أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (10)















المزيد.....

المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (10)


ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)


الحوار المتمدن-العدد: 3889 - 2012 / 10 / 23 - 14:09
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


إن اللحظات الخاطفة في تاريخ الأمم هي تلك التي ترتقي فيها الأحداث والإرادة إلى مستوى الإدراك الواعي للمستقبل. بمعنى العمل والفعل بمعايير التطور التلقائي وليس بردود الفعل المباشر على ما هو خارجي.

فالأحداث التاريخية الكبرى هي التي توجه قواها النقدية والفعلية أولا وقبل كل شيء تجاه النفس من اجل إرساء أسس تطورها الذاتي. وهي الحالة التي يتحسسها ويتلمسها ويتذوقها العالم العربي للمرة الأولى ويدركها بمعايير الجسد والروح. فإذا كان اغلب النصف الأول للقرن العشرين يدور في فلك رد الفعل على السيطرة الأجنبية (من انتداب وهيمنة وسطوة أوربية وأمريكية)، فان النصف الثاني منه تراكم بمعايير الزمن القاتل للراديكاليات السياسية والبنية التقليدية للنظم السياسية. ومن خلال هذه العملية المتناقضة كان تراكم وعي الذات الاجتماعي والوطني والقومي يشق لنفسه الطريق، شأن مياه الحياة المضغوطة تحت أحجار صماء. وإذا كان مخرجها الهائل قد بدأ مع بدايات القرن الحادي والعشرين، فان ذلك يعني بالنسبة لنا بداية القرن العربي الجديد. وهو ما يشكل مضمون اللحظة التأسيسية الجديدة بالنسبة للعالم العربي.
إننا نعثر فيما يجري الآن على صدى الصعود العربي الأول وتشكيل أسس التاريخ القومي والحضارة الإنسانية، وذلك لأنه يحتوي على معالم التلقائية الكبرى. وما بقي مجرد اجتهاد متعلق بتأسيس البدائل بالشكل الذي يجعلها ذاتية المسار إنسانية المحتوى.

إن اللحظة الكبرى في تاريخ الأمم هي التي تشق لنفسها الطريق إلى الكلمة والعبارة والمعنى. ومن ثم تجبر الجميع، كل على مقدار ما فيه من طاقة واستعداد، لتأمل ما فيها والانهماك بأشكال ومستويات مختلفة للمساهمة أما برصف الكلمات وأما بسبك العبارات وأما بتحقيق المعاني. ووراء كل منها قدر من المعاناة هو الصدى العلني أو المستتر لما في هذه اللحظة من اثر واقعي مباشر على الحياة والوعي، أو احتمال كامن فيما أطلقت عليه تقاليد الثقافة العربية عبارة "سرّ الغيب"، أي الاحتمال غير المتناهي لكمون المستقبل.

فما جرى ويجري في العالم العربي من ثوران وهيجان وعصيان وهذيان هو عين هذه اللحظة التاريخية الكبرى التي ترتقي إلى مصاف ما يمكن دعوته باللحظة التأسيسية، أي لحظة صنع التاريخ الفعلي من خلال توحيد مكوناته الطبيعية والعقلية. فالقوى الفتية والعاقلة والمثقفة عادة ما تحس فيها "شيئا ما" غير عادي. والسبب يكمن في احتواء هذه اللحظة على قدر من السرّ المحير للعقل والمنعش للقلب والوجدان. وحالما تتحول الأشياء الواقعية والمباشرة إلى "أسرار"، أو ترتقي الأحداث المباشرة إلى مصاف "السرّ" المبهر للوجدان، فإن ذلك يعني إننا نقف أمام لحظة ترتقي من حيث قيمتها بالنسبة للوعي إلى مصاف الحدس. وحالما ينتعش العقل والوجدان بقوة الحدس، فإن ذلك يعني أن تحولا كبيرا قد حدث في العقل النظري والعملي للمجتمع. وهذا بدوره ليس إلا الانبهار المميز لصعود ما دعته المتصوفة بعبارة "أنا الحق"، أي بلوغ حالة الحدس الكبرى التي تثير ما هو خارجها، لكنها لا تفعل إلا على إفناء الروح والجسد في مغامرة البقاء الحية للوجود.

