أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - داود السلمان - الاسلام والطقوس الجاهلية/ الحلقة الاولى















المزيد.....



الاسلام والطقوس الجاهلية/ الحلقة الاولى


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 4043 - 2013 / 3 / 26 - 12:21
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    



مقدمة

ان الذي حفزني للخوض في هذا البحث هو الباحث المدقق خليل عبد الكريم في كتابه (الجذور التاريخية للشريعة الاسلامية ) . وقد اهمل – من حيث يعلم او لا يعلم – جوانب كثيرة من الشعائر والمعتقدات التي كان (الجاهلون) يمارسونها يومياً وعلى مدار السنة ، ولما جاء الاسلام اقر تلك الشعائر والمعتقدات ، والبعض منها اجري عليها بعض التعديلات الطفيفة مثل شعيرة الحج مثلاً ، فقد كانوا في الجاهلية يطوفون وهم عراة – رجالاً ونساء- اللهم الا الأحناف كانوا يطوفون بالبيت وعوراتهم مستورة ، والاسلام قد منع الطواف عراة .
ومن هذه الشعائر التي اهملها خليل عبد الكريم ولم يذكرها – وانا لا الومه واعطيه العذر – شعائر وطقوس كثيرة مثل : (قطع اليد ، الصلاة ، الصوم ، زواج المتعة ، تعدد الزوجات ، المخلّص ، تقبيل الحجر الاسود ) وغير ذلك من الامور التي سيجدها القارئ في فصول هذا الكتاب.
ان الانسان يجب إن لا يكون مقلداً لآبائه واجداده في اخذ دينه ومعتقده ، لا سيما وان القران قد ذم الذين يفعلون ذلك بقوله : (إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون ) . وبحسب مفهوم الآية : ان على الانسان ان يبحث وينقب عن الدين والمعتقد الصحيح الذي تطمأن اليه نفسه ولا يمكن ان تتسرب اليه الشكوك . فالبوذي والمجوسي واليهودي والصابئي والمسيحي والمسلم ، وجدوا ابائهم على الدين الذي هم عليه فاتبعوا ذلك الدين بالوراثة . فانا كاتب هذه السطور لو سمحت لي الظروف وشاء القدر ان اولد في الصين لا في العراق ، لكنت بوذياً ولم اكن مسلماً بحسب البيئة .
فلو هيئنا الظروف الملائمة لإجراء دراسة على مئة شخص من كل هذه الاديان التي ذكرناها ، ممن لديه الاستعداد إلى تقبل الحقيقة وقبوله للأمر الواقع ، بحيث ان يحاور بعضهم بعضاً محاورة فلسفية تخضع للعقل والمنطق ، وكل واحد منهم ان يطلع على دين الاخر فيدرسه بإمعان وبدون حقد او تهميش او نظرة دونية . انا اعتقد لربما صار البوذي يهوديا والمسلم مسيحياً والصابئي مجوسياً والعكس هو الصحيح .
الاسلام لم يأت بجديد قط ، بل اخذ من كل الاديان التي سبقته كاليهودية والمسيحية والحنيفية وغيرها ، وهذا ما سوف يراه القارئ الكريم في فصول هذا الكتاب .
ان الاشياء الجديدة التي جاء بها الاسلام لا تزيد عن اربع او خمس اشياء وقد حددها نبي الاسلام نفسه في حجة الوداع : (( ان النسيء زيادة في الكفر ، ان دماءكم حرام عليكم ، ان ربا الجاهلية موضوع ، ان ربكم واحد وان اباكم واحد ، العمد قود ، وشبه العمد ما قُتل بالعصا والحجر ، وفيه مائة بعير ، فمن زاد فهو من اهل الجاهلية ))( ) .
وهذه الامور هي جوهرية في شريعة الاسلام ، وهي في الوقت نفسه قضايا من صلب الاسلام . اما سواها فهي امور وقضايا اكتسبها الاسلام ثم اعتبرها طقوس اصيلة لا يجوز التغاضي عنها او تجاوزها .
ففي هذا الكتاب سلطنا الاضواء على كثير من الطقوس الاسلامية ، وبينا بانها كانت طقوس (جاهلية) اخذها الاسلام منهم ، معتمدين بذلك على اوثق مصادر المسلمين من التي لا يمكن ان يتسرب اليها الشك .
وقد قسمنا الكتاب الى سبعة فصول ، وكل فصل مقسم الى عدة مباحث ماعدا الفصل الخامس والسابع ، مع مقدمة وتمهيد ففي الفصل الاول (الطقوس التعبدية) قلنا ان هناك عدة طقوس كانت تمارسها عرب ما قبل الاسلام ، كتعظيم البيت ، وتحريم الاشهر الحرم ، وتقبيل الحجر الاسود الذي قال عنه عمر بن الخطاب انه حجر لا يضر ولا ينفع ، لكنه رأى النبي يقبله ففعل ذلك اقتداءً بالنبي . كذلك الصوم والصلاة والدعاء ، كل ذلك كان طقس جاهلي يمارسه اهل ذلك العصر ، بل وحتى تحريم الخمر الذي امر القران باجتنابه ، هناك من حرمه على نفسه وحلف الا يشربه قط .
وفي الفصل الثاني (الطقوس الاجتماعية) ذكرنا جملة من الامور الاجتماعية التي كانت تمارس من قبل عرب ما قبل الاسلام مثل : تعدد الزوجات ، الختان ، الرقي والتعاويذ ، الميراث ، حرمة النسب ، كل هذه القضايا كانت تقام في تلك الفترات ، ولما جاء الاسلام اقرها .
وفي الفصل الثالث (الطقوس الجزائية) شرحنا كيف ان اهل (الجاهلية) كانوا قد سنوا قطع اليد ، والقسامة ، والعاقلة ، والاسلام استحسن هذه الاشياء فأبقاها .
اما في الفصل الرابع (الطقوس الحربية) ، فاشرنا الى جملة قضايا مارسها اهل
ذلك الزمان وجعلوها شعائر ثابتة في دساتيرها القبلية ، ولما جاء الاسلام لم يغير شيء من تلك الشعائر ، واعتبرها تنسجم ومبادئه .
وفي الفصل الخامس (الطقوس الاقتصادية) قلنا ان عرب الجزيرة العربية كان اقتصادهم يعتمد بالدرجة الاولى على المرعي ، ومن ثم كانت لهم اسواق وتجارة وكانوا يعتمدون على مواسم الحج في اقامة تلك التجارة ، ولهم كذلك رحلتان : رحلة الصيف ورحلة الشتاء وقد ذكر ذلك القران . والاسلام كذلك اعتمد على ذلك الاقتصاد .
بينما اوضحنا في الفصل السادس (الطقوس السياسية ) وقلنا ان هناك مبدأين مهمين ، هما الامامة والشورى . وكيف كانت الامامة وهي تعني القيادة العليا لإدارة امور الناس . ثم كانت الشورى وهو مبدأ مهم لاختيار الشخصية التي يمكن لها ان تدير دفة الحكم .
وعند شرحنا للفصل الاخير (امور اقتبسها الاسلام من ديانات اخرى) ذكرنا ان الاسلام قد اقتبس اشياء كثيرة من لغات غير عربية ، مثل الهندية والسريانية والرومية والحبشية والفارسية والنبطة والعبرية والبربر .
ثم الخلاصة التي ختمنا فيها البحث ، فذكرنا فيها ملخص ما قلناه في هذا البحث .
الفصل الاول
الطقوس التعبدية


تعظيم ابراهيم واسماعيل
كان معظم العرب تعظم ابراهيم واسماعيل وتدين بدينهما ، ويسمون هؤلاء الاحناف . وابراهيم قد تزوج هاجر وخلف منها اسماعيل وهو اول من تكلم العربية.
(وهاجر اول امرأة ثقبت آذانها ، وخفضت من النساء ، واول من جرّت ذيلها ، وذلك ان سارة غضبت فحلفت ان تقطع ثلاثة اعضاء من اعضائها فأمرها ابراهيم ان تبرّ قسمها بثقب اذنيها وخفاضها فصارت سنة في العرب ) ( ) .
ويأتي تعظيم العرب لإبراهيم عن ارث ومعتقد ديني اورثوه من ابائهم لصفات محمودة كانت من طباع وسجية ابراهيم ، وقد ورثوها العرب ، منها اقراء الضيف واطعام المسكين الذي تقطعت به السبل .
( قال وهب : كان ابراهيم عليه السلام اول من اضاف الضيف واول من ثرد الثريد واطعمه المساكين ، واول من قص شاربه واستحد واختتن وقلم اضفاره واستاك وفرق شعره وتمضمض واستنثر واستنجى بالماء ) ( ) .
وكل هذه الاشياء قد اقرها الاسلام ولم يضيف عليها شيء جديد ، بل ظلت كما هي .
وظل العرب على عبادتهم وتقديسهم ابراهيم واعترافهم بربوبية الله وعدم الاشراك به ، ولم يعرفوا الاصنام ولم يسجدوا الى وثن او صنم او شيء من هذا القبيل الى ان جاء عمرو بن لحي بصنم الى العرب فعبدوه . ( قال ابو البقاء في الكليات : واتفقت الاحاديث الصحيحة ، وتضافرت نصوص العلماء على ان العرب من عهد ابراهيم – عليه السلام – على دينه لم يكفر احد منهم قط ، ولم يعبد صنماً الى عهد عمرو بن لحي الخزاعي ، فانه اول من غير دين ابراهيم – عليه السلام – وعبد الاصنام وسيب السوائب )( ) .
ويضيف الشهرستاني : (واول من وضع فيه – اي في البيت الحرام – الاصنام عمرو بن لحي بن غالوثة بن عمرو بن عامر ، لما سار قومه الى مكة ، واستولى على امر البيت ، ثم صار الى المدينة ((البلقاء)) بالشام فرأى هناك قوماً يعبدون الاصنام فسألهم عنها ، فقالوا : هذه ارباب اتخذناها على شكل الهياكل العلوية والاشخاص البشرية : نستنصر بها فننصر، ونستسقي بها فنسقى . فاعجبه ذلك ، وطلب منهم صنما من اصنامهم ، فدفعوا اليه ((هبل)) فسار به الى مكة ووضعه في الكعبة ، وكان معه ((اساف)) و((نائله)) على شكل زوجين . فدعا الناس الى تعظيمها ، والتقرب اليهما ، والتوسل بها الى الله تعالى ، وكان ذلك في اول ملك ((شابور)) ذبى الاكتاف ، الى ان اظهر الله تعالى الاسلام ، فأخرجت وابطلت وهذا يعرف كذب من قال : ان بيت الله الحرام انما هو ((بيت زحل)) بناه الباني الاول على طوابع معلومة واتصالات مقبولة ، وسماه بيت زحل ، ولهذا المعنى اقترن الدوام به بقاء الات مقبولة ، وسماه بيت زحل ، ولهذا المعنى اقترن الدوام به بقاء والتعظيم له لقاء : لان زحل يدل على البقاء وطول العمر اكثر مما يدل عليه مائر الكواكب ، وهذا خطأ ، لان الباني الاول كان مستنداً الى الوحي على يدي اصحاب الوحي )) ( ) .
وقد ذكر القرآن ابراهيم واسمعيل في عدة آيات ، ففي سورة مريم الآية : 54 قال : (واذكر في الكتاب اسماعيل انه كان صادق الوعد ) . وفي سورة البقرة الآية 127 قال : (واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسماعيل ) . بل ان في القرآن سورة كاملة اسمها (ابراهيم) .
( قال هشام وسمت العرب اسماعيل (( عرق الثرى )) يريدون انه راسخ ممتد ، وقال قوم سمي بذلك لان اباه لم تضره النار كما لا تضر الثرى ) ( ) .
ولما جاء الاسلام اقر ذلك التعظيم لإبراهيم واسماعيل ، وصار طقس تعبدي مفروض إذ لازال جميع المسلمين الى يومنا هذا تقدسهما . ويعد هذا التقديس من ابجديات الاسلام بل وسنة متبعة .


