أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبري المقدسي - دور الثقافة والسياسة في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته















المزيد.....

دور الثقافة والسياسة في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته


صبري المقدسي

الحوار المتمدن-العدد: 4055 - 2013 / 4 / 7 - 12:10
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


دور الثقافة والسياسة
في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته
لقد ثبت من خلال العلم والتاريخ أن حُب الإنسان للاختلاط والتعارف، أدى به الى تكوين بعض التشريعات والنظم القانونية التي منها تطورت النظم السياسية والتشريعية والقضائية والتنفيذية وأنظمة الحكم السياسية بعد ذلك. وبالرغم من إختلاف أنظمة الحكم في العالم، وإختلاف مشاكلها الداخلية والخارجية، إلا أنها تكاد تتفق على بعض الثوابت والركائز في حكم الناس وإدارة شؤونهم. ولكن السلطات الحكومية لم تكن دائما صادقة وعادلة في حق شعوبها ورعاياها، خاصة في الامور الاقتصادية والقضائية وممارساتها التشريعية والقانونية. ومن هنا فكرت الشعوب المُعذّبة والمَقهورة بإحداث تغييرات لتلك الأنظمة، وكشف عيوبها وشوائبها الرديئة.
ولما كان الفكر السياسي يهتم بالظواهر السياسية المحيطة بالانسان، فلا نستغرب من وجود هذا الفكر لدى الانسان، منذ نشوء الحضارات البدائية. كما يؤكد الدكتور نظام محمود بركات، في كتابه (مبادىء علم السياسة) ويقول: "فأينما وجد الانسان ظهرت معه الحاجة لإيجاد نوع من التنظيم لحياته، ووجب وجود سلطة تكون مسؤولة عن إدارة شؤونه".
ويتبين إنطلاقا من هذا المفهوم وجود علاقة بين الثقافة والسياسة، ووجود تأثير للسياسة في المجال الثقافي، وكذلك وجود دور مهم وبناء في بناء المجتمع البشري وتنظيمه وقيادته. فالمسألة الثقافية التي هي من أساسيات كل مجتمع حضاري ومتمدّن، تؤكد على وجود صلة حقيقية بين الثقافة والسياسة. فهي في حقيقة الأمر صلة ضرورية وحتمية، مع وجود الكثير من الإشكالات وسوء الفهم بينهما. فالتاريخ لم يعرف حالة توافق حقيقي بين الثقافة والسياسة، إلا في بعض المظاهر السطحية. ولكن العلوم السياسية والاجتماعية تؤكد اليوم على وجود السياسة في الثقافة، وعلى وجود الثقافة في القرارات السياسية، بالرغم من أن طبيعة كل منهما تختلف عن الأخرى، وبالرغم من أن أساليب السياسة والسياسيين هي غير أساليب الثقافة والمثقفين.
ففي الحقيقة أن للثقافة وظيفة تاريخية جوهرية، وهي الحفاظ على العناصر الضرورية لأي مجتمع بشري من اللغة والتاريخ والمعرفة والدين والاخلاق والهوية والتطلع الى المستقبل المشرق. ومن هنا يبرز دور المثقفين بإعطائهم الحرية الحقيقية للتعبير عن مكنوناتهم من دون تقييد وتجريد من أفكارهم وآراءهم. ويُعد هذا أملا وحُلماً لكل المثقفين في العالم، وخاصة في بلداننا التي هي في أمس الحاجة الى الاصلاح السياسي والنهضة الثقافية الحقيقية. إذ أن التضيق على المثقفين بحجة المحافظة على القيّم والتراث والتقاليد ووحدة الصف، أدى بدوره الى نشوء أزمة غياب المثقف السياسي، وإنقطاع معظم المثقفين المختصين عن السياسة، وإنصرافهم للثقافة فقط. مما أدى كنتيجة لذلك إلى ظهور عدد كبير من السياسيين العاطلين والفارغين من الثقافة، والمسيطرين على الساحة، من الذين هيّمنوا على المراكز الحساسة في المجتمع، مع عدد هائل من رجال الدين الذين جعلوا من الثقافة والسياسة منبرهم المقدس ليفتوا من خلاله، ناسين رسالتهم الدينية والاخلاقية في بناء المجتمع.
ويشرح علماء النفس وعلماء الاجتماع من الجانب الآخر الروح الإزدواجية الفضيعة التي تسيّطر على معظم أفراد مجتمعاتنا الشرقية، والتي تظهر أكثر جلاءً في السياسيين، وأصحاب السلطة السياسية التي تؤثر على مصداقيتهم في الحكم على الامور المختلفة، ناهيك عن الصراعات الاجتماعية والاثنية، والتوترات الدائمة بين الأنماط التقليدية والأنماط الحديثة، وبين الانماط الثقافية والدينية، والانماط الثقافية والسياسية.
فالثقافة من جانب، هي مطلوبة ومرغوب فيها، من قبل معظم الحكومات في بلداننا الشرق أوسطية والعربية والاسلامية، لغرض إعطاء حكوماتها الشكل الحضاري المتطوّر. ولكن في الوقت نفسه، تشكل الثقافة الخطر بعينه لتلك الحكومات، وخاصة إذا كانت نزيهة وحرّة ومستقلة، لأنها تثير البلبلة(بحسب رأيهم)، وتزيح الستار عن أشياء يفترض أن تكون خفية ومستورة. ولذلك يعاني المثقف في هذه الحالة من المشكلة نفسها، إذ يعتبر موضع شك وريبة وتساؤل؟! فإن جرب التقرّب من السلطة والحكومة، وحاول تطمينها، فلا فائدة من ذلك، لأن الحاكم الفاسد والمستبد، يمارس سلطته بشكل مطلق وقمعي وإستبدادي. فلا قيمة عنده للمثقف، ولا لمصير الثقافة، بقدر ما يهمه حكمه، وإستمراره في السلطة.