إن إشكالية الفناء والبقاء في التاريخ هي إشكالية النفي الواقعي والتمثل العقلاني لتجارب الأسلاف. وبالتالي، فان كل ما تعرضت له الثورة العربية الحالية في مجراها وستتعرض، هو جزء من مسارها الطبيعي. إذ لا يمكنها بلوغ حالة النبع الفوار، أي الظهور بهيئة قوة حية وإحيائية للمسار الطبيعي والتلقائي للوجود إلا بعد مرورها في ممرات تنقية النفس والروح والإرادة والعقل الاجتماعي والقومي. فهو السبيل الوحيد والطبيعي لتنقية النفس من خبث الوجود نفسه. كما أنها الحالة الملازمة للكون والفساد.
وفيما لو أنزلنا هذه الفكرة المتسامية إلى خشونة الواقع البائس للعالم العربي الحالي، فأنها تعني أن "أنا الحق" الصاعدة فيه هي القوة الاجتماعية العاملة بمعايير الفناء من اجل بقاءه الحي في مغامرة وجوده التاريخي. فقد حولت الأنظمة السياسية التقليدية الاستبدادية العالم العربي إلى كيان لا حراك فيه، محنط شأن مومياء زين العابدين وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح والقذافي وآل سعود وأمثالهم. وبالتالي لا "أسرار" فيه مثيرة للعقل والوجدان، شأن مقابر الجهلة والسفلة!

غير أن الخيال المبدع، الذي أنتج فكرة وصورة البعث والقيامة، يكون قد أسس لمعنى اللحظة التي تنقلب فيها الأشياء فجأة بين ليلة وضحاها. والكلمة، شأن الواقع، من جذر واحد. وذلك لان "فجأة" هي الحركة السريعة والمباغتة والعنيفة للفعل "جاء". وفي اللحظات التاريخية الكبرى التي تنقلب فيها المعايير والموازين والقيم والمفاهيم لا تعني "فجأة" سوى ما تجيء به الحركة الحية للأفراد والجماعات والأمم. من هنا تحول "فجأة" إلى مفاجأة تنعش العقل بالوجدان، وتقتل الفساد بالخذلان! وفي هذه الحالة تكمن قيمة اللحظات التأسيسية الكبرى في تاريخ الأمم. وذلك لأنها تقدم مفاجأة قادرة على بعث الحياة فيما كان يبدو مواتا. ولا معجزة فيها لغير البرهنة على أن العجز عن الكمال هو عين النقص والهوان!

من هنا عادة ما تبدو اللحظة التاريخية التأسيسية مفاجأة كبرى، وذلك لأنها تعيد إنتاج حقيقة المفاهيم وإعادة دمجها وتنشيطها في نسيج الوعي الاجتماعي والقومي. وليس هذا في الواقع سوى المقدمة الروحية (العقلية والوجدانية) لنقد الذات الفعلي، أي نقد التاريخ الواقعي من اجل تصحيح مساره المستقبلي. وبالتالي، ليست اللحظة التأسيسية سوى مقدمة صنع التاريخ الطبيعي. والتاريخ الطبيعي هو تاريخ المستقبل. وليس المقصود بتاريخ المستقبل سوى التطور التلقائي عبر تكامل الدولة والنظام السياسي بالقضاء على زمن السلطة. أما مضمون التكامل هنا فهو التطور والتقدم والارتقاء بمعايير المعاصرة والحداثة، أي المؤسسة على جوهرية العلم، وديناميكية التطور الاقتصادي، ووحدة الحرية والنظام، وقيم العدل والمساواة.