تحريم الاشهر الحرم
حياة العرب كانت قائمة على الغزو او الغارة ، حيث كانت كل قبيلة تغزو اخرى ، فينشب بينهم قتال – ربما يطول امده والقتال هذا يعد مصدر رزقهم . فكان للسيف عندهم فضل كبير ، فيكرهون الزراعة والمهن الاخرى ، انما اعتمادهم على السيف واخذ الرزق عن طريق السلب والنهب .
واتخذوا اربعة اشهر حرموا فيها القتال ، هي : ذي القعدة وذي الحجة ومحرم ورجب ، على اعتبار ان هذه الاشهر اشهر عبادة لأداء الحج والعمرة .
( ولم تكن العرب كلها تحرم الاشهر الحرم ، فقد كانت طي كلها وخثعم كلها وكثير من احياء قضاعة ويشكر وبني الحارث بن كعب على ما حكاه الجاحظ في الحيوان محلين ، لا يرون للحرم ولا للشهر الحرام حرمة وكانوا لا يحجون ولا يعتمرون ) ( ) .
لكن معظم القبائل العربية الاخرى كانت لا تستحل هذه الاشهر ، فلا تقيم فيها قتال ولا تسمح لنفسها بالغارة على القبائل المجاورة لها ، اضافة الى اقامة الشعائر فيها ، من حج وعمرة ، ويأتي هذا الالتزام نابعاً من الحس الديني عندهم .
وليس هذا فحسب (فكانوا ينزعون فيها (الاشهر) الاسنة عن الرماح ويقعدون عن شن الغارات وطلب الثأر ويأمن الخائف فيها عدوه حتى يلقى الرجل فيها قاتل ابيه او اخيه فلا يتعرض له ) ( ) . وقد لعب دوراً مهما في هذا المعترك حذيفة بن عبد بن فقيم الملقب بالقلمس . ( كانت العرب اذا فرغت من ضحها اجتمعت اليه ، فحرم الاشهر الحرم ... فأذا ان يحل شيئاً احل المحرم فاحلوه حرم مكانه صفر فحرموه ، ليواطئوا عدة الاربعة الاشهر الحرم . فاذا ارادوا الصدر قام فيهم فقال : (( اللهم اني قد احللك لك احد الصفرين ، الصفر الاول ، ونسأت الآخر للعام المقبل ) ( ) .
والقلمس يعتبر اول من ابتدع النسيء .
قال شاعرهم يفخر بالنسأة على العرب :
لقد علمت معد ان قومي
كرام الناس ان لهم كراما
فأي الناس فاتونا بوتر
واي الناس لم نُعلل لجاما
السنا الناسئين على معّد
شهور الحل نجعلها حراما
وكانوا يسمون آخر ليلة من ليالي الشهر (فلتة) . وقال الفيروز بادي : ( الفلتة : آخر ليلة من كل شهر ، او آخر يوم من الشهر ) ( ) .
فقد روي ابن ابي الحديد عن شيخه ابي علي ان الرياشي ذكر ان العرب تسمى آخر يوم من شوال (فلتة) من حيث ان كل من لم يدرك ثأره فيه فاته ، ثم قال : والذي رواه عن اهل اللغة قول لا نعرفه ، والذي نعرفه انهم يسمون الليلة ينقضي بها آخر الاشهر الحرم ويتم (فلتة) . وهي آخر ليلة من ليالي الشهر ، لانه ربما رأى الهلال قوم لتسع وعشرين ولم يبصره الباقون فيغير هؤلاء على اولئك وهم غافلون. فلهذا سميت تلك (فتلة) ( ) .
وبانتهاء الاشهر الحرم تقوم الحروب على قدم وساق ، فتشن الغارات وتحدث الحروب ، ويأخذ كل طالب ثأر ثأره ، وتعود الاوضاع مثلما هي عليه ، وكأن شيئاً لم يكن .
ولما جاء الاسلام عادت حرمة تلك الاشهر وتعظيمها ، وحرم فيها القتال . فقد جاء في القرآن الآية (217) من سورة البقرة ( يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير ) . وفي سورة المائدة الآية (2) : ( يا ايها الذين امنوا لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام ) .
يقول المسعودي : وظهر الاسلام وقد عادت الشهور الحرم الى بدئها على ما كانت عليه في اصلها ، وذلك قول النبي الا ان الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والارض ( ) .
وهذه الاشهر هي اليوم لدى المسلمين تمارس كشعائر دينية محترمة من الجميع ، وكما اشرنا ان جذور هذه الشعائر جاهلية لم يضيف لها الاسلام شيء . ويؤكد خليل عبد الكريم بالقول : ( وما زلنا حتى الان نسمع عن (الرجبية) وهي العمرة التي تتم في شهر رجب ، الذي كان يسميه العرب (الفرد) وهذه التسمية ايضا ما زالت معروفة ) ( ) .
قال السيوطي في (اسباب النزول) ان النبي بعث جماعة ، وبعث عليهم عبد الله بن جحش فلقوا ابن الحضرمي فقتلوه ولم يدروا ان ذلك اليوم من رجب او من جمادي ، فقال المشركون للمسلمين قتلتم الرجل في الشهر الحرام فنزل قوله (يسألونك عن الشهر الحرام) ( ) .


