أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالوهاب حميد رشيد - مستقبل العراق- ف1















المزيد.....



مستقبل العراق- ف1


عبدالوهاب حميد رشيد

الحوار المتمدن-العدد: 4081 - 2013 / 5 / 3 - 10:40
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    




مستقبل العراق
"الفرص الضائعة والخيارات المتاحة"








الكتاب : مستقبل العراق
"الفرص الضائعة والخيارات المتاحة"
المؤلف : د. عبدالوهاب حميد رشيد
الحقوق محفوظة
استوكهلم- السويد 2003


Title: IRAKSFRAMTID
Titel: IRAQ S’ FUTURE
Author: Dr.A.W.H.RASHID
Copyright © The Author
STOCKHOLM, SWEDEN, 2003
ISBN: 91-631-0505-5 SWEDEN













لماذا
لماذا لا شيء يُغيّرنا
لماذا ما زلنا كالموتى
لماذا يُفرض علينا حكامنا
لماذا نستورد غذائنا
لماذا لا ننتج ملابسنا
لماذا لا نهتم ببضاعتنا
لماذا يحتل الغرباء ديارنا
لماذا نعتمد دوما على غيرنا
لماذا لا نبدأ بإصلاح حالنا
لماذا لا شيء يُغيّرنا

* ستينبيورن ياكوبسون
هذه أبيات من قصيدة كتبها الأديب والشاعر Stiebjörn Jacoson, مواليد 1938 من بلاد فيرورنا Färöarna.. ترجمها الباحث من اللغة السويدية.. وبلاد فيرورنا مكونة من (18) جزيرة تقع في المحيط الأطلسي (جنوب شرق ايسلندة/ شمال اسكتلندة/ غرب النرويج).. وهذه الجزر تعود للدانمارك.

المحتويات

المقدمة
الفصل الأول: لمحات من تاريخ العراق وجغرافيته وموارده
هوامش الفصل الأول
الفصل الثاني: هدر الإمكانيات- الفرص الضائعة
هوامش الفصل الثاني
الفصل الثالث: معوقات التنمية في العراق
1- العنف السياسي "أزمة غياب الديمقراطية"
2- الحرب الأهلية "القضية القومية الكردية"
3- المغتربون والمهجّرون "المعارضة والأحزاب السياسية"
4- علاقات الجوار "الحروب والتراجع إلى الوراء"
هوامش الفصل الثالث
الفصل الرابع: شروط التنمية ومتطلّباتها في العراق
1- مفهوم التنمية ومتطلّباتها
2- النظام السياسي "الديمقراطية تحت مظلّلة الاستقلال"
3- المغتربون والأحزاب السياسية والتنوعات القومية
4- العلاقات الخارجية "الدولية والعربية وعلاقات الجوار"
هوامش الفصل الرابع
الفصل الخامس: خيارات إيجاد نظام سياسي بديل
هوامش الفصل الخامس
الفصل السادس: العراق والمستقبل
1- آثار المقاطعة
2- توقعات اقتصادية
هوامش الفصل السادس
الفصل السابع: آراء عينة من المثقفين العراقيين في هموم
البلاد الحالية والمستقبلية "صحيفة استقصاء"
هوامش الفصل السابع
الخاتمة: الخلاصة والاستنتاجات
ملحق البحث: صحيفة استقصاء
المصادر










قائمة الجداول

عوائد صادرات النفط الخام في العراق للفترة 1931-1990
"مليون دولار أمريكي"
التخصيصات القطعية في الخطط (البرامج) الاستثمارية في العراق للسنوات 1951- 1983 (%)
مبالغ ونسب العوائد النفطية المستخدمة لأِغراض الاستثمارات الفعلية في العراق 1951- 1983
النفقات العسكرية (مليون دولار أمريكي) ونسبها إلى الناتج المحلي الإجمالي
تطور الأهمية النسبية للقطاعات السلعية في الناتج المحلي الإجمالية في العراق للفترة 1953-1990
مؤشرات الاكتفاء الذاتي ومعدلات استهلاك الفرد من القمح والحبوب في العراق للفترة 1950- 1994
الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الثابتة (1974=100) ومتوسط حصة الفرد من الناتج في العراق للفترة 1943- 1995
مشاهد مستقبلية لتقديرات متوسط حصة الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في العراق للفترة 2002- 2016 (دولار أمريكي- أسعار جارية)
آراء عينة من المثقفين العراقيين في النظام السياسي الحالي
آراء عينة من المثقفين العراقيين في إيجاد نظام سياسي بديل
آراء عينة من المثقفين العراقيين في النظام السياسي المنشود
آراء عينة من المثقفين العراقيين في النظام السياسي المنشود "السلطات الثلاث"
آراء عينة من المثقفين العراقيين في القضية القومية الكردية والتنوعات الثقافية
آراء عينة من المثقفين العراقيين في قضية المغتربين
آراء عينة من المثقفين العراقيين في المعارضة والأحزاب السياسية
آراء عينة من المثقفين العراقيين في المقاطعة ولحصار الاقتصادي
آراء عينة من المثقفين العراقيين في قضايا الدفاع الوطني للعراق الجديد
آراء عينة من المثقفين العراقيين في قضايا التعليم والثقافة وحقوق الإنسان
آراء عينة من المثقفين العراقيين في قضايا اجتماعية عامة
آراء عينة من المثقفين العراقيين في علاقات العراق الدولية والعربية
آراء عينة من المثقفين العراقيين في علاقات العراق مع دول الجوار







