أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صبري المقدسي - البحث عن السعادة















المزيد.....

البحث عن السعادة


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4063 - 2013 / 4 / 15 - 18:38
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    



ليس هناك شخص في الوجود إلا وينشد السعادة. ولا ينجح معظم الناس في الوصول الى هذا الهدف، إذ منهم من يصل اليه، ويكون من المحظوظين. ومنهم من يكد ويتعب، ولكن من دون جدوى، ولا يحصل إلا على اللذة أو المسرّة الوقتية التي تزول بمجرّد إختفاء الباعث الرئيسي لها بعد فترة وجيزة. كالحصول على حَمّام نظيف بعد يوم شاق ومُتعب، أو الانتهاء من وجبة غذاء لذيذة أو شراء سيارة جديدة أو بيت جديد أو القيام في نزهة أو سفرة جماعية.
لما كانت الحياة رحلة يعيشها الانسان بحلوها ومرها، فكذلك السعادة التي يدوم العمل على تحقيقها دوام الحياة. ولكن السعادة الحقيقية تسمو على السرور والمادة والطعام والشراب والجنس والثروة واللهو والإثارة واللذة والشهرة والمنصب والسلطة والنجاح. وتختلف معناها بإختلاف الناس وحاجاتهم. وليس لها عمر معيّن ولا وقت مُحدّد. ولا يُمكن القول بأننا سعداء اليوم وتعساء غداً، إذ يجب أن يكون للسعادة ديمومة واضحة وأكيدة. كما يؤكد الدكتور مارتن سيلغمان في دراسته الحديثة: بإمكانية تنمية السعادة وبشكل دائم ومستقر، وعلى أن يستطيع الانسان العيش في أعلى مستوى يسمح به حيز السعادة. فالنظرية التي ترى أن تنمية السعادة أمر غير ممكن، تعتبر إحدى معوقات البحث العلمي وليست عقيدة أصيلة في البشر(السعادة الحقيقية ـ ترجمة د. صفاء الأعسر مع مجموعة من الاساتذة).
فالسعادة إذن ليست تخديرا للنفس أو إقناعا لها بما هو ضد الحقيقة والواقع، ومن الممكن للإنسان أن يحققها في الواقع. ولكنها ليست سلعة تباع وتشترى، أو عمل نقوم به، أو قناع نرتديه. كما ولا يتم الحصول عليها بالإكتساب أو بالقرعة أو باليانصيب. ولكنها كما يقول المثل الصيني: وردة نقتطفها من حدائق بيوتنا وليس من بيوت جيراننا. أو بالاحرى هي هبة نحصل عليها أو ضيف طيّب يطرق أبواب بيوتنا، ولكن للأسف قد لا نسمع غالبا طرقاته. إذ يضيع صوت طرقاته بين صراخاتنا وصراخات الجيران، ومعمعات الحياة، وضجيج الشوارع، وصخب الموسيقى المعاصرة المزعج.
والسؤال المهم الذي يطرح نفسه في حياة كل انسان: هل يمكنني أن أكون سعيدا وكيف؟. ويكمن الجواب الأنسب في كيفية طرح السؤال نفسه. إذ من الأفضل أن يكون السؤال: هل أريد أن أكون سعيدا؟، وهل أسمح بالسعادة الحقيقية أن تقوم بعملها في حياتي؟. وغيرها من الاسئلة التي تخطر في بال معظم الناس كل يوم عن: ماهية السعادة؟ وعن كيفية وجودها؟ وكيفية الحصول عليها؟ وكيفية الاحتفاظ بها؟، وفيما إذا السعادة موهبة الهية تولد مع البعض، ويُحرم منها البعض الآخر؟، وعن سبب وجودها لدى البعض، وحرمان البعض الآخر منها؟، وعن كيفية إزالة العقبات في الوصول اليها؟ والفرق بينها وبين اللذة والمتعة والسرور؟ وعن السعادة الحقيقية والسعادة الوهمية والخادعة؟!.