تعظيم الكعبة :
يعود تقديس العرب للكعبة (بيت الله الحرام) لاعتقادهم بان ابراهيم واسماعيل هما اللذين بنوها ، وهذا الاعتقاد يعود للحس الديني في ذلك المجتمع .
فـ(( على الرغم من وجود احدى وعشرين كعبة – قبل الاسلام – في جزيرة العرب فان القبائل العربية قاطبة اجمعت على تقديس (كعبة مكة) وحرصت اشد الحرص على الحج اليها ، يستوي في ذلك من القبائل من كانت لديه كعبة خاصة مثل غطفان ام لا :
فأقسمت بالبيت الذي طاف حوله
رجال بنوه من قريش وجرهم )) ( ).
والسؤال المطروح هنا : لماذا هذا التعظيم المبالغ فيه لكبة العرب بينما هناك اكثر من كعبة ؟ . فما هذا التعظيم الا قد جاء من قبل الرواة وواضعوا الحديث ممن كانت لهم غايات واهداف واغراض سياسية ومادية .
يؤكد خليل عبد الكريم بان هناك (نيف وعشرين كعبة في جزيرة آنذاك ، فان اياً منها لم يبلغ ما وصلت كعبة مكة من مكانة مقدسة ) ( ) .
يقول الرصافي : ( ومهما كان من امر الكعبة والعرب من قديم فليكن .. وانما يهمنا منها ما كانت عليه قبيل الاسلام ، وذلك شيء معلوم فأنها كانت بيتا للأصنام ، وكان العرب يحجون اليها ويعتمرون ، فالحج عبادة وثنية كما يدل على ذلك الطواف في الكعبة ، واستلام الحجر الاسود ، والتمسح بالأركان ، والسعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار وسائر افعال الحج ، ان افعال الحج مهما اقترنت بالتلبية والاهلال بذكر الله ، فأنها مع كونها معقولة تريك من فاعلها حالة لا تلائم توحيد الاله ونبذ سواه في عبادتها ، لأنها في ادائها مرتبطة بأشياء هي والاصنام سواء ، اذ لا فرق بين الاصنام وبين الكعبة والحجر الاسود والصفا والمروة التي يرتبط بها فعل الطواف والاستسلام والسعي ، ولكنها تلائم الوثنية كل الملاءمة كما هو ظاهر ، ولذا قال ابو العلاء المعري :
ما الركن عند اناس لست اذكرهم
الا بقية اوثان وانصاب
يريد ان الاوثان والانصاب قد زالت بالإسلام ولكن بقيت لها بقية ، وهي الكعبة والحجر الاسود والصفا والمروة ) ( ) .
وعليه فان هذه الاشياء والشعائر كانت جاهلية خالصة ، وما هذا التقديس الا استمرار لتلك الشعائر الجاهلية والتي يفترض ان يلغيها الاسلام جملة وتفصيلا .
(( قال صاحب كتاب (حجة الله البالغة في سر احترام البيت ) : واما الكعبة فكان الناس في زمن ابراهيم – عليه السلام – توغلوا في بناء المعابد والكنائس باسم روحانية الشمس وغيرها من الكواكب وصار عندهم التوحيد الى المجرد غير المحسوس – بدون هيكل يبنى باسمه ، يكون الحلول فيه والتلبس به قريبا منه – امرا محالا تدفعه عقولهم بادي الرأي ، فاستوجب اهل ذلك الزمان ان تظهر رحمة الله بهم في صورة بيت يطوفون به ويتقربون به الى الله فدعوا الى البيت وتعظيمه ، ثم نشأ قرن بعد قرن علم ان تعظيمه مساوق لتعظيم الله والتفريط في حقه مساوق للتفريط في حق الله ، فعند ذلك وجب حجه وامروا بتعظيمه )) ( ) .
وذكرت المصادر التاريخية والسير النبوية ان سدنة مكة كانت بيد مضاض بن عمرو الجرهمي رئيس قبيلة جرهم وهي من القبائل المنقرضة ، وان هذه الخصيصة هي بمنزلة شرف وميزة خاصة تضفي إلى صاحبها الفضيلة التي ما بعدها فضيلة ، فهي رئاسة دينية عامة وشاملة ، اذ ان رؤساء الدين في ذلك العصر هم الحكام ايضاً .
(وعقدة الريب التي لا تحلها يد اليقين هي ما ذكروه من ان مضاضا هذا هو جد نابت بن اسماعيل لامه ، وانه ولي امر البيت بعد نابت بن اسماعيل ، وان ولاية البيت استمرت في جرهم الى عهد عمرو بن الحارث الجرهمي اخر ملوك جرهم ، فأخذها منه عمرو بن لحي الخزاعي ، وان عمرو بن لحي هذا هو من غير دين ابراهيم الى عبادة الاصنام ، ان ولاية البيت استمرت في خزاعة الى ان اخذها منهم قصي ، وبذلك رجعت ولاية البيت الى اولاد نابت بن اسماعيل .
وهذه خلاصة ما هو مذكر بتفاصيله في كتب السير ، وفيه قضيتان ، الاولى ان عمرو بن لحي اول من سن للعرب عبادة الاصنام ، وذلك يستلزم ان العرب في عهد الجرهميين لما كانوا يعبدون الاصنام ، والثانية ان مضاض بن عمرو الجرهمي اخذ ولاية البيت من ابن بنته نابت بن اسماعيل بن ابراهيم ، وكل واحدة من هاتين القضيتين في خلاف من الشك ومتين .
اما القضية الاولى وهي ان اول من غير دين ابراهيم فعبد الاصنام في تلك الديار هو عمرو بن لحي الخزاعي ، فقد ذكروا ما يدل على خلافها ، ففي السيرة الحلبية : ان عمرو بن لحي كان له تابع من الجن ، وانه قال له : اذهب الى جدة وأئت منها بالآلهة التي كانت تعبد في زمن نوح وادريس ، وهي ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر ، فذهب فأتى بها الى مكة ودعا الى عبادتها .
فان صح انه اتى بها من جدة كان ذلك دليلاً على ان عبادة الاصنام كانت موجودة في تلك الديار قبل عمرو بن لحي ، والا فكيف وجدت هذه الاصنام في جدة اذا لم تكن موجودة في الحجاز ؟ واما ما ذكره صاحب معجم البلدان من ان هذه الاصنام كانت في اول الامر في الجبل الذي اهبط عليه آدم بارض الهند ، وان ماء الطوفان اهبطهما من ذلك الجبل الى الارض ، وان الماء بشدة جريه صار ينقلها من ارض الى ارض حتى قذفها الى ارض جدة فحديث خرافة ) ( ) .
ولما جاء الاسلام اقر تقديس مكة مصحوباً ذلك بآيات من القرآن والاحاديث النبوية ، وجعل من دخله آمنا ( ومن دخله كان آمناً) (آل عمران :97) .
ولم يجوز الاسلام صيد طيرها وقطع شجرها وحشيشها . و(الحرم مكة وما خولها قربا وبعدا فيحيط من جهة المدينة بثلاثة اميال ومن جهة اليمن والعراق والطائف بسبعة اميال ، ومن جهة جدة بعشرة اميال ومن جهة الجعرانة بتسعة اميال وللحرم علامات منصوبة ، حكي في الروض المعطار عن الزبير ان اول من وضع علامات الحرم ونصب العمد عليها عدنان بن اد خوفا من ان تندرس معالم الحرم او تتغير ) ( ) .
قلنا في بداية الكلام عن وجود عدة كعبات وقد احصاها بعظهم بعشرين او واحد وعشرين كعبة ، الا ان الكعبة المقدسة هي كعبة العرب (وكان منها في الجزيرة العربية عدة بيوت مشهورة ، وهي بيت الاقيصر وبيت ذي الخلصة ، وبيت صنعاء وبيت رضاء ، وبيت نجران ، وبيت مكة اشهرها وابقاها ، عدا بعض البيوت الصغار التي يعرفها الرحالون ولا تقصد من مكان بعيد . وكان بيت الاقيصر في مشارف الشام مقصد القبائل من قضاعة ولخم وجذام وعاملة ، يحجون اليه ويحلقون رؤوسهم عنده ويلقون قبصة من الدقيق مع كل شعرة ، وهو الذي عناه زهير بن ابي سلمى بقوله :
حلفت بأنصاب القيصر جاهدا
وما سحقت فيه المقاديم والقملُ
وبيت (ذي الخلصة) كان يدعي بالكعبة اليمانية في ارض خثعم بين مكة واليمن على مسيرة سبع ليال من مكة ( ) .
وهناك رواية يرويها بعض المؤرخين والمفسرين يربطون فيها الكعبة بقضية ادم ابي البشر وقصة توبته . ومضمونها ان آدم لما هبط الى الارض وقع الى (سرنديب) في ارض الهند ، كان يتردد في الارض متحيراً بين فقدان زوجته ووجدان توبته ، حتى وافى حواء بجبل الرحمة من عرفات وعرفها ، وصار الى ارض مكة ، ودعا وتضرع الى الله حتى يأذن له في بناء بيت يكون قبله لصلاته ومطافاً لعبادته كما كان قد عهد في السماء من ((البيت المعمور)) الذي هو مطاف الملائكة ومزار الروحانيين فانزل الله عليه مثال ذلك البيت على شكل سرادق من نور ، فوضعه مكان البيت ، فكان يتوجه اليه ويطوف به ( ) .
وهذه الرواية يرفضها العقل ، لأنهم بذلك يريدون ان يجعلوا قداستها سماوية اذ جعلوا من ان آدم هو الذي طلب من الله بناء هذا البيت وقد استجاب الله طلبه .




الحج والعمرة
قال في المفردات : ((اصل الحج القصد للزيارة ، قال الشاعر :
يحجون بيت الزبرقان المعصفرا
خص في تعارف الشرع بقصد بيت الله تعالى اقامة للنسك فقيل الحَج والحِج ، فالحَج مصدر والحِج اسم ، ويم الحج الاكبر ، يوم النحر وروي العمرة الحَج الاصغر ) ( ) .
وكان عرب الجاهلية يحجون في شهر ذي الحجة من كل عام ، ((فالحج عبادة وثنية قديمة في العرب )) ( ) .
كذلك المصريون القدماء كانوا يقيمون شعائر دينية قد اقرها الاسلام ومنها فريضة الحج اذ ان ((فريضة الحج عندهم ، فتمثل بزيار اماكن تواجد الالهة في المعابد المنتشرة في المدن ومنها هيكل معبودهم (ايزيرس) و(نتاج) في مدينة منفيس ، (وآمون) في مدينة طيبة ، وايام الحج عندهم كانت من اسعد الايام التي يتقربون منها بالدعوات وتقديم القرابين ، وفق ما كان مألوفاً عندهم ، وكانوا يغالون في الاعتقاد بسعادة ايام المراسيم الدينية الكبرى وكانوا يقولون : ان من يولد في هذه الايام سيكون من كبار رؤساء الدين في المستقبل ، والحجاج كانوا يقدمون النذور للآلهة وفي موسم الحج تقوم تجارة ضخمة حقيقية لهذه المناسبة )) ( ) .
وكان موسم الحج بالنسبة للعرب قبل الاسلام ليست موسم عبادة فحسب ، بل كذلك لإقامة الاسواق وديمومتها وازدهار التجارة من بيع وشراء غيرها .
فقد ذكر الشهرستاني ان العرب كانوا في شعيرة الحج يطوفون سبعا ويمسحون بالحجر الاسود ويسعون بين الصفا والمروة ، وكانوا في كل شهر من السنة لم يخطئوا ان يجعلوا يوم التروية ، ويوم عرفة ، ويوم النحر ، كهيئة ذلك في شهر ذي الحجة ، حتى يوم النحر اليوم العاشر من ذلك الشهر ، ويقيمون ((بمنى)) فلا يبيعون في يوم عرفة ، ولا في يوم منى ( ) .
وفي موسم الحج كانت تقام ثلاثة اسواق كبرى : مجنة بالظهران وعكاظ بين نخلة والطائف تقوم هلال ذي القعدة وتستمر عشرين يوماً ، وذو المجاز بالجانب الايسر من عرفة على بعد فرسخ منها وتنقضي اليوم الثامن من ذي الحجة ( ) .
((فاخروا الحج في كل سنة احد عشر يوماً لموافقة السنة الشمسية فنسئوا المحرم الى صفر وصفر الى ربيع الاول ، وهكذا فوقع الحج في السنة الثانية في عاشر المحرم وصار في اعتبارهم ذات الحجة واخر شهور السنة وصارت في السنة محرمان وثانيهما النسيء وصارت عدة الشهور ثلاثة عشر ، ثم بعد مرور سنتين او ثلاثة نقلوا الحج للشهر الذي يليه )) ( ) .
والحج من اقدم الشعائر التي مارستها الامم القديمة ومن بينهم العرب ، وهو نظام سامي قديم ، واقرته الاديان ... ، ويعد من اعظم الشعائر التي اقرها الاسلام في التراث السابق ( ) .
فعليه ان الحج شعيرة وثنية قديمة عند العرب والشعوب القديمة (فلما جاء محمد اقره فجعله ركنا من اركان الاسلام الخمسة ) ( ) . وكانوا يطوفون عرايا ، الا ان الاسلام ابطل ذلك ، وبعض الكتاب قد اعتبر كون طوافهم وهم عراة من باب التحلل الخلقي الا ان الكاتب خليل عبد الكريم قد فند هذه الفكرة . معتبراً ان ذلك من باب شدة تقديسهم للكعبة وللحجر الاسود حيث يهابون ان يطوفوا بالكعبة ويقبلونه بالثياب التي طافوا فيها ذنوبا وافعالاً لا تناسب مقام الكعبة ( ).
يقول الرصافي : ولما كان هذا الحج العام لا يكون الا مرة واحدة في السنة ، كان ذلك قليلاً بالنسبة الى ما يجب من حرمة الكعبة وتعظيمها ، لذا لم يكتفوا به ، قالوا من شاء ان يحج البيت في غير وقته المعين اي غير موسم الحج فله ذلك ، فيكون حجه هذا حجا خاصاً ، الا انهم لا يسمونه حجا بل يسمونه عمرة ، وهي اسم من الاعتمار بمعنى القصد والزيارة ، يقال جاء فلان معتمراً اي زائرا .
فالحج عندهم كان على نوعين : احدهما : الحج العام لجميع القبائل ، وهذا لا يكون الا في وقت معين وهو موسم الحج ، والآخر : الحج الخاص يفعله من شاء منهم ويسمى عمرة ، وهذا لا يكون الا في غير موسم الحج ، فكأن العمرة عندهم عوض عن الحج لمن اشتاق الى حج البيت في غير موسمه . ويفعل المعتمر ما يفعله الحاج ، فلا فرق بين العمرة والحج ، بل العمرة هي الحج بعينه ، وانما سمي هذا الحج عمرة لكونه واقعا في غير موسم الحج ، فالتسمية بالعمرة ليست الا لأجل تمييز الحج العام الذي هم حتم ، من الحج الخاص الذي هو غير حتم الا ان محمد رسوم الله خالفهم في ذلك ، ولعل النبي محمد قصد بذلك مجرد المخالفة ، والا فان المقصود من الحج والعمرة شيء واحد وهو زيارة البيت والطواف به ، فاذا لم يختلفا في الموسم كانا شيئاً واحدا ولم يبق محل لتسمية احدهما بالعمرة ، وايقاع العمرة مع الحج كالجمع بين العوض والمعوض عنه لان العمرة كانت في غير موسم الحج لتقوم مقامه وتكون عوضاً عنه ، وذلك لا يكون الا اذا كانت في غير موسم الحج ( ) .
يقول الرصافي : ولكن من الغريب اننا بينما نرى النبي محمداً يخالف اهل الجاهلية في قران الحج بالعمرة حيث لا داعي الى المخالفة ، نراه يوافقهم على ما كانوا يفعلونه من السعي بين الصفا والمروة ، وهما جبلان بين بطحاء مكة والمسجد، اما الصفا فمكان مرتفع من جبل ابي قبيس ، واما المروة فأكمة لطيفة في جانب مكة الذي يلي قعيقعان ، وكان في الجاهلية على الصفا والمروة صنمان ، اساف على الصفا ونائله على المروة ، وكان اهل الجاهلية اذا سعوا مسحوهما ( ).
وقد قلنا قبل قليل انه عندما جاء الاسلام ابطل الطواف عراة . اذ جاء في الكشاف : كان احدهم يطوف عريان ويدع ثيابه وراء المسجد ، وان طاف وهي عليه ضرب وانتزعت منه لانهم قالوا لا نعبد الله في ثياب اذنبنا فيها ، وقيل تفاؤلاً بأن يعدرا من الذنوب كما يعرون من الثياب ، وكانت النساء يطفن كذلك ، وقيل كانت الواحدة تلبس درعا مفرجة ، قال وقد طافت امرأة عريانة ويدها على قبلها وهي تقول:
اليوم يبدو بعضه اوكله
وما بدا منه فلا احله ( ) .
وكان الرجل من اهل الجاهلية اذا احرم تقلد قلادة من شعر فلا يتعرض له احد . فاذا حج وقضى حجه تقلد قلادة اذخر وقيل كان الرجل يقلد بعيره او نفسه قلادة من لحاء شجر الحرام فلا يخاف من احد ولا يتعرض له احد بسوء ( ) .
وكانوا في الاحرام يلبدون شعورهم – والتلبيد ان يأخذ شيئاً من خطمي وآس من صمغ (انواع من الاعشاب ) فيجعله في اصول شعره (وهذا اشبه بالجل في وقتنا الحاضر حيث يستعمله الشباب في تسفيط شعرهم ، وعلى رأسه كي يتلبد شعره ولا يفرق ويدخله الغبار ويخم فيقمل ، قال شاعرهم :
يا رب رب الراقصات عشية بالقوم بين منى وبين ثبير
وحق الرواح تراقصت تمشي بهم يحملن كل ملبد مأجور
وكانوا في الاحرام يكرهون تسريح الشعر وقتل القمل ، قل عبد الله بن جدعان:
اني وما مار بالفريق وما
قرقر بالجهلتين من شرب
من شعر كالليل ينبذ بالقمـ
ل وما مار من دم يشرب ( ) .
وقال الازرقي في (اخبار مكة) : (( فاذا كان الحج في الشهر الذي يسمونه ذا الحجة ، خرج الناس الى مواسمهم فيصبحون بعكاظ يوم هلال ذي العقدة فيقيمون به عشرين ليلة تقوم فيها اسواقهم بعكاظ والناس على مداعيهم وراياتهم منحازين في المنازل تضبط كل قبيلة اشرافها وقادتها ، ويدخل بعضهم في بعض للبيع والشراء ويجتمعون في بطن السوق ، فاذا مضت العشرون انصرفوا الى مجنة فأقاموا بها عشرا ، اسواقهم قائمة ، فاذا رأوا هلال ذي الحجة انصرفوا الى ذي المجاز فأقاموا به ثماني ليال اسواقهم قائمة ثم يخرجون يوم التروية من ذي المجاز الى عرفة)( ).
وكانت تلبيتهم : لبيك اللهم لبيك . لبيك لا شريك لك لبيك الا شريكا هو لك تملكه وما ملك . وكانت تلبية (عك) اذا خرجوا حجاجا قدموا امامهم غلامين اسودين من غلمانهم فكانا امام ركبهم ، فيقولان نحن من سودان العرب فتقول عك من بعدها :
عك اليك عانيه عبادك اليمانيه
كيما نحج الثانية ( )
وما يدل على اهمية الحج في الشريعة الاسلامية ان في القرآن سورة كاملة اطلق عليها سورة (الحج) .
طرفة : يحكى ان رجلا من اهالي النهروان حجّ في ايام الهادي فنظر الى الناس يهرولون في الطواف فشبههم (ببقر تدوس في البيدر) ، فلما سمع الهادي بهذا التشبيه الرائع امر بالرجل فقتل ثم صلب ( ) .