المقدمة
هذا بحث في نقد الاقتصاد السياسي للعراق. يحاول تحليل جهود التنمية للعقود الماضية ومتابعة أحداث العراق إلى ما بعد أزمة- كارثة الخليج (1950- 1995)، وإجراء توقعات لفترة خمس عشرة سنة تالية (2004- 2018)، بغرض تقييم جهود التنمية وتكوين صورة مستقبلية للإمكانيات المتاحة لتجاوز آثار الكارثة التي حلتَّ بالبلاد في ضوء عدد من المشاهد الاقتصادية لعراق المستقبل.
وينطلق البحث في هدفه تلمس سُبل نهوض العراق من كبوته، ورسم الملامح السياسية والاقتصادية الرئيسة لعراق المستقبل في سياق فرضية مفادها: إن مشكلات ضياع فرص التنمية وهدر الإمكانات العراقية ستبقى مستمرة طالما بقيت مظلة الاستبداد- بمفهومها الواسع- تُغطي سقف المجتمع العراقي.
والبحث في محاولته تشريح الواقع الاقتصادي- السياسي الحالي وتسبيب مشكلاته وبناء صورة عراق المستقبل، يقوم على ثلاث اطروحات بالعلاقة مع العراق المنشود: الأولى رفض العنف بكافة أشكاله وصوره، لأِن الديمقراطية ليس لها سوى وجه واحد هو الحوار وسماع الرأي الآخر وقبول قرار الأغلبية واحترام رأي الأقلية.. الثانية تبنّي الخيار السلمي وبناء إرادة الحرية أسلوباً وحيداً للتعامل السياسي وتأكيد قرار الأغلبية. لأِن الديمقراطية ليس لها سوى طريق واحد هو طريق النضال السلمي لبناء المواطن الثوري المالك لإرادة التغيير والقادر على تعزيز أسس الديمقراطية ومكافحة كافة أشكال الاستغلال الداخلي والخارجي.. الثالثة الدعوة لاعتماد التنمية المستقلة المعتمدة على النفس والموجهة نحو الداخل لتعبئة الناس والموارد الوطنية, والقائمة على تلبية الاحتياجات الأساسية للأغلبية من منظور مرن متطور، والهادفة إلى إعادة بناء الهيكل الإنتاجي للاقتصاد الوطني على نحو متشابك ومتكامل.
بدأ الفصل الأول بعرض تاريخي مكثف لحضارة وادي الرافدين من حيث ملامحها الجغرافية وحياتها الزراعية وقوانينها المنظمة للشؤون الاقتصادية والاجتماعية، ومروراً بالفتح العربي الإسلامي وما حققها من مستويات رفيعة للاكتفاء الذاتي من الغذاء لم يصله العراق الحديث بعد، رغم جهوده الطويلة في مجال التنمية وحصوله على أكثر من 196 بليون دولار عوائد نفطية فقط, بما في ذلك 192 بليون دولار للفترة 1968- 1990 (الفصل الثاني).
وكانت معوقات التنمية والخراب الاقتصادي والاجتماعي الذي حلَّ بالبلاد بسبب كوارث الحروب موضوع الفصل الثالث. وحاول الفصل الرابع تلمس طريق المستقبل وسبل نهوض البلاد من كبوتها، بمناقشته للتنمية المستقلة المعتمدة على النفس من حيث مفهومها وشروطها ومتطلباتها. هذا بالإضافة إلى بحث كيفية معالجة المعوقات السياسية. وكانت خيارات إيجاد نظام سياسي بديل محل بحث الفصل الخامس.
وبعد دراسة آثار المقاطعة المفروضة على البلاد منذ آب/ أغسطس 1990 من جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، انتهى الفصل السادس إلى تقديم أربعة مشاهد اقتصادية للفترة التالية على افتراض رفع الحصار عن العراق. وأخيراً ركز الفصل السادس على تحليل آراء عيّنة من المثقفين العراقيين بشأن عدد من الهموم الحالية وملامح النظام المستقبلي التي كانت محل مناقشة البحث في فصوله السابقة، وذلك في سياق صحيفة استقصاء تضمنت 135 مقولة.
يشكر الباحث جميع من ساهم في المشاركة في صحيفة الاستقصاء من خلال إجاباتهم وملاحظاتهم التي أغنت البحث. و رغم شكره وتقديره لكل من سَهَّل مهمته هذه, يبقى الباحث وحده المسؤول عن تبعاتها، وعن النواقص التي لم يكن بالإمكان تلافيها.













