أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (15)















المزيد.....

المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (15)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3900 - 2012 / 11 / 3 - 10:19
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


كشف مسار الثورة الدموية في ليبيا عن طبيعة الصراع المرير بين العصيان والطغيان. كما كشف مسارها في اليمن عن طبيعة الصراع بين العصيان والخذلان. أما في البحرين فقد كشف عن طبيعة الصراع بين العصيان والحرمان. كما كشفت التجربة السورية عن طبيعة الصراع بين العصيان والزمان. أما في "ممالك الملح" فانه كشف عن طبيعة الصراع بين العصيان والرهان. ووراء كل هذه الصورة المتنوعة تتلألأ الحقيقة القائلة بوجود عصيان اجتماعي متوحد من حيث بواعثه وغاياته، وتنوع في الاستبداد. فالأخير يتخذ صيغ الطغيان والخذلان والحرمان والزمان الفارغ والرهان عليه من اجل ديمومة الحالة كما هي. بعبارة أخرى، إن السلطة في مختلف الدول "تتفنن" من اجل الاستمرار. من هنا تنوع الرذيلة، او بلوغ أنواعها المتميزة، أي أن لكل سلطة أولوية في رؤية الوسيلة الضرورية لديمومتها. ومن ثم تعكس وتعّبر عن نمط معين للنفسية والذهنية الاستبدادية. بينا الرد واحد، أي العصيان على هذه الأنماط المختلفة. وليس مصادفة أن يكون الشعار العام هو "الشعب يريد إسقاط النظام". ذلك يعني أنها لا ترى في تنوع الاستبداد شيئا غير الاستبداد بوصفه نظاما فاسدا.
إلا أن تجارب التمرد والعصيان الاجتماعي وتنوعها تشير إلى أن توسع مداها الجغرافي هو مجرد أنواع لظاهرة تاريخية كبرى. بمعنى إننا نقف أمام تباين يعّبر عن وحدة في ما حدث ويحدث وسيحدث تعبّر عن المسار العام والنتائج الأولية للثورة العربية عبر كشفها العملي عن الخلل البنيوي في النظام السياسي وانغلاق نمط الدولة الحالية، باعتبارها دولة تقليدية وبدائية. ومن ثم نهاية ما يمكن دعوته بعهد الوصاية والولاية. وسواء جرى فهم العهد على انه عهدا ووعدا او بوصفه مرحلة، فكلاهما من طينة واحدة بالنسبة لحقيقة الدولة العربية الحديثة بوصفها دولة فاشلة، أي لا حداثة فيها بوصفها منظومة متكاملة.
فإذا كان تاريخ الدولة العربية الحديثة هو مجرد زمن تقليدي او زمن راديكالي، أي منظومة حكم العائلة والقبيلة او الأحزاب العقائدية الطارئة، فان انحدارها مع كل خطوة في مجال التحديث، خطوات إلى الوراء مقارنة بحقيقة الحداثة والتطور والارتقاء المدني، اصبح أمرا "طبيعيا". وحالما تتحول طبائع الأشياء ومسارها الطبيعي إلى حالة تناقض أصول الأشياء ومهمتها ووظيفتها، فان كل ما فيها يتحول إلى نقيضها.
فالأحزاب العقائدية التي حكمت وما زال بعضها يحكم الدول العربية لم تكن أحزابا سياسية اجتماعية، أي أنها لم تصل إلى السلطة عبر الانتخاب، ولم تكن علاقتها بالدولة مبنية على أساس عقد اجتماعي وشورى للنخب الفكرية والروحية. من هنا هيمنة نمط القيادة وليس الإدارة، والعقائد وليس العلم السياسي. وهي بهذا المعنى الوجه الآخر للسلطة التقليدية (الممالك والإمارات والسلطنات). وبالتالي، فان كل منها كان يكمل الآخر. وليس مصادفة أن يكون احترابها ومؤامراتها فيما بينها الصيغة شبه المطلقة لوجودها وديمومتها وحماستها. وهذا بدوره ليس إلا الوجه الآخر لعلاقتها بالمجتمع. من هنا طابعها الطارئ الذي يبرز بجلاء في اغترابها عن المجتمع والقومية والأمة ومصالحها الكبرى والعامة. ولعل السرقة والابتزاز وتهريب الأموال إلى الخارج هو احد مظاهر هذا الطابع الطارئ والخوف من نتائجه. أنها تترقب دوما إمكانية الزوال. من هنا "تهذيبها" لمنظومة القمع فقط من اجل تأجيل وقت الهروب والرحيل. مع ما يترتب عليه من هيمنة فكرة الوصاية والولاية بوصفها الوجه الظاهري لمضمون الاستبداد. وبما أنها تحاول أن تتمثل مظاهر وصاية بلا أوصياء وولاية بلا أولياء من هنا سخافة وعقم كل ما تقوم به، ومعاداتها لأبسط قواعد الوجود الاجتماعي والدولة الحديثة. الأمر الذي جعل منها زمن الضياع الدائم، وبالتالي تخريب أسس الدولة الحديثة والتقدم الاجتماعي والفكرة القومية السليمة.
