أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - يسوع والمسيحية والمرأة - 1















المزيد.....

يسوع والمسيحية والمرأة - 1


حسن محسن رمضان

الحوار المتمدن-العدد: 4052 - 2013 / 4 / 4 - 00:24
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    



تُعتبر الدعاية الدينية من أكثر أساليب "التسويق" خداعاً على الإطلاق بغضّ النظر تماماً عن نوع الدين أو العقيدة. فهذا "التسويق" يعاني دائماً، وبصورة متعمدة وواعية ومقصودة، من قصر الذاكرة، والانتقائية التي تُغمض عين واحدة وترى بالأخرى، وتتعامى تماماً عن نصوص التاريخ المُتوحشة واللاأخلاقية، وتتحاشى النصوص المقدسة المُحرجة، وتقفز قفزاً على البراهين والدلائل، وترفض النِدّية في الحوار. ولذلك هي مخادعة، وتستهدف الضعفاء والمحرومين وأهل المآسي والمعاناة ومَنْ له استعداد لأن يُصدق من دون طلب الدليل أو محاولة للنقاش. ولذلك تزدهر تلك الدعاية في أوساط الفقراء والمعدمين وأصحاب الحاجة وبين الأطفال والشباب في مقتبل العمر وتكاد تكون معدومة في أوساط المثقفين والدارسين ومَنْ يُصر على أن يُمحّص ويتأكد قبل أن يقبل ويصدق. فتراهم، كما في المسيحية مثلاً، يسكتون تماماً عن كوتون ماثر (Cotton Mather) (1663 – 1728 مـ)، القس المسيحي، الذي تسبب، بتشجيع من الكنيسة نفسها وتعاليم المسيحية ذاتها، في آثار مدمرة في المجتمع بين الأطفال والفتيات بسبب آراؤه العنصرية وقناعاته عن محاربة السحر والسحرة وعن إبادة السكان الأصليين، بأطفالهم ونسائهم بدون تفرقة، في أمريكا الشمالية. هذا الشذوذ العقائدي عند كوتون ماثر، والذي لاقى تشجيعاً دينياً، جعله يكتب عن إبادة السكان الأصليين في الأمريكتيين بواسطة مرض الحصبة: "حتى تُمسح الغابات من هؤلاء المخلوقات الخبيثة، ويتركوا مكانهم لنبْتٍ أفضل"، وبسبب نصيحة مباشرة تولاها هذا القس المسيحي كان "الغزاة المسيحيون يقتلون كل رجل من الهنود ويرسلون النساء والأطفال إلى أسواق العبيد (النخاسة) في إسبانيا والإنديز الغربية أو يبقونهم كخدم مُسخّرون عندهم"، ثم ليكتب القس كوتون عن أحد حوادث إبادة الهنود بالقتل من دون تمييز: "بأكثر قليلاً من ساعة واحدة، خمسمئة أو ستمئة من هؤلاء البرابرة قد تم صرفهم من هذه الدنيا. لقد كانوا عبئاً عليها [أي الدنيا]" [انظر: Stannard, American Holocaust, Oxford 1992]. هؤلاء يسكتون تماماً عن القس كوتون ماثر وأمثاله كثير جداً يفوقون الحصر، ولكنهم اليوم يقولون لك (دين محبة وسلام) في دعايتهم الدينية، ويتناسون متعمدين قاصدين أن الكنيسة والمسيحية ورجال دينهم من أولهم إلى آخرهم، ولمدة ألف وثمانمئة سنة (1800 سنة) على الأقل لم يكن لديهم لمخالفيهم إلا ما عند كوتون ماثر لمخالفيه من توحش. تلك هي الدعاية الدينية في أبهى حُللها خداعاً وانتقائية.

يشير الكثيريون، ضمن تلك الدعاية الدينية المخادعة، إلى مكانة المرأة في التعاليم المسيحية وذلك بالنسبة إلى مثيلاتها في الديانات الأخرى. إلا أن الحقيقة أن هذه الإشارة (المسيحية) تتعلق فقط بمكانة المرأة بعد (التهذيب العلماني) على تعاليم المسيحية والذي أتى تدريجياً بعد الثورة الفرنسية وإصرارها على رجوع رجل الدين إلى الكنيسة وتركه التدخل فيما وراء ذلك. التعاليم المسيحية الأولى كما في النص المقدس المسيحي وآراء رجاله وقديسيه هي على العكس تماماً مما نراه اليوم في المحيط الاجتماعي والسياسي لأصحاب الديانة المسيحية. الحالة الراهنة للمسيحية، كدين وكممارسة، هي نتيجة مباشرة لضغط المناهج العلمانية غير المؤمنة بتعاليم الكنيسة أو كتبها المقدسة، وهي نتيجة مباشرة لفصل الفضاء العام عن الفضاء الخاص في السياسة والاقتصاد والاجتماع كأثر مباشر للثورة الفرنسية وما ظهر منها من تأثيرات متنوعة. ولا فضل للكنيسة وللمسيحية إلا أنهما بسبب تسلطهما وخرافاتهما نشأت العلمانية كردة فعل عكسية عليهما معاً. فكان لابد من نقد الدعوى المسيحية المعاصرة عن مكانة المرأة في هذا الدين وإرجاع (حالة الدين) إلى صورته الحقيقية التاريخية بدلاً من هذا التشويه الذي تتولاه الدعاية الدينية بامتياز.