فهل يقوى المثقفون المفكرون والمتنورون على إخراجنا من أزمتنا الخانقة هذه بسبب كل هذا الخلط والخلل الحاصل؟!. وهل تستطيع الثقافة الحقيقية التي هي أجوبة لهمومنا وآمالنا وطموحاتنا، أن تزيل سوء الفهم بين الثقافة والسياسة، وبين الثقافة والسلطة السياسية؟!. وهل تستطيع الثقافة البدء بقراءة جديدة للقوانين والدساتير والدين والتراث والاخلاق والمستقبل، وإنقاذنا من سيّر السلحفاة البطىء نحو الانفتاح والحضارة والتمدّن؟!. وهل من الممكن إنقاذ الدين من عزلته الفكرية والسياسية، وإنقطاعه عن مناخ العصر الحاضر؟!.
مع كل هذا التشاؤم في النظرة والتحليل إلا أن هناك حلولا مثالية لهذا التعقيد، والتي تكمن في تطوير المؤسسات الثقافية المستقلة لكي تكون المعيار الوحيد، والملجأ الدائم والمستقل لكل المثقفين والمفكرين بعيداً عن إستبداد السلطة والسياسيين. وأطلب العذر من بعض السياسيين، إذ لعل هناك من يُحب الثقافة، وينهل منها زاده الثقافي، وإن كانوا قلة قليلة. والحل الآخر في طبيعة الحال يكمن في توفير الحرية الحقيقية للصحافة والفكر. لأن القابضين على الحكم منذ نشوء الدولة الحديثة، لم يتركوا الحرية للمثقفين، والمثقفين السياسيين، في معظم دول الشرق الاوسط، والعالمين العربي والاسلامي. ولم يعطوا المجال للتعبير الصادق عن طموحاتهم بحجة وحدة الصف وحماية المشروع الاول والأهم، وهو بناء الدولة القوية، وتأسيس الجيش العرمرم، والاساطيل الحربية، بحجة حماية المجتمع من الاخطار الخارجية الوهمية في معظم الاحيان.
وينطبق هذا أيضا على معظم الشعوب الاستبدادية والشمولية التي سخرت كل طاقات شعوبها لبناء وتسليح الدولة على حساب الثقافة والابداع الحضاري. وأدت في الحقيقة الى إلغاء العقل والحرية في آن واحد، والى تحطيم ذاتية الإنسان وكرامته، وسلب المثقفيين لإرادتهم الحرّة، وجعلهم مجرّد موظفين في الدوائر والمؤسسات الثقافية.
فالسياسة إذن لم تستطع بمفردها، ولن تستطيع، معالجة مشكلات الشعوب. فلا بد من تعاضدها مع الثقافة والسير معا في تغيير المجتمع. لأن الثقافة تتناول الانسان بكليته، جسدا وروحا، عقلا ووجدانا. وكما أن البشر يحتاج الى السياسة، كذلك الى الثقافة. وكما أنهم بحاجة الى السياسيين، فهم بحاجة أيضا إلى المثقفين والمثقفين السياسيين، الذين عليهم أن يلعبوا دورهم السياسي والثقافي في الساحة.
وقد إختلطت الامور كثيرا لدى شرائح كبيرة من المجتمع عن المثقف الحقيقي، ومفهومه ودوره السياسي في المجتمع، وعن السياسي والسياسي المثقف والمثقف السياسي. إذ هناك من يتحصن بالسلطات السياسية، منذ بداية وجوده، ويتحاشى المساس بها وبممارساتها الظالمة. ومنهم من يقوم بدور الخدم للسلطات السياسية، ولكنه يظل يقتنع بالاستقلالية وحرية الرأي، وينتظر الفرصة لإظهار استقلاليته، والكشف عن مفاهيمه. ومنهم من يحاول إقامة الجسور مع السلطات السياسة لحماية نفسه من الحرمان والسجن والتشريد، ولكن من دون جدوى. ومنهم من بقي صامدا ولم ينهزم، ولكنه جاع وضعف صوته أو هاجر، وفقد هويته وشعوره الوطني.
ولعل الاختلاف الرئيسي والاهم بين المثقفين الحقيقيين والسياسيين يكمن في تركيز المثقفين لبناء الإنسان، والالتزام بالواقع الموجود، والحرص الشديد على الثراء المعرفي والتجديد الإبداعي. في حين أن هموم السياسيين السلطويين، تتمركز في بناء الاقتصاد والدولة القوية، وتحقيق السيطرة على رقاب الناس وحماية الكراسي، والظهور بمظهر الحامي للوطن والأمة.
وقد تكون تلك الاسباب وراء ضعف الاقلام الثقافية النزيهة وإختفاء الابداع الثقافي والصناعي والتكنولوجي في مناطقنا الجغرافية. لأن الثقافة الحقيقية لا يمكنها العيش إلا في مناخ الحرية والديمقراطية، والمساواة أمام القانون لسائر الناس كما يقتضيه المنطق والاخلاق.
فالحرية كما هو معروف هي غرض كل إنسان، وخاصة المثقفين والمفكرين الذين يعتمدون عليها أكثر من أي شخص آخر. فلا يمكن أن يكون المستقبل للقمع والتضييق والإنغلاق الفكري والثقافي، بل للثقافة النزيهة والحرة، ولدعاة الانفتاح والتجديد. ولذلك لابد من توفير الحرية الحقيقية لكل أنواع المجلات والجرائد السياسية والثقافية المستقلة.
وجدير بالذكر أن المناخ الانفراجي النسبي الذي يحدث في بعض المناطق ولاسيما في مسألة حرية الفكر والصحافة، كما في إقليم كردستان العراق ودولة لبنان وجمهورية مصر العربية، هو في الحقيقة، الفرصة الذهبية لمثقفينا وأدبائنا لكي يتناولوا القضايا بصدق ونزاهة، وشجاعة وموضوعية. إذ تقع عليهم المسؤولية في تطوير المؤسسات الثقافية والتشريعية والقضائية للعمل على استقلاليتها وإبعادها عن استبداد السلطات وتدخلات السياسيين الغير المثقفين.
صبري المقدسي



#صبري_المقدسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فكرة تأسيس النظام العالمي الجديد
- الربيع العربي ثورة شعبية ام ثورة عابرة
- الجهل: هذه الآفة اللعينة


المزيد.....




- كيف تمكنّت -الجدة جوي- ذات الـ 94 عامًا من السفر حول العالم ...
- طالب ينقذ حافلة مدرسية من حادث مروري بعد تعرض السائقة لوعكة ...
- مصر.. اللواء عباس كامل في إسرائيل ومسؤول يوضح لـCNN السبب
- الرئيس الصيني يدعو الولايات المتحدة للشراكة لا الخصومة
- ألمانيا: -الكشف عن حالات التجسس الأخيرة بفضل تعزيز الحماية ا ...
- بلينكن: الولايات المتحدة لا تدعم استقلال تايوان
- انفجار هائل يكشف عن نوع نادر من النجوم لم يسبق له مثيل خارج ...
- مجموعة قوات -شمال- الروسية ستحرّر خاركوف. ما الخطة؟
- غضب الشباب المناهض لإسرائيل يعصف بجامعات أميركا
- ما مصير الجولة الثانية من اللعبة البريطانية الكبيرة؟


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - صبري المقدسي - دور الثقافة والسياسة في بناء المجتمع وتنظيمه وقيادته