أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 2















المزيد.....

متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 2


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4073 - 2013 / 4 / 25 - 14:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



ملاحظة: هذه المقالة تُعتبر كتكملة للمقالة السابقة تحت عنوان (متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 1)، ويجب أن تُقرأ المقالة السابقة كمقدمة أساسية وضرورية لهذه المقالة.


تطرقنا في المقالة السابقة (متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 1) إلى حقيقة أننا حتى نفهم النص في إنجيل متّى لابد لنا في البداية أن نلتفت إلى شخصية كاتب إنجيل متّى لنحاول أن نعرف أيُّ شخص هو على الحقيقة، ثم بعد ذلك نحاول أن نفهم منهجه في كتابة (النص) (الإنجيل)، وبعد ذلك نتطرق للنص موضوع الدراسة بالنقد والتفنيد. وفي سبيل هذا الهدف فقد ضربنا هناك عدة أمثلة مع أدلتها على اختراع كاتب إنجيل متّى للقصص والأحداث والمعجزات بسبب دوافع متعددة. إلا أنه تجب الإشارة أيضاً إلى أنه كان هناك تحويرات أو تعديلات قام بها كاتب إنجيل متّى على المصدر الذي كان ينقل منه مباشرة، أي إنجيل مرقس، ولا تبدو لنا واضحة الدوافع أو الهدف. فمن الثابت تاريخياً عند جميع الباحثين ومن دون استثناء حسب علمي، وبصورة لا تقبل الشك، أن كاتبي إنجيلي متّى ولوقا كانا ينقلان مباشرة من نسخة مكتوبة لإنجيل مرقس واستعانا به في كتابة إنجيلهما، فقد كانا في مواضع كثيرة ينقلان حرفياً، كلمة بكلمة وحرفاً بحرف، من إنجيل مرقس في نسخته اليونانية. وكمثال على غموض الهدف أو الدافع عند كاتب إنجيل متّى عند تحويره على نقله من إنجيل مرقس، فإننا نقرأ في إنجيل مرقس: (وفيما هو مجتاز رأى لاوي بن حلفى جالساً عند مكان الجباية، فقال له: اتبعني. فقام وتبعه) [مرقس 2: ]، إلا أن كاتب إنجيل متّى عندما نقل هذه الجملة من إنجيل مرقس كتبها هكذا: (وفيما يسوع مجتاز من هناك، رأى إنساناً جالساً عند مكان الجباية، اسمه متى. فقال له: اتبعني. فقام وتبعه) [متّى 9: 9]. لماذا استبدل لاوي بمتّى؟ لا أحد يعرف.

ملاحظ أخرى مثيرة للاهتمام في شخصية كاتب إنجيل متّى عند روايته لأحداث حياة يسوع. ففي كل مرة يذكر إنجيل مرقس (ولوقا أيضاً) حادثة معجزة بها شخص واحد فقط، يتعمد كاتب إنجيل متى تغيير القصة وجعلهما شخصين إثنين. ففي إنجيل مرقس نقرأ (وفيما هو خارج من أريحا مع تلاميذه وجمع غفير، كان بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس جالساً على الطريق يستعطي. فلما سمع أنه يسوع الناصري، ابتدأ يصرخ ويقول: يا يسوع ابن داود، ارحمني) [مرقس 10: 46] [وانظر لوقا 18: 35-38]، إلا أنه عندما نقل كاتب إنجيل متّى هذه الحادثة من إنجيل مرقس حوّر فيها وعدّل عليها هكذا: (وفيما هم خارجون من أريحا تبعه جمع كثير. وإذا أعميان جالسان على الطريق. فلما سمعا أن يسوع مجتاز صرخا قائلين: ارحمنا يا سيد، يا ابن داود) [متى 20: 29-30] فجعل الأعمى الواحد في القصة أعميين إثنين. ويتكرر هذا الفعل مرة ثانية من كاتب إنجيل متّى: (وفيما يسوع مجتاز من هناك، تبعه أعميان يصرخان ويقولان: ارحمنا يا ابن داود) [متى 9: 27]، وهي مستوحاة من الحادثة الأولى في مرقس (قارن مع مرقس 10: 46-47 و لوقا 8 لوقا 18: 35-38 حيث القصة تروى عن رجل أعمى واحد فقط). ويتكرر هذا الفعل للمرة الثالثة في (ولما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيين، استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جداً) (متى 8: 28) (قارن مع مرقس 5: 1-4 و لوقا 8: 26-27 حيث القصة تروى عن رجل واحد فقط). السبب الحقيقي وراء هذا التحوير المتعمد في القصة من جانب كاتب إنجيل متّى هو أن شهادة الشهود في الشريعة والقانون اليهوديان لا تُقام إلا بشهادة شخصين إثنين، ولا يُعتد بشهادة شخص واحد. هذا مذكور صراحة في أسفار التوراة: (لا يقوم شاهد واحد على إنسان في ذنب ما أو خطية ما من جميع الخطايا التي يخطئ بها، على فم شاهدين أو على فم ثلاثة شهود يقوم الأمر) [تثنية 19: 15]، (شاهد واحد لا يشهد على نفس للموت) [عدد 35: 30]، و (على فم شاهدين أو ثلاثة شهود يُقتل الذي يُقتل، لا يُقتل على فم شاهد واحد) [تثنية 17: 6]. فحتى تستقيم شهادة الشهود على المعجزة التي يرويها كاتب إنجيل متّى اليهودي، الذي كان يكتب إنجيله لليهود حصراً، غيّر وبدّل العدد من شخص واحد إلى شخصين إثنين حتى يكتمل العدد الشرعي اليهودي للشهادة على المعجزة التي قام بها يسوع، ولا يعود من وجهة نظر القارئ اليهودي أي مجال للشك في صحة الرواية.