الفصل الأول
لمحات من تاريخ العراق وجغرافيته وموارده

اشتهرت أرض ما بين النهرين- دجلة والفرات- تاريخيا باسم Mezopotamia، وهي تسمية أغريقية قديمة تعني بلاد ما بين النهرين.(1) هذه المنطقة التي تُعتبر تاريخياً الموطن الأول للحضارة البشرية. ففي المنحدر الواقع بين النهرين آثار إنسان النياتندرال المتوحش تعود إلى 120 ألف سنة.(2) كما أن الكهوف المكتشفة في المناطق الجبلية شمال العراق تدُلل على أقدم النشاطات البشرية التي ترجع إلى العصر الحجري ولفترة تُقارب 80 ألف سنة.(3) كذلك تُعتبر بلاد وادي الرافدين تاريخياً المنطقة الأولى في ممارسة الزراعة، لتنتشر في أنحاء البلاد وتصل إلى الجنوب في تجربة بشرية أولى لتطبيق الري الصناعي، مع ما رافقتها من تطور العلوم والمعارف وظهور أول حضارة بشرية ناضجة.(4)
وبذلك تُعتبر هذه البلاد مربض أعظم مرحلتين للتقدم الحضاري البشري. تمثلت الأولى في ممارسة الزراعة ودجن domestication الحيوانات في الشمال قبل أكثر من عشرة آلاف عام. والثانية هي تطور الحياة المدنية والنظام الاجتماعي في الجنوب من خلال السيطرة على مياه النهرين والتي تطلبت جهودا بشرية هائلة وأعمالا تنظيمية متطورة ساهمت في بناء تنظيم اجتماعي سياسي متقدم. وجاءت محصلته بروزاً مبكراً لدول المدن السومرية city-states.(5)
أُدمجت دول المدن السومرية بظهور أول إمبراطورية في بلاد الرافدين (2400 ق م) من قبل الاكديين بعد إخضاعهم كافة دول المدن السومرية في الجنوب بقيادة ملكهم سرجون الاكدي. استمرت الإمبراطورية الاكدية قرابة 200 عام قبل سقوطها. إلا أن المثال الذي ضربته بوحدة ميزوبوتاميا "مثال لا يُنسى".(6) وجاء بعدهم البابليون (2006ق م) حيث أنشئوا إمبراطورية ضخمة بقيادة ملكهم حمورابي (1792-1750ق م). وفي الفترة التي تلت سقوط الإمبراطورية البابلية (السلالة الأُولى) ظهرت الإمبراطورية الآشورية (1500-612 ق م) التي جسدت ملكية اوتوقراطية وحجما أكبر من البيروقراطية. وكانت أكثر تطورا في مجال الإدارة وتميزت بكفاءة عالية، رغم قسوتها. حيث اتبعت الإمبراطورية الفارسية (537- 330) أكثر جوانب النموذج الآشوري. وبسقوط بابل (العصر البابلي الحديث: 626- 530 ق م) سقطت حضارة وادي الرافدين.
كانت مساهمة بلاد وادي الرافدين في الحضارة البشرية عديدة ومتنوعة: اختراع الكتابة، استخدام العجلات- المعادن، هندسة المعابد الضخمة وفق أشكال هرمية: الزقورات ziggurat، مساهمات ثقافية أدبية وعلمية: فالسومريون وخلفائهم البابليون كتبوا الشعر والأسطورة، وتركوا أول ملحمة علمانية حية في العالم (ملحمة كلكامش) تضمنت أول رواية مدونة عن آيات الطوفان العظيم التي وردت في التوراة فيما بعد. بينما اشتملت الرياضيات السومرية الجذر التربيعي والجذر التكعيبي والمعادلات التربيعية. وبملاحظتهم الأجرام السماوية، أنشأ السومريون أولى التقويمات calendars الدقيقة على أساس الأشهر الاثنى عشر والسنة القمرية lunar year وتقسيمات اليوم والساعة والدقيقة والثانية التي تستخدم حتى الوقت الحاضر.(7)
يكتب الباحث السويدي zetterholm,Tore في كتابه " أمس كان عندنا نبوخد نصّر- كتاب عن العراق" ما يلي: ليست حضارات وادي الرافدين السومرية والبابلية أقدم الحضارات في التاريخ، حسب، بل أننا نجد أنفسنا كذلك في هذه الحضارات- أساطيرنا وملاحمنا وحتى ديننا. نعم إن الكثير مما تعلمناه ناظرين إليه كإرث للاغريق ولليهود يعود إلى هذه الحضارات.هنا قبل 1500 سنة على عهد اقليدس وهوميروس صيغت نظرية اقليدس وكتبت أول ملحمة في التاريخ.. هنا ظهرت الحكايات والأساطير وقصص نشوء الخليقة والطوفان قبل أسفار موسى الخمس. هنا منبع حكايات وقصص هابيل وقابيل والجنة. لقد بنى السومريون الحضارة البشرية الأولى، وساهموا في نقل التطور البشري من العصر الحجري وعالم ما قبل التاريخ إلى عصر الزراعة والتاريخ. السومريون هم أول من استعملوا المعادن، واخترعوا المحراث ذو السن الحديد، وأوجدوا اللغة المكتوبة، وبنوا السدود والقنوات لزراعتهم، وثبتوا نظام التوقيت الزمني. وحسبوا درجات الدائرة (360ْ). كان السومريون معلمي الرياضيات لكل من الاغريق والعرب، وكتبوا الأمثال والقصائد والمجموعات الشعرية المتكاملة وملاحم البطولة. كما تركوا للبشرية أقدم رسالة حب تعود إلى خمسة آلاف سنة.(8)
كما خلَّفت حضارة العراق القديمة ملحمة كلكامش حيث يراها عدد من الباحثين أنها أعظم ملحمة عالمية تميزت بالأصالة والحيوية, نظراً لواقعية موضوعها الباحث في الحياة والموت والطبيعة والخلود. ففي إحدى مقاطعها تعبير علماني عن الحياة الدنيوية عندما يستمع كلكامش إلى نصيحة صاحبة الحانة: يا كلكامش إلى أين أنت ذاهب؟ إن الحياة التي تبحث عنها لن تجدها، حين خلقت الآلهة الإنسان، قدرت له الموت، واحتفظت لنفسها بالحياة. فاملأ يا كلكامش بطنك، كن فرحاً ليل نهار، استمتع بكل يوم، انظر إلى الطفل المتعلق بيدك واسعد زوجتك بين ذراعيك.. وهي نصيحة موجهة للإنسان كي يتمتع بدنياه، وتغيب عنها الإشارة إلى محاولة إرضاء الآلهة بالتدين.(9) أليست هذه الالتفاتة الفلسفية والوعي بِأهمية الواقع والاستجابة لقضية الإنسان الأساسية وهمومه الحياتية- قبل أكثر من أربعة آلاف عام- محاولة لحصر الدين ضمن الحرية الشخصية!؟