تقبيل الحجر الاسود
ان تقبيل الحجر الاسود ايضاً كان طقس جاهلي ابقى عليه الاسلام . إذ ( لم يزد الاسلام اي شيء على الطقوس الجاهلية بل جعل تقبيل الحجر الاسود ، وهو نوع من عبادة الاصنام كانت تمارسها الجاهلية ، جزءا من الاسلام ، والاخير جاء اصلاً ليمنعنا من عبادة الاصنام ) ( ) .
يقول الرصافي : كانت العرب في الجاهلية تقبل الحجر الاسود وتتمسح به ، ولا غرابة منهم في ذلك وهم عباد اصنام ، ولكن من المستغرب جدا ان يكون تقبيله والتمسح به عبادة في دين الاسلام الذي هو دين التوحيد وترك الانداد ونبذ ما سوى الله ، واغرب من هذا ، السبب الذي اخترعوه لتقبيله واستلامه اذ قالوا كما في السيرة الحلبية : ان العهد الذي اخذه الله على ذرية آدم حين مسح ظهره ، ان لا يشركوا به شيئاً ، كتبه في صك والقمة الحجر الاسود ، فلذلك يقبلونه ، ولذلك يقولون عند استلامه اللهم ايماناً بك ووفاءً بعهدك .
وبالنظر الى هذا يكون موقف المستلم متناقضاً لان استلام الحجر عبادة ، والعبادة لا تكون الا لله ، فالإسلام اذن مناقض للصك الذي اودعه الله في بطن هذا الحجر ، لأنه انما يقبله ويستلمه وفاءً بان لا يشرك بالله شيئاً ، وهو باستلامه قد اشرك به الحجر ، اذن فما ذنب الاصنام التي كسرها محمد ، فان العرب ما كانوا يتمسحون بها الا لزعمهم انها تشفع لهم عند الله وتقربهم اليه زلفى .
واغرب من هذا ايضاً ما جرى بين عمر بن الخطاب وعلي بن ابي طالب ، فقد جاء فيما روي عن عمر انه لما دخل المطاف في ايام خلافته قام عند الحجر وقال : والله اني اعلم انك حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا اني رأيت رسول الله قبلك ما قبلتك ، فقال له علي : بلي يا امير المؤمنين هو يضر وينفع ، قال : ولم ؟ قلت ذلك في كتاب الله ، قال : واين ذلك في كتاب الله ؟ قلت : قال الله تعالى : ( واذا اخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وشاهدهم على انفسهم الست بربكم قالوا بلى شهدنا) الاعراف : 172 ، وكتب ذلك في رق وكان هذا الحجر له عينان ولسان فقال الله : افتح فاك ، فالقمة ذلك الرق وجعله في هذا الموضع ، فقال : اشهد لمن وافاك بالموافاة يوم القيامة ، فقال عمر : اعوذ بالله ان اعيش في قوم لست فيهم يا ابا الحسن .
فانظر ، اليس هذا الحديث بأغرب مما تقدم ؟ لان علي بن ابي طالب قد ادعى ان ذلك في كتاب ، وليس في كتاب الله الا هذه الآية ، واما ان ذلك كتب في رق والقمة الحجر ليشهد لمن وافاه ، وان الحجر له عينان ولسان فليس في كتب الله ، وانما في كتاب اقاويل الرواة ، فكيف يحتج على عمر بان تقبيل الحجر في كتاب الله ( ).




