وليد يوسف عطو
الحوار المتمدن-العدد: 4075 - 2013 / 4 / 27 - 13:12
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
كتاب ( مسلمة الحنفي , قراءة في تاريخ محرم ) للباحث العراقي جمال علي الحلاق- ط1 – 2008 – دار الجمل بغداد.
هل الروايات المتناقضة حول نشؤ الاسلام تمثل روايات صحيحة ؟
ام وجهات نظر متناقضة ومتصارعة للقوى القبلية والمناطقية والسياسية ؟
يؤكد الباحث العراقي جمال علي الحلاق في كتابه (مسلمة الحنفي –قراءة في تاريخ محرم )انه توصل بفعل التنقيب المستمر عن حفريات الحقائق التاريخية , ان ماحدث قد حدث فعلا ,ربما في اماكن اخرى ,لكنها لاتقطع بصحة الانتساب المكاني او الشخصي للخبر . اي ان مانقرا عنه وعن فلان من الناس ,قد حصل فعلا , ان لم يكن معه اصلا فمع جاره ضمن المنهج الواحد ,او مع جاره الضد تماما . ولنا عودة الى هذا الموضوع مستقبلا (والكلام لكاتب المقال ) في مقال قادم حول الرؤية النقدية للرواية الاسلامية , نثبت فيها تعدد وجهات النظر . وان كثيرا مما مكتوب فيها هو منحول ونتاج صراعات قبلية ومناطقية وسياسية تم حسمها في وقت متاخر جدا في زمن عبد الملك بن مروان او بعد هذا الزمن . وانه تم تبرير ماقام به الامويون والعباسيون من مجازر بحق الشعوب المفتوحة والمقهورة وبحق اليهود والنصارى والمسيحيين وتهجير ماتبقى منهم وتهجير اليهود ونصارى نجران من شبه الجزيرة العربية , اقول تم تبرير ذلك بقصدية تامة , وذلك بنسبة جميع هذه الاحداث الى النبي محمد بن عبدالله , وذلك حتى لايتمكن احد من الاعتراض على صحة الخبر .
يقول الباحث الحلاق :
كيف يمكن قراءة خبر ما من زاويتين متناقضتين في وقت واحد معا ؟
اي ان تكون هناك عملية (قرصنة تاريخية ) , وفي نفس الوقت ان تكون هناك عملية تناقضها تتمثل ب ( تهريب التاريخ المسكوت عنه ) ؟
من هي تلك الجهة التي تقف وراء هذه الممارسة ؟المؤسسة الاسلامية ام نقيضها ؟ الفم الناطق ام الفم المقموع ؟ .
يروى انه وجد في بئر في (اليمامة ) ثلاثة احجار . مكتوب في احدها ابيات من شعر الحكم والمواعظ . ووجدوا في حجر ثان ابيات مشابهة للاولى , ووجدوا في الحجر الثالث قصيدة على نفس النمط .قال ابن اسحاق :
ان الابيات التي في الحجر الاول تعود الى عمرو بن الحارث الجرهمي يذكر بكرا وغبشان , وساكني (مكة ) الذين خلفوا فيها بعدهم ( ابن هشام : 1 – 121. بينما يذكر ابن هشام (نحو بعض اهل العلم ) دون ان يسمي احدا , ان هذه الابيات اول شعر قيل في العرب , وانها وجدت مكتوبة في حجر (باليمن ) , ولم يسم قائلها ( ابن هشام :1 – 122) .
هذا الخبر يجعل الحدث واقعا في ثلاثة اماكن رئيسية هي , مكة , صنعاء واليمامة .وبالتاكيد فان ثمة تنافسا مناطقيا خفيا بين المدن الثلاث على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والمناطقي كان قائما قبل الاسلام , استمر هذا التنافس حتى بعداستتباب الامن لمكة .