كذلك عبَّرت شرائع حمورابي، التي صدرت قبل أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة عام، عن هدية حضارة ميزوبوتاميا إلى العالم لأِول قانون مدون ومنظم للحياة الاجتماعية، والذي شرَّعها ملك بلبل،لتجعل هذه البلاد أول دولة عرفت القانون. فأصبحت دولة القانون الذي صدر عن مليكها حمورابي "ليقيم العدل في البلاد ويقضي على الشر والفساد ويحمي الضعيف من ظلم القوي...". فجاءت الشريعة حصيلة هذا النداء للحكم، فكانت حقاً دنيوياً غطت حقولاً واسعة من المعاملات.(10) وكانت لشرائع حمورابي أثرها في كل من قانون موسى والقانون الروماني- الذي اشتقت منه معظم الدساتير الأوربية الحديثة. كما أنها شكلت مصدر القاعدة القانونية المعروفة "العين بالعين والسن بالسن...".(11)
والجدير بالإعجاب أن هذه القوانين أعطت أولوية خاصة لنزاهة القضاة, وأكدت بقوة على محاربة شهادة الزور، بل أن عقوبة الدعوى الكاذبة أو شهادة الزور كانت شديدة في هذه الشرائع حقاً. أليست هذه مفارقة كبرى مع القانون في عراق اليوم؟ إذ يتعرض كل من القاضي والقانون للانتهاكات. وشهادات الزور ممارسة عادية ضد المعارضة السياسية باعتراف منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية.(12) يُضاف إلى ذلك حالات الإهانة والتشويه البدني لمرتكب الجريمة (السارق، الهارب من الخدمة العسكرية) من قطع للأطراف وبتر للآذان ووشم بالنار وفق مزاعم دينية وصيغ قانونية باطلة.
تشير المعلومات الأثرية إلى أن وضع القطاع الزراعي في بلاد الرافدين بين الألف الثالث وبداية الألف الثاني قبل الميلاد كان متقدماً اقتصادياً واجتماعيا. كما أصبحت بابل بوفرة محاصيلها واستمرار نشاطها الزراعي أهم مراكز الإنتاج في المنطقة المسماة بالشرق الأدنى. إن الآثار التاريخية الماثلة حتى اليوم على التضاريس الأرضية في بابل تؤكد أن سهول بابل كانت تروى بعدد كبير من القنوات. أما في الشمال فكانت الزراعة في حوض الوادي ممكنة وأكثر عطاء مما كانت عليه في الألف سنة التي سبقتها بعد إدخال المحراث ذو السكين الحديد.(13) بل أن الباحث السويدي السابق الذكر يرى بعد زيارته للعراق، والاطلاع على آثاره التاريخية، أن الأراضي القاحلة- الرملية والصخرية والصحراوية- في عراق اليوم لم تكن كذلك في فترات الحضارة القديمة لوادي الرافدين، بل أنها كانت مغطاة بالمزروعات والخضر. ذلك أن الأنواع المتعددة للحيوانات التي وردت في الأدبيات والصور السومرية والبابلية ما كانت لتعيش فقط بين الرمال والصخور.(14)
ومع سقوط حضارة وادي الرافدين بسقوط السلالة البابلية الحادية عشرة (539ق.م) أصبحت البلاد فريسة أقوام أجنبية عديدة. وعند مجيء الإسلام (معركة عين جالو 637م) تكون بلاد الرافدين قد عاصرت حضارات متقدمة تعود في حينه إلى 3500 سنة.(15) ومع هذا الفتح العربي الإسلامي للبلاد عندئذ أشتهرت البلاد باسمها الجديد (العراق) بمعنى الجذر/ الأصل/ العريق.(16) وهناك من ينسب الاسم إلى باديته الغربية التي اشتهرت بكثرة الصخور والمرتفعات الصخرية الضاربة جذورها في أعماق الأرض.(17)
يعود العراق مركزاً للحضارة في فترة النهضة العربية- الإسلامية على مدى خمسة قرون قبل أن تسقط بغداد تحت أقدام البربرية المغولية. وصلت الحياة الاقتصادية في العصر العباسي مستوى رفيعاً، خاصة في مجال الزراعة, وأصبحت المنطقة المسماة بـ "السواد" جنوب ووسط البلاد مخزناً للحبوب والمنتجات الزراعية. ولم تكن البلاد مكتفية ذاتياً،حسب، بل ومصدرة لها إلى البلدان الأُخرى المجاورة. تشير بعض التقديرات إلى أن سكان العراق في عصر الازدهار العباسي بلغ ما لا يقل عن ثلاثين مليون نسمة.(18) بينما استورد حوالي ثلاثة أرباع رغيف خبزه اليومي في الثمانينات.(19)
بعد سقوط بغداد، عاشت البلاد فترة تبعية دامت أكثر من سبعة قرون (1258-1932) قبل أن تحقق استقلالها السياسي اسمياً. وخلال هذه الفترة الممتدة أصبحت البلاد مسرحا لهجمات خارجية، وخضعت للدولة العثمانية (1500م) لغاية نهاية الحرب العالمية الأولى، عندما انتقلت للسيطرة البريطانية (1918) المباشرة فترة قصيرة قبل أن تنفجر ثورة العشرين العنيفة التي أقنعت الإنكليز عدم قدرتهم على حكم البلاد في ظل إدارة بريطانية مباشرة دون تكاليف باهظة.(20) وهكذا أخذت الإدارة البريطانية بفكرة الحكم غير المباشر للعراق على أساس المعاهدة والتوجه لإعلان أحد أبناء شريف مكة ملكاً على العراق. وبذلك تم منح عرش العراق إلى فيصل بن الحسين (23/8/1921) لتصبح البلاد مملكة دستورية ذات انتخابات برلمانية.
ومع أن عصبة الأُمم أصدرت في 13 ت1/أكتوبر 1932 قرارها بِإنهاء فترة الوصاية وإعلان العراق دولة مستقلة ليصبح عضواً في العصبة، إلا أن النفوذ البريطاني استمر على قوته في صنع القرار العراقي للفترة التالية ولغاية 1958.(21)
الجدير بالذكر أن المجلس التأسيسي المنتخب لم يكن مؤيداً للتصديق على المعاهدة البريطانية العراقية لولا الخوف من ضياع محافظة (ولاية) الموصل. وجاءت خطوة التصديق مشروطة بعودة المحافظة. وشكلت مساومة ناجحة من الزعماء السياسيين العراقيين الأوائل بغية ضمان حق العراق في عصبة الأمم لإعادة المحافظة المذكورة إلى الوطن الأُم والتي كانت محل نزاع مع تركيا.
وبذلك شهد عام 1925, بعد تمديد المجلس النيابي العراقي للمعاهدة إلى 25 سنة بناء على طلب بريطانيا، صدور قرار عصبة الأُمم ضم محافظة الموصل إلى العراق.(22) ومع عدم إنكار المصالح البريطانية النفطية، إلا أن عودة المحافظة في ذاتها شكَّلت انتصاراً تاريخيا لأِول مجلس نيابي منتخب في العراق.