الصلاة
والصلاة كانت تقام عند معظم الاديان قبل الاسلام ولها طقوس وحركان معينة كل حسب اعتقاده . كذلك في اوقاتها ، فمثلا عند الصابئة سبعاً : الصبح والظهر والعصر والمساء والعشاء وصلاتين فيما بينهما . ولكن النبي يحيى اراد تخفيف الامر عليهم فجعلها في ثلاثة اوقات : قبل طلوع الشمس وعند زوالها وقبل غروبها ( ) . وقال اهل اللغة هي الدعاء والتبريك والتمجيد ، يقال صليت عليه اي دعوت له وزكيت ( ) . وفي سورة التوبة الآية 103 (وصلِ عليهم ان صلواتك سكن لهم).
والصلاة كما يقول الراغب : (هي العبادة المخصوصة اصلها الدعاء وسميت هذه العبادة بهم كتسمية الشيء باسم بعض ما يتضمنه ، والصلاة من العبادات التي لم تنفع شريعة منها وان اخلفت صورها بحسب شرع فشرع . ولذلك قال : ( ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتاً) النساء :103 وقال بعضهم : اصل الصلاة من الصلاء ، قال ومعنى صلى الرجل اي انه زال عن نفسه بهذه العبادة الصلأ الذي هو نار الله الموقدة ) ( ) .
وبتعبير آخر فأن (الصلاة تعني الصلة بين الانسان والاله ، وكانت معروفة للبشر منذ بداية الديانات القديمة ، وهي في جوهرها طقوس يقوم بها الانسان ، قد تتخذ شكل حركات معينة او دعاء او خلوة وانفراد ليتأمل الانسان في ربه وكيف يتقرب اليه ليجلب الطمأنينة والهدوء الى نفسه . وكل الاديان السماوية والوضعية لها طقوس معينة للصلاة ) ( ) .
ويرى الرصافي ان الصلاة : اسم يوضع موضع المصدر لصلى ، ولا يقال تصلية ، واحسن ما يقال في اصلها على ما ارى انها مأخوذة من ((صلوتا)) بالعبرانية ، وهي اسم الكنيسة التي هي عبادة اليهود ، فأخذت واطلقت على العبادة نفسها ( ) .
واعطى الاسلام اهمية كبيرة للصلاة ، حيث ذكرها 53 مرة ، في 26 سورة ، 14 منها مكية و12 مدنية . وحدد النبي نوعين من الصلاة، صلاة الحضر للمقيمين ، وصلاة السفر لغير المقيمين ، وكان عدد الركعات في النوعين من الصلاة ركعتين ، وصلوا نحو بيت المقدس ( ) .
وفي الشريعة الاسلامية صارت الصلاة ركناً اساسياً وفي اداءها يعرفون المسلم من غير المسلم ، ويقولون ان قبلت الصلاة قبل ما سواها وان ردت رد ما سواها ، ويأدونها في اليوم خمس مرات . ويروون عن عائشة زوج النبي انها قالت : ان رسول الله يستفتح الصلاة والقراءة بالحمد لله رب العالمين . كان اذا ركع لم يشخص وامه ، ولم يصوبه ، ولكن بين ذلك . وكان اذا رفع من الركوع لم يسجد حتى يستوي قائماً . وكان اذا رفع رأسه من السجدة لم يسجد حتى يستوي جالساً . وكان يقول في كل ركعتين التحية . وكان يفرش رجله اليسرى وينصب اليمنى .وكان ينهي عن عقبة الشيطان ، وينهي ان يفترس الرجل ذراعيه افتراش السبع . وكان يختم الصلاة بالتسليم ( ) .
ينقل الرصافي عن السيرة الحلبية : ان عليا ضحك يوما وهو على المنبر ، فسئل عن ذلك فقال : تذكرت ابا طالب حين فرضت الصلاة ورآني اصلي مع رسوم الله بنخلة ، فقال ما هذا الفعل الذي ارى ؟ فلما اخبرناه قال : هذا حسن ولكن لا افعله ابد ، اني لا احب ان تعلوني أستي . انتقاد مصيب لهيئة السجود كانتقاد ذلك الشاعر الفارسي ، وممن انتقد هيئة السدود في الصلاة طليحة بن خويلد الاسدي الذي تنبأ بعد وفاة محمد ، وزعم انه انزل عليه : ان الله لا يصنع بتعضيد وجوهكم وقبول ادباركم شيئاً فاذكروا الله قياما فان الدعوة فوق الصريح ( ) .
واما متى فرضت الصلاة وكيف كانت تقام فقد روى لنا المؤرخون واصحاب السير ، انه في بداية الدعوة الاسلامية وعندما كان محمد بمكة كان قد سمح لأصحابه وعلى قلة عددهم ان يقيموها في البيوت ، وقد اخبرهم ان الله فرض عليهم الصلاة . ولكن القرآن لم يحدد كيفية الصلاة كان الامر قد وقع على عاتق النبي ، اي هو الذي يحدده ، وخصوصا بعد ليلة الاسراء والمعراج حينما قابل الرسول ربه حيث اخبره انه قد فرض على امتك يا محمد خمسين صلاة في اليوم . فدعا النبي بذلك بروح مطواعة ، لكن اثنا عودته التقى بالنبي موسى دون علم سابق فحثه للعودة الى ربه يتوسل اليه ليقلل عدد مرات الصلاة في اليوم والليلة كون امة محمد لن تستطيع ان تتحمل هذا العدد من الصلاة . كأن النبي موسى هنا اكثر ذكاء وفطنة من محمد . (وبعد عدة رحلات ومساومات مع الله استقر الوضع على خمس صلوات في اليوم دون تحديد عدد الركعات او كيفية اداء الصلاة ) ( ).
ويثبت لدينا من خلال ما اشرنا اليه من ان الصلاة كانت معروفة لدى اهل الجاهلية ، وبتعبير اخر انهم كانوا يعرفونها . وعندما جاء الاسلام ابقاها كطقس بعد ان اجرى عليها تعديلات .


الصوم

قال في القاموس : صام صوما واصطام : امسك عن الطعام والشراب والنكاح والسير ، وهو صائم وصومان وصوم ، جمعه صّوام وصّوم وصيم وصيّم وصيام وصيامى . وصام منيته : ذاقها . والصوم والصمت ، وركود الريح ، ورمضان . والصائم للواحد والجمع ( ) .
وفي (التعريفات) : الصوم مطلق الامساك ، وفي الشرع : عبارة عن امساك مخصوص ، وهو الامساك عن الاكل والشرب والجماع من الصباح الى المغرب مع النية ( ) .
وفي (مختار الصحاح) : قال الخليل : الصوم قيام بلا عمل . والصوم ايضا الامساك عن الطعم وقد صام الرجل من باب قال و(صياما) ايضاً . وقوم (صوّم) بالتشديد و(صيم) ايضاً . ورجل (صومان) اي صائم . و(صام) الفرس اي قام على غير اعتلاف . وصام النهار قام قائم الظهرية واعتدل . والصوم ايضا ركود الرياح . وقال ابو عبيدة : كل ممسك عن الطعام او كلام او سير فهو صائم ( ) .
وقال الراغب : سمي الصوم صبرا لكونه كالنوع له ( ) .
((والصيام عن الشيء يعني الامتناع عنه – كما بينا – قد يكون الصوم عن الاكل او الشرب او الاثنين معا ، وقد يصوم بعض عن نوع معين من الاكل كما يفعل المسيحيون يوم الجمعة الحزينة ، يوم صلب عيسى ابن مريم ، فيصومون عن اكل اللحم ويأكلون السمك فقط . وقد يكون الصيام لأسباب طبية قبل العمليات الجراحية او نوع من العبادة . واصبح الصيام كذلك اداة من ادوات الاحتجاج غالبا ما يستعمله السجناء السياسيون . وقد يكون الصوم عن الكلام فقط كما فعلت مريم العذراء عندما ولدت عيسى وقالت انها نذرت للرحمن صوما الا تكلم اليوم انسياً .
ويبدو ان الصيام لأسباب دينية بدأ باليهودية عندما قام موسى بني اسرائيل من مصر وانغلق لهم فنجوا واغرق الله فرعون وجنده ، فصام الاسرائيليون شكرا لله على خلاصهم ، وسموا هذا اليوم صيام عاشوراء . ولاختلاط بعض القبائل العربية بيهود المدينة وخيبر ، كان جزء منهم يصوم يوم عاشوراء )) ( ) .
وكان سعيد بن زيد بن عمرو (وزيد من ابرز المتحنفين العرب) يمارس شعيرة الصوم اقتداء بابيه زيد .
ويذكر العقاد ان العرب ( كانوا يصومون يوم عاشوراء ، وكان صيامهم من الفجر الى مغرب الشمس ) ( ) .
وفي مكة بداية الاسلام لم يصم المسلمين ، لاسيما وان القرآن لم يذكر شيئاً عن الصوم , ينقل كامل النجار عن الطبري ان الرسول عندما هاجر الى المدينة ، رأى اليهود تصوم يوم عاشوراء ، فسألهم فاخبروه انه اليوم الذي اغرق الله فيه آل فرعون ، ونجى موسى ومن معه منهم ، فقال الرسول : نحن احق بموسى منهم ، فصام وامر الناس بصومه ( ) . وكان المسلمون يصومون من كل شهر ثلاثة ايام ، كما يذكر ذلك ابن كثير في تفسيره ثم نسخ ذلك بصوم شهر رمضان ( ) . وقد كان اولاً كما كان عليه الامم من قبل .
فقد جاء في سورة البقرة الآية 185 قوله ( شهر رمضان الذي انزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ) . وبهذا امر النبي الناس ان يصوموا اشهر رمضان فحسب ، ونهاهم عن صوم عاشوراء ، وقيل انه لم ينههم عن صوم عاشوراء بل نهاهم عن صوم ثلاثة ايام من كل شهر فنسخ ذلك بصوم شهر رمضان .
وذكر ابن كثير ان النبي قدم المدينة فجعل يصوم من كل شهر ثلاثة ايام وصام عاشوراء ، ثم ان الله فرض عليه الصيام ، وانزل اليه الآية 185 ، ورخص فيها الصوم للمريض والمسافر ، وثبت الاطعام للكبير الذي لا يستطيع الصيام . وكانوا يأكلون ويشربون ويأتون النسام ما لم يناموا ، فاذا ناموا امتنعوا ، ثم ان رجلاً من الانصار يقال له صرمه ، كان يعمل صائماً حتى امس فجأة الى اهله فصلى العشاء ثم نام ، فلم يأكل ولم يشرب حتى اصبح فاصبح صائماً ، فرآه النبي وقد جهد جهدا كبيرا فسأله عن حاله فاخبر الخبر . وكان عمر بن الخطاب قد اصاب من النساء بعد ما نام فاتى النبي فذكر له ذلك فانزل الله قوله : ( احل لكم ليلة الصيام الرفث الى نساءكم ) الى قوله (ثم اتموا الصيام الى الليل ) ( ) .
وما يؤكد ان الصوم عبادة قديمة لم يأت بها الاسلام قول الزمخشري في كشافه : (ان الصوم عبادة قديمة) . وقال : فان قلت : لم سميّ شهر رمضان ؟ قلت : الصوم
فيه عبادة قديمة ، فكأنهم سموه بذلك لأرتماضهم فيه من حرّ الجوع ومقاسات شدته ( ) .
والمسلمون في عصرنا هذا يقولون ان للصوم فوائد صحية ونفسية . لكن الطب الحديث لم يؤكد ذلك ، بل ان المصابين بالسكري وارتفاع ضغط الدم وكذلك المصابون بامراض الكلى وغير ذلك يضرهم الصوم والذي يفعل ذلك لعرض نفسه لخطر الموت.





تعظيم يوم الجمعة

قال ابن كثير : ( وكان يقال له (الجمعة) في اللغة القديمة يوم العروبة ، وثبت ان الامم قبلنا (قبل الاسلام) امروا به فضلوا عنه ) ( ) .
ولما جاء الاسلام بالغ في تعظيم يوم الجمعة كثيراً . فقد جاء في سورة الجمعة (يا ايها الذين امنوا اذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا الى ذكر الله ) .
وروى في تعظيم يوم الجمعة احاديث كثير من دعاء وصلوات وغسل من الجنابة وكيفية سير المصلي في هذا اليوم وهو متوجه الى المسجد لأداء الصلاة . لكننا اعرضنا عن ذكر ذلك ، ولمن اراد المزيد فليرجع الى تفسير ابن كثير على سبيل المثال .
قال ابن كثير : ( انما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجمع ، فان اهل الاسلام يجتمعون فيه في كل اسبوع مرة بالمعابد الكبار ، وفيه عمل جميع الخلائق فانه اليوم السادس من السنة التي خلق الله بها السموات والاراض ، وفيه خلق ادم وفيه ادخل الجنة ، وفيه اخرج منها وفيه تقوم الساعة ، وفيه ساعة لا يوافقها عبد مؤمن يسأل الله فيها خيراً الا اعطاه اياه ) ( ) .