هذه (اليهودية) في شخصية وعقيدة كاتب إنجيل متّى كانت طاغية إلى درجة أنها ألقت بظلالها على إنجيله بصورة واضحة لا لبس فيها. ففي إنجيل مرقس، أول إنجيل كُتبَ من حيث التاريخ، نقرأ عن إرسال يسوع لتلاميذه الإثنا عشر: (ودعا الاثني عشر وابتدأ يرسلهم اثنين اثنين، وأعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة. وأوصاهم أن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط، لا مزوداً ولا خبزاً ولا نحاساً في المنطقة. بل يكونوا مشدودين بنعال، ولا يلبسوا ثوبين) [مرقس 6: 7-9، وانظر مرقس 3: 12-19] ، وعندما نقل كاتب إنجيل لوقا هذه القصة من إنجيل مرقس نقلها محافظاً على إطارها العام [لوقا 9: 1-5 و 10: 1-12]، إلا أن كاتب إنجيل متّى عندما نقل هذه القصة من إنجيل مرقس نقلها مع إضافة عبارة مهمة وتعديلات أخرى، إذ نقلها هكذا: (ثم دعا تلاميذه الاثني عشر وأعطاهم سلطانا على أرواح نجسة حتى يخرجوها، ويشفوا كل مرض وكل ضعف [...] هؤلاء الاثنا عشر أرسلهم يسوع وأوصاهم قائلاً: إلى طريق أمم لا تمضوا، وإلى مدينة للسامريين لا تدخلوا. بل اذهبوا بالحري إلى خراف بيت إسرائيل الضالة) [متى 10: 1 و 5-6]. أضاف كاتب إنجيل متّى تأكيد يهودية الدعوة اليسوعية المطلقة وحصرها فيهم دون غيرهم. فالحواريون عند كاتب إنجيل متّى غير مأذون لهم إطلاقاً، صراحة وعلى لسان يسوع، بأن يدخلوا أي مدينة غير يهودية ولا حتى يمشوا طرقهم. أما (خراف بيت إسرائيل الضالة)، فهي عبارة سوف يدرجها كاتب إنجيل متّى أيضاً في حادثة أخرى. ففي إنجيل مرقس نقرأ عن امرأة أممية فينيقية سورية طلبت من يسوع أن (يُخرج الشيطان من ابنتها)، فيجيبها يسوع (دعي البنين أولاً يشبعون، لأنه ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب) [مرقس 7: 27]، فالعبارة على لسان يسوع عند كاتب إنجيل مرقس لا تمنع غير اليهود، وإنما تمنح لليهود الأولوية والأفضلية على باقي الأمم فقط (دعي البنين أولاً يشبعون)، وهذا ربما يوحي بأن اليهود إذا (شبعوا) فما تبقى من الممكن أن يُمنح لغيرهم. إلا أن كاتب إنجيل متّى ينقل هذه الحادثة مع تحويرات متعددة ومعبرة جداً. هو أولاً يجعل المرأة كنعانية، وأن ابنتها مجنونة جداً، وتناديه بصيغة: (يا سيد يا ابن داود) [متى 15: 22]، إلا أن الأهم هو أنه يجعل جواب يسوع لها هكذا: (فأجاب وقال: لم أُرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة : يا سيد، أعنّي. فأجاب وقال: ليس حسنا أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب) [متى 15: 24-26]، أي أضاف تأكيد يهودية الدعوة اليسوعية وحصرها عليهم فقط دون غيرهم، فلا مجال للآخر المختلف عن اليهود هنا إطلاقاً. هذا التعديل والتحوير المتعمدين من جانب كاتب إنجيل متّى كان ضرورياً بسبب جمهوره الذي كان يكتب له هذا الإنجيل، أي اليهود الذين تحولوا للمسيحية على أنها مكملة لـ (الناموس اليهودي) وليست ناقضة أو لاغية لها. فعلى العكس مما يعتقده العامة من المسيحيين اليوم، فإن إنجيل متّى أتى خالياً تماماً وبصورة مطلقة من أي تأثير لكتابات بولس الرسول عليه، بل هو مناقض له تماماً في تعاليمه وبصورة واعية ومتعمدة. انعدام التأثير هذا والمعاكسة المتعمدة لتعاليم بولس الرسول فيما يخص الناموس والشريعة اليهودية هو ما دفع الباحثين إلى الاعتقاد بأن إنجيل متّى إنما كان رداً على الجماعات المسيحية الناشئة في بدايات المسيحية التي كانت تتبنى فكرة التحرر من الشريعة اليهودية اعتماداً على آراء بولس.