ما تحقق في العشرينات حصل عكسه بعد مرور نصف قرن من الزمن، عندما تم إخضاع المصالح الوطنية لإرادة القوى الأجنبية، بسبب استمرار الصراع والعنف بين الحكومة وبين القوى القومية الكردية. هذه الظروف التي دفعت بالأخيرة قبول الدعم الخارجي (شاه إيران والمخابرات الأمريكية) وأدت إلى وقوع النظام العراقي في مصيدة اتفاقية الجزائر (1975) بالتنازل عن جزء من حقوق الوطن في شط العرب لصالح شاه إيران مقابل إطلاق يد النظام العراقي تدمير الحركة الكردية المسلَّحة.(23)
ومن الواضح أن هذه النتيجة ما كانت لتتحقق لولا أزمة الحكم التي اتسمت بمصادرته للحريات الديمقراطية وإصراره على ممارسة العنف وسفك الدماء بدلاً من الاحتكام إلى منطق الحوار وإرادة الأغلبية. فكانت المحصلة كما هي قائمة اليوم, خسارة في الحقوق الوطنية وتصدعاً في الوحدة الاجتماعية، وشتان ما بين الحالتين!!
استمرت سياسة الأحلاف سمة مميزة للنظام الملكي، وأثرت سلبياً على النظام الدستوري والتمثيل النيابي ذاته، لتجعل من العملية السياسية- الدستور والانتخابات البرلمانية- عملية شكلية خاضعة في جوهرها لسياسة الأحلاف والمعاهدات. فكانت الحصيلة تشويه المسيرة الدستورية- على ضعفها- وتحول الحكومات الملكية إلى أدوات مستبدة فاسدة, جسَّدت بشكل خاص سوء الإدارة والرشوة وتزييف الانتخابات لحساب المصالح البريطانية التي بقيت تعلو على مصالح البلاد. عليه، ظلَّت الحالة السياسية قلقة غير مستقرة عبَّرت عن نفسها في الحركات والانقلابات العسكرية والانتفاضات الشعبية.
وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية (1946) أعلن البلاط – بتوجيه من الإدارة البريطانية في بغداد- "سياسة الانفتاح" بترخيص الأحزاب والصحف لتحقيق هامش من الحريات. إلا هذه أن السياسة فشلت بعد فترة قصيرة لا تتعدى الثلاثة أشهر وبضعة أيام، نظراً لتقاطعها ومصالح نخبة البلاط والإنكليز، ولتستمر سياسة الأحلاف بتوقيع معاهدة بورتسموث (ك2/ يناير 1948). فكانت حصيلتها انتفاضة الوثبة وسقوط الكثير من الضحايا برصاص شرطة النظام. واستمرت الانتفاضات الشعبية تجدد في السنوات التالية.
وبعد التوقيع على حلف بغداد عام 1955 (العراق،تركيا، إيران، أفغانستان، بريطانيا)، ونتيجة العدوان الثلاثي (إسرائيل، بريطانيا، فرنسا) على مصر (1956)، والموقف المشين للنظام الملكي من العدوان، تكررت الانتفاضة الشعبية التي انطلقت من النجف والموصل، وتبعتها مظاهرات الطلبة في بغداد وبقية المحافظات. وعلى إثرها أعلنت الحكومة الأحكام العرفية (31/10/1956- 27/5/1957). وهكذا فما لم تستطع الحكومات الملكية فعله في الظروف الاعتيادية، مارسته في ظل الأحكام العرفية.(24)
قادت هذه الأوضاع إلى قيام تحلف سياسي (جبهة الاتحاد الوطني) واسع ضمَّ الأحزاب الوطنية المعارضة (الوطني الديمقراطي، الاستقلال، الشيوعي العراقي، البعث العربي الاشتراكي) التي نسقت جهودها مع حركة الضباط الأحرار، فجاءت ثورة 14 تموز 1958 حصيلة لهذا التجمع العراقي الواسع.
شهدت بداية العهد الجمهوري الفتي خطوات إيجابية عديدة حققت للبلاد استقلالها السياسي الفعلي بالخروج من حلف بغداد والمنطقة الإسترلينية وإنهاء النفوذ البريطاني في العراق وبناء سياسة خارجية مستقلة ومحايدة، بالإضافة إلى العديد من الإصلاحات الداخلية لصالح ذوي الدخول المحدودة والفئات الفقيرة. إلا أن السؤال الذي ظلَّ قائماً هو مسألة إلغاء الدستور الدائم وعدم إحلال البديل الديمقراطي المناسب. ورغم صعوبة تبرير هذا الإجراء، إلا أن هذه المسألة خضعت لاستفتاء عينة البحث بمقولتين (رقم 106 و 107)، الفصل السابع (جدول رقم 9).
العراق بمساحته الحالية المقدرة 8ر43 مليون هكتار (168 ألف ميل مربع أو 438 ألف كيلومتر مربع) وسكانه ألـ 21 مليون نسمة (1994) يعتبر من البلاد الخفيفة السكان. إذ لوحظ في الصفحات السابقة أن سكان العراق حالياً أقل مما كان عليه في عصر الازدهار العباسي. وعند المقارنة مع بريطانيا مثلاً، يتبين أن مساحة العراق تزيد على مساحة بريطانيا بمقدار 19 مليون هكتار أو 79%، بينما لا يتجاوز سكانه 36% من سكان بريطانيا. وعلى أساس هذه المقارنة، وبافتراض حصول تقدم حضاري مماثل للعراق، عندئذ يمكن أن تستوعب البلاد أكثر من مائة مليون نسمة وبمستويات المعيشة السائدة في بريطانيا.(25)
أما موقع العراق في وسط غرب آسيا فهو محاط باليابسة من كافة جوانبه، عدا الجزء الجنوبي، حيث يمتلك شريطا مائياً ضيقاً بحدود الميلين نحو البحر. من هنا تُعتبر البلاد أرضاً مغلقة. وبشكل عام تفرز جغرافية العراق وحدوده عدداً من السمات غير الاعتيادية:
* الجزء الغربي من البلاد المسمى بـ البادية (البادية الغربية) أو صحراء البادية تُغطي أكثر من نصف مساحة العراق. وهي أراضي رملية ومرتفعات صخرية غير صالحة للزراعة. والجدير بالإشارة أن الحدود المحاذية للسعودية تضم منطقة محايدة بواقع 7044 كم2، أُنشئت وفق اتفاقية عام 1922 بين العراق والسعودية لتسهيل انتقال عرب البادية (البدو الرحل) وحيواناتهم.
* الحدود مع إيران في الطرف القصي من الجزء الجنوبي للبصرة تتبع جريان شط العرب ولغاية مصبِّه في الخليج العربي. وبموجب اتفاقية عام 1936 بين العراق وإيران تم رسم الحدود المائية لجانبي شط العرب ضمن الحدود العراقية. إلا أن ضغوط إيران الشاه المستمر واستغلالها للحرب الأهلية والقضية القومية الكردية، كما سبقت الإشارة، هذه الظروف قادت إلى رضوخ النظام العراقي وقبوله اتفاقية الجزائر (1975) متضمنة تعديل حدود العراق المائية لصالح إيران من منتصف شط العرب. الرأي الغالب أن هذه المشكلة كانت أحد أسباب الحرب العراقية- الإيرانية. كما أنها لا زالت وسوف تبقى تُشكل نقطة اختناق في علاقة البلدين.(26)