اذن اول درس نتعلمه ( والكلام للباحث الحلاق ) ,ان الجميع
( الفم المقموع تحديدا ) يواصل البوح قدر المستطاع , حتى وان جاء هذا البوح ( معمى ), يشير دون ان يحدد , فكون الاحجار وجدت في بئر باليمامة او اليمن لايعطي شيئا ,لقد بقيت المعلومة ناقصة دون ذكر لقائل الشعر , ودون ذكر لراوي الخبر ايضا , لكنها قالت رسالتها واكتفت ,اي ان الاحجار كانت في مدينة اخرى ,اي انها تمثل تاريخ مدينة ما , وان هذه المدينة لم تكن مكة دائما .
قراءة سريعة لهذا الخبر تجعلنا (,والكلام للباحث الحلاق ) نكتشف الكيفية التي زحف بها تاريخ اليمامة فاصبح تاريخا لمكة , او اليمن , وبالتالي تجعلنا نقف حذرين امام النصوص التاريخية وانتسابها الصحيح ,فالعملية هنا لاتخلو من ( قرصنة ) ولا تخلو ايضا من (تهريب ) . ذلك ان كلا الاتجاهين في القراءة (,القرصنةالتاريخية وتهريب التاريخ ) يتمان بقصدية تامة .
لايدعو الباحث الحلاق الى التشكيك في صحة الاخبار , او نسفها كما فعل طه حسين ,بل يدعو الى الانتباه والتركيز في قراءتها , لان الحقيقة التاريخية لاتبتعد كثيرا عن هذا الكم المتبقي ابدا .
لقد تم استخدام الادب المنحول والتاريخ المنحول ( اللذان استند اليهما طه حسين ) في بناء شكه تجاه الادب الجاهلي وتاريخه بسلبية تامة , حين تم اعتبار ( المنحول )نتاج لاحق وغلق باب امكانية ان يكون نتاج لاشخاص اخرين ايضا .اي تداخل نصوص الجيل الاول من الاحناف فيما بينهم ,كان تنسب قصيدة واحدة لزيد بن عمرو بن نفيل ( مكة ) , وتنسب في نفس الوقت لامية بن ابي الصلت (الطائف ), وتنسب الى ورقة بن نوفل( خزانة الادب :3- 289 ) .
ان المازق الذي وقع فيه طه حسين (بحسب الباحث الحلاق ) يكمن في انه حصر التاريخ المروي ضمن مجرى واحد , هو الانتحال المتاخر , وجعل النص المقدس البوصلة التي تحدد اتجاه الرواية , سواء اكانت من قبل ام من بعد (كذلك فعل هشام جعيط لاحقا ) , اي جعل تاريخ العرب قبل القران بلا محتوى , وان كل ماتم تناقله عنهم عبر الشفاهية التي كانت تمثل اللحظة التاريخية لايمت لهم بصلة .وتغافل عن قراءة قد تكون هي الارجح , والاقرب الى الحقيقة التاريخية (والكلام للباحث الحلاق ) ضمن منهج الشك , هي ان الناس على طول التاريخ البشري , غالب ومغلوب , وان الغالب يطمس ما لدى المغلوب , وان المغلوب يحاول حتى اللحظة الاخيرة ان يترك من هويته الخاصة مايمكن ان يشير اليها , وربما اتخذ الغالب الية لطمس المغلوب تتمثل ب(القرصنة ) , وربما اتخذ المغلوب الية للبقاء تتمثل ب( التهريب ) .
وجد الباحث الحلاق ان مفهوم القرصنة التاريخية ينقسم الى قسمين
1 – قرصنة مناطقية , تجلى ذلك في الصراع الخفي بين( مكة – اليمامة – صنعاء ).واختفاء تاريخ اليمامة وصنعاء , او دخوله ضمن تاريخ مكة بعدان استتب الامر لها .
وقد برزت القرصنة المناطقية مرة اخرى بين مكة وزوايا المثلث الجغرافي (مكة – الطائف – يثرب ) تجلى ذلك في اختفاء عمق التاريخ الحنيفي لكل من الطائف ويثرب .