تتكرر الإشارات على يد كاتب إنجيل متّى في التأكيد على يهودية مهمة يسوع. ففي السفر الأول من إنجيله يضع كاتب إنجيل متّى على لسان ملاك الرب (ستلد ابنا وتدعو اسمه يسوع. لأنه يخلص شعبه من خطاياهم) [متى 1: 21]، و (يخلص شعبه) أي اليهود فقط. وفي السفر الثاني، وعلى لسان المجوس القادمين من المشرق (أين هو المولود ملك اليهود؟) [متى 2: 2]. وأيضاً (وأنت يا بيت لحم، أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا، لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبي إسرائيل) [متى 2: 6]. وأيضاً على لسان يسوع: (متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر) [متى 19: 28]. كما كان كاتب إنجيل متّى يُكرر تقريراته، مع اختلاف اسم المكان أو في بناء الجملة، في عدة مواضع ليؤكد مهمة يسوع: (وكان يسوع يطوف كل الجليل يعلم في مجامعهم [الترجمة الحرفية هي: معابد اليهود (synagogues)]، ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب [المقصود هو الشعب اليهودي حصراً]) [متى 4: 23]، وأيضاً في مكان آخر في إنجيله (وكان يسوع يطوف المدن كلها والقرى يعلم في مجامعها [الترجمة الحرفية هي: معابد اليهود (synagogues)]، ويكرز ببشارة الملكوت، ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب [المقصود هو الشعب اليهودي حصراً]) [متى 9: 35]، وأيضاً (انصرف من هناك ليعلم ويكرز في مدنهم [أي مدن اليهود]) [متى 11: 1]. فيسوع، يهودي المهمة، يهودي التعاليم، يهودي الحياة، يهودي الشريعة عند كاتب إنجيل متّى. وقد يُعترض على هذا بأن خاتمة إنجيل متّى يذكر صراحة بعد صلب يسوع وموته ومن ثم تجليه لتلامذته: (اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس) [متى 28: 19]. إلا أن ما لا يعرفه العامة من المسيحيين بأن هذا النص يمثل في ذاته إشكالية حتى في الدراسات اللاهوتية المسيحية. إذ هذا النص لا يظهر إطلاقاً في أي مخطوطة لإنجيل متّى قبل القرن الرابع. هذا النص لا يوجد إطلاقاً في النسخ القديمة التي سبقت ذلك القرن، ومنها مخطوطات محفوظة في الفاتيكان. هذه العبارة هي إضافة لاحقة في الزمان على إنجيل متّى ولم تخطها إطلاقاً يد كاتبها الأصلي [انظر على سبيل المثال: Bart D. Ehrman, Misquoting Jesus]، وبالتالي هي لا عبرة فيها ولا دليل.