وفيما لو أجملنا مختلف مظاهر هذه الحالة الخربة على مدار القرن العشرين، فأننا نقف أمام نتيجة زهيدة جدا بهذا الصدد هي عين النكوص التاريخي للدولة والأمة، أي عين الاستهزاء والتسخيف بالطاقة والإمكانية التي يحتويها العالم العربي. فالطاقة والإمكانية الكامنة فيه، التي تجعله قادرا على أن يصبح قطبا عالميا هائلا، تحولت بأثر هذا النمط من الدولة ونظامها السياسي إلى قوة بائسة.
إن طبيعة الدولة العربية الحديثة، منافية لطبيعة الدولة والحداثة، أي لأسس وجودها الذاتية. فهي أما دولة وصاية وولاية، أو دولة سلطان وعبدان، أو دولة عائلة وعشيرة، أو دولة حريم وحرام، أو دولة ديوان وديدان، أو دولة رشوة وابتزاز. والدولة هنا تعادل معنى السلطة. بمعنى ذوبان او اضمحلال فكرة الدولة في حدود السلطة. والأخيرة مجرد تسلط وسلطان! من هنا انقلاب كل ما فيها إلى ضدها.
فالدولة هي تداول، بينما لا تداول فيها. كما أن وصايتها بلا أوصياء، وولايتها بلا أولياء. ولا تعني دولة السلطان والعبدان سوى سلطة خصي الجاه والمال، الأمر الذي جعل منها مجرد قصور مليئة بالحريم والبغاء وخاوية من كل ما يمكنه إرساء أسس الروح الأخلاقي للدولة. بحيث جعلها ذلك مجرد ديوان لديدان زاحفة! مع ما يترتب عليه من اندثار للروح الاجتماعي والوطني والقومي. من هنا طبيعة الهيمنة المطلقة فيها للعائلة والعشيرة. فهي تبدأ بأسمائها وتنتهي بألقابها! من هنا آل سعود، وآل خليفة، وآل الصباح، وآل زايد، وآل ثاني وآل قابوس! وكلها كابوس في لباس ابيض "يطّهر" نفوسها السوداء! وتقابلها بالمثل دول الاستبداد الراديكالي لدنيويات (علمانيات) مزيفة هي الوجه الآخر لهذا النمط. ولكل منها أسلوبه الخاص في الاغتراب الجوهري عن مصالح الدولة والمجتمع والقومية والمستقبل. الأمر الذي جعلها جميعا تشترك في صفات كبرى لعل أكثر جوهرية هي الاستبداد والرشوة والابتزاز. أنها دولة الرمال المتلونة، أي الفاقدة لأسسها الذاتية وقواعد ديمومتها القوية والحرة. باختصار أنها دولة بدون هوية اجتماعية، شأن البدون الكويتي. أنها دولة بلا أسس وطنية، ولا روح قومية، أي دولة بلا فكرة دولة. أما النتيجة فهي الزحف الدائم للدولة الرخوية، أي الدولة الفاشلة والمخيبة لأمال أمة كبرى! من هنا كبر العصيان الاجتماعي والسياسي في مواجهتها وتحطيمها كما لو انه لا ضرورة فيها ولا قيمة!
فالسائد في هذا النمط أو الساري في شرايين هذا النمط من الدولة هو النفط الذي جعل من كل الأشياء الأخرى توابع. مع ما يترتب عليه من إعادة إنتاج لعصبية الخيام والأغنام القديمة، أي تلك التي تضمحل فيها وتتلاشى فكرة الوحدة الاجتماعية والوطنية والقومية. الأمر الذي جعل ويجعل من "الوطنية" فيها عنصرية فجة أو "روحا" بدائية لا علاقة لها بفكرة المواطنة بالمعنى الدقيق للكلمة. من هنا انغلاقها على الآخرين وعدم قبولهم للغير. وهي حالة اقرب إلى نفسية القبلية، مع أن الأخيرة قابلة أحيانا للاختراق بسبب الغنيمة! وقد يكون أسلوب قبول "الاغيار" كمواطنين في البحرين أو ما يسمى بالتجنيس الطائفي نموذجا "عصريا" لها. أما طابعها القومي فأنه أكثر غرابة! فالعربي فيها ليس فقط غريب كالغرباء، بل ومحط شكوك ومخاوف!