* طبيعة مجرى دجلة والفرات تؤدي إلى جلب الكثير من الأملاح معها من ممراتها، فتترسب في الحقول التي تغمرها مياه النهرين. المشكلة في الشمال أقل حدة, نظراً لسقوط كميات وفيرة من الأمطار (الزراعة المطرية/ الديمية) مقارنة بالجنوب (الزراعة المروية)، وتوفر تلك الأمطار إمكانية غسل التربة . يُضاف إلى ذلك أن عمق كل من حوضي النهرين ومستوى سطح المياه الجوفية وسرعة جريان مياههما عوامل تحد من الملوحة في الشمال. أما في الجنوب فمشكلة ملوحة الأرض (السبخ)، التي أضرَّت بالزراعة منذ آلاف السنين، تكون حادة. فمع الاتجاه جنوباً تقل كميات الأمطار ولا تكفي لغسل التربة، علاوة على أن المياه الجوفية تصبح أقرب إلى سطح الأرض. لذلك فالمياه المبخرة تترك مساحات بيضاء (أملاح) واسعة يخالها المرء في عز الصيف ثلوجاً! وهنا اكتشف الفلاح العراقي طريقة ترك الأرض بدون زراعة (طريقة البور أو نظام النيرين) لمدة سنة أو سنتين لإراحتها وتخليصها من الأملاح. وهذه الطريقة مارسها السومريون قبل آلاف السنين. ولا زال الفلاح العراقي يمارسها اليوم على ما فيها من هدر للموارد المتاحة. وفي غياب شبكة متكاملة للري والبزل (الصرف)، بقيت مشكلة الملوحة تُشكل عائقاً حقيقياً أمام التوسع في الأرض الزراعية. من هنا بقيت الأراضي المحصولية المستغلة فعلاً وبصورة دائمة بحدود 7ر3% من الأراضي القابلة للزراعة، بينما لم تتجاوز هذه الأراضي ذاتها 5ر12% من المساحة الكلية (باستبعاد مساحة الجبال والمنطقة المحايدة والمياه الأقليمية والمساحات الحدودية).(2)
* من الآثار الأُخرى لاتساع جانبي نهري وادي الرافدين وانخفاض عمقهما في الجنوب تكون الأهوار والمستنقات. إن الطبيعة الجغرافية للمنطقة خلقت بيئة ذات خصوصية فريدة لحياة سكان المنطقة (عرب الأهوار) الذين يُشكلون مجتمعاً خاصاً بهم بواقع 200 ألف نسمة. فحياة سكان عرب الأهوار ومعيشتهم تعتمد على صيد الأسماك وتربية ورعي الجاموس في غذائهم، والقوارب والطوف في تنقلاتهم، والقصب في بناء مساكنهم. إن خصوصية بيئة المنطقة صبغت حياة عرب الأهوار وشكَّلت قيمهم وحضارتهم التي تعود إلى ستة آلاف سنة.(28)
لقد عاش مجتمع الأهوار في ظروف حياتية بدائية لآِلاف السنين، وكانت صعوبة المواصلات أحد العوامل الرئيسة في عزلتهم. لذلك تميزت حياتهم بنوع من الاستقلال الذاتي عن الحكومة المركزية. ومع ذلك فقد عانوا منذ لثمانينات،بخاصة، نتيجة الحرب العراقية- الإيرانية. وزادت معاناتهم بعد حرب الخليج وانتفاضة آذار/ مارس 1991، بعد أن أصبحوا هدفاً للقمع والتهجير القسري، بتدمير بيئتهم وتسميم مياههم بدعاوى بناء وتعمير المنطقة. في حين أن هذه الدعاوى لم تكن خالية من مقاصد سياسية قمعية، كما هي واضحة في تقارير منظمات حقوق الإنسان الدولية. كما أن الأهوار ببيئتها النقية وجمالها الطبيعي تُعتبر جنة من جنان الأرض التي تنعم بها البلاد والعباد، وتُشكل واحدة من مصادر الثروة الوطنية غير المستغلة بشرياً ومادياً وسياحياً. عليه، مهما كانت الادعاءات المعلنة والمقاصد الخفية، فليس من المصلحة الوطنية أن تقود مهمة استغلال وتطوير هذه المنطقة إلى الإساءة لبيئتها السكانية أو الطبيعية أو التاريخية.(29)
تُشير الإحصاءات المتاحة إلى أن مساحة المراعي بقيت ثابتة على حالها، وبحدود أربعة ملايين هكتار (1ر9% من المساحة الكلية). لكن الظاهرة التي تدعو إلى وقفة طويلة هي مساحة الغابات. قُدَّرت هذه المساحة بحدود 9ر1 مليون هكتار, وبقيت ثابتة دون تغيير منذ عقد الخمسينات. وفي الثمانينات تعرضت لانخفاض حاد لتصل إلى 192 ألف هكتار فقط. والسبب يمكن تقديره بسرعة، ألا وهو استمرار الحروب خلال تلك الفترة والتي جاءت إحدى نتائجها الكارثية بتدمير 90% من غابات البلاد، وتعريض بيئتها الطبيعية إلى مخاطر قد تكون جسيمة مستقبلاً.
أما من الناحية الأثنية، فإن أغلبية السكان (95%) من المسلمين. وإلى جانب القوميتين الرئيستين العربية والكردية، تتواجد أقليات قومية ودينية وطائفية مثل التركمان (200) ألف نسمة، ولآشوريين/ الآثوريين (100) ألف نسمة، وأقليات يزيدية وأرمن وصابئة (المندائيين).(30) والجدير بالإشارة أن البلاد لم تشهد في تاريخها المعاصر صدامات اثنية أو طائفية، بل عاشت كافة الفئات الأثنية ولا زالت بجوار بعضها أو مع بعضها في مدن عديدة تزخر وتفخر بتعدد لغاتها ودياناتها ومذاهبها وقومياتها في سياق انتمائها إلى الوطن.
فلماذا إذن هذا الظهور الحاد للصورة الاثنية في عراق اليوم؟.. من المعلوم وجود علاقة إيجابية بين المسألة الاثنية وبين استمرار العنف والاستبداد. ذلك أن النظام الاستبدادي، مهما كانت مزاعمه في التحديث والتقدم، فهو يُعيد إنتاج نفسه في سلطة تقليدية رجعية (عشائرية،مذهبية،طائفية،عائلية..).(31) وفي ظروف استمرار القهر والرعب وعدم التأكد من المستقبل (القلق والخوف)، وتزايد عدم ثقة المواطن في جهاز السلطة لحمايته وضمان أمنه ومعيشته وحياته، يزداد شعوره بانكشافه وحاجته إلى التكافل الجمعي على حساب التكافل الوطني. بمعنى أن الحالة الاثنية في عراق اليوم تعبيرٌ صارخ عن أزمة الاستبداد.