تساءل البروفيسور باري ويلسون (Barrie A. Wilson)، أستاذ الدراسات الإنسانية والعقائد في جامعة يورك، سؤالاً جوهرياً لم ينتبه له الناقدين من قبل أو يولوه اهتماماً. فإله المسيحية (يسوع)، خلال فترة دعوته بالتحديد، هو وتلاميذه، لم يكونوا يعملون في أية مهنة ولم يكونوا من ذوي الثراء، كانوا فقط يتجولون في أرض فلسطين. هذا النشاط السلبي فيما يخص العمل والكسب دفع البروفيسور ويلسون إلى وضع السؤال بهذه الصورة: "ثلاثة عشر شخصاً [يسوع وتلاميذه الإثنى عشر] يتحركون عبر الجليل، ربما لفترة تجاوزت الثلاث سنوات، كانوا يُمثلون عبئاً مالياً كبيراً. هذا النشاط كان يُكلّف الكثير من المال: الطعام، والمأوى، ووسائل التنقل المختلفة، كانت فقط جزءاً من بعض بنود المصروفات المتوقعة. فمن كان يتولى تمويل هذه الحركة؟" [انظر: How Jesus Became Christian, Barrie Wilson, St. Martin s Griffin Press, pp. 71-72]. ثم يضع الجواب من إنجيل لوقا:

(وعلى أثر ذلك كان يسير في مدينة وقرية يكرز ويبشر بملكوت الله، ومعه الاثنا عشر. وبعض النساء كن قد شفين من أرواح شريرة وأمراض: مريم التي تدعى المجدلية التي خرج منها سبعة شياطين. ويونا امرأة خوزي وكيل هيرودس، وسوسنة، وأخر كثيرات كن يخدمنه من أموالهن). [لوقا 8: 1-3]

إذن، مَنْ كان يتولى الإنفاق على يسوع هن النساء. هؤلاء النساء كن يعملن بمهن مختلفة، مثل مريم المجدلية ويونا وسوسنة و "أُخر كثيرات"، ومن كسبهن كان يسوع يصرف على نفسه وعلى تلاميذه. فإله المسيحية (يسوع) كان تمويله الأساسي في دعوته يأتي من النساء. ولهذا السبب بدا يسوع الإنجيلي متناقضٌ جداً فيما يخصهن. فهو من جهة يؤكد لمستمعيه (لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس أو الأنبياء. ما جئت لأنقض بل لأكمل. فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل. فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا، يدعى أصغر في ملكوت السماوات) [متّى 5: 17-19]، إلا أن الناموس والأنبياء يقولان صراحة (لا تزنِ) [خروج 20: 14] وأيضاً (إِذَا زَنَى رَجُلٌ مَعَ امْرَأَةٍ، فَإِذَا زَنَى مَعَ امْرَأَةِ قَرِيبِهِ، فَإِنَّهُ يُقْتَلُ الزَّانِي وَالزَّانِيَةُ) [لاويين 20: 10] [وانظر أيضاً: تثنية 22: 22]، ولكن ما إن رأى يسوع امرأة زانية يُراد أن يُقام عليها (الناموس) وما قاله (الأنبياء)، و (قالوا له: يا معلم ، هذه المرأة أُمسكت وهي تزني في ذات الفعل. وموسى في الناموس أوصانا أن مثل هذه ترجم. فماذا تقول أنت؟) [يوحنا 8: 4-5]، فإذا بيسوع يرفض إقامة (الناموس) وما قاله (النبي) موسى، ويقول لهم: (من كان منكم بلا خطية فليرمها أولاً بحجر) [يوحنا 8: 7]، ولما تركوها قال للمرأة: (ولا أنا أدينك) [يوحنا 8: 11]. فكل شيء، حتى عند الأنبياء والآلهة، لابد له من أن ينبع من المبدأين الشهيرين لعلم النفس في أن التصرفات الإنسانية دافعها الأساس شيئين إثنين: "الخوف والمصلحة الذاتية"، ولهذا السبب لا يجب أن نستغرب جداً عندما نعرف أن المرأة التي (في المدينة كانت خاطئة) [لوقا 7: 37]، تلك التي جاءت ليسوع بقارورة عطر ودهنت قدميه، هي ذاتها مريم المجدلية التي تولت الصرف المالي على "الإله" يسوع. [البابا غريغوري (Pope Gregory) في حوالي سنة 600 مـ في عهده تبنت الكنيسة رسمياً مرادفة المرأة الخاطئة مع المجدلية، انظر: Doyle, Ken. "Apostle to the apostles: The story of Mary Magdalene". Catholic times, 11 September 2011].

