أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - صبري المقدسي - في البدء كان السؤال وفي السؤال كان التمدن















المزيد.....

في البدء كان السؤال وفي السؤال كان التمدن


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4061 - 2013 / 4 / 13 - 15:57
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


في البدء كان السؤال وفي السؤال كان التمدن

عاش الانسان على سطح الكرة الارضية منذ ما يقرب من المليون ونصف المليون عام، كما تدل على ذلك الدراسات الجيولوجية والآثارية. وكل همه في معظم تلك الفترة، أن يؤمن طعامه وشرابه لكي يحافظ على حياته واستمرار وجوده. ولم يتميز الانسان عن سائر المخلوقات الاخرى في الغابات والبراري إلا خلال الخمسين ألف سنة الأخيرة. ويظهر هذا التميّز من خلال المدافن والمنحوتات الموجودة في الكهوف والمساكن القديمة. ولا بد أنه في تجواله وصراعه من أجل البقاء وحياته في البراري وتنقله المستمر، قد سحّرته الطبيعة بجمالها وغرائبها، وجعلته يسأل نفسه الاسئلة الفضولية التالية، من أين هذا الجمال؟ والوجود؟ والكون العظيم؟، وكيف كان الكون في الماضي؟ وكيف بدأ؟ وما سيكون عليه في المستقبل؟ وما العلاقة بين الارض ومكوّنات هذا الكون الرائع؟ وما سعة وكبر هذا الكون؟ ومن أين كل هذه النجوم؟ ومن أين الأرض والشمس والقمر؟ وكيف تكوّنت كلها؟، ومن الذي أوجدها؟ ولماذا؟. وأسئلة اخرى عن أصل الكون ومختلف أشكاله وفعالياته.
كانت تلك الاسئلة وغيرها تحديّا للإنسان لكي يبحث عن الأجوبة المناسبة لها، وبلغت تصوراته من العمق بحيث أذهل علماء اليوم بالرغم من عدم إمتلاكه للأجهزة العلمية اللازمة لذلك. وتشهد على ذلك التقاويم السومرية والبابلية واهرامات مصر وتنبؤات شعوب المايا المستقبلية واكتشافات الانسان للكواكب السيارة، وكلها بمجرّد استخدام العين المجرّدة والمشاهدة العيانية البسيطة.
وكان البحث عن الاجوبة لكل الاسئلة الخفية والغامضة، التحدى الاعظم للإنسان لتحقيق آماله وغاياته في المعرفة والسيادة، لأن التحدي يجلب المتعة الحقيقية في عمل كل ما هو مفيد وصالح للمجتمع، إذا كانت الارادة صالحة وخيّرة في طبيعة الحال. ولذلك تعتبر تلك التحديّات دروسا تعلم منها الانسان الشىء الكثير. فالظواهر الكونية التي كان يسجلها الانسان في مخيلته وتأملاته وتساؤلاته اليومية، ويبحث عن أسبابها ويُحلل نتائجها، أدت كلها الى التفكير العميق بها وبخيراتها وبشرورها وبسيئاتها، والتفكير بالاحداث الفلكية المختلفة التي تنتج عنها كالقوس والقزح والشهب والنيازك والبراكين والزلازل والعواصف والفيضانات التي أثارت اهتمامه كثيرا، والتي لا تزال تثير اهتمامه في كل اصقاع العالم.
وجدير بالاشارة ان النظر الى السماء كان له دوره العظيم منذ القدم للاهتداء بالسماء ولاسيما الشمس والقمر والنجوم والكواكب التي كانت بمثابة الساعة الكونية الاولى التي استخدمها الانسان لتقسيم الوقت في الليل والنهار ولضبط المواسم المختلفة ومعرفة مواسم الصيد والزراعة والحصاد وموسم البرد والحر، ولمعرفة تغير الفصول الاربعة وغيرها من الامور التي كان يضبطها ويتناقلها من جيل الى آخر.
ولم يكتف الانسان في قراءة حركات الشمس والقمر والنجوم والكواكب التي كان يستفيد منها في الزراعة والحصاد، والطقوس والعبادات الدينية، بل كان يرضخ لها، ويربط حياته وسلوكه ومستقبله بحوادثها وتطوراتها، ويجد ذلك مسموحا ومباحا بإعتبار الطبيعة وقواها المختلفة، آلهة يجب عبادتها وإطاعتها وتقديم القرابين لها. وكان يضبط الانسان الحركات الظاهرية للشمس والقمر والكواكب والنجوم ليستخدمها في تنظيم وترتيب التقاويم والتواقيت الكونية الثابتة، كما فعل الانسان الرافديني في الحضارات العراقية الموغلة في القدم، وحضارات مصر والهند والصين، وذلك لإرتباط حياة الانسان في تلك الحضارات بالطقس والمناخ، ولحاجته الى استخدام تلك التقاويم في مواسم الزراعة والحصاد وللإهتداء بها في سفره في البر أو البحر.
ومع تنظيم التقاويم وترتيبها ألف الانسان العديد من الخرافات والاساطير التي إستحوذت على مخيلته البدائية الى أن تطوّر وتحرّر من كثير من تلك المفاهيم، إذ حاولت شعوب الإغريق والرومان وضع نظريات للظواهر الكونية والفلكية، وأبدعت في إنشاء العلوم الفلكية والتنجيمية التي ساعدت في رؤية دائرية الكون والارض ومركزية الشمس. وبالرغم من الجهود الجبارة للعلماء في العالم القديم في الفلك والكونيات، إلا أنهم لم يتوصلوا على الاطلاق الى الإجابات الحقيقية عن الاسئلة المحيّرة التي كانت تحيّرهم، مثل حجم الكون والعلاقة التي تربط الارض بمكونات الكون وكيفية نشوئه؟. إذ تصور العلماء الاغريق حجم الكون العظيم، وقدروه بما لا يزيد عن ثلاثة آلاف نجمة، يمكن رؤيتها بالعين المجردة، وفي وقت تكون السماء صافية. واخطأوا في تصوراتهم حول ثبات الكون وتغييره، وقالوا بثباته وبأنه لا يتغير، بحسب التقديرات العيانية والبصرية التي بنوا عليها نظرياتهم الفلكية.