الدعاء

في القاموس المحيط : الدعاء هو الرغبة الى الله . وكان اهل الجاهلية يعرفون الدعاء وهو مما يتقربون به الى الله ، لان اهل الجاهلية كانوا يقرون بالربوبية وان الله هو خالقهم وخالق ابائهم وانما يعبدون الاوثان والاصنام لأنها باعتقادهم تقربهم الى الله زلفى . وان القران قد اكد بان اهل الجاهلية كانوا يعرفون ان الله هو الذي خلقهم : ( لئن سئلتهم من خلقكم ليقولن الله ) .
(روى ابن عباس ان عمر بن الخطاب رأي رجلاً مبتلى فقال له : ما رأيت افضع منظراً منه . فقيل له : اما تصرفه يا امير المؤمنين قال : لا. قيل هذا ابن ضبعان السلمي الذي دعا عليه عياض. فقال لعياض : اخبرني خبرك فقال : يا امير المؤمنين : كان بنو ضبعان عشرة وانا ابن عم لهم فكنت مستجيرا بهم وجارا لهم فظلموني واخذوا مالي ظلماً وعدواناً فذكرتهم بالله والرحم والجوار فلم يفد فأمهلتهم الى دخول رجب فرفعت يدي الى السماء وقلت :
اللهم ادعوك دعاء جاهدا
تقتل بني ضبعان الا واحدا
ثم اضرب الرجل فذره قاعدا
اعمى اذا ما قد اعيا القائدا
وكان ذلك في الجاهلية فتتابع منهم تسعة ماتوا في عام واحد وبقى منهم هذا اعمى رماه الله في رجليه بما ترى. فقال عمر: ـ سبحان الله ـ ان هذا الامر عجيب) ( ) .
والاسلام قد اقر الدعاء حتى اعتبره معظمهم انه مخ العبادة . وجاء في القرآن (ادعوني استجيب لكم) . ويروون احاديث كثيراً جداً بخصوص الدعاء وانه مستجاب ولاسيما دعوة المظلوم والمضطر والام التي تدعو لولدها وهناك مثل مصري يقول ( ان امك دعيالك ) .
وبالمقابل هناك دعوات غير مستجابة كما يقولون ، مثل ان الرجل يجلس في داره ويدعو الله ان يرزقه من دون ان يبحث عن رزقه خارج الدار . وكذلك الرجل الذي يدعو على زوجه ان يخلصه منها بعد ان ذاق منها مرارة العيش لان هذه الدعوة غير مستجابة لان المشرع قد جعل ولاية الرجل على المرأة وبمثل هذه الحال فان الرجل بدل ان يدعو عليها يطلقها ويفارقها .



النذر

اما النذر فكان معروفاً عند عرب الجاهلية قديما . ولما جاء الاسلام اقر النذر وربما حث عليه فيما ذكروا من احاديث نسبوها للرسول . ونحن هنا نكتفي بقضية واحدة نستدل بها على وجود النذر قبل الاسلام وهي قصة عبد المطلب جد الرسول وذبح ولده ، وقد رواها اصحاب السير والتاريخ في سيرهم وتواريخهم ، ونحن ننقلها من سيرة ابن اسحاق التي اختصرها ابن هشام وحذف منها اشياء كثيرة حتى فقد الاصل ووصلت لنا سيرة ابن هشام التي هي الان متداولة بين ايدي الناس .
قال ابن اسحاق وكان عبد المطلب بن هشام قد نذر حين لقي من قريش ما لقي
عند حفر زمزم : لئن ولد له عشرة نفر ، ثم بلغوا معه حتى يمنعوه ، لينحرن احدهم لله عند الكعبة فلما توافى بنوه عشرة ، وعرف انهم سيمنعونه ، جمعهم ، ثم اخبرهم بنذره ودعاهم الى الوفاء لله بذلك ، فأطاعوه وقالوا : كيف نصنع ؟ قال : ليأخذ كل رجل منكم قدحا ثم يكتب فيه اسمه ، ثم ائتوني ، ففعلوا ، ثم اتوه ، فدخل بهم على هبل في جوف الكعبة ، وكان هبل على بئر في جوق الكعبة ، وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة .
وكان عند هبل قداح سبعة ، كل قدح منها فيه كتاب قدح فيه (العقل) ، اذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ، ضربوا بالقداح السبعة ، فان خرج العقل فعلى من خرج حمله . وقدح فيه (نعم) للأمر اذا ارادوه يضرب به القداح ، فأن خرج قدح نعم ، عملوا به . وقدح فيه (لا) اذا ارادوا امرا ضربوا به في القداح ، فان خرج ذلك القدح لم يفعلوا ذلك الامر . وقدح فيه (منكم) وقدح فيه (ملصق) . وقدح فيه (من غيركم) وقدح فيه (المياه) اذا ارادوا ان يحضروا للماء ضربوا بالقداح ، وفيها ذلك القدح ، حيثما خرج عملوا به .
وكانوا اذا ارادوا ان يختنوا غلاما ، او ينكحوا منكحا ، او يدفنوا ميتا ، او شكوا في نسب احدهم ، ذهبوا الى هبل وبمئة درهم وجزور ، فأعطوها صاحب القداح الذي يضرب بها ، ثم قربوا صاحبهم الذي يريدون ما يريدون ، ثم قالوا : يا الهنا هذا فلان بن فلان قد اردنا به كذا وكذا فاخرج الحق فيه ، ثم يقولون لصاحب القداح : اضرب فان خرج عليه (منكم) كان منهم وسيطاً ، وان خرج عليه : ( من غيركم) كان حليفاً ، وان خرج عليه : (ملصق) كان على منزلته فيهم ، لا نسب له ، ولا حلف ، وان خرج فيه شيء مما سوى هذا مما يعملون به (نعم) عملوا به ، وان خرج (لا) اخروه عاماً وذلك حتى يأتوه به مرة اخرى ، ينتهون في امورهم الى ذلك مما خرجت به القداح .
قال عبد المطلب لصاحب القداح : اضرب على بني هؤلاء بقداحهم هذه ، واخبره بنذره الذي نذر ، فأعطاه كل رجل منهم قدحه الذي فيه اسمه ، وكان عبد الله ابن عبد المطلب اصغر بني ابيه ، وعبد الله هذا احب ولد عبد المطلب اليه ، وكان عبد المطلب يرى ان السهم اذا اخطأه فقد ابقى . فلما اخذ صاحب القداح – القدح – ليضرب بها ، قام عبد المطلب الى هبل يدعو الله ، ثم ضرب صاحب القداح ، فخرج القدح على عبد الله .
اخذه عبد المطلب بيده واخذ السكين ، ثم اقبل به الى اساف ونائله ليذبحه ، فقامت اليه قريش من انديتها ، فقالوا : ماذا تريد ياعبد المطلب ؟ قال : اذبحه ، فقالت له قريش وبنوه : والله لا تذبحه ابدا حتى تعذر فيه لئن فعلت هذا لا يزال الرجل ياتي بابنه حتى يذبحه ، فما بقاء الناس على هذا ؟ ! .
وقالت له قريش وبنوه : لا تفعل ، وانطلق به الى الحجاز ، فان به عرافة لها تابع ، فسلها ، قم انت على رأس امرك ، فان امرتك بذبحه ذبحته ، وان امرتك بأمر لك وله فيه فخرج قبلته .
فانطلقوا حتى قدموا المدينة فوجدوها بخيبر . فركبوا حتى جاءوها ، فسألوها ، وقص عليها عبد المطلب خبره وخبر ابنه ، وما اراد به ونذره فيه ، فقالت لهم : ارجعوا عني اليوم يأتينني تابعي فأسأله فرجعوا من عندها ، فلما خرجوا عنها قام عبد المطلب يدعو الله ، ثم غدوا عليها فقالت لهم : قد جاءني الخبر ، كم الدية فيكم ؟ قالوا عشرة من الابل ، قالت : فارجعوا الى بلادكم ، ثم قربوا صاحبكم ، وقربوا عشرا من الابل ، ثم اضربوا عليها وعليه بالقداح ، فأن خرجت على صاحبكم ، فزيدوا من الابل حتى يرضى ربكم ، وان خرجت على الابل فانحروها عنه ، فقد رضى بكم ونجا صاحبكم .
فخرجوا حتى قدموا مكة ، فلما اجمعوا على ذلك من الامر ، قام عبد المطلب يدعو الله ، ثم قربوا عبد الله وعشرا من الابل ، وعبد المطلب قائم عند هبل يدعو الله ، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله ، فزادوا عشرا من الابل ، فبلغت الابل عشرين ، وقام عبد المطلب يدعو الله ، ثم ضربوا فخرج القدح على عبد الله . وهكذا يزيد عبد المطلب عشرا عشرا الى ان بلغ مائة من الابل فخرج السهم على الابل المائة فنحرها .
وبهذه القصة يزعم الرواة ان النبي كان يقول : انا ابن الذبيحين ، يعني اسماعيل بن ابراهيم وعبد الله والد النبي .
ولا اشك ان هذه القصة من خيال الرواة ليست لها حقيقة . لكننا نستدل فيها على ان العرب قبل الاسلام كانت تهتم بالنذر وتقيم له وزنا ( ) .




تحريم الخمر

آية تحريم الخمر لم تكن واضحة فهي تقول بشأن الخمر (فاجتنبوه) والاجتناب ليس التحريم . والقرآن في بقية المحرمات قال صراحة ( حرمت) ، ففي سورة المائدة الآية الثالثة (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما اهل لغير الله والمنخنقة والموقودة والمتردية والنطيحة وما اكل السبع) . وفي سورة النساء الآية 23 ( حرمت عليكم امهاتكم وبناتكم واخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الاخ وبنات الاخت ) .
وقد شرحنا هذا بالتفصيل في كتابنا (الخمر في الاسلام) فلا داع الى التكرار هنا.
وقبل مجيء الاسلام هناك العديد من الاشخاص الذين حرموا الخمر على انفسهم ، فمن هؤلاء عبد المطلب جد النبي ( وكان ممن حرم الخمر في الجاهلية) ( ) وكذلك بعد الله بن جدعان والذي وصفه المؤرخون بانه كان جوادا ومن سادات قريش ، ومنهم قيس بن عاصم ، والعباس بن مرداس ( ) ، وغير هؤلاء . قال شاعرهم وهو ينهي عن شرب الخمر :
الا ياقومي ليس في الخمر رفعة
فلا تقربوا منها فلست بفاعل
فاني رأيت الخمر شيئاً ولم يزل
اخو الخمر دخالا لشر المنازل ( )
قال الابشيهي قد انزل الله تعالى في الخمر ثلاث آيات : الاولى – يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما اثم كبير ومنافع للناس ، فكان من المسلمين من شارب ومن تارك الى ان شرب رجل فدخل في الصلاة فهجر فنزل قوله – ياايها الذين امنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون فشربها من شربها من المسلمين وتركها من تركما حتى شربها عمر فاخذ بلحى بعير وشج به رأس عبد الرحمن بن عوف ثم قعد ينوح على قتلى بدر بشعر الاسود بن يعفر :
وكائن بالقليب قليب بدر من الفتيان والعرب الكرام
ايوعدني ابن كبشة ان سأحيا وكيف حياة اصداء وهام
ايعجز ان يرد الموت عني وينشرني اذا بليت عظامي
وبلغ ذلك النبي ، فخرج مغضبا يجر رداءه ، فرفع شيئاً كان في يده فضربه به فقال اعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله فنزل قوله : انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل انتهم منتهون . فقال عمر انتهينا انتهينا ( ) .
وقد رووا احاديث كثيرة عن النبي وكلها تؤكد حرمة الخمر وان شارب الخمر لا يدخل الجنة وان رحمة الله لا تشمله .
وكان في العرب من حرم الخمر والزنا معاً امثال صفوان بن امية بن محرث الكناني وعفيف بن معد يكرب الكندي وقالوا في ذلك اشعار ، قال عامر بن الظرب العدواني :
ان اشرب اخمر اشربها للذتها
وان ادعها فاني ماقت قالِ
لولا اللذة والقينات لم ارها
ولا رأتني الا من مدى عالي
سالت للفتى ما ليس في يده
ذهّابه بعقول القوم والمال
تورث القوم اضعافا بلا احن
مزرية بالفتى ذي النجدة الحالي
اقسمت بالله : اسقيها واشربها
حتى يفرق ترب الارض اوصالي
وقال الاسلوم اليالي :
سالمت قومي بعد طول مضاضة
والسلم ابقى في الامور واعرف
وتركت شرب الراح وهي اثيرة
والمومسات ، وترك ذلك اشرف
وعففت عنه يا اميم تكريماً
وكذاك يفعل ذو الحجى المتعفف ( )




