أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - في نقد الراديكالية السياسية العربية (5)















المزيد.....

في نقد الراديكالية السياسية العربية (5)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 4017 - 2013 / 2 / 28 - 22:04
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الراديكاليات السلفية المتشددة وآفاق الصراع العراقي

إن جوهر الصراع الكامن والمستقبلي في عراق اليوم يقوم بين ممثلي تقاليد الاستبداد والتوتاليتارية والتقليدية من جهة، وقوى الديمقراطية والدولة الشرعية والمجتمع المدني من جهة أخرى. وإذا كانت القوى البعثية - الصدامية التي كانت تمثل تاريخ الاستبداد والتوتاليتارية والتقليد قد تعرضت إلى هزيمة سياسية ساحقة، فان رصيدها الأيديولوجي والاجتماعي مازال يتمتع بقوة نسبية في العراق. وهو رصيد له موارده القوية على الصعيد المحلي والعربي والإسلامي المتمثل بالقوى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والدينية التي ارتبطت به طوال وجوده في سدة الحكم. وليست هذه القوى في الواقع سوى السبيكة الجديدة من التطرف والإرهاب التي يشكل الغلاة الجدد في العراق نواتها الفاعلة. فهي القوى التي تحاول استلهام فكرة المقدس المزيفة والجهاد المقلوب من اجل تحويلهما إلى غطاء سياسي لاستعادة البنية التقليدية وتراث الاستبداد والتوتاليتارية المنحلة.
فهي قوى لا تدرك لحد الآن الحقيقة البسيطة القائلة، بان الاستبداد مصيره الزوال. إلا أننا نعرف في الوقت نفسه، بان زواله عادة ما يثير كميات هائلة من المشاكل والمعضلات التي تقع على الأجيال اللاحقة مهمة حلها. وليس ما يجرى في العراق حاليا سوى الاستمرار«الخفي» لتقاليد الاستبداد، التي جرى إعادة إنتاجها من خلال ملابسات تاريخية هائلة، مرتبطة بطبيعة الاحتلال الكولونيالي للعالم العربي وتجزئته، وبعثرة التراكم الفكري والاجتماعي والمؤسساتي فيه من خلال الانقلابات العسكرية، وصعود الهامشية إلى السلطة، وسيادة النزعة الراديكالية. وبمجموعه أدى ذلك إلى صنع توتاليتاريات دنيوية ودينية، ليس الغلاة الجدد سوى الصيغة الأكثر همجية لها. بمعنى أنها الحالة التي تشير إلى تزاوج وتوليف التقاليد التوتاليتارية الدينية والدنيوية. وهي ظاهرة يمكن فهم آلية نشوئها وفعلها إذا أخذنا بنظر الاعتبار كون العراق البعثي الصدامي كان "كعبة" هؤلاء الغلاة الجدد، الذين اخذوا يتحسسون سقوطها التاريخي، باعتبارها خيانة تاريخية «لمقدساتهم». وليس مصادفة أن تكون ردود فعلهم عنيفة للدرجة التي تتطابق من حيث الوسيلة والغاية مع أكثر مظاهر العنف الهمجي، تماما كما تغيب صورتهم الفعلية وراء ملامح الملثمين والمقنعين، أي المختبئين وراء أغشية تمثل في رمزيتها غطاء الغيلة والغدر.
فمن المعلوم والمعروف عن التاريخ الفعلي للراديكاليات «المتنورة» و«اليسارية» هو وضع نفسها وإعلاناتها السياسية في صف واحد يرتقي إلى مصاف الاستعداد المباشر والعلني للتضحية الفردية، باعتباره أسلوب تأييدها وتوكيدها وتحقيقها للفكرة العامة. في حين يمثل الغلاة الجدد في أساليبهم احد أكثر نماذج السقوط السياسي، كما يظهر ذلك في هذا الكم الهائل من التفجيرات القاتلة في مختلف مدن العراق. وتشير هذه الممارسة أولا وقبل كل شيء إلى طبيعة الفراغ الذي صنعه زمن طويل من نفسية الاستبداد والقتل الجماعي الملازم له. وإذا كانت مختلف أساليب القتل الجماعي للمدنيين العراقيين تستهدف أساسا «الشيعة» وأماكنهم «المقدسة»، فان ذلك يشير أما إلى فقدان فكرة المقدس عند فاعليها أو تأكيدها العكسي. بمعنى اعتبار هذه الأفعال أعمالا تستمد «قدسيتها» من حيث كونها موجهة أساسا ضد الشيعة. وهي نفسية ليست غريبة على تقاليد السلفية المتشددة منذ أن أطلقت للمرة الأولى تسمية الروافض، ومنذ أن أصبح شتم الإمام علي من على المنابر جزءا من تقاليد الصلاة الأموية! وهي الحالة التي أكثر من مثلها تيار «القاعدة» أو «الجهاد في بلاد الرافدين».
وهي حالة ونموذج سوف تطرحان في وقت لاحق مهمة تحليل الأبعاد الأخلاقية في الفكر والممارسة السياسية العراقية الحالية، إلا أنها تبقى من حيث كونها ظاهرة سياسية حادة جزء من قضايا الحاضر، وبالتالي جزء من حالة الانحطاط السياسي والروحي الذي عادة ما يثير في مراحل الانعطاف الكبرى نفسية الراديكالية المتنوعة. وليست ظاهرة الغلاة الجدد في الواقع سوى النموذج الذي يمثل حالة الحراك الشرس لترهل التقاليد أو جمودها المحاصر بقيود الغيرة وحمية الإيمان التقليدي.