يهودية كاتب إنجيل متّى وتعاطفه الشديد مع هذا المعتقد والعِرق كان دافعاً أساسياً إصيلاً عنده ليمارس التحوير والتبديل والاختراع في روايته لقصة حياة إلهه الجديد يسوع. فلا شك إطلاقاً في أذهان الباحثين عن مدى إيمان هذا الكاتب بمعتقده، ولكن القضية هنا هي أن هذا الإيمان كان دافعاً رئيسياً عنده ليمارس (التزوير) للحقيقة التاريخية. وكمثال على التحوير (التزوير) المتعمد على القصص المنسوبة ليسوع الذي كان يتولاه كاتب إنجيل متّى كردة فعل على المناخ المحيط به المعادي لليهود لننظر في هذه القصة التي أوردها على لسان يسوع:

(وجعل يسوع يكلمهم أيضا بأمثال قائلاً: يشبه ملكوت السماوات إنسانا ملكا صنع عرسا لابنه. وأرسل عبيده ليدعوا المدعوين إلى العرس، فلم يريدوا أن يأتوا. فأرسل أيضا عبيدا آخرين قائلا: قولوا للمدعوين: هوذا غدائي أعددته. ثيراني ومسمناتي قد ذبحت، وكل شيء معد. تعالوا إلى العرس. ولكنهم تهاونوا ومضوا، واحد إلى حقله، وآخر إلى تجارته، والباقون أمسكوا عبيده وشتموهم وقتلوهم. فلما سمع الملك غضب، وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم. ثم قال لعبيده: أما العرس فمستعد، وأما المدعوون فلم يكونوا مستحقين، فاذهبوا إلى مفارق الطرق، وكل من وجدتموه فادعوه إلى العرس. فخرج أولئك العبيد إلى الطرق، وجمعوا كل الذين وجدوهم أشرارا وصالحين. فامتلأ العرس من المتكئين) [متى 22: 1-10]

لاحظ كاتب إنجيل متّى استخدم (أضاف، اخترع) هنا هذه العبارة (فلما سمع الملك غضب، وأرسل جنوده وأهلك أولئك القاتلين وأحرق مدينتهم)، وهي إشارة واضحة على الهجوم الروماني على أورشليم (القدس) وتدمير المعبد اليهودي فيه سنة 70 مـ، هذا مع الملاحظة والتأكيد الشديدين على أن كاتب إنجيل متّى كان يكتب إنجيله بعد هذا التاريخ وتلك الحادثة، أي حوالي سنة 80 مـ، فهو على الحقيقة كان يكتب عن تاريخ مضى، أي حادثة قد وقعت وانتهت ولا شأن لنبوءة أو توقع للمستقبل بها إطلاقاً. فالمرارة التي تركها هذا الحدث في نفس كاتب إنجيل متّى واضحة جداً في القصة التي ينسبها ليسوع، وهي الدافع لهذه الإضافة التي لم ترد إطلاقاً على لسان يسوع. ولكن كيف لنا أن نعرف ونتأكد ونجزم بأن تلك العبارة لم ترد على لسان يسوع؟ الجواب هو أن هذا المثل قد أورده كاتب إنجيل لوقا أيضاً، فالمصدر الذي كانا ينقلان منه القصة واحد لكليهما، وهو، أي كاتب إنجيل لوقا، يبدو متحرر جداً من تلك المرارة التي كانت في نفس كاتب إنجيل متّى، ولذلك نقرأ القصة في إنجيل لوقا هكذا:

(فقال له: إنسان صنع عشاء عظيما ودعا كثيرين. وأرسل عبده في ساعة العشاء ليقول للمدعوين: تعالوا لأن كل شيء قد أعد. فابتدأ الجميع برأي واحد يستعفون. قال له الأول: إني اشتريت حقلا، وأنا مضطر أن أخرج وأنظره. أسألك أن تعفيني. وقال آخر: إني اشتريت خمسة أزواج بقر، وأنا ماض لأمتحنها. أسألك أن تعفيني. وقال آخر: إني تزوجت بامرأة، فلذلك لا أقدر أن أجيء. فأتى ذلك العبد وأخبر سيده بذلك. حينئذ غضب رب البيت، وقال لعبده: اخرج عاجلا إلى شوارع المدينة وأزقتها، وأدخل إلى هنا المساكين والجدع والعرج والعمي. فقال العبد: يا سيد ، قد صار كما أمرت، ويوجد أيضا مكان. فقال السيد للعبد: اخرج إلى الطرق والسياجات وألزمهم بالدخول حتى يمتلئ بيتي، لأني أقول لكم: إنه ليس واحد من أولئك الرجال المدعوين يذوق عشائي) [لوقا 14: 16-24]