وفي هذا التكامل الذاتي للدولة العربية تكمن مقدمات التكامل القومي الطبيعي. وما حدث في مختلف بقاع ودول العالم العربي لحد الآن ليس إلا المقدمة الأولية لهذا التكامل. بمعنى تكاملهم الذاتي عبر إعادة بناء الدولة والمجتمع بمعايير المستقبل.

فقد كان القرن العشرين رقما لا علاقة له بالعالم العربي. أو أن العالم العربي عاش قرنا من الزمن لا علاقة له بالتاريخ العالمي. انه قرن الانغلاق والتقوقع والتخلف والرجوع إلى الوراء. انه قرن التضحيات الكبرى والهزائم الكبرى. وذلك لأنه لم يرس أسس المنظومة الضرورية للتقدم الفعلي. كما لم ترتق معاناته بعد إلى مصاف الإدراك العقلي والعقلاني لقيمة وأهمية وكيفية تحقيق اللحظة التأسيسية بالنسبة للتاريخ القومي. لقد كان القرن العشرين وما لحقه مجرد زمن. وهكذا بإمكانه السير إلى ما لا نهاية ما لم يجر إرساء أسس اللحظة التأسيسية، أي إرساء أسس التاريخ الطبيعي والعقلي للدولة والمجتمع والثقافة. ولا يمكن بلوغ ذلك وتحقيقه دون إرساء أسس النظام السياسي الاجتماعي والعقلاني واستكمال مقوماته الحية وتجاربه الدائمة.

فإذا كان القرن العشرين بالنسبة للعالم العربي هو قرن الضياع بمقاييس المعاصرة الفعلية، فانه كان في الوقت نفسه قرن المعاناة التاريخية الكبرى، التي أخذت تشق لنفسها الطريق أخيرا في إدراك جوهرية اللحظة التأسيسية بالنسبة للدولة والأمة. وفيها تبرز بشكل فعلي بداية وعي الذات الحقيقي. مع ما فيها من تذليل أولي لصيرورته الحديثة بوصفها فعلا مغتربا، واغترابا سياسيا عن كينونته التاريخية الثقافية. (يتبع...)
***



#ميثم_الجنابي (هاشتاغ)       Maythem_Al-janabi#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (9)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي(8)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (7)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (6)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (5)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (4)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (3)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (2)
- المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (1)
- أعلام المسلمين في روسيا (3)
- أعلام المسلمين في روسيا (2)
- أعلام المسلمين في روسيا
- الاستشراق والاستعراب الروسي (6-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (5- 6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (4-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (3-6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (2- 6)
- الاستشراق والاستعراب الروسي (1-6)
- منهج الشهرستاني في الموقف من الأديان
- النقد الظاهري للدين النصراني عند ابن حزم


المزيد.....




- مراهق اعتقلته الشرطة بعد مطاردة خطيرة.. كاميرا من الجو توثق ...
- فيكتوريا بيكهام في الخمسين من عمرها.. لحظات الموضة الأكثر تم ...
- مسؤول أمريكي: فيديو رهينة حماس وصل لبايدن قبل يومين من نشره ...
- السعودية.. محتوى -مسيء للذات الإلهية- يثير تفاعلا والداخلية ...
- جريح في غارة إسرائيلية استهدفت شاحنة في بعلبك شرق لبنان
- الجيش الأمريكي: إسقاط صاروخ مضاد للسفن وأربع مسيرات للحوثيين ...
- الوحدة الشعبية ينعي الرفيق المؤسس المناضل “محمد شكري عبد الر ...
- كاميرات المراقبة ترصد انهيار المباني أثناء زلازل تايوان
- الصين تعرض على مصر إنشاء مدينة ضخمة
- الأهلي المصري يرد على الهجوم عليه بسبب فلسطين


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - ميثم الجنابي - المصير التاريخي لثورة الربيع العربي (10)