2 – قرصنة عصبية : تجلى ذلك بين قريش وثقيف , ورد عن حماد الراوية انه قال :
ارسل الوليد بن زيد الي بمائتي دينار , وامر يوسف بن عمر بحملي اليه على البريد . قال , فقلت :
لايسالني الا عن طرفيه : قريش وثقيف , فنظرت فنظرت في كتابي قريش وثقيف ( مصادر الشعر الجاهلي :157 ) , يؤكد الباحث الحلاق انه لايستطيع قراءة بروز شخصية مؤثرة كالحجاج توجيه مسار تاريخ الاسلام الا ضمن هذا الصراع العصبوي .
وبعد ان تم جعل قريش بؤرة التاريخ الاسلامي ,انحسر الصراع بين بيوتات قريش التي ترجع في النسب الى فهر بن مالك ابو قريش كلها ( جمهرة انساب العرب : 12 ) , وقد تمثل هذا الصراع بين بيوتات علي وامية والعباس .
طلب خالد القسري من الزهري ان يكتب له السيرة فقال له :
فان يمر بي الشيء من سيرة علي بن ابي طالب , فاذكره ,فقال له خالد : لا , الا ان تراه في قعر الجحيم (مصادر الشعر الجاهلي : 150 ) .
انحاز كل بيت من هذه البيوت الثلاثة الى مجموعة اشخاص من الصحابة ومنحوهم المكانة ماكان لغيرهم , فاذا امتلك بيت خبرا عن رجاله صاغ اليت الاخر خبرا مماثلا في رجاله , او عملوا على طمس تاريخ كل واحد منهم وفق الية تقترب من اليات مفهوم التهريب , وبالتحديد الية التضبيب , وهكذا .
اما مفهوم (تهريب التاريخ ) فهو الالية الضد لاليات القرصنة التاريخية بشكليها المناطقي – العصبوي . ومع ذلك فقد تم استخدامه من قبل المؤسسة الرسمية ايضا . وهذه الالية تتكيء على القصدية الايجابية للحفاظ على الحقيقة التاريخية , وبثها عبر جمل مضببة هنا وهناك , محاولة لتخلص الرواة من انياب وبراثن المؤسسة الاسلامية , وقد امتاز تهريب التاريخ باساليب ثلاثة هي :
1 – ( التعمية ) , تتجلى هذه الممارسة بذكر الاخبار دون ذكر اصول اسنادها , فتبدو بلا تجذير كما لو انها نبتت من الهواء , كاستخدام جملة ( قال احدهم ) , او ( جاء عن بعض الحكماء ) , او ( عن بعض اهل العلم ) , او (عن بعض شيوخ بني حنيفة ) عندما يكون الحديث خاصا بتاريخ مسلمة الحنفي مثلا .
2 – ( التضبيب , وتتجلى هذه الممارسة بجعل الخبر اكثر انفتاحا في القراءة , كما في خبر لقاء محمد بن عبدالله بمسلمة الحنفي , وضياع حقيقة من ذهب الى من ؟او من سمع من من ؟وراينا كيف تم استخدام الية التضبيب مع تاريخ كتابة سورة( الرحمن ).
( راجع مقتالتنا المعنونة- مسلمة الحنفي قراءة في تاريخ محرم –ج3 . )
وعلى الرابط التالي : http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=349565
3- التجزيىء : من خلال طرح جمل قصيرة , برقية , وامضة سرعان ماتختفي في ظلمات الكتب الضخمة , لو اخذت على انفراد لما انتجت معنى يمكن ان يؤسس عليه ,لكنها في حالة تجميعها معا , واعادة تركيب ماتفكك منها , اي تعضيد الخبر بخبر اخر , فانها في النهاية تتحول الى الية يمكن من خلالها الوصول ,او حتى الاقتراب الى الاحتمال الاكثر رجحانا في قراءة حادثة تاريخية معينة على اقل تقدير .
المصدر
#وليد_يوسف_عطو (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