جعفر مهدي الشبيبي
الحوار المتمدن-العدد: 4081 - 2013 / 5 / 3 - 15:20
المحور:
الادب والفن
في صبيحة يوم ربيعي عراقي دافئ . كما هي عادة الربيع في العراق يمزج بين دفء الشمس و البرد اللطيف في الظل,...افتتح هذا الصباح الربيعي بنقرات مطر خفيفة منعشة تلطف الأجواء و تبعث في الأرض رائحة التراب المثقلة برطوبة الهواء,
و لدقة حبات المطر فقد حملتها الريح أينما شاءت و إلى إي مكان ارتأت و ارتحلت. و رغم هذا التمازج الجميل بين المطر و الرياح فانك تشاهد طيور الحمام الحمراء و البنية تطوف بالسماء على شكل مجاميع تحيي السطوح و المنازل. و تخفق بأجنحتها مبتشرة بالمطر و الانتعاش و توحي لك بأنها اقوى من ثقل المطر و الريح و دون إن يقدرا على إن يثقلا جناحيها اللطيفين, فكان المطر ,مسالما ,جميلا ,لطيفا , إلا على الأرض, حيث غطت الأرض ,برك من المياه, و طبقات من الوحل, و الطين, يبين أكثر عندما يعلو على بناطيل الصغار المتجهين نحو المدرسة, حيث يضطرهم الوحل و الطين, على إن يقفزون كالأرانب يلتمسون أرضا صلبة توفق لكي تحمل أجسادهم الرشيقة ,وهم يضحكون, لقفزاتهم و يلهون لسقوط احدهم في وسط الوحل, و يبتشرون, يتشاركون الفرحة. مع صف أشجار الصفصاف على طرف الطريق, فالشجر و الفجر و الصباح والمطر و الندى و الربيع أحاديث عشق خالد لا تنتهي و لا تفنى و لا تزول,
فكان الجمال في كل أركانه يعلن إن نهارا جميلا سينطلق في حسابات الكون و الحياة و الأرض و السماء!
كان ضوء الشمس خافتا, تشاركت في تغشيته و تغطيته ,مجموعه من الغيوم الرمادية و مجموعه أخرى ذات اللون الرصاصي الفاتح, و قد سمح هذا السحر المهيب للعصافير إن تزقزق, في كل أركان المدينة فتسمع منها صوت من نوع أخر و تحس انه مختلفا عن زقزقة كل يوم!
الناس ملئت الشارع الرئيسي و الذي يحاذي طلتين لي علية الأولى من على شرفه الطابق الثاني و الأخرى من على الحديقة الخارجية المترامية الإطراف بجنب الشارع الترابي و الذي يشكل شارعا رئيسيا للمحلة!
كان الرجال الأكثر سيرا بسرعة و في وسط شرود و حسابات و هواجس دفينة و الكلام مع الذات المعنوية !
كانوا غير عابئين بالمطر و الوحل فكانوا يسيرون كقاطرة لا تعرف إن تقف لأي سبب كان و ما كان ينقصهم في هذا الصباح الجميل إلا إن يثبتوا صافرة القاطرة على تلافيف أدمغتهم و يسيروا يشقون الطريق غير مبالين بشيء جميل و مختلف من نور الدنيا و رونقها ! إذ إن للحياة دوامة من الاضطرابات تجعل من الرجال ينزوون تحت عباءتها باستذلال و ينحنون لصعوبتها كالعباد المطيعين !
كان هم العيش و الفقر و البحث عن الرزق في وسط إكسير حياة لا يفلح الجميع إن يتذوقوا الأجمل و المسكر و الخمر فيه فالأغلب يشربون منه المر و التعاسة و القهر و يرسم على وجههم خطوط التعصب و القنوط!
وفي أسوء حالات الدنيا هي إن تدور كالرحى تطحن الإنسان بينها حجريها و لا يعيقها شيء!و لا يبكيها شيء!
أحسست إن الحياة رغم جمال الدنيا في هذا اليوم إلا إن هناك ممن لا وقت لهم لان يعبئوا بالجمال و الحسن ! إذ كان كل يوم في عاقلتهم كسابقة لا يفترق عنه شبرا و لا يحيد عنه مقدار شعرة أبدا.