المنقذ

حكاية المنقذ ، حكاية قديمة جداً فلا يكاد دين يخلو من قضية المنقذ ، فأهل كل دين يقولون ان صاحبهم سوف يخرج اخر الزمان لينقذ البشرية مما لاقته من احن وخطوب ومصائب ليعيد المساواة وينشر العدالة في ربوع الارض لتنعم البشرية بالخير والسعادة وتعيش سواسية ، فلا ظلم يقع على احد ولا جور يلاقيه احد .
فالبوذيون – ويبلغ عددهم بحدود خمسمائة مليون نسمة – يرون او يعتقدون ان بوذا هو منقذهم والزرادشتيون يعتقدون ان زرادشت هو المنقذ وكذلك المجوس والصابئة ومعظم الاديان السماوية والوضعية كل يرى المنقذ هو رئيس دينه او ملته او مذهبة .
ويرتبط ذلك بنهاية العالم ، ( ومولد مخلص قادم من عذراء تأثير بالغ على الديانة اليهودية والمسيحية ) ( ) . وكذلك على الشريعة الاسلامية ، بل ان الاسلام هو الاكثر تأكيداً على وجود المنقذ وخروجه آخر الزمان ، وقد اخذ ذلك عن اليهودية والمسيحية . وتأثير ذلك واضح عند الشيعة اكثر من السنة .
والاحاديث التي يرويها المسلمين عن النبي بشأن المنقذ وعن وصفه وصفته وزمان خروجه وماذا سيفعل وقتله للأعور الدجال وغير ذلك مما هو مسطور في كتبهم المعتبرة لاسيما صحيح مسلم وصحيح البخاري .
ولسنا هنا بصدد ذكر تلك الاحاديث ، وان اغلب تلك الاحاديث هي موضوعة ولا اساس لها من الصحة ، وقد وضعت في فترة متأخرة عن عصر النبي ، وضعت لأغراض سياسية ، فهناك روايات عن السنة لا تقبلها الشيعة والعكس بالعكس . وقد الفوا في ذلك كتب عديدة عن المهدي (المنقذ) لعل اهم كتاب (البرهان في بيان خروجه مهدي آخر الزمان للمتقي الهندي في جزأين ، وكتاب (موسوعة الامام المهدي) للسيد محمد محمد صادق الصدر وهو من علماء الشيعة المتأخرين والكتاب يقع في اربعة اجزاء .
ولعل العلامة ابن خلدون اول عالم دين مسلم انكر هذه القضية (قضية المنقذ) او المهدي . وهو مؤرخ كبير ومؤسس علم الاجتماع ، ومقدمته التي وضعها كانت ولا تزال اهم مصدر للعلم والعلماء في السياسة والتاريخ والفلسفة والدين وعلم الاجتماع.
يقول ابن خلدون : ان في المشهوربين كافة اهل الاسلام انه لا بد في اخر الزمان من ظهور رجل من اهل البيت يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون ، ويستولي على الممالك الاسلامية ويسمى بالمهدي ، ويكون خروج الدجال وما بعده من اشراط الساعة وان عيسى ينزل من بعده فيقتل الدجال او ينزل معه فيساعده على قتله وياتم بالمهدي في صلاته . عن جابر قال رسول الله : من كذب بالمهدي فقد كفر ومن كذب بالدجال فقد كذب ، وقال في طلوع الشمس من مغربها مثل ذلك فيما احسب وحسبك هذا غلواً . وعن عاصم ابن ابي النجود احد القراء السبعة يرفعه عن النبي : لو لم يبق من الدنيا الا يوم لطول الله : ذلك اليوم حتى يبعث الله فيه رجلا مني او من اهل بيتي يواطئ اسمه اسمي واسم ابيه اسم ابي . قال العجلي كان يختلف على عاصم وابي وائل يشير الى ضعف روايته ، وقال محمد بن سعد انه كثير الخطأ ، وقال يعقوب بن سفيان : في حديثه اضطراب ، وتكلم فيه ابن عليه وقال كل من اسمه عاصم سيء الحفظ . وقال ابن حراش في حديثه نكره ، وقال ابو جعفر العقيلي : لم يكن فيه الا سوء الحفظ ، وقال الدارقطني : في عقله شيء .
واخرج ابو داود عن علي عنه من رواية قطت بن خليقة عن القاسم بن ابي مرّة بن ابي الطفيل عن علي عن النبي قال : لو لم يبق من الدهر الا يوم لبعث الله رجلاً من اهل بيتي يملأها عدلا كما مُلئت جورا . وقطن بن خليفة قال فيه احمد بن عبد الله بن يونس : كنا نمر على قطن وهو مطروح لا نكتب عنه وقال مرة كنت امر به وادعه مثل كلب . وقال الدارقطني : لا يحتج به : وقال ابو بكر بن عياش : ما تركت الرواية عنه الا لسوء مذهبه . وقال الجرجاني زائغ غير ثقة . وخرّج ابو داود عن ام سلمة قالت سمعت في المستدرك عن طريق علي بن نفيل عن سعيد بن المسيب عن ام سلمة قالت سمعت رسول الله يقول المهدي من ولد فاطمة ولفظ الحاكم سمعت رسول الله يذكر المهدي فقال : نعم هو حق وهو من بني فاطمة ولم يتكلم عليه بالصحيح ولا غيره وقد ضعفه ابو جعفر العقيلي وقال لا يتابع علي بن نفيل عليه ولا يعرف الا به .
وخرّج ايضا عن ام سلمة من رواية صالح ابي الخليل عن صاحب له عن ام سلمة قالت : يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من اهل المدينة هاربا الى مكة فيأتيه ناس من اهل مكة يخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ، فيبعث اليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة ، فاذا رأت الناس ذلك اتاه ابدال اهل الشام وعصائب اهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش اخواله كذب فيبعث اليهم بعضا فيظهرون عليه وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم ويلقي الاسلام بجرانه على الارض فيلبث سبع سنين وقال بعضهم تسع سنين . قال ابو داود يقال انه من رواية قتادة عن ابي الخليل وقتادة مدلس والمدلس لا يقبل منه حديثه الا ما صرح به السماع مع ان الحديث ليس فيه تصريح يذكر المهدي ( ) .
ويستعرض ابن خلدون اهم الروايات التي ذكرت تصريحاً او تلميحاً قضية المهدي وعصر ظهوره وشأنه ، ثم يفندها بذكر طعن علماء المسلمين بتلك الروايات واصحابها ، فذكر ان بعضهم يدلس في الحديث والاخر متروك وغيره مطعون في مذهبه ورابع ضعيف الحديث او كان يضع الحديث الى غير ما ذكر ابن خلدون في شأن المهدي في مقدمته .









البعث والحساب

كان في العرب قبل الاسلام من يؤمن بالبعث والحساب وان الاعمال تعرض على الله يوم الجزاء فيأخذ كل ذي حق حقه فيجازى على ما كسبت يداه ان خيراً وان شراً فشراً .
وقال الاعشى بن قيس :
فما ايبلى على هيكل
بناه وصلب فيه وصارا
يراوح من صلوات المليـ
ك طورا سجودا وطورا جؤارا
بأعظم منك تقي في الحساب
اذا النسمات نغصن الغبارا
فالهيكل بين النصارى فيه صورة مريم وديرهم و(صلب) اتخذ الصليب . والجؤار : رفع الصوت بالدعاء . والنسمة : الاسنان جمعه نسمات .
وقال حاتم الطائي :
اما والذي لا يعلم الغيب غيره
ويحي العظام البيض وهي رميم
لقد كنت اطوي البطن والزاد يشتهى
مخافة من ان يقال لئيم
وقال حاتم ايضاً :
واني وان طال الثواب لميت
ويعظمني مأوى بيت مسقف
واني لمجزي بما انا كاسب
وكل امرئ كسب بما هو متلف
وقال قيس بن ساعدة الايادي :
ياباكي الموات والاموات في وجدث
عليهم من بقايا بزهم خرق
دعهم فان لهم يوما يصاح بهم
كما ينبه من نوماته الصعق
حتى يجيئوا بحال غير حالهم
خلق مضى ثم هذا بعده خلقوا
منهم عراة وموتى في ثيابهم
منها الجديد ومنها الازرق الخلق
وقال زيد بن عمرو بن نفيل :
فلن تكون لنفسي منك واقية
يوم الحساب اذا ما يجمع البشر
وقال علان بن شباب التميمي :
وعلمت ان الله جاز عبده
يوم الحساب بأحسن الاعمال
ومن المؤمنين بالبعث عبد الله بن تغلب بن وبرة وعبد المطلب بن هاشم ، ومن مقوله له : لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم الله منه الى ان هلك رجل ظلوم حتف انفه لم تصبه عقوبة فقيل له في ذلك . فقال : والله ان وراء هذه الدار دارا يجزى فيها المحسن بإحسانه والمسيء يعاقب بإساءته .
كذلك عامر بن الظرب العدواني وكان يرى ان الميت يرجع حيا ويعود ما ليس بشيء شيئاً ، لذلك خلق السماوات والارض ، وكان قومه يعرضون عنه كونهم لا يعون حديثه هذا ( ) .
ولا شك ان البعث والحساب قد اقره الاسلام .