فلا قتل ولا حرق ولا تدمير للمدينة، هذه كلها غائبة في إنجيل لوقا. هذه الزيادات من إضافة وتحوير (تزوير) كاتب إنجيل متّى، بسبب يهوديته المتأصلة، وبسبب غضبه مما حلّ بمدينة أورشليم (القدس) وبالمعبد اليهودي على يد الرومان وجيشهم، وبسبب إيمانه بأن اليهود قد رفضوا مسيحهم، أي يسوع، فحلّ بهم ما حل غضباً من الله. فبغضّ النظر تماماً عن مدى صحة نسبة المثل ليسوع التاريخي، إلا أن المصدر الأصلي الذي كان ينقل منه كاتبا إنجيلي متّى ولوقا كانت روايته الأصلية أقرب لكاتب إنجيل لوقا منه إلى متّى، إذ ما الداعي عند كاتب إنجيل لوقا إلى حذف عبارات تؤكد قدرة إلهه يسوع على التنبؤ بالمستقبل، وهي معجزة تُضاف إلى معجزاته التي كتبها كلاهما؟! فقد كشفت لنا هذه الرواية أيضاً "الحرية"، إن صح هذا التعبير، التي كان يمارسها كاتب إنجيل متّى في تحوير واختراع الأحداث والقصص والمقولات ومن ثم نسبتها ليسوع، مسيحه اليهودي. وتلك الحرية مارسها كاتب إنجيل متّى بكل رحابة صدر ولها أمثلة متعددة في إنجيله، منها: (فأجاب وقال لهم: جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال) [متى 12: 39-40]، بينما كاتب إنجيل لوقا الذي كان ينقل من نفس المصدر كتبها هكذا: (ابتدأ يقول: هذا الجيل شرير. يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي. لأنه كما كان يونان آية لأهل نينوى، كذلك يكون ابن الإنسان أيضا لهذا الجيل) [لوقا 11: 29-30]، فلا (فاسق) ولا (في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال) هذه كلها من إضافات كاتب إنجيل متّى [لأمثلة متعددة في هذا الصدد انظر: The Origins of the Gospel According to St. Matthew, G. D. Kilpatrick, pp. 9]. هذه الإضافات أضافها كاتب إنجيل متّى إما بسبب تأكيد يهودية يسوع وشريعته أو بسبب رغبة في تأكيد العقيدة التي يريد أن يرسخها في ذهن قرائه، ولا شأن للحقيقة التاريخية بها إطلاقاً، إذ كلها من وحي الأساطير والأوهام والخيال من جانب كاتب هذا الإنجيل.

.... يتبع في المقالة القادمة



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس - 1
- مشكلة نقد النصوص المقدسة
- مشكلة الآخر المختلف في الإسلام
- مصطلح الثوابت الإسلامية
- يسوع والمسيحية والمرأة – 2
- يسوع والمسيحية والمرأة - 1
- من تاريخ التوحش المسيحي – 2
- من تاريخ التوحش المسيحي
- الازدواجية في الذهنية الدينية ... الموقف من نوال السعداوي
- في الاستعباد كنزعة إنسانية متأصلة
- الأحاديث الموضوعة كأداة لتصحيح التاريخ
- مشكلة الإيحاء الجنسي في إنجيل يوحنا
- صراع
- معارك الله
- مقالة في طقس الإفخارستيا – أكل الله
- رقص الجريح
- المسيحية وحوادث أكل لحوم المسلمين
- في مشكلة تعاليم يسوع الإنجيلي
- إشكالية العقل السلفي العربي
- في طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة


المزيد.....




- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...
- ماما جابت بيبي أجمل أغاني قناة طيور الجنة اضبطها الآن على تر ...
- اسلامي: المراكز النووية في البلاد محصنة امنيا مائة بالمائة


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - متّى وإنجيله - نموذج في نقد النص المقدس – 2