لابد من دافع قوي للإقدام على العمل وإتمامه. والوسيلة المشجعة لهذا الدافع هي التسلح بالأمل والرجاء.
ففي حقيقة الامر هناك رابط قوي لا ينفصم بين النجاح والايمان، وبين الأمل والعزيمة. فلكي ننجح ونكون سعداء في حياتنا يجب علينا أن نختار لأنفسنا قضية، ونعمل على تحقيقها بروح عالية وإرادة قوية. ويؤكد الكثير من المختصين والمفكرين المؤمنين بصعوبة حصولنا على السعادة الحقيقية، إذا عشنا حياة تقتصر فقط على ممارسة الامور الطبيعية، كالأكل والشرب واللعب والنوم. فإذا أردنا العيش في حياة ذات معنى ومغزى فلا بد إذا من وجود الهدف. ولا بد أيضا من أن نضع أمامنا مجموعة من الاهداف الصغيرة التي تقربنا من الهدف الاكبر. ولكن الاهداف يجب أن لا تكون بعيدة المنال وغير واقعية بل يجب أن تتناسب مع الطاقات والقابليات والقدرات الشخصية، لأن معرفة القدرات الشخصية وتناسبها مع الاهداف المُحدّدة تعطي القوة الكافية للأشخاص أثناء تحقيقها.
ولذلك فالانسان الذي يرسم لنفسه الاهداف في الحياة، يرجو ويأمل دائما يكون عادة أكثر قوة وصلابة من الشخص الذي يتنازل بسهولة ولا يأمل بتحسن الامور. وخير مثال على ذلك (هنري فورد) صانع السيارات الامريكية المعروفة(فورد Ford) والذي لم يفقد أمله في صنع موتور السيارات الكبيرة (6 و 8 بستن Cylinder ) بعد محاولات فاشلة عديدة، تعد بالمئات. والعالم (توماس أديسون) الذي فشل أيضا مئات المرات الى أن نجح في إختراعه للمصباح الكهربائي. فالامل إذن شرط لا بد منه في الحياة. إذ يساعد على التقدم نحو المستقبل المشرق الملىء قوّة وشجاعة.
وأما اليأس فهو عدود لدود للإنسان، إذ يقوده الى التشاؤم والفشل والإحباط. ويوقع المرء في شباك التخلف والتأخر والنحيب المستمر على الماضي السحيق. كما يحدث في معظم شعوب الشرق أوسطية التي تتكلم عن الماضي أكثر مما تتكلم عن الحاضر والمستقبل. فلا غرابة من إنطوائها وتقوقعها وبقائها في زوايا التاريخ. والغريب في الأمر أنها لا تعي مصيرها ومستقبلها الكئيب والمزري، بل تضل ترى نفسها من خلال تاريخها فقط، ولا تقرأ ما يحدث في العالم من تغييرات وتطورات. وكأن ماضيها منزل من السماء، فإذا مسّه المرء، تزلزلت الارض، وسقطت السماء، وتناثرت النجوم، وأظلمت الشمس، وانتهت الحياة.
فالشىء الضروري الذي لا بد منه هو التسلح بالثقة العالية والامل بالمستقبل الباهر الذي بوسع الانسان احرازه وتحقيق أمنياته وتمنياته. لأن الأمل نزعة فطرية تعلم التشبث بالحياة، رغم معرفة الانسان بأنه ماض الى الموت لا محالة. فلابد إذن من وجود الامل والرجاء للإقدام على أية مهمة ناجحة سواء للفرد أو للعائلة أو للمجتمع بأكمله. إذ كما أن الفرد الذي يعيش من دون امل يعتبر من الخاسرين والفاشلين، كذلك المجتمع الذي يعيش من دون أمل ولا رجاء فلا مستقبل له، بل يبقى في الواقع متخلفا عن الركب الحضاري.
مع أن الامل والرجاء يتشابهان في مفاهيمهما واهميتهما، إلا أنهما يختلفان في بعض الجوانب. فقد يخطأ الانسان في أمله، ويفشل. ولكن الرجاء لا يُخيب ظن المؤمنين، لأن الفضيلة تقود المرء للسعادة، وتساهم في توسيع آفاقه نحو المستقبل المشرق.
وقد يسيطر الحزن والأسى على قلوب البعض بسبب فقدان عزيز أو حدوث حادث مؤسف، فتزيح السعادة والتفاؤل بعيدا عن حياتهم. ويحدث هذا عادة في حالة الموت الغير المتوقع. وتلعب الصلاة هنا دورها المهم والضروري، إذ تمنح التعزية في الاوقات الصعبة لأن "الرب قريب من منكسري القلوب ويخلص المنسحقي الروح" مزمور داود النبي 34/ 18 . والله قدير في معالجة الفراغ الذي يتركه هذا النوع من الميتة الحزينة على القلب، ويتفهم الالم ولديه الدواء الشافي، وما علينا إلا ان نطرق بابه، وهو حاضر ليفتح لنا ذراعيه "إذا سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شرا لأنك معي عصاك وعكازك هما يُعزيانني" مزمور 23 / 4.
ولكن تبدو الحياة قاسية في بعض الاحيان، إذ قد يغلب الضباب على مسيرة البعض من الذين يفشلون، فيصيبهم الفشل ويلقون اللعنة تلو اللعنة، وينسون بأن الصراخ في وجه الحياة لا يجدي نفعا ولا يفيد. وتكون النتيجة المتوقعة، هجوم اليأس وتحكمه على الحياة ولاسيما إذا سلكنا دروبا تبعدنا عن الله وحكمته وإرشاده، وإعتمدنا فقط على مشاعرنا وأحاسيسنا.
تنتشر حالات اليأس في العالم إنتشارا كبيرا في عصرنا الراهن بسبب التعقيدات الكبيرة في الحياة. وتدعو النسب الحديثة الى الاندهاش الكبير. ولعل الأسباب التي تؤدي الى كل ذلك تكمن في فقدان الايمان، وعدم وجود الأمل والرجاء وعدم وجود القدرة في مجابهة الواقع المشحون بالصعوبات المادية بعيون إيمانية. إذ لا يزال الانتحار يحصد عدد كبير من البشر كل سنة، وخاصة في المجتمعات المتمدنة والبلدان الضعيفة في الايمان بالله كما في السويد واليابان. وتختلف الآراء حول الانتحار، إذ يعكس عند البعض شجاعة الشخص المنتحر، وأما عند البعض الآخر، يمثل الجبن بعينه أو يدل على الإنعكاس لفشل الانسان، وعدم الحاجة الى إستمرار حياته.
ففي الواقع يفقد البعض الطعم الحقيقي للحياة، ويشعر بأن الحياة لا معنى لها طالما هناك تعب وشقاء وألم ومرض وموت. وهناك تيارات فكرية تشاؤمية تدعو وتشجع هذا النوع من التفكير الغريب والشاذ كالفكر الوجودي السارتري(جان بول سارتر) الذي يتركز مفهومه على ان الأشياء كلها باطلة، ولا معنى لها. فلا داع للعمل والتعب والتضحية. والعجيب في الامر انه لا يعطي هذا النوع من الفلاسفة قيمة تذكر للحياة. فكل شىء عندهم باطل ولا يرون قيمة للفرد البشري، ولا معنى للوجود. فالوجود برأيهم زائل وسيتلاشى كل شىء يوما ما. كما يقول سارتر: "ما معنى العمل وما معنى الجدية في الحياة، اليس كل شىء الى الزوال. وما معنى البناء الحضاري والتقدم البشري ان كان مصير الانسانية الى الزوال". فلا معنى في مفهومه للعمل والتعب والجدية في الحياة. والافضل أن يتسكع الانسان في الشوارع، ليتذوق طعم الحرية المطلقة وليعيش من دون مسؤولية تذكر.
ولذلك يتمجد في هذه الحالة الايمان ويلعب الأمل دوره العظيم في ادخال السعادة في حياة اشخاص مثل هؤلاء لطرد الروح السلبية والتشاؤمية المهلكة والمدمرة. لأن الأمل هو الضوء الذي يراه المرء عندما يستغرق الجميع في الظلام. والابتسامة التي ترتسم على وجهك عندما تتساقط دموعك. والنافذة التي من خلالها يدخل نور التفاؤل في الحياة ليضئ الدروب المعتمة التي قد تخلفها نوائب الدهر القاسية.
صبري المقدسي