الايمان بالقدر

قال محمد نعمان الجارم : كانت العرب في الجاهلية تعتقد ان الله قدّر جميع الممكنات من خير او شر قبل خلقها . قال الحسن البصري : لم يزل اهل الجاهلية يذكرون القدر في خطبهم واشعارهم وجاء الاسلام فزاد هذه العقيدة تأكيداً . وعن سعيد بن ابي عروبة قال : سألت قتادة عن القدر ؟ فقال : رأي العرب تريد ام رأي العجم ؟ فقلت : رأي العرب . قال : فانه لم يكن احد من العرب الا وهو يثبت ، وانشد :
ما كان قطعي هول كل تنوفة
الا كتابا قد خلا مسطورا

ومن الايمان بالقدر قول لبيد بن ربيعة العامري في معلقته :


فاقنع بما قسم المليك فإنما
قسم الخلائق بيننا علامها
وقال النابغة :
وليس امرؤ نائلا من هوا
ه سيئا اذا هو لم يكتب ( )
ولقد تعاظم موضوع القدر واتسع اوره في الفكر الاسلامي حتى نشأت فرقه اطلق عليها (عليهم) القدرية . ويقال ان معاوية بن ابي سفيان هو مؤسس هذه الفرقة ذلك لأنه قال حينما افضت اليه الخلافة ويتنازل الحسن بن علي عنها : ان الله قد سلطني عليكم بشيئته وقدره وانكم فقط تسمعون وتطيعون طاعة لله .




الاعتقاد بالجن

الجن كائنات وهمية غير ظاهرة ، تمثلها (الجاهلون) على صورة تسبه بهائم مشعرة اي ذات شعر طويل وكثيف ، او صورة تشبه بعض الحيوانات كالنعام والحية ، واحياناً بأشكال انسانية وغير ذلك ، لها احاسيسها ومشاعرها وعواطفها ( ) .
وكان الاعتقاد بوجود الجن اعتقاد عام وشامل في الجزيرة العربية ، مما هو ثابت. وعندما جاء الاسلام ظل هذا المعتقد. فكان العرب يتجنبون قتل الحية خوفاً من ثأر الجن وإذا قتل أحدهم حية جعلوا على رأس القاتل روثاً ورددوا ثائرك وقد يذرون على الحية المقتولة يسيراً من الرماد ، قتلُكِ العين فلا ثائر لك وإذا طال مرض أحدهم وتأخر شفاؤه نسبوا ذلك إلى قتله لحية فعلموا جمالاً من طين ووضعوا عليها الحنطة والشعير ووضعوها على باب كهف وقت المغرب وباتوا ليلتهم فلو أصبحوا ورأوا الجمال على حالها زادوا فى الحنطة والشعير واذا رأوها نقصت استبشروا بقبول الدية ورجعوا فرحين يضربون الدفوف. (3) .
روى مسلم في صحيحه :عن أبي السائب مولى هشام ابن زهرة أنه قال : دخلت على أبي سعيد الخدري فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى قضى صلاته فسمعت تحريكاً تحت سرير في بيته فإذا حية فقمت لأقتلها فأشار أبو سعيد أن اجلس فلما انصرف أشار الى بيت في الدار فقال أترى هذا البيت؟ فقلت نعم قال : إنه كان فيه فتى حديث عهد بعرس فخرج مع رسول الله الى الخندق فبينما هو به إذ أتاه الفتى يستأذنه فقال يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي عهداً فأذن رسول الله وقال : خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة فانطلق الفتى الى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين فأهوى اليها بالرمح ليطعنها وأدركته غيره فقالت: لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك فدخل فإذا هو بحية منطوية على الفراش فركز فيها رمحه ثم فرح بها فنصبه في الدار . فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتاً فما يدرى أيهما كان أسرع موتاً الفتى أم الحية ؟ فذكر ذلك لرسول الله فقال : إن بالمدينة جناً قد أسلموا فإذا رأيتم شيئاً فآذنوه( أي أعلموه ) ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان .

عبادة القبور

يشير الدكتور يحيى شامي الى ان القبر مع الزمن ، ولا سيما قبر السيد المطاع في قومه ، يتحول الى حرم مقدس ومقر للعبادة ، تنال عنده البركة والشفاعة فيقيمون عنده ويعكفون وينحرون . وللقبر مكانة سامية عند الجاهليين ، هذا اذا كان صاحب القبر سيد القوم واميرهم ، اذ كنت تجدهم يرفعون فوقه القبة فيحتمى اليه الخائفون والعائدون . ويبدو ان الدافع الى هذه العبادة انما هو دافع نفسي يجعل ممن يؤمن بها ، ويتصور ان القبر هو استمرار للقبة وللبيت الذي كان فيه السيد في الحياة الدنيا ( ) .
ولعل قبر حاتم الطائي الذي غدا مقر الضيفان وملاذ التائهين في الجاهلية ما يفيد الذي ذهبنا اليه . وان وصف منصور بن يزيد الطائي لقبر حاتم خير دليل واسطع برهان :
(قال رأيت قبر حاتم طي ببقة وهو اعلى جبل ، له وادي يقال له الخابل او الحامل ، واذا قدر عظيمة من بقايا قدور حجر مكفأة في ناحية من القبر من القدور التي كان يطعم فيها الناس ، وعن يمين قبره اربع جوار من حجارة ، وعلى يساره اربع جوار من حجارة ، كلهن صاحبة شعر منشور محتجرات على قبره كالنائحات عليه ، لم ير مثل بياض اجسامهن وجمال وجوههن ، مثلهن الجن على قبره ، ولم يكن قبل ذلك ، والجواري بالنهار كما وصفنا ، فاذا هدأت العيون ارتفعت اصوات الجن بالنياحة عليه ، ونحن في منازلنا نسمع ذلك ، الى ان يطلع الفجر ، فاذا طلع الفجر ، سكنت وهدأت ، وربما مر المار فيراهن فيفتتن بهن فيميل اليهن عجباً بهن ، فاذا دنا منهن وجدهن حجارة )) ( ) .
ويروي المسعودي : (( كان رجل يكنى ابا البختري مر في نفر من قومه بقبر حاتم طي ، فنزلوا قريبا منه ، فبات ابو البختري يناديه : يا ابا الجعد ، اقرنا ، فقال قومه له : مهلاً ما تكلم رمة بالية ؟ قال : ان طيئاً تزعم انه لم ينزل به احد قط الا قراه ، وناموا . فلما كان في آخر الليل قام ابو البختري مذعوراً فزعاً ينادي : واراحلتاه فقال له اصحابه : ما بدالك ؟ قال : خرج حاتم من قبره بالسيف ، وانا انظر ، حتى عقر ناقتي ، قالوا له : كذبت ، ثم نظر الى ناقته بين نوقهم مجدلة لا تنبعث ، فقالوا له : قد والله قراك ، فظلوا يأكلون من لحمها شواء وطبيخاً حتى اصبحوا ، ثم اردفوه ، وانطلقوا سائرين ، فاذا راكب بغير يقود آخر قد لحفهم فقال : ايكم ابو البختري ؟ فقال ابو البختري : انا ذلك : قال انا عدي بن حاتم ، وان حاتما جاءني الليلة في النوم ونحن نزول وراء هذا الجبل ، فذكر شتمك اياي ، وانه قرى اصحابك براحلتك ، وانشدني يقول في شعره :
ابا البختري ، لانت امرؤ
ظلوم العشيرة شتامها
اتيت بصحبك تبغي القرى
لدى حفرة صدمت هامها
ابتغي لي الذم عند المبيت
وحولك طي وانعامها
فانا نشبع اضيافنا
ونأتي المطي فنعتامها
وقد امرني ان احملك على بعير مكان راحلتك ، فدونكه ))( ) .
وقد ظل هذا المعتقد حتى بعد مجيء الاسلام ، فهناك احاديث كثيرة منسوبة الى النبي تحث على زيارة القبور . بل والادهى من هذا ان قبور الاولياء اصبحت عبادة شائعة الى يومنا هذا ، فالشيعة في العراق وايران ولبنان وبعض الدول الاخرى تزور الحسين وعلي وبقية ائمتهم وتعتقد انهم شفعاء لهم عند الله ، فتضحي لهم وتنذر النذور ، ويوم عاشوراء من كل عام تقيم العزاء واللطم وتضرب ظهورها بسلاسل الحديد وهامتها بالقامات والسكاكين ، فيقولون ان ذلك يقربهم الى الله زلفى ، كما قال اهل الجاهلية بحق اصنامهم واوثانهم ، وقد ذكر ذلك القرآن ، وان اهل السنة كذلك يعظمون قبر الامام الاعظم ابي حنيفة في بغداد ، وكذلك قبر عبد القادر الكيلاني ، فيطوفون حولهما ويتقربون اليهما بالدعاء والصلوات . والادهى من هذا ان هناك جماعة في الهند تعتقد ان الكيلاني ربهم ومعبودهم ، كما يذكر ذلك مصطفى لطفي المنفلوطي في كتابة (النظرات) فصل (دمعة على الاسلام) .



#داود_السلمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- انتخبوني قبل ان تفقدوني
- الساسة :السفر يطيل العمر
- اللوكي
- البطاط في عصر البطاطة
- كرة القدم افيون الشعوب
- الحمار والثور والسياسة العراقية
- نوال السعداوي مثال للمرأة العلمانية المتحررة
- الافعال الناقصة
- يابسة على تمن
- اكراماً للسلاطين
- الشعب: اضحك كرر ... اوعى تفكر
- البطاقة التموينية : الجانت عايزة التمت
- اطار ابو الريحة والعملية السياسية
- حينما اكلت حماراً بحاله
- هي وكرّتها ب14
- عذر ملوح
- عراقي يقترن اسمه بالسماء
- يا اميو العالم اتحدوا
- استيراد قضاة
- سولفها عالكرطة


المزيد.....




- هل تصريح نتنياهو ضد الاحتجاجات في الجامعات يعتبر -تدخلا-؟.. ...
- شاهد: نازحون يعيشون في أروقة المستشفيات في خان يونس
- الصين تطلق رحلة فضائية مأهولة ترافقها أسماك الزرد
- -مساع- جديدة لهدنة في غزة واستعداد إسرائيلي لانتشار محتمل في ...
- البنتاغون: بدأنا بالفعل بنقل الأسلحة إلى أوكرانيا من حزمة ال ...
- جامعات أميركية جديدة تنضم للمظاهرات المؤيدة لغزة
- القوات الإيرانية تستهدف -عنصرين إرهابيين- على متن سيارة بطائ ...
- الكرملين: دعم واشنطن لن يؤثر على عمليتنا
- فريق RT بغزة يرصد وضع مشفى شهداء الأقصى
- إسرائيل مصدومة.. احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين بجامعات أمريكية ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - داود السلمان - الاسلام والطقوس الجاهلية/ الحلقة الاولى