يمتلك العراق إمكانات زراعية هائلة من أرض ومياه شكَّلت حضارته منذ آلاف السنين. وقدرات احتمالية واسعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وأن يكون مخزنا للحبوب والمنتجات الغذائية ومركزا للتصدير إلى الخارج. علاوة على أن البلاد تضم موارد استخراجية عديدة: أكبر احتياطي من النفط الخام بعد السعودية (100 بليون برميل) زادت إلى 112 بليون برميل بعد الاستكشافات النفطية العراقية في السنوات الأخيرة. بل أن توقعات بعض الخبراء تُقدر احتياطي العراق من النفط بحدود 300- 400 بليون برميل، وأن البرميل الأخير من النفط في العالم سيكون مصدره العراق.(32) وحسب الاحتياطي النفطي المؤكد وجوده في العراق وبالعلاقة مع معدل إنتاجه لما قبل حرب الخليج، يمكن أن تدوم فترة نفاد النفط العراقي أكثر من مائة عام. بينما يُقدر احتياطي العراق من الغاز الطبيعي بـ 3000 مليار متر مكعب رغم ضآلة استغلاله وحرق معظم كمياته المنتجة.(33) كذلك تتوفر دلائل احتمالية على وجود معادن مثل الحديد والرصاص والنحاس والمنغنيز والزنك، بينما ينتج العراق كميات كبيرة نسبياً من الفوسفات، ويُعتبر البلد الأول المصدر للكبريت في العالم (حقل المشراق)، بالإضافة إلى إنتاج من ملح الطعام والجبس الخام.(34)
وأخيراً، تكمن الموارد الحقيقية للبلاد وقدراتها الكامنة، في قواها البشرية التي حققت مستوى طيباً من التعليم والتدريب. وامتلكت- إلى حدود مناسبة وقابلة للتطور- ناصية العلم والتكنولوجيا. هذه الثروة البشرية التي تُشكل القدرة الحقيقية للبلاد، وأصبحت تؤخذ في الاعتبار في الدراسات الحديثة، باعتبارها المعيار الأهم للحكم على مدى تقدم وغنى الشعوب.(35)
هوامش الفصل الأول
(1) Britannica Encyclopaedia,Vol.21,USA,1993,p.860.
(2) IRAK,Utrikespolitiskainstitutet,Stockholm, 1995,p.9.
(3) National Encyclopedin,Nionde bandet f;r laget Bra Böcker AB, Göteborg, Sverige,1972,p.547.
(4) IRAK, Op.cit.,p.10.
(5) Marr,Phebe,The Modern History of Iraq, Longman,London,1985,p.9-10.
(6) Ibid.,p.14-15.
(7) Ibid.,p.14.
(8) Zetterholm,Tore,Igår hade vi Nebukadnessar-En bok omIRAK,Wilken,BTJ Tryck,Lund,1991,p.12,20,21,27,37.
(9) كلنغل،هورست,حمورابي ملك بابل وعصره,ص58.
(10) نفسه,ص 149- 192.
(11) Zetterholm,Tore,), Igår hade vi Nebukadnessar- en bok om Irak,p.54.
(12) أنظر مناقشة تفصيلية لهذه التقارير في الفصل الثالث (العنف السياسي..).
(13) كلنغل،هرست,حمورابي ملك بابل وعصره،بغداد،987،ص20,55.
(14) Zetterholm,Tore,Op.cit.,p.36.
(15) The Middle East and North Africa,41st edition,1995,p.465.
(16) المعجم الوسيط، بيروت،1987,ص596..,المنجد, بيروت،1975،ص500..,
Britannica Encyclopaedia,Op.cit.,p.980.
(17) IRAK,Op.cit.,P.4.
(18) Ibid.,p.11.
(19) يتضمن الفصل الثاني مناقشة موجزة لمسألة الاكتفاء الذاتي من القمح في إطار مناقشة جهود التنمية في العراق للفترة 1950- 1995.
(20) انطونيوس، جورج، يقظة العرب، مترجم، بيروت،1974,ص480- 481.
(21) The Europa Yearbook,Vol.1,London,1995,p.1556.., The States Man s’ Yearbook,31st ed., ,Brian Hunter,London,1994,p.777.,IRAK,Op.cit.,p.11.
(22) Britannica Encyclopaedia,Op.cit.,p.989.., The Middle East and Africa,Op.cit.,p.464.
(23) ستكون هذه المسألة محل مناقشة موثقة في الفصل الثالث (الحرب الأهلية).
(24) لم تعرف بغداد الأحكام العرفية خلال الفترة 1921- 1941،عدا فترة قصيرة وبصورة جزئية أثناء الوزارة الهاشمية الثانية (1935- 1936). ومنذ عام 1941 لغاية عام 1958 أُعلنت الأحكام العرفية 2843 يوما..،أنظر،بطاطو،حنا، العراق,ج1،مترجم،مؤسسة الأبحاث العربية،بيروت،1990,ص381.
(25) كتاب الجيب السنوي للإحصاءات العامة في الجمهورية العراقية للسنوات 1957- 1967, الجهاز المركزي للإحصاء،بغداد،1968،ص20- 22.., FAO,Production Yearbook,1994,p.13-28.
• الجدير بالملاحظة أن تقديرات سكان ومساحة كل من المملكة المتحدة والعراق (1994) بلغت:المملكة المتحدة 85311 ألف نسمة.. و 24488 ألف هكتار.. العراق 21000 ألف نسمة و 43832 ألف هكتار.. مساحة بريطانيا إلى مساحة العراق = 9ر55%.. الكثافة السكانية لبريطانيا = 58311÷ 24488 = 381ر2.. 3ر58÷ 9ر (أو) 381ر2 × 43832 = 104 مليون نسمة سكان العراق المتوقع.
(26) IRAK,Op.cit.,p.4,13.., The Middle East and North Africa,Op.cit.,p.464-465.
(27) كلنغل،رجع سابق,ص21- 22..,كتاب الجيب السنوي...،مرجع سابق،ص22.., IRAK,Op.cit.,p.29.
(28) IRAK,Op.cit.,p.6.
(29) تشير المعلومات المتاحة إلى استخدام واسع ومكثف للعنف من قبل النظام العراقي ضد سكان عرب الأهوار..,انظر، Time International,March 29,1993,p.48.
(30) الآشوريون/ الآثوريون: يُشير الاسم، حسب المصدر التالي،إلى الموقع الجغرافي ولا علاقة له أو ارتباط بالجانب التاريخيThe Middle East and Africa,Op.cit.,p7.
وحسب طه باقر،جاء اسم آشور في المصادر الآرامية والعربية على هيئة "آثور" و "آفور".. انظر،باقر، مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة،الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين،دار الشؤون الثقافية العامة،الطبعة الثانية،بغداد،1986،ص473.
(31) أزمة الخليج وتداعياتها على الوطن العربي،(ندوة)،مركز دراسات الوحدة العربية،بيروت،1991,ص40..,حبيب،كاظم،ساعة الحقيقة,برلين،1995،ص45.
(32) Future of Iraq, The Middle East Institute, Washkgton,DC,USA,1997..(1) Al-Chalabi, Issam A.R.,” Prospects for Iraq s’ Oil Industry”,p.51..,(2) Riedel,Bruce O., “The Future of Iraq”,p.127.
(33) OPEC,Annual Statistics Bulletin,1993..,Time International,No.21,Newyork,1994,p.18.
(34) UN, Industrial Commodity Statistics,Newyork,1994,p.59-75.
(35) “RealWealth of Nations”,Time International,Vol.1,No.14,Newyork,1995,p.35.