ووراء هذه الحالة العنيفة والمدمرة يمكن رؤية الملامح الأولية للبنيان السياسي والاجتماعي والوطني والقومي والعقلي والروحي والأخلاقي. وقد يكون النسج الأولي للوعي الاجتماعي الذي لا يتسم بالاحتراف والإتقان، والمتحرر من زمن الأيديولوجيات والعقائد الجامدة، احد مظاهره الكبرى. أما صعود الحركات الإسلامية السياسية المتميزة بقوة العقائد الجامدة، فانه دليل إضافي على هذه الحقيقة، رغم انه يبدو مناقضا لها من الناحية الظاهرية. وذلك لأن هذا التناقض هو احد مظاهر ما ادعوه بصعود وهيمنة المركزية الإسلامية. أنها ظاهرة وأسلوب ومرحلة وحالة ثقافية وسياسية وليست بديلا شاملا. وفيها تنمو بالضرورة ويتراكم ويندثر صعود اللاهوت السياسي بوصفه الحالة الأولية والبدائية الملازمة لصيرورة الزمن الراديكالي بأثر طبيعة الانقطاع التاريخي للتراكم الطبيعي في مسار الفكرة الإصلاحية (الدينية والدنيوية) وكيفية نشوء الدولة العربية الحديثة.
إلا أن من بين أهم نتائج هذه الحالة هو الصيرورة الأولية لملامح مرجعية الحرية الفعلية والنظام العقلاني بوصفها مرجعية سياسية وفكرية كبرى. إذ تبرز ملامحها المبتسمة من وراء العيون الدامعة والأجساد المدمية لملكوت الحرية. بعبارة أخرى، أن بروز ملامح مرجعية الحرية والنظام وجوهريتها بالنسبة للوعي السياسي والاجتماعي ترتقي إلى مصاف الفرضية الكبرى للمستقبل بوصفه تاريخيا ذاتيا. وقد تجسد ذلك للمرة الأولى فيما يمكن دعوته بالمنازلة الكبرى في مواجهة منظومة الطغيان بالعصيان، والاستبداد بالحرية، والسلطة بالدولة، والعائلة والقبيلة بالمجتمع، والحاضر بالمستقبل. (يتبع...)
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي(14)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (13)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (12)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (11)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (10)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (9)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي(8)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (7)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (6)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (5)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (4)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (3)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (2)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (1)
- أعلام المسلمين في روسيا (3)
- أعلام المسلمين في روسيا (2)
- أعلام المسلمين في روسيا
- الاستشراق والاستعراب الروسي (6-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (5- 6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (4-6)


المزيد.....




- جبريل في بلا قيود:الغرب تجاهل السودان بسبب تسيسه للوضع الإنس ...
- العلاقات بين إيران وإسرائيل: من -السر المعلن- في زمن الشاه إ ...
- إيرانيون يملأون شوارع طهران ويرددون -الموت لإسرائيل- بعد ساع ...
- شاهد: الإسرائيليون خائفون من نشوب حرب كبرى في المنطقة
- هل تلقيح السحب هو سبب فيضانات دبي؟ DW تتحقق
- الخارجية الروسية: انهيار الولايات المتحدة لم يعد أمرا مستحيل ...
- لأول مرة .. يريفان وباكو تتفقان على ترسيم الحدود في شمال شرق ...
- ستولتنبرغ: أوكرانيا تمتلك الحق بضرب أهداف خارج أراضيها
- فضائح متتالية في البرلمان البريطاني تهز ثقة الناخبين في المم ...
- قتيلان في اقتحام القوات الإسرائيلية مخيم نور شمس في طولكرم ش ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (15)