إذن، يسوع كان ذو مصلحة مباشرة مع النساء بسبب هذا التمويل الذي كان يأتيه منهن، ولذلك بقي موقف إله المسيحية من النساء متناقضاً ومبهماً وغير واضح. ولكن ما أن قُتل يسوع على الصليب حتى تجلت الأفكار الحقيقية لهذا الدين الجديد من النساء واضحة وجلية. وأول مثال لهذا الموقف نجده عند بولس الرسول: (لتتعلم المراة بسكوت في كل خضوع. ولكن لستُ آذن للمراة أن تُعلِّم ولا تتسلط على الرجل، بل تكون في سكوت. لأن آدم جُبِلَ أولاً ثم حواء. وآدم لم يُغوَ، لكن المرأة أُغْوِيَتْ فحصلت في التعدي) [رسالة بولس الأولى إلى تيموثاوس 2: 11-14]. والمبدأ الخطير الذي أرساه بولس في المسيحية في هذه الرسالة هو (آدم لم يُغوَ، لكن المرأة أُغْوِيَتْ فحصلت في التعدي)، أي تبرأة آدم (الرجل) تماماً من الخطيئة الأولى وإلقاء سببها كاملاً على عاتق حواء (المرأة). فالمرأة وحدها هي المسؤولة عن الخطيئة الأولى، وبسببها خرج (الرجل) من جنة عدن [تكوين 3: 23]، وبسببها هي عانى الجنس البشري عامة و (الرجل) خاصة وما يزال. وبسبب هذا المبدأ الخطير انفتحت أبواب التسلط الذكوري والقمع تحت دعوى الخطيئة ضد المرأة المسيحية كما سنرى في المقالة القادمة، ولم تتخلص منه إلا مؤخراً تحت (علمانية الدولة) وليس إطلاقاً بسبب تعاليم يسوع أو الكنيسة كما يقال في الدعاية الدينية المخادعة.



#حسن_محسن_رمضان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من تاريخ التوحش المسيحي – 2
- من تاريخ التوحش المسيحي
- الازدواجية في الذهنية الدينية ... الموقف من نوال السعداوي
- في الاستعباد كنزعة إنسانية متأصلة
- الأحاديث الموضوعة كأداة لتصحيح التاريخ
- مشكلة الإيحاء الجنسي في إنجيل يوحنا
- صراع
- معارك الله
- مقالة في طقس الإفخارستيا – أكل الله
- رقص الجريح
- المسيحية وحوادث أكل لحوم المسلمين
- في مشكلة تعاليم يسوع الإنجيلي
- إشكالية العقل السلفي العربي
- في طبيعة العلاقة بين الفرد والدولة
- عندما نفقد خارطة طريقنا
- مشكلة اليهودية والجغرافيا عند كتبة الإنجيل
- من إشكاليات قصة يسوع الإنجيلي
- التناقضات الأخلاقية عند يسوع الإنجيلي
- هل هذه صلاة أجر ومغفرة؟
- في إشكالية الشعوب العربية


المزيد.....




- فريق سيف الإسلام القذافي السياسي: نستغرب صمت السفارات الغربي ...
- المقاومة الإسلامية في لبنان تستهدف مواقع العدو وتحقق إصابات ...
- “العيال الفرحة مش سايعاهم” .. تردد قناة طيور الجنة الجديد بج ...
- الأوقاف الإسلامية في فلسطين: 219 مستوطنا اقتحموا المسجد الأق ...
- أول أيام -الفصح اليهودي-.. القدس ثكنة عسكرية ومستوطنون يقتحم ...
- رغم تملقها اللوبي اليهودي.. رئيسة جامعة كولومبيا مطالبة بالا ...
- مستوطنون يقتحمون باحات الأقصى بأول أيام عيد الفصح اليهودي
- مصادر فلسطينية: مستعمرون يقتحمون المسجد الأقصى في أول أيام ع ...
- ماذا نعرف عن كتيبة نيتسح يهودا العسكرية الإسرائيلية المُهددة ...
- تهريب بالأكياس.. محاولات محمومة لذبح -قربان الفصح- اليهودي ب ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - حسن محسن رمضان - يسوع والمسيحية والمرأة - 1