وكان الفلكي الاغريقي المصري (كلاوديوس بطليموس) أول من جمع الافكار البشرية الفلكية، وإستنبط نظريته المبنية على المشاهدة العيانية، والتي لا يزال البعض يتبناها، إذ شبه الارض بكرة وهمية مجوّفة، وبإنها مركزا للكون تدور حولها الشمس والكواكب السيارة، وتتبين النظرة نفسها في سفر التكوين من التوراة: ((وقال الله لـيكن في جلد السماءِ نيرات تفصل بين النهار والليل، وتشير إلى الأعياد والأيام والسنين، ولتكن النيرات في جلد السماء لتضىء على الأرض، فكان كذلك. فصنع الله الكواكب والنيرين العظيمين، الشمس لحكم النهار، والقمر لحكم الليل، وجعلها الله في جلَد السماء لتضيء على الأرض ولتحكم الليل والنهار، وتفصل بين النور والظلام. ورأى الله أن هذا حسن)) 1: 14 ـ19.
ولم تقصد التوراة اليهودية من تقديم هذه السطور عرض نظرية علمية عن الخلق لأن الكتاب المقدس، كتاب إيمان اولا وآخيرا، والشىء الوحيد الذي يقصد به، هو أنه فوق النظريات العلمية التي تتغير في كل زمان ومكان. ولا تعدو غاية التوراة إلا لتوضيح فكرة بسيطة ومُحددة ألا وهي أن الله هو الخالق الاوحد الذي أخرج كل الاشياء الى الوجود.
وجدير بالاشارة أن الاعتقاد الراسخ عن الارض هو نفسه في التوراة كما كان في الاساطير الرافدينية العراقية والمصرية والهندية والفلسفات الاغريقية اليونانية والرومانية. ولم تتطور تلك النظريات الفلكية إلا بعد اكتشاف التلوسكوبات على أنواعها وانتشار النهضة العلمية والفلسفية التي أكدت على كبر الكون وعظمته. ولقد ساعدت الإكتشافات والاختراعات العظيمة في رؤية الكون المأهول بنجوم وكواكب لا حصر لها ولا سيما بعد اكتشاف (غاليلو غاليلي) منظاره الذي لم يكن يزيد قطر عدسته على ستة سنتيمترات، والذي ساعد في رؤية الكون المجهول وإضافة عدد هائل من النجوم الذي يبلغ عددها مئات الآلاف بل مئات البلايين. وساهم أيضا في الاستمرار بالاختراع والابداع لخير البشرية، وبطريقة لا ينافسه عليها أي كائن حيّ آخر، ولا يقف أمامه سد ولا مانع في مختلف حقول المعرفة والفلسفة التي كانت وقفا على جماعة محدودة معيّنة قديما. وأما اليوم فقد أصبح الجميع يسلكون سبل المعرفة ويطرقون دروبها وشعابها بحيث أصبح المجهول معلوما أو سيصبح، آجلا أم عاجلا. وحقق الانسان الكثير عن معرفة مكنونات وأسرار الكون التي هي من القضايا العلمية والفلسفية الهامة التي شغلت الفكر البشري منذ القدم، والتي هي غاية في التعقيد والغموض لأن حوادثها وقعت في عصور قديمة جدا تعود الى بلايين السنين.
وكلما توغل الانسان في العلم والمعرفة واستمر في البحث والعبادة والتنجيم، شعر بأنه يحتاج الى معرفة أكثر وايمان أعمق. فالعلوم والنتاجات الفكرية والحضارية والدينية والفلسفية الموجودة في التاريخ، لم تكن في أية لحظة ملكا لحضارة ما بعينها أو لشعب معيّن بذاته، بل إرث للبشرية وملك للجميع. لذا علينا تقديسها وإحترامها، وتشجيع من يختص بها ويعمل في حقولها الواسعة. ومن هذا المفهوم نخطأ إذا قلنا حضارة غربية أو شرقية أو هندية أو امريكية، إذ كل ما في العالم هو منا ولنا ولأجيالنا في المستقبل. والانسان كل انسان هو المالك الشرعي لجميع الحضارات والثقافات والاديان ومن دون تمييز بين الشرقي أو الغربي، الاسلامي أو اليهودي، الهندوسي أو المسيحي، العربي أو الكردي، الاوروبي أو الامريكي.
ولكن ما نأسف له وجود الكثير من البشر الذين لا يفهمون الاسرار الدينية الصحيحية والمبادىء العلمية الحقيقية بالرغم من اجتياح العلوم لحياتنا اليومية ودخول الوسائل التكنولوجية المتطورة في كل بيت من بيوتنا تقريبا. ولقد كان للعلم دور لا ينكر في تنقية العقول من الامور البالية التي أدت الى تأخر البشرية لزمن طويل وجعلت العديد من الناس بعيدين عن التطور والتقدم. وكان للعلم دور عظيم أيضا في صياغة المعتقدات الدينية وتفسيرها بما يتلاءم مع العصر والمنطق. فالعلم لم يضعف الايمان، بل العكس، ساهم في توضيحه وتقويته في القلوب والعقول، كما يثبت ما ذهبنا اليه قول العالم الانكليزي وليم هرشل: ((كلما اتسع نطاق العلم ازدادت البراهين الواسعة القوية على وجود خالق أزلي لا حد لقدرته ولا نهاية، فالجيولوجيون والرياضيون والطبيعيون قد تعاونوا على تشييد صرح العلم وهو في الحقيقة صرح عظمة الخالق وحده)). ولكن التناقض وسوء الفهم بين العلم والدين لا يزال له أثره الكبير في قلوب وعقول الكثيرين، مما يؤدي الى خلق الصراع بين العقليتين، والى نشوء حركات تحمل بذور التعصب والكراهية، تفضل التقوقع والانكماش عوضا عن التحديث والانفتاح.

صبري المقدسي



#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دور العلم في بناء المجتمع وتطوره وازدهاره
- المثقف: هو الرسول وهو الرسالة
- الحداثة: الضامن الرئيسي الوحيد لتحرير العقل
- العولمة: هوية جديدة للبشرية
- الثقافة: الضامن الرئيسي الوحيد لتمدن الامم
- دور الثقافة والدين في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
- دور الثقافة والسياسة في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
- فكرة تأسيس النظام العالمي الجديد
- الربيع العربي ثورة شعبية ام ثورة عابرة
- الجهل: هذه الآفة اللعينة


المزيد.....




- الرئيس الإيراني: -لن يتبقى شيء- من إسرائيل إذا تعرضت بلادنا ...
- الجيش الإسرائيلي: الصواريخ التي أطلقت نحو سديروت وعسقلان كان ...
- مركبة -فوياجر 1- تستأنف الاتصال بالأرض بعد 5 أشهر من -الفوضى ...
- الكشف عن أكبر قضية غسل أموال بمصر بعد القبض على 8 عناصر إجرا ...
- أبوعبيدة يتعهد بمواصلة القتال ضد إسرائيل والجيش الإسرائيلي ي ...
- شاهد: المئات يشاركون في تشييع فلسطيني قتل برصاص إسرائيلي خلا ...
- روسيا تتوعد بتكثيف هجماتها على مستودعات الأسلحة الغربية في أ ...
- بعد زيارة الصين.. بلينكن مجددا في السعودية للتمهيد لصفقة تطب ...
- ضجة واسعة في محافظة قنا المصرية بعد إعلان عن تعليم الرقص للر ...
- العراق.. اللجنة المكلفة بالتحقيق في حادثة انفجار معسكر -كالس ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - صبري المقدسي - في البدء كان السؤال وفي السؤال كان التمدن