#عبدالوهاب_حميد_رشيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التحول الديمقراطي واامجتمع المدني- ق2/ المجتمع المدني- الخات ...
- التحول الديمقراطي واامجتمع المدني- ق2/ المجتمع المدني-ف4
- التحول الديمقراطي واامجتمع المدني- ق2/ المجتمع المدني-ف3
- التحول الديمقراطي واامجتمع المدني- ق2/ المجتمع المدني-ف2
- التحول الديمقراطي واامجتمع المدني- ق2/ المجتمع المدني
- مليون طفل تأثروا من الألغام في العراق
- التحول الديمقراطي واامجتمع المدني
- مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-- الفصل السا ...
- مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-- الفصل السا ...
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة- الفصل الخامس
- مستقبل العراق- الفرص الضائعة والخيارات المتاحة- الفصل الرابع
- مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-0الفصل الثال ...
- مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة--ف2/هدر الإم ...
- مستقبل العراق: -الفرص الضائعة والخيارات المتاحة-
- نموذجكم الديمقراطي في العراق.. مقتل متظاهر غير مُسلّح وتسعة ...
- خمس وعشرون ساعة في بطن الحوت: أروقة الموت الطائفية في سجن ال ...
- نساء العالم.. ساعدن أخواتكن العراقيات
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- تلاستنتاج/ المصطلحات/ المراجع
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل السابع عشر
- اقتصاد القرن الحادي والعشرين- الفصل الحادي عشر


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين
- قصة اهل الكهف بين مصدرها الاصلي والقرآن والسردية الاسلامية / جدو جبريل


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - عبدالوهاب حميد رشيد - مستقبل العراق- ف1