إننا نعرف جيدا بأن الأحداث الدموية لا تنشأ عن فراغ. بل يمكننا القول، بأنها التعبير النموذجي عن خلل هائل أما في بنية الدولة أو العلاقات الاجتماعية أو الأخلاق أو الفكر أو في جميعهم. وإذا كانت الطبيعة لا تحب الفراغ، فان الفراغ الذي صنعته السلفية على امتداد قرون عديدة يشير إلى طبيعة الخلل الهائل في بنية الفكرة الإسلامية وتقاليدها ككل. وقد برزت هذه التقاليد بكامل قوتها التخريبية في العقود الأخيرة، بعد أن تمازجت مختلف تياراتها الراديكالية في سبيكة يصعب تحديدها بشكل دقيق، إلا أنها تتميز بصعود متنام لنفسية الإرهاب والعداء الشامل لكل ما لا يستجيب لتصوراتها وأحكامها، أي لعقائدها الخاصة.
فالعناصر الجزئية للعقلانية والليبرالية التي تراكمت في مجرى القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين في الحركات الإسلامية قد أخذت بالاندثار شبه الشامل والتام مع صعود السلفيات السياسية المتشددة. ولعل من أهم مفارقات هذه "السلفية" (الأصولية) هو فقدانها للأصول بالمعنى الفلسفي والفقهي والسياسي. الأمر الذي جعل من تصوراتها في الأغلب نسيجا خشنا من العقائد والأحكام الفقهية المرتبطة بعقائد الإيمان الرتيب والسلوك المناسب له.
لقد كانت هذه الأصوليات المتشددة ردا مباشرا على هزيمة الأصوليات الدنيوية (التوتاليتارية) واستكمالا لها. وفي هذا الواقع نستطيع العثور على استعادة حية للفكرة التي بلورها ابن خلدون قبل ألف عام عن خصوصية الانتقال من البداوة إلى التمدن. إلا أن هذه الخصوصية تكشف لنا في الوقت نفسه عن بعد آخر لم يتطرق إليه، ألا وهو طبيعة الارتباط العضوي بين البداوة والسلفية الذي عادة ما يؤدي إلى إعادة إنتاج نفسية الاستبداد وفكرته السياسية في «الدولة». وهي حقيقة يمكن تأملها على أمثلة التاريخ الإسلامي ككل. فقد كانت جميع مراحل انحطاطه الثقافي مرتبطة بصعود التيار السلفي. وليس اعتباطا ألا تنتج السلفية أية منظومات فكرية فلسفية. كما انه ليس اعتباطا أن تناهض الفلسفة العقلانية والتصوف والتشيع ومختلف المدارس الإنسانية الإسلامية الكبرى من خوارج ومعتزلة وغيرهم. بمعنى سلوكها التاريخي المتأصل في العداء لإبداع العقل الرفيع والروح المتسامي والوجدان الخالص. وليس اعتباطا ألا تتعدى التصورات والأحكام العقائدية المميزة للأصوليات السلفية المتشددة القديمة والمعاصرة أكثر من اجترار جزئي لمجموعة من الآيات القرآنية والأحاديث الموضوعة (الكاذبة). إضافة إلى أن اغلبها لا علاقة له بالحياة ومتطلباتها. إذ لا يتعدى أقصى اهتمامها متطلبات الجسد والماورائيات الغارقة بزبد التمنيات والعجائب. وهي صفات يمكن فهمها على أنها النتاج الملازم لنفسية البداوة والاستبداد.
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (4)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (3)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (2)
- في نقد الراديكالية السياسية العربية (1)
- التصنيف العقلي والثقافي للفلسفة والأديان عند الشهرستاني
- الفلسفة والكلام الإسلامي في منهج الشهرستاني
- الفلسفة وموقعها في المنهج التصنيفي والبحثي للشهرستاني
- المنهج النقدي والتدقيق العلمي للفكرة الفلسفية عند الشهرستاني
- -الحقيقة العقائدية- وقلق البحث عن اليقين في الموسوعات الإسلا ...
- -الحقيقة العقائدية- وقلق البحث عن اليقين في الموسوعات الإسلا ...
- الشهرستاني ومنهج تأسيس أهمية العلم الفلسفي (2-2)
- الشهرستاني ومنهج تأسيس أهمية العلم الفلسفي (1-2)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي- (20) (المقال الأخير)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي- (19)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (18)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (17)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي(16)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (15)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي(14)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (13)


المزيد.....




- رمى المقص من يده وركض خارجًا.. حلاق ينقذ طفلة صغيرة من الدهس ...
- مسيّرة للأمن الإيراني تقتل إرهابيين في ضواحي زاهدان
- الجيش الأمريكي يبدأ بناء رصيف بحري قبالة غزة لتوفير المساعدا ...
- إصابة شائعة.. كل ما تحتاج معرفته عن تمزق الرباط الصليبي
- إنفوغراف.. خارطة الجامعات الأميركية المناصرة لفلسطين
- مصر.. ساويرس يرد على مهاجمة سعد الدين الشاذلي وخلافه مع السا ...
- تصريحات لواء بالجيش المصري تثير اهتمام الإسرائيليين
- سيدني.. اتهامات للشرطة بازدواجية المعايير في تعاملها مع حادث ...
- ليبيا وإثيوبيا تبحثان استئناف تعاونهما بعد انقطاع استمر 20 ع ...
- بحضور كيم جونغ أون.. احتفالات بيوم الجيش في كوريا الشمالية ع ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - في نقد الراديكالية السياسية العربية (5)