#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سعادتي في الايمان
- الثقافة الصحية ركن من اركان المجتمع المتمدن
- لا نظام من دون منظم ولا حركة من دون محرك
- هل وجد الكون بالصدفة، أم هو أزلي، أم هو مخلوق؟
- الكون في نظر العلم والاساطير الدينية
- العمل قانون الحياة
- لماذا نحتاج الى الصداقة والاصدقاء؟
- مفهوم الزمن وقيمته في العلم والحياة اليومية
- بدأ الكون من نقطة كان الزمن فيها صفرا
- التفاؤل: مفتاح النجاح في الحياة العملية
- الحضارة المعاصرة: وليدة الحضارات القديمة مجتمعة
- الحداثة: الضامن الرئيسي لتحرير العقل
- اللغة: اهم ركيزة لتحصين الثقافة والهوية
- معرفة الذات: الطريق الامثل لمعرفة الآخرين
- الحضارة المعاصرة بنت الحضارات القديمة مجتمعة
- الثقة بالنفس: الاساس المتين للنجاح في الحياة
- علم الفلك: أم العلوم واصل كل العلوم
- البحث عن السعادة
- الحرية اقدس وأغلى عطية للإنسان
- دور التربية في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته


المزيد.....




- وزيرة تجارة أمريكا لـCNN: نحن -أفضل شريك- لإفريقيا عن روسيا ...
- مخاوف من قتال دموي.. الفاشر في قلب الحرب السودانية
- استئناف محاكمة ترمب وسط جدل حول الحصانة الجزائية
- عقوبات أميركية وبريطانية جديدة على إيران
- بوتين يعتزم زيارة الصين الشهر المقبل
- الحوثي يعلن مهاجمة سفينة إسرائيلية وقصف أهداف في إيلات
- ترمب يقارن الاحتجاجات المؤيدة لغزة بالجامعات بمسيرة لليمين ا ...
- -بايت دانس- تفضل إغلاق -تيك توك- في أميركا إذا فشلت الخيارات ...
- الحوثيون يهاجمون سفينة بخليج عدن وأهدافا في إيلات
- سحب القوات الأميركية من تشاد والنيجر.. خشية من تمدد روسي صين ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - صبري المقدسي - الأمل نزعة فطرية تعلم التشبث بالحياة