يتوقف الجواب لكل هذه الاسئلة في طبيعة الحال على مفهومنا للسعادة. فإذا إعتبرناها لذة مطلقة بلا نهاية، وراحة كاملة بلا تعب، فهي وهم وخداع للنفس. إذ لا يمكن تحقيق هذا النوع من السعادة في واقع الحياة اليومية إلا لنسبة قليلة جدا من الناس. وأما إذا إعتبرناها هناءاً نسبيا وقناعة بالحد الأدنى من المتطلبات أو بالحد المتوفر منها، فهي إذن ممكنة للجميع. وهذا لا يمنع من وجود بعض الناس الذين يتذوقون طعمها، ويتكيفون مع المحن اليومية، ويتعاملون مع المشاكل والصعوبات برؤية تختلف عن الناس الآخرين. لأن ممارسة الفرد للايمان، والعمل الدؤوب، والرضى الكامل عن الحياة والزواج الصحيح والمؤسس على المحبة الحقيقية والتمتع بالفكر الايجابي البناء مع القناعة الكاملة بالحياة والطموح المعقول، كلها أمور تجعل من الفرد سعيدا بكل معنى الكلمة. ومع أن الكثير من الاديان والمفكرين والفلاسفة، يستبعدون وجود السعادة في هذه الحياة، ويعتبرونها نسبية مؤقتة، إلا أن تحقيقها ممكن وغير مستبعد. فهي إحساس جيد وإستمتاع بالحياة ورغبة تواقة في المحافظة على هذا الاحساس وصيانته (ريتشارد ليارد).
وأما التعاسة التي هي على العكس من السعادة والتي لا يرغب فيها أي فرد أو مجتمع، ولا يتمناها أي شخص بشري، فهي تتلخص في نظر المعوزين والمحتاجين الى لقمة خبز، وفي نظر المسجونين الى الحرية، وفي نظر المرضى والموجوعين، الى الصحة والعافية.
وإذا سألنا عدد من الناس من مختلف المستويات والتخصّصات والأجناس عن ماهية السعادة؟ يأتي الجواب في طبيعة الحال مختلفا، لأن الكل يفهمها بحسب ميوله وأهوائه وطريقة تكوينه. إذ يرى البعض بأنها تأتي من القلب، والآخر يراها عقلية وجدانية. ويرى البعض أنها في الثقافة والعلم، والآخر يراها في القناعة بما هو موجود. ويرى البعض أنها في الايمان، والآخر يراها في الحب والعثور على زوجة. ويرى البعض أنها في كثرة الأولاد وإشباع الرغبات العاطفية والجسدية، والآخر يراها في الهدوء وعدم المسؤولية. ويرى البعض أنها في الانفلات والحرية، والآخر يراها في الصحة والعافية. ويرى البعض أنها في ممارسة الهوايات والألعاب المختلفة، والآخر يراها في الجمال والملبس الأنيق. ويرى البعض أنها في العمل والنجاح فيه، والآخر يراها في جمع الثروة والمركز الاجتماعي. ويرى البعض أنها في العيش بالقرب من الطبيعة والاستمتاع بجمالها الخلاب، والآخر يراها في الجلوس في حديقة بيته مع أفراد عائلته. وغيرها من الدلائل والامور والحالات الكثيرة على المستوى النفسي أو الروحي أو العقلي أو الجسدي التي تؤثر في زيادة ونقصان السعادة في حياتنا اليومية.