و قد تعودوا في البرد و الحر و الربيع و الخريف إن يخرجوا يسعون في معترك الحياة و قسوتها ينخرون جسد البؤس و الفقر باضفارهم المجردة ليعودوا يحملون الطيبات إلى البيت ,كانت الحياة و لم تتغير حتى بعد النفط و الحرية و الديمقراطية كما هي لم يتحسن فيها شيئا إلا اللهم علت بعض البيوت لتناطح العمارات و شيدت من أموال الحرام للسادة المسئولين الشرفاء.وبقى هؤلاء الزاحفين مع كل صباح كما هم لم يدخل لهم شيء و لم يخرج منهم شيء و لم ينظروا للعالم بشيء أخر!
هكذا هي الحياة دوامة تلف في داخلها الملايين من البشر فتؤذي رؤوسهم و تعصر صدورهم و تخنقهم في النهاية و ترسلهم إلى شفير القبر يحملهم أحبتهم وناسهم و يدخلونهم فيه و يهيلون التراب عليهم ليودعوهم و يذهبون بخطاهم نحو الدوامة نفسها التي عصرت احدهم للتو!
كانت هذه الدوامة كالإلهة الفرعونية المصرية طابعها الإله المادي, الذي يضع على رأسه الذهب و يلبس الحرير , و يتقلد بالذهب , و الألماس, و يمسك صولجانا من ذهب خالص و يجلس على كرسي مذهب, و مزدان بأحجار كريمة و يضع عن يمينه الفواكه و الشراب و عن شماله النار و البخور و الدخان الذي يزكم الأنوف و يخنق النفس.
وحوله ينتشر الملا يلبسون افخر الثياب الحريرية المزينة بالأحجار الكريمة و الذهب و الفضة و الألماس و حالقي شعورهم و منمقي أنفسهم لأنهم في حظره الالهه الكبرى التي لابد إن يعبدها الرقيق المنتشرين على طول المملكة يحملون الحجر و يسقون الزرع و يطعمون الحيوانات و يصنعون الحلوى و يصقلون الحديد للالهه الكبرى, المتربعة على عرش الإلوهية الأكبر , فالملا يضيفون تقديسا مصطنعا و عبودية و رهبانية و تواضع أشبة بالاستحمار للالهه , و في الوقت نفسه ينسجون روايات و أساطير تخص الالهه كيف تمنح الحرية و الحب و تعطي بدون سؤال و تتكلم بدون شفاه و تعرف بدون خبر و تسير العالم و الكون و تضع الجبال و تزيلها و تصنع الغمام ليمطر في مدينة ما و ترسل اللهب إلى الصوامع و القرى البعيدة التي لا تؤمن و تنزل العذاب عندما تتغير تعابير وجه الالهه التي يعرفون حقيقتها و انها لا تضر و لا تنفع و لا تشبع و لا تسمن و لا تغني و لا تفقر و ما هي إلا ما نفخ فيه الملا و ادر عليهم ذهبا و فضة و جواري!
كان الملا اشد خطرا من الالهه التي عظموها إذ لم يجد هذا الفرعون من يقول له ارجع إلى أصلك و تيقن انك سوى أحمق ملئوك هواء و أصبحت تطير به و تستعلي على الناس لم يجدوا موسى و إبراهيم و عيسى و محمد ليوقف هذا الإعصار الذي يلف به الملا حتى أسفر عن دوامة تتحرك بمفردها و تدور كما الفت نفسها على الدوران..
هذه هي دوامة الحياة بكل بساطة إذ أنها ليست سوى خرافة ينسجها الملا و ينمقها الجهل و يلونها الحمقى اللذين لا زالوا يحرثون و يمسحون الروث و المخلفات و يبنون لقبورهم فلا يعرفون من الحياة إلى الرحم و القبر و ما بينهما فليس لهم بل كان وقتا مستأجرا للالهه التي استعبدتهم هم و إبائهم الأولون؟
هذا الاستذلال و الغطرسة لم يكن وليد اليوم و الساعة بل كان يشكل تاريخا إنسانيا كاملا منذ اللحظة الأولى التي خرج فيها الإنسان إلى الدنيا و لم يفلح العبيد إن يتخلصوا منه في يوم من الأيام إلى في فترات متباعدة تلمع هنا و هناك و تتوضح في عصر و تهفت في عصر أخر .