مع أن هناك آراء عديدة حول السعادة وتعريفها، ولكن من المهم أن نميز بين الشعور اللحظي بها لدى معظم الناس كالاحساس بنشوة لقاء جديد أو تعارف جديد أو بعد الانتهاء من مشاهدة فيلم جميل أو بالتمتع بسهرة جميلة مع صديق قديم وغيرها من الإمور والحوادث التي تزرع في النفوس نكهة جميلة وتترك في القلب أثرا بالغا ومؤثرا. والامر البالغ في الاهمية هو مستوى الشعور بالسعادة ومحاولة إدامة هذا النوع من الشعور الجيد. ولذلك فالتعريف العام للسعادة: هي أنها حالة روحية ونفسية واجتماعية وجسدية قبل أن تكون مادية في مفهومها ومدلولها ومضمونها وغاياتها، وذلك لتحقيق نوع من التوازن بين الجوانب المختلفة في الفرد أو المجتمع. وهناك في الحقيقة تعاريف أخرى كثيرة عن السعادة وعن أسبابها ومسبباتها، التي تعطيها الدراسات العلمية، والتي تستند على الحالات الفردية الخاصة والمشاعر والآمال المستقبلية، ومنها أن السعادة هي الغاية التي نعمل ونجاهد بشتى الطرق والوسائل للحصول عليها. وهي شيء نفسي، نرغبه ونبذل الغالي والرخيص من أجل الحصول عليه. وتعني في ما تعنيه الابتهاج الدائم. فهي تتجول في دواخلنا وتملأنا بالفرح في التعامل مع الآخرين، وفي مواجهة مشاكلنا النفسية والجسدية. ولا يتم الحصول على هذا النوع من السعادة إلا بالعمل الجدي والمخلص، وبتقديم الخدمات المختلفة للمجتمع، بما يُرضي الضمير ولتحقيق عالم ملئه الخير والكرامة والجمال والحرية والحق والعدالة.
وإذا بحثنا عن المعنى الرئيسي لكلمة السعادة في معظم اللغات العالمية فنجد معنى واحد وموحد يدل على الحظ السعيد والفرصة الجيّدة والحدث الجميل. وأما في رأي المجتمع، فالسعادة مستحيلة التحقيق إلا بوجود شعور حقيقي بالبهجة والاستمتاع والحب. وفي رأي الدين فالمعنى الحقيقي لها فهو أعمق بكثير إذ هي: الاتحاد مع الله الخالق وممارسة وصاياه. والهناء في الحياة اليومية، والعيش في وئام مع الطبيعة والبيئة، ومع أنفسنا والذين من حوالينا للحصول على البركة من الأشياء المحيطة بنا. وفي إقتناء الراحة والمجد والخلاص والحياة الحقيقية.
فالمؤمن يرى سعادته في ايمانه وتضحياته وبذله للذات وفي العيش قريبا مع عرش النعمة متمتعا بسمو وجمال الشركة مع الله. والمدهش في الامر أن المؤمنين الحقيقيين لايشعرون بالوحدة وآلام الزمن والخوف من الموت والعدم، بل يعيشون في يقين وهدوء بعكس الملحدين الذين يعيشون من دون أمل ولا رجاء بالحياة بعد الممات.
وأما في رأي العاملين في سوق الأعمال التجارية وأصحاب الأعمال الحرة، السعادة هي النجاح في العمل والتقدم الى الأمام. وهي عكس التعاسة والحزن والشقاء في بعض الدول النامية، إذ يعاني الناس من أجل لقمة العيش، ويموت المئات بل الآلاف منهم في الكوارث والأمراض المختلفة، دون أن يحصلوا على العيش الكريم، وعلى الأمل بالشفاء من الامراض المختلفة، كما في الهند وافريقيا وبعض الدول النامية.
وفي تعريف شامل ومنتشر للسعادة يؤكد المثقفون المختصون: بأنها قوة داخلية تشيع في النفس راحة نفسية وطمأنينة داخلية وإنشراح في الصدر ونقاء في الوجدان وشعور عميق بالرضا وقناعة تامة في ادخال السرور في قلوب الآخرين وقلوب الذين يخدمون، وفي رسم البسمة على وجوههم، وفي تقديم العون لهم والإحسان إليهم، وفي القدرة على مواجهة مختلف العقد النفسية والتكيّف معها من خلال التحكم بالانفعالات والمشاعر والأعصاب.
ويختلف معنى السعادة، من شخص الى آخر، ومن منطقة الى أخرى. فهي ليست محصورة بين الاغنياء والشباعى، بل تنتشر أيضا بين الفقراء والمضطهدين الذين يستطيعون أن يكونوا سعداء من دون أن يكون لديهم مصدرا كافيا من المعيشة اليومية. لأن السعادة تكمن في أعمال البر والطهارة والتواضع والرحمة أكثر مما تكمن في الإسراف والبذخ وأعمال اللهو والعربدة المنتشرة هذه الأيام.
وليس السعيد حقا بكثرة أمواله، ولا بجمال قامته وطلعته، ولا بجمال سيارته وثيابه، وقوة منصبه وسلطانه. بل السعيد حقا، الذي يقتنع بما عنده. ويكون سلاحه تفكيره، ويشعر بأنه سيد نفسه وكأنه يملك كل شيء، مع أنه لا يملك شيئا. ومن يقرض من لطفه أكثر من هباته، ويعيش حياة روحية وفكرية، مقتنعا بوضعه وطموحاته بعيدا عن الطمع والامور الدنيوية التي تقلق وتجلب كل أنواع الشرور.
ويرى الفلاسفة التقليديون مثل افلاطون وآرسطو وسقراط، بأن هناك بُعداً آخر للسعادة، فهم ينظرون اليها بطريقة بعيدة عن المادة والصحة وتقلبات الحياة المختلفة. ويُميّزون دور الصحة والثروة والصداقة في نمو وزيادة السعادة، مع التأكيد على دور العقل، وممارساته الفكرية والمعرفية، وانجازاته المختلفة في تحقيقها أكثر من أي شىء آخر. فمن يرغب بالغنى والثروة مثلا، فإن غايته ليست في المال بقدر ما هي في السعادة. والذين يرغبون بالشهرة، فإن غايتهم ليست في الشهرة، بقدر ما هي في الوصول الى السعادة من خلال الشهرة. وكذلك الذين يرغبون في الوصول الى منصب مرموق ومكانة اجتماعية رفيعة، ولكن غايتهم ليست بالضرورة الوصول الى الجاه والسلطة، بل السعادة التي توفرها تلك الدرجة أو تلك المكانة الاجتماعية. ويعود الأمر نفسه بالنسبة الى الذين يرغبون في الحصول على الرشاقة والصحة.
وأما في رأي الفلاسفة والمفكرين المعاصرين، فالسعادة الفردية ترتبط ارتباطا جوهريا بسعادة المجتمع. ويَدّعي هؤلاء الفلاسفة، بأن السعادة الفردية مستحيلة دون السعادة الجماعية، لأن الإنسان لا يستطيع العيش بمفرده، إذ يولد بطبعه محتاجا الى من يقوم بتربيته وتكوينه وتشكيله، من الناحية الجسمية والنفسية والاجتماعية.
وتعتبر التعاسة على العكس من السعادة، إذ تعتمد بكاملها على الفشل والتفتت، لكونها تفتقر الى الاندماج والتنسيق بين العقل الواعي والعقل اللاواعي، وبين الفرد والمجتمع. وتعود المسببات الرئيسية للتعاسة الى النظام الاجتماعي أولا، ومن ثم الى الحالة النفسية والعقلية للفرد، كالاختلالات النفسية، وطريقة العيش والتعامل مع الأشياء ومع الآخر. فالشعور بالتعاسة والحزن شيء، والشعور بالاكتئاب شىء آخر. وتبلغ مسببات الاكتئاب من الشدة بحيث تصل بالمرء الى حالة من اليأس والضياع في بعض الأحيان. فالاكتئاب سيء ومميت في بعض الاحيان وخاصة عندما يصل الى مراحله النهائية. إذ يفرض سيطرته على المريض، بصمت وهدوء، ويسلب منه بهجة الحياة، ويوقعه في أشد أنواع الحزن واليأس. ويؤكد الاطباء النفسانيون بأن الإكتئآب يؤثر على الصحة البدنية لدى الفرد، ولاسيما عندما يصل الى الحالة الخطرة من العزلة القاتلة التي تؤدي الى الانتحار.
وقد يصيب الانسان أيضا القلق، وهو إرتباك فكري مزعج، يقتات على مخاوف وشيكة، ويسبب للمريض الحنق والإحباط والرعب والذعر. وتسيطر عليه كل المفاهيم السلبية، بالاضافة الى المخاوف من الامور المحيطة، والشعور بالضعف في التمييز بين ما هو عرضي عابر، وما هو أساسي وجوهري.
وأما الشعور بالانانية فهو شىء سيىء وسلبي أيضا، ويبلغ من الشدة في بعض الاحيان، وخاصة عندما يتمركز حول الذات ويبقى في دائرة الأنا الشريرة. وتؤدي به الحالة الى الحزن والتعاسة، وبلوغ المعاناة الحقيقية في كيفية التنسيق والاندماج، بعكس الانسان السعيد الذي لا يُعاني من تلك الصور البشعة، بل يحاول جهده المستطاع أن يسعد غيره من البشر.
فالسعادة إذن تساعد على الأهتمام بالأهداف السامية. وتحاول منح الجسد انسجامية رائعة، وتعطي للفرد الفرصة في الإبداع، والخطوات العملية لتحقيقها بفرح وبشاشة، ومن دون قلق وضغط وأنانية. ففي الحقيقة كل إنسان يستطيع أن يصنع سعادته، إذا التزم بقوانينها وبتطبيق الخطوات الموصلة اليها، ولكن الامور السيئة والسلبية المحيطة بنا تمنع ذلك وللأسف الشديد.
ولعل ما يساعد على زيادة السعادة والسرور في حياة الناس والمجتمعات البشرية هو النمو الاقتصادي سواء في الفرد أو في المجتمع. والدليل الأكبر على ذلك وجود نسبة معينة من أهل المجتمعات المتمدّنة التي استطاعت ان تخلق نوعا من التوازن بين الرخاء الاقتصادي والحفاظ على القيّم الروحية التي تمارسها في بناء وتأسيس العائلة السعيدة. وما نعني بالعامل الاقتصادي، المال والثروة والجاه والقوة والنجاح في العمل. ولكن قد لا تحقق كل هذه الأمور مجتمعة، السعادة المنشودة من دون وجود الايمان والقناعة والطموح المعقول.
وإن كانت السعادة والهناء قد تحققت في البلدان الغنية والمتطوّرة بعد التطورات التقنية والتكنولوجية، وأفادت نسبة معينة من البشر، ولكنها في الواقع سببت أيضا في زيادة نسبة الجرائم والإدمان على المخدرات، وزيادة نسبة الانتحار، كنتيجة طبيعية لزيادة القلق والكآبة، وحالات من العزلة والأمراض النفسية والعصبية المختلفة. لأن المال الوفير والغنى الفاحش، وان سد فراغا في القلوب، إلا أنه يفتح فراغات هائلة من القلق والهموم النفسية التي لا يتمناها أحد في الحياة. ولهذا يقال في سبيل المثل: لو كان للإنسان كل الاموال، وإستطاع شراء أفخم البيوت، فهل يستطيع شراء العائلة؟. ولو إمتلك أجمل الحدائق والزهور، فهل يستطيع شراء الحب؟! ولو إستطاع شراء كل الكتب في العالم، فهل يستطيع شراء الثقافة والمعرفة؟! ولو حصل على أعلى المناصب في العالم، فهل يستطيع شراء تقدير واحترام الناس؟!.
وتؤكد الكتب المقسة لمعظم الاديان على أن محبة المال تحيل الى إرتكاب الفواحش والمعاصي، فالمحبة من هذا النوع هي أصل كل الشرور. ولذلك فالمحظوظين في العالم لا تحميهم أموالهم من الشرور، ولا تبعد عنهم الحزن والألم، بل تشكل لكثير منهم عائقا، إذا ما لم يستخدموها بصورة صحيحة، ولاسيما إذا ما أخذت من قلوبهم المكان المخصص لله وقيمه المثلى.
ورب سائل يسأل: كيف يُمكن خلق السعادة في حياتنا وفي حياة الآخرين؟، ويأتي الجواب من قبل الفلاسفة بصيغ مختلفة ومتناقضة أحيانا. وتبدو معظم تلك الاجوبة مبهمة وغامضة بحيث لا يستطيع الانسان ان يختبرها في الواقع الحياتي المعاش. وأثبتت بعض تلك الأجوبة المثالية فشلها في الواقع العملي، إذ طالما نادى الفلاسفة بتأسيس جمهوريتهم المثالية التي يتعايش فيها الناس بمحبة وألفة وسعادة. كما في جمهورية أفلاطون لدى الفيلسوف الأغريقي (أفلاطون)، ومدينة الله لدى الفيلسوف الجزائري(القديس أوغسطينوس)، والمدينة الفاضلة لدى الفيلسوف والمؤرخ العربي (الفارابي)، والاممية الشيوعية لدى الفيلسوف الاشتراكي الشيوعي (كارل ماركس).
ولعل المفهوم الاممي الشيوعي الماركسي هو المثال الوحيد الذي طبق في الواقع العملي. ولكن بعد عقود من التطبيق لتلك النظرية من ناحيتها السياسية والاقتصادية والعلمية والاجتماعية، أصابت وللأسف الشديد التفكك الأخلاقي والاجتماعي لدى الشعوب التي حكمتها، وفككت الكثير من العوائل والمجتمعات في المناطق التي كانت تحكمها وتديرها. وتسببت أيضا في خلق الآلام والأوجاع التي لا توصف طوال فترة التطبيق الاشتراكي سواء في روسيا أو في غيرها من البلدان الاشتراكية السابقة. ولا نقصد هنا بالإساءة الى النظرية الشيوعية بقدر ما نقصد بالطرق الخاطئة التي تمت في تطبيقاتها وممارساتها سواء على مستوى السياسي أو الاجتماعي أو الاقتصادي.
صبري المقدسي



#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية اقدس وأغلى عطية للإنسان
- دور التربية في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
- في البدء كان السؤال وفي السؤال كان التمدن
- دور العلم في بناء المجتمع وتطوره وازدهاره
- المثقف: هو الرسول وهو الرسالة
- الحداثة: الضامن الرئيسي الوحيد لتحرير العقل
- العولمة: هوية جديدة للبشرية
- الثقافة: الضامن الرئيسي الوحيد لتمدن الامم
- دور الثقافة والدين في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
- دور الثقافة والسياسة في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
- فكرة تأسيس النظام العالمي الجديد
- الربيع العربي ثورة شعبية ام ثورة عابرة
- الجهل: هذه الآفة اللعينة


المزيد.....




- من أجل صورة -سيلفي-.. فيديو يظهر تصرفا خطيرا لأشخاص قرب مجمو ...
- من بينها الإمارات ومصر والأردن.. بيانات من 4 دول عربية وتركي ...
- لافروف: روسيا والصين تعملان على إنشاء طائرات حديثة
- بيسكوف حول هجوم إسرائيل على إيران: ندعو الجميع إلى ضبط النفس ...
- بوتين يمنح يلينا غاغارينا وسام الاستحقاق من الدرجة الثالثة
- ماذا نعرف عن هجوم أصفهان المنسوب لإسرائيل؟
- إزالة الحواجز.. الاتحاد الأوروبي يقترح اتفاقية لتنقل الشباب ...
- الرد والرد المضاد ـ كيف تلعب إيران وإسرائيل بأعصاب العالم؟
- -بيلد-: إسرائيل نسقت هجومها على إيران مع الولايات المتحدة
- لحظة تحطم طائرة -تو-22- الحربية في إقليم ستافروبول الروسي


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - صبري المقدسي - البحث عن السعادة