و على مدى عمر العبيد لم يعرفوا إن يقفوا في وجه إلهتهم التي صنعوها بأيديهم على مر التاريخ و ركنوا إلى التذلل و التقديس لها على مر الزمن و كأنهم توارثوا إن لا يعيشوا إلا تحت استحقار و استحمار متجدد و دائم,؟
و أصبحوا لا يجدون لذة في الحياة بدونهما للأسف الشديد!
كان التاريخ مظلما دوما في وجه الإنسانية فلم يمنحها النور لكونها لا تقدر إن تطلبه و لا تعرفه و لم تهتدي إلية مع انه موجود في بشكل أولي في دفائن عقولها و نفسها ,و أنها لم تشعر بطعم الحياة يوما لكونها لا تعرف طعما غير المر و الحنظل الذي شل حاسة التذوق فيها! و لم يتوالد منها جيلا يحسنون إن يقفوا و يمنحوا عقولهم النور البسيط لكونهم توارثوا الجهل و التعبد بما ألفوا علية إبائهم عاكفين.
و لم يغيروا سرابيلهم يوما و لم يتزينوا و لم يتعطروا و لم يشعروا وبكل صراحة كانوا أمواتا تسيرهم روح الالهه و سيادة الملا المقدس!
و هل أراد لهم الله إن يكونوا هكذا أم أتى على النبيين دهرا يقولوا نحن أبناء الله أو نحن إلهه من دونه !
إن إبائهم لم يصبروا على فراق موسى فصنعوا العجل !
و أجدادهم لم يسمعوا نوحا و هربوا إلى الجبال و صعد الحمير مكانهم في السفينة!
و جدهم الأعلى لم يقدر على نفسه فقتل اخية و تعلم من الغراب إن يواري سوءته!
و إبائهم اخرج لهم التابوت فيه سكينه و انزل عليهم المن و السلوى فطلبوا الثوم و البصل!
و إبائهم اخرج لهم موسى ينتصر على ربهم الأعلى فتركوه و تاهوا على وجوههم في الصحراء دهرا !
و خلق لهم يحيى يخلصهم فقتلوه و أهدوا راسة إلى بغي من بغايا بني إسرائيل.
و خلق لهم عيسى فصلبوه و عذبوه !
و خلق لهم محمدا فتركوه و هربوا و تخلفوا و اذووا !
و خلق لهم وصيا يحفظ لهم دينهم فبعضهم عبده و الملا استغلوه و صبغوا الالهه باسمه!
و خلق لهم أوصياء فبعضهم سموهم وبعضهم قتلوهم و قطعوا رؤؤسهم و هم يتشبعون لهم و يعيشون في الكوفة إلى ألان!
و يستمر التاريخ و الإنسان يتجدد وفق معطيات متوالدة و مستنسخه و متجانسة و يبقى الالهه الفرعونية إلهة الاستذلال و الاستصغار تتقمص الشخصيات على مر التاريخ فمرة تلبس ثوب فرعون و مرة أخرى ثوب الملا و مرة أخرى ثوب الدين بن باعورا و مرة ثوب الهيبة العسكرية لهامان و مرة ثوب القوى المادية قارون ومرة تسلب ثوب موسى و صليب عيسى و قميص محمد و مدرعة علي و صرخة الحسن و الخلافة للمهدي !
و جنده!
و السائرون على رغبة الالهه يملئون الدنيا كأنهم الأموات اجتمعوا ليعيشوا من جديد و يتوالدون يوما بعد أخر لا يشعرون بك أبدا إن تكلمت و يفترسونك إن شخصك الملا و فرعون و هامان و بلعم بن باعورا !
فنحن في هذه الدنيا إما بكماء حكماء لا يسمع لنا قول و لا يفهم لنا منطق أو نحن كالضحايا تقطع أوصالنا عسلان الفلوات بين النواويس و كربلاء فيملان منا اكراشا جوفا و بطون سغبا...
#جعفر_مهدي_